كتب : محمد حبوشة
انتهى موسم رمضان الدرامي بحلوه ومره، لكن النتيجة الطبيعية التي خرج بها الجمهور: (أنه لم تعد الدراما المصرية ساحة المنافسة الوحيدة بين نجوم التمثيل والغناء في رمضان)، إذ استطاعت الإعلانات التلفزيونية، وبشكل غير مسبوق جذب المشاهدين بأكبر النجوم المصريين والعرب، فتسابقوا على خطف الانتباه منذ الساعات الأولى من السباق الرمضاني، وبعضهم ظهر في أكثر من إعلان، بينما حذر نقاد من خطورة أن يتحول الفنان لمجرد موديل إعلانات، وبمتابعة القنوات الفضائية فى شهر رمضان نجد العجب وهو ما يحتاج منا أن نعمل العقل ونفكر فى فعل الأفضل، ومن ثم نجد أن أصبح كل المطلوب من المشاهد المصرى وهو جالس فى بيته يتفرج يشاهد كل القنوات الفضائية وفى الفواصل بين المسلسلات والبرامج المختلفة، أن يتبرع لمستشفى السرطان 75357، والمستشفى الجديدة، ومستشفي 500500 ، ومستشفى د.مجدى يعقوب لمرضى القلب، ومستشفى الحروق.
ومطلوب من المشاهد أن يتبرع بهدومه لجمعية رسالة، ويتبرع بأكله وطعامه لبنك الطعام، (ويطلع شنط رمضان)، (ويطلع ذكاة الفطر)، ويدفع ضرائب، ودمغة، وكارتات، ورشاوى، وأيضا (يوصل مواسير مياه عشان الست الغلبانة متشربش مياه بطحالب)، ويحمل أيضا (غلاء الأسعار، والبنزين، والزيت، والسكر، والرز؛ والبامبرز ،وحتى البامية)، وفى نفس الوقت يجد إعلانات تقنعه بشراء فيلا فى القطامية، ويحجز فى ماونتن فيو قبل العرض بـ 3 مليون !!، كل هذا تابعناه على شاشات القنوات الفضائية، وهو ما يحتاج منا أن نفكر خارج الصندوق الذى أمتلئ عن آخره ضيقا وقرفا مما كان يراه يوميا.
يعنى هذا أن كل شركة من شركات المحمول ممكن أن تكون قد صرفت فى رمضان فقط خلال السبع سنوات اللى فاتوا 200 مليون للدعاية وتم خصمها من ضرائبها أيضا، وهنا نطرح سؤال: أليس الأفضل لنا كمواطنين والأفضل للشركات المعلنة أن تنفق ميزانيات الإعلانات لديها فى أن تقوم هى بإنشاء تلك المستشفيات فيصبح عندنا: (مستشفى فودافون للأورام، ومستشفى أورانج للحوادث، ومركز بيبسى كولا لزرع القوقعة للأطفال الصم، ومستشفى اتصالات لأبحاث أمراض الكبد)، ويضعوا اسمهم على المستشفى وعلى تذاكر المرضى وعلى بالطوهات الأطباء وعلى علب الدواء أيضا، ويكتب لهم قصور في الجنة أو أضعف الإيمان يتم تحسين الخدمة بكل ميزانيات الإعلانات!.
ولعل طابور المسلسلات الذى لا نجد وقت لمشاهدته والذى لا يخدم قضايا المجتمع سوف يختفى من على الشاشات لأن منتجى المسلسلات يعتمدون على ميزانيات الإعلانات للشركات والجهات والجمعيات المعلنة، فضلا عن احتفاء أجور الفنانين العالية والمستفزة.. إنها مسلسلات وإعلانات بالمليارات ويخرجون علينا في الفواصل …اتبرع بجنيه!، بعد أن أصبحت الإعلانات شريك أساسي في الاحتفالية الرمضانية، مع المسلسلات والبرامج والفوازير، ننتظرها كل عام لنشاهد نجومنا المحببوبين، ونستمع إلى أغاني جميلة، وأفكار مبتكرة في التسويق، وجميعنا يعرف أن الهدف الأول من الإعلانات في شهر رمضان ليس التسويق أو رفع المبيعات، بقدر ترسيخ اسم (البراند) في أذهان أكبر كم من المشاهدين الذين يحققون في هذا الشهر الكريم نسبة مشاهدة لا تتكرر على مدار العام.
ومن أجل ترسيخ هدف (البراند) استقطبت الشركات أسماء نجوم التمثيل والغناء بطريقة استفزازية مثل : تصدر عمرو دياب سباق النجوم بإعلانين أحدثا ضجة كبيرة، الأول بأغنية (السر) وقدمها ضمن الحملة الإعلانية للبريد المصري، وكتب كلماتها (أيمن بهجت قمر)، وظهر في الإعلان وهو يجري وحده وينفذ عدداً من التمرينات، وبينما اتهم البعض الإعلان بأنه يروج لشخص عمرو دياب نفسه ونجاحه، خصوصا أنه كرر كلمة (الأسطورة) بين كلمات الأغنية، رأى آخرون أن فكرة الإعلان تشير إلى أن (البريد المصري) أسطورة منفردة ومستمرة مثل تفرد (الهضبة)، كما شارك دياب في إعلان إحدى شركات المحمول، بصوته فقط.
تامر حسني ظهر كذلك ظهر في إعلانين مختلفين؛ الأول لصالح (بنك الطعام المصري)، وهو مؤسسة خيرية، بصحبة عدد من النجوم، مثل (محمد ممدوح ودرة وهدى المفتي)، والثاني لصالح أحد المجمعات السكنية الفارهة بصحبة نخبة من النجوم؛ مثل (يسرا وإليسا ونيللي كريم وأحمد داش وهدى المفتي وأسماء جلال، ولاعب الكرة عماد متعب والمعلق الرياضي سيف زاهر وغيرهم من النجوم)، كما قدم تامر أغنية خيرية دينية أخرى ظهر فيها مع أبنائه الثلاثة (تاليا وأماليا وآدم)، وشارك (محمد حماقي) في إعلان لصالح إحدى المجمعات السكنية، وكذلك قدم (أحمد السقا وهند صبري وهشام عباس وحميد الشاعري وليلي أحمد زاهر) إعلانا لشركة إسكان عقاري
وتصدر إعلان الفنانة (ياسمين عبد العزيز مع كريم محمود عبد العزيز)، والخاص بإحدى شركات المحمول (الترند) منذ بداية عرضه، حيث صور على طريقة الأفلام القديمة، فتقمصت ياسمين شخصيات مثل (كريمة مختار) في فيلم (الحفيد)، بينما تقمص (كريم) شخصية عبد المنعم مدبولي، وأخرج الإعلان هادي الباجوري، وحقق نسبة مشاهدة عالية وجدلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالطريقة نفسها وهى العودة إلى الماضي، شاركت (منى زكي، نيللي كريم ودينا الشربيني)، في إعلان خاص لإحدى شركات المحمول الشهيرة، وقدمت النجمات الثلاث مشاهد من أفلام (سعاد حسني)، وارتدت كل منهن ملابس تشبه تصميمات (سعاد)، وقوبل العمل ببعض الانتقادات من رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
وقدم الفنان (أحمد عز إعلانين)؛ الأول مع الممثلة اللبنانية (كارمن بصيبص) لإحدى شركات المحمول، ودارت فكرة الإعلان حول خمس قصص حب، ليظهر (عز) بخمس إطلالات مختلفة، وقدم إعلانا آخر لصالح إحدى المجمعات السكنية الراقية، وكذلك قدم (كريم عبد العزيز) بصحبة طفلة إعلانا لصالح مجمع سكني ضخم، أما (روبي) فشاركت مع محمود العسيلي في إعلان لصالح شركة مصرية منتجة للأجهزة الكهربائية، واستعانت مؤسسة مستشفى سرطان الأطفال 57357 بالمطربة اللبنانية (نوال الزغبي) في إعلانها الرمضاني السنوي الخيري، والإعلان بعنوان (ألفين سلامة)، وشاركت المطربة اللبنانية يارا بصوتها في إعلان لمجمع سكني.
وفاجأ الفنان محمد منير جمهوره بوجوده في رمضان بصوته من خلال أغنية لأحد البنوك، وقدم أغنية (ريشة عمالة)، وصاحب صوته كليب للمزارعين والصيادين في أنحاء مصر، وبأول إطلالة لـ (شيرين عبد الوهاب) بعد انفصالها عن زوجها حسام حبيب، ظهرت في إعلان بنك مصري بعنوان (يا معافر)، وأحدث الإعلان صدى واسعا، حيث ظهرت شيرين وهى تجري بتفاؤل كبير، وظهر المطرب (حكيم) في إعلان لشركة ملابس قطنية وداخلية، كما ظهرت (أمينة خليل) مع الممثل (علي قاسم) في إعلان مجمع سكني، وقدمت (تارا عماد وجميلة عوض وأحمد مجدي وميرنا جميل وكريم فهمي) إعلانا لأدوات كهربائية لإحدى الشركات المصرية، وكذلك قدمت (هدى المفتي وأسماء جلال) إعلانا لأجهزة كهربائية.
ولصالح إحدى شركات الإسكان الشهيرة كانت اللبنانية (ميريام فارس) قدمت إعلانا في العام الماضي مع (آسر ياسين) وحققت نجاحاً كبيراً، أما هذا العام فشاركت في بطولة الإعلان مع المطرب (أبو، والممثل أحمد حاتم،) وتصدر الإعلان (الترند)، وأثيرت ضده حملة دفعت الشركة المنتجة لإعادة مونتاج الإعلان وحذف رقصة (ميريام) التي اتهمها البعض بأنها لا تتناسب مع طقوس رمضان وتثير الغرائز، وقدم الفنان (حسن يوسف) إعلانا خيريا لصالح (بيت الزكاة المصري)، كما قدمت الفنانتين (سوسن بدر وإسعاد يونس( إعلانين لصالح مستشفيات خيرية، بينما ظهرت الفنانة (غادة عادل) في إعلان لصالح أجهزة كهربائية.
وظني أن إقبال النجوم على الإعلانات بهذا الشكل أصبح ظاهرة تتكرر كل عام تقريبا في رمضان، وهو ما يحتاج إلى تفسير من الجهات النوط بها المسئولية تجاه الجمهور في ظل أن إعلانات رمضان لم تعد مجرد هدف تجاري بحت كما كانت من قبل، بل أصبحت منذ سنوات مع تطور التكنيك والتصوير لماراثون تنتظره الناس من العام للعام، مثل ماراثون رمضان الدرامي، وصارت كل شركة تجارية تحاول أن تجتهد لتقتنص أكبر نسبة من أهم النجوم لتحقيق رد فعل كبير وتفاعل مع الجمهور، وهذا التفاعل جعل الفنانين ينظرون للإعلانات على أنها شيء يضيف لهم جماهيرية ولا يقلل منهم، ويعتبرونها عالما مهما له جمهور كبير، والذي ما لا يحققه الفنان في عمل درامي أو فيلم قد يحققه بإعلان واحد ناجح ومميز.
لقد أصبحت إعلانات رمضان أيضا بورصة كبيرة يقيم فيها الجمهور أحسن وأسوأ إعلان، وحجم الإنفاق، ومن المنتج الإعلاني الذي نجح في جذب النجم الأهم والأضخم، وتلك البورصة الإعلانية الفنية يشارك فيها الناس بآراء يعتمد عليها، فهناك إعلانات توقف إذا اعترض عليها الجمهور، وفي هذا الصدد مرت الإعلانات بأكثر من منعطف، ففي البداية كان يتحفظون ويتهمون شركات الإعلانات بالبذخ في الإنفاق بدلا من تحسين الخدمات، ومع الوقت نسي الناس تحسين الخدمة وأولويات الإنفاق، وأصبحوا يقولون رأيهم بشكل إيجابي ويعربون عن استحسانهم، ونسي الفنانون أيضا أن الإعلانات مجرد مجال للمال فقط، وبدأوا يشعرون بأن للإعلان قيمة فنية وجماهيرية لا يستهان بها.
ربما هناك إجماعا بمواقع التواصل الاجتماعي أن إعلان (ياسمين عبد العزيز وكريم محمود عبد العزيز) من الإعلانات الجيدة، لكونه يجمع بين محتوى كوميدي وتمثيل واسكتشات، أما الإعلان الذي أثار الجدل فهو إعلان (عمرو دياب، بخاصة أنه من المفترض أن البريد المصري محدود الإمكانيات، ورأت الناس أنه كان من الأجدى تطوير خدماته للجمهور بدلا من توجيهها لجذب نجم كبير، إضافة إلى أن فنيات الإعلان ضعيفة، ولا توجد فكرة ربط أساسي ومباشر بينه والبريد، بل تم التركيز على تمجيد أسطورة عمرو دياب وكأن الإعلان (فيديو كليب مصنوع له).
أما إعلان (منى زكي ونيللي كريم ودينا الشربيني) وإحياء أغنية الربيع وتقليد شخصية (سعاد حسني) فهي محاولة استغلال غير موفقة، ودفعت لعقد مقارنة بين النجمات الثلاثة والسندريللا، وللأسف لم تكن النتيجة في صالحهن، لأن سعاد كانت مميزة وأي شخص يقترب منها تكون النتيجة ضده، وبصفة عامة فإن الإعلانات هذه السنة أقل في المستوى من حيث الإنتاج، وهى سلاح ذو حدين، فالجمهور بدأ ينظر للفنانين باعتبارهم يتربحون ويعيشون على أموال الإعلانات، ووجودهم بها أكثر من الحضور الفني في مسرحيات وأفلام ومسلسلات، وهذا لا ينفي أن هناك نجوما يقدمون إعلانات في مواسم معينة فقط.
لقد أسبح بعض النجوم يكتسبون قيمتهم الفنية عن طريق ضخامة الإعلان لشركات كبرى، حيث يحصل الفنان على وضع مميز وكبير حتى إذا تقاضى أجرا صغيرا، فوجوده في إعلان لشركات كبرى يخدمه فنيا، ويعلي من أسهمه كممثل ومن قيمته في السوق، المهم ألا يركز الفنان فقط في حسابات الإعلانات ويعتمد على أرباحها المجزية، وينسى أنه ممثل، ومع الوقت يزيد الخطر في أن يتحول الفنان لمجرد موديل إعلانات من ناحية ومن ناحية أخرى يفقد مصداقية جراء التأثير السلبي على الجمهور الذي يعاني ظروفا اقتصادية ضاغطة، ومن ثم فالأولى له أن يساهم في فتح بوابات الأمل لدى الشباب في غد أكثر إشراقا بدلا من استفزازهم برفع سقف الطموح لديهم، خصوصا ممن لايجدون فرصة عمل أو وسيلة لكسب العيش، وكل ما مضى يستلزم وقفة من جانب الجهات المعنية، وعلى رأسهم (المجلس الأعلى للإعلام) الذي يطارد بعض الأعمال الدرامية بحجة عدم انطباق الكود عليهم.. ألا يتطلب الأمر على تطبيق الكود على الإعلانات التي أصبحت شبحا يهدد وجودنا جميعا؟!.
وهناك نقطة مهمة للغاية منوط بها المجلس الأعلى للإعلام أيضا تتلخص في أنه لابد من التوقف عن الإسراف والتطويل الذي يفسد حق الجمهور في المشاهدة والاستمتاع بالأعمال الدرامية، وذلك وفق اختصاصات المجلس بحسب المادة 70 من قانون المجلس رقم 180 لسنة 2018، تعطى الحق في تحديد حد أقصى للمادة الإعلانية إلى المادة الإعلامية والصحفية في جميع وسائل الإعلام، وكان المجلس قد تلقى شكاوى كثيرة بشأن عدم تنظيم الإعلانات واعتدائها على حق الجمهور، ودخول كل القنوات في ماراثون إعلاني لا يخدم الأعمال الدرامية ولا الهدف من إنتاجها!، وهذا ما دفع المجلس للوعد بأنه سيتدخل لحماية للمشاهدين، إذا لم تلتزم القنوات من تلقاء نفسها بتقليص المساحات الإعلانية، لكن ذلك لم يحدث للأسف في موسم رمضان 2022.