كتب : محمد حبوشة
ليس هنالك من شك في أن كاميرا (كاملة أبو ذكري) لها سحرها وبريقها الأخاذ الذي يلتف النظر إلى أي عمل درامي تتصدي له، بحكم خبرتها وذكاءئها الحاد في القبض على فكرة مغايرة لما هو سائد في الدراما العربية، فعلى الرغم من أن هناك أكثر من مسلسل تعرض لممارسات (داعش) الدموية من قبل، إلا أن كاملة قررت خوض تجربة مختلفة مستندة لقصة (محمد هشام عبية)، الذي ذهب بها ومعها إلى وجهة أخرى تكشف زيف (داعش) في إقامة دولة (الخلافة المزعومة) على جناح الدم والرعب، وفي طيات الأحداث تكشف بالصورة والصوت فساد التنظيم الإرهابي من الداخل فيما يسمى جهاد النكاح والشذوذ والخمر، وغيرها من موبقات لم تتطرق لها الأعمال السابقة على مسلسل (بطلوع الروح).
(بطلوع الروح)، الذي تصدى له (انتاجيا) بجدارة وثقة المنتج الكبير (صادق الصباح) والذي قرر إتاحة كافة الإمكانات المادية بسخاء كي يخرج في أبهى صورة، ورغم العنف والدم والفساد الأخلاقي، فقد حاول المسلسل أن يجيب على سؤال (لماذا قد ينضم للتنظيمات المتطرفة بعض أبناء الطبقات الثرية التي تلقت تعليما جيدا ولا تعاني من ضيق العيش (عمر وأكرم وروح) خريجي الجامعة الأمريكية بالقاهرة نموذحا، ويسعى في ذات الوقت لتفكيك سلوكيات قادة التنظيمات المتطرفة، وفهم أسباب ميلهم للعنف والدم، ليأتي لنا (بطلوع الروح) كعمل درامي اجتماعي تشويقي يستهدف عدم الدخول في جدل ديني أو مناقشة أفكار دينية بقدر ما يتعامل مع التطرف والإرهاب باعتباره انحرافا اجتماعيا ونفسيا وسلوكيا بغض النظر عن واجهته الدينية.
ورغم أن أحدث المسلسل لاتزيد على 15 حلقة ، فإنه نجح في أن يتطرق بشكل تفصيلي إلى الحياة داخل تنظيم داعش الإرهابي، واختراقه لحياة الدواعش ومواجهة أفكارهم، وكان المؤلف والمخرجة حريصان على إظهار الشخصيات الداعشية بعيدا عن عن الهيئة الكاريكاتورية، هم أشرار وفي الوقت نفسه لديهم جوانب ضعف عديدة يجب التعبير عنها للتشديد على إمكانية هزيمتهم وكسر الصورة النمطية التي يحاولون تصديرها للعالم، وها هى كاملة أبو ذكري تهتم بجميع التفاصيل وتركز على الجزء الإنساني لشخصيات المسلسل بجانب الشق البصري البديع، ولديها طريقة خاصة في نقل المشاعر والمعلومات للممثلين من أجل خروج المشاهد بشكل صادق ومؤثر.
ويحاول (بطلوع الروح) تشريح شخصيات قيادات وعناصر داعش من النساء والرجال وإلقاء نظرة عليهم كبشر عاديين وليسوا (سوبرمان) ولديهم أهواء ورغبات وغرائز، وقد يكون انخراطهم في الأعمال الدموية لأسباب شخصية ولا ينم عن أفكار ديني، لذا كتب (محمد هشام عبية) شخصيات المسلسل بعناية بالغة مع التركيز على خلفياتهم الاجتماعية والنفسية، بينهم شخصية (أكرم) التي جسدها محمد حاتم كرجل بعيد عن الدين له شخصية مرتبكة، ورغم أنه ينتمي إلى أسرة أرستقراطية وناجح في عمله لكنه غير راض عن نفسه ويترك كل ذلك خلف ظهره ليختار الانضمام إلى داعش، وهو نموذج يبدو متعمدا للدلالة على أن هؤلاء الأشخاص يسهل تجنيدهم والتلاعب بعقولهم، ولعل شخصية (أكرم) تمثل صورة عن هذا التيار وأشخاصه المرتبكين، خصوصا في ظل الانطباع السائد بأن الإرهابيين والمتطرفين ينحدرون من بيئة فقيرة أو حصلوا على تعليم ضعيف، لكن أكرم خريج جامعة مرموقة والتحق بداعش، لأن قادة التنظيم يقتنصون أصحاب النفوس الهشة التي يسهل اختراقها والاستحواذ عليها، وهو يبحث طوال الوقت عن هدف كبير في حياته لا يجده، وعندما يتم ربط هذا الهدف أمامه بالدين والدفاع عن الإسلام يتحول إلى عجينة لينة في أيديهم.
ومن هنا فإن (بطلوع الروح) يسلط المسلسل الضوء على كيفية تجنيد أشخاص لا يمكن تصور أنهم قد يكونون متطرفين يوما ما، وهذا لا يحدث فقط في أوروبا، لكن في بلدان عربية كثيرة، وهناك أكثر من شخص كتب عقب عرض المسلسل عن حالات جرى تجنيدها بينها أشخاص ينتمون إلى طبقة اجتماعية مرفهة قتلوا بعد انضمامهم لداعش، وكانت هذه واحدة من الهموم التي شغلت بال مؤلف العمل ودار في ذهنه السؤال حول كيف يتم تجنيد ما يبدو أنهم فئات بعيدة عن الاستهداف، وتعمد المسلسل عبر شخصية (أكرم) الإشارة إلى طرق داعش في تجنيد عناصره، ثم تأتي الرمزية من خلال تركيبة شخصية (عمر الدسوقي) التي جسدها ببراعة (أحمد السعدني)، فهو نموذج للشخص الذي ينتمي إلى بيئة بسيطة ويعاني من مستوى اقتصادي متدن، لكنه مجتهد ويتحصل على منحة للالتحاق بالجامعة الأميركية، ويحاول الانتماء إلى مجتمع ثري مختلف عنه وسرعان ما يشعر بالغربة.
عمر بدا ذكيا ويتمتع بقدرات ومهارات جيدة فوجد نفسه أقرب إلى التنظيمات الدينية التي لا تظهر تطرفها في البداية، ومعها يلقى التقدير وفرصة الصعود سريعا، ويعوض عمر بانتمائه إلى التنظيمات الدينية جزءا من شعوره بالنقص حتى تأتي لحظة يشعر فيها أن وجوده في جماعة دينية لا تمارس العنف ليس كافيا، بينما هو مملوء بالغضب ضد المجتمع الذي يتعامل معه بقدر من الاستهانة فيقرر إطلاق الرصاص على هذا المجتمع، وينزح مع النازحين ليستقر به المطاف في حضن تنظيم داعش الإرهابي.
خرج أبطال العمل من حيث السمات والصورة الشكلية ومظهر اللحية والملابس بطريقة واقعية، مثل أفراد تنظيم داعش الحقيقيين، وحول كيفية رسم الصورة الشكلية للأبطال كما يقول المؤلف محمد هشام عبية: (هناك جزء أساسي شاركت به في رسم الصورة الشكلية، ودعم الخبير علاء عزمي الصورة بكثير من الأفلام الوثائقية والصور من داخل تنظيم داعش عبر فيديوهات تم تصوير بعضها خلسة من داخل الرقة، وبالتالي رصدنا بدقة ما كان يحدث، كما كان هناك دور للمخرجة كاملة أبوذكري ومصممة الملابس ريم العدل، وهما من العناصر التي أسهمت في خروج العمل بصورة جيدة، وعمل منتجو العمل على ذلك، وجرى التحضير للعمل خلال فترة تتراوح بين ثلاثة وأربعة أشهر قبل بدء التصوير، وجرى استغراق وقت طويل في المشاهدة والمذاكرة ومراجعة التفاصيل والتأكد من أن المسلسل مطابق للواقع.
صحيح أنه جرت صناعة الكثير من الأعمال عن تنظيم داعش الإرهابي على مستوى الأعمال الأجنبية، لكن ما زالت الأعمال العربية محدودة وما تم صناعته ليس بالجودة المطلوبة، كما أن معالجة الظاهرة عربيا لم يحظ بالاهتمام الكافي بعد، وهذا أحد أسباب إقدام محمد هشام عبية على كتابة هذا المشروع هو أن داعش ظهر بشكل تفصيلي ومنطقي في أعمال أجنبية عدة ولم تظهر بشكل قوي أو ملائم عربيا، ويرى أن العرب أحق بتقديمها وتحليلها لأنها ظهرت في وطننا وما زالت آثارها موجودة، ومن هنا يظهر أن الفرق بين الأعمال العربية والأجنبية (أننا أصحاب القضية ونحن الضحايا الأساسيين، بالطبع هم وجدوا من داعش عذابا كثيرا لكن في نفس الوقت أشعر دائما أن أي أحد يصنع فيلما أو مسلسلا عن المنطقة العربية، وهو من خارجها يكون لديه شيء ناقص، وهى الخلفية التاريخية والاجتماعية والتراكم متمثلا في شخص من يقوم بالكتابة والتصوير والتمثيل).
وربما أن غالبية الأعمال التي شاهدها المؤلف جيدة ومتقنة الصنع، لكن هناك جزءا ناقصا، لأن اهتمامهم – بحسب قوله – ينصب على كيفية تجنيد الأجانب والأجنبيات في داعش وليس العرب، بينما نحن العرب قد نجد جارا لنا أو شخصا نعرفه قد جرى تجنيده، وهى جزئية شغلت المؤلف، ودفعته إلى الإجابة عنها في المسلسل، ولذلك أرى أن المؤلف لم يحبذ الذهاب إلى الصورة النمطية المعتادة، مثل ما يتعلق بالسبايا وجهاد النكاح، وهى وقائع مؤلمة وموجودة بيد أنها ليست الأزمة أو أسوأ الصور التي تقوم عليها هذه الجماعات، فقد أراد التعمق في عملية تجنيد العناصر، وكيف تم القضاء على داعش كدولة، لا تزال قائمة كتنظيم وفكر ينبغي توخي الحذر منه، وكيف أن خطرها مستمر حتى الآن.
وبدت النقطة المهمة والشكل المختلف في المسلسل أنه سيكون العمل العربي الأول الذي يتناول معركة الرقة الأخيرة التي دارت رحاها بين القوات الكردية وقوات التحالف من جهة، وقوات داعش من جهة أخرى، عندما دخلوا وطردوا داعش من الرقة، وهو يظهر للمرة الأولى على الشاشة العربية ضمن عمل درامي، لكن الأجمل في (بطلوع الروح) هو ذلك الأداء المتقن من جانب (منة شلبي) التي تمثل روح هذا العمل العظيم على مستوى الشكل والمضمون والتفاعل مع الشخصية التي تجسدها، ويشاركها في الإبداع الأدائي (أحمد صلاح السعدني) في دور (عمر) الذي تولي زعامة التنظيم، بجانب إلهام شاهين في دور (أم جهاد) الذي لعبته بحرفية عالية، فضلا عن (محمد حاتم) في دور (أكرم)، وأيضا (أيمن عزب وديامان بوعبود وعادل كرم).
كاميرا (كاملة أبو ذكري) رصدت بحرفية متقنة كافة الانفعالات في تركيزها على الوجوه التي تعكس الرعب والجبروت، وتضمنت الحلقات أكثر من (ماستر سين) لكني أتوقف عند المشهد الأخير من الحلقة الأولي والذي أشعل جذوة حدة الأحداث ووضع المشاهد في حالة من الترقب والشغف نحو استكمال مشاهدة بقية الأحداث المثيرة، كما جاء على النحو التالي:
تلتقي (روح) بزوجها (أكرم) على الحدود التركية السورية بعد أن اتقفا تليفونيا على اللقاء لرؤية ابنها (سيف)، قائلة في عجلة من أمرها : سيف فين يا أكرم .. سيف فين؟.
أكرم : ممكن تهدي .. اهدي .. سيف كويس.
روح : ما تخلص يا أكرم .. سيف فين؟
أكرم : سيف مع عمر.
روح : عمر مين ؟
أكرم : عمر صاحبنا.
روح : وايه اللي ودا سيف عند عمر ؟
أكرم : أنا.
روح : ليه يا أكرم .. ليه ؟
أكرم : اهدي واسمعيني للآخر .. أنا كنت عارف ان عمر هنا في تركيا .. احنا لما قابلناه ماكنش صدفة.
روح : ما يتحرق بجاز وسخ.. ابني فين ؟
أكرم : ابنك هنا .. ابنك موجود هنا.
روج : ماشي معاك .. ابني فين .. ولو موجود أنا مش باشوفه ليه ؟
أكرم : لو عاوزها تشوفيه لازم تعدي معانا.
روح : أعدي مع مين .. انتوا مين ؟
أكرم : أنا وعمر وسيف رايحين دولة الخلافة .. عمر أساسا عايش في الرقة
روح : رقة ايه ؟
أكرم : عاصمة دولة الخلافة .. أنا وعمر وسيف رايحين دولة الخلافة .. يا روح حياتنا كلها كفر وضلال .. أنا بقالي كتير باحاول أهديكي .. أنا باصلي قدامك وانتي حتى ما بترقعاش .. أنا بطلت شرب وانتي بتنزلي تسكري مع أصحابك بتخرجي .. هناك حنكون أقرب لربنا صدقيني.
روح : انته بتقول ايه .. أنا عاوزه اشوف ابني .. وريني ابني .. عاوزه أسمع صوته.
أكرم : حتشوفيه .. عاوزه تشوفيه ؟ .. عدي معانا.
روح بسخرية مخلوطة بالخوف والرعب : خلافة ايه .. هوه انته مش بتقول بطلت مخدرات .. انته رجعت تضرب مخدرات تاني بنوع مضروب .. انته عاوز تودينا فين ؟ .. وبانفعال وفي لغة استنكارية : عاوز تودينا عند ناس بتدبح وتقتل ؟
أكرم بعصيبة وانفعال : أنا عاوز أوديكي الجنة.
روح : جنة ايه ؟ .. وديني لابني .. أنا عاوزه أشوف ابني.
أكرم : حتشوفيه.
روح : أشوفه واسمع صوته.
أكرم : حتشوفيه .. ماهو علشان كده أنا رايح هناك.
روح ببكاء حار : وديني هناك .. حاجي معاك في أي حته .. أشوفه بس.
أكرم : احنا عايشين كل حياتنا كفر .. انتي شايفه ده ؟.
روح باستسلام : ماشي .. ماشي.
أكرم يصرخ فيها مرة أخرى : أرجوك قولي فاهمه ولا مش فاهماه؟
روح في فزع أكبر : أنا مش عارفه انته مين ؟
أكرم : أنا أكرم .. أنا أكرم ياروح .. أكرم اللي باحبك وباحب ابني.
روح : انته خاطفني وخاطف ابني.
أكرم : مفيش أب بيخطف ابنه ومراته.
روح : بتحب سيف ؟
أكرم : أيوه باحبه.
روح : ابنك عيان .. معرفش انته بتعمل فيه كده ليه ؟
أكرم : ما هو علشان عيان أنا وديته هناك.
روح : أسمع صوته .. عاوزه أشوف ابني .. وديني هناك .. ممكن .. ممكن بعد إذنك ؟
أكرم : حاضر .. حاضر .. بس .. حاضر.
روح : ابني فين عاوزه أشوفه.
أكرم : أنا حاوريهولك.
روح : ماشي .. ماشي .
يفتح أكرم موبايله ويتصل بعمر قائلا : أيوه يا عمر طلع سيف عاوزأشوفه من العربية.
تنظر روح حولها وتصرخ في وجه أكرم : هوه فين .. هوه فين ؟
أكرم : في العربية .. أهوه في العربية دي.
يصرخ سيف : وديني لمامي .. وديني لمامي .. أنا عاوز مامي.
روح : تبكي عندما تراه وتسمع صوته متمتمة: يا حبيبي.
عمر يحمل سيف وهو يصرخ أنا عاوز مامي .. وعندم تجري عليه يقول : يلا أكرم يلا .. ثم يدخله في السيارة.
أكرم ينادي عليها: يلا ياروح يلا .. تتردد في البداية ، ولكنها على الفور تقرر اللحاق بهم لتبدأ رحلة العذاب.