بقلم الفنان التشكيلي الكبير : حسين نوح
حين قرأت أن مسلسل نمبر وان (المشوار) سيكون تحت قيادة المخرج القدير والمهني الواعي (محمد ياسين) توقعت عملا أتابعة واستمتع به وخصوصاً مع ممثله تذوب في تقمص الشخصية وأتابعها بعيونها المعبرة وهى من أهم أدوات الممثل الواعي، إنها (دينا الشربيني) التي تألقت من قبل في مسلسل (قصر النيل) ولعبت دور (كاميليا) بمهارة لفتت الأنظار، لقد انتظرت بشغف وجاء الشهر الكريم موسم الدراما الاستهلاكية والمصاريف الخرافية والزحام غير المسبوق والإعلانات الدخيلة والمسيطرة علي كل الدراما، تخترق بوحشية تسلسل الأحداث ونتوقف معها جميعاً احتراماً واجلالاً وقهراً.
نعم لا أحد يستطيع الاعتراض فمعظم الإعلانات هى تباين بين الأبيض الناصع لبيع القصور والعطور والمنازل شديدة الرفاهية بالملاعب وحمامات السباحة والجميلات في المولات وعلى الدرجات وفي ملاعب التنس، إنها الجنة البيضاء الحالمة والبديعة، ثم ودون سابق إنذار تأتي إعلانات السواد والاستجداء تبرع ولو بجنيه ومآسي وأمراض الغلابة في صعيد مصر والقري والنجوع وسقف خشب وصنبور مياة نظيفة، إنه حلم الضحايا وأحيانا نجد لديهم رغم الفقر جهاز تليفزيون ليشاهدو آخر ما وصلت له تفانين وتجليات الكومباوند من سيطرة الحداثة وتكنولوجيا النظافة وملاعب الجولف ومتابعة الأمان.. نعم إنها السونا بكل تفاصيلها، السخن ثم البارد جدا في چاكوزي الأثرياء، تناقض شديد القسوة وأتخيل حال الفقراء وهم يشاهدون.
والعجيب أن تختفي الأعمال التاريخيه والدينيه التي اعتقد أنها تساعد على تقبل الأبيض والأسود في إعلانات التباين في شاشاتنا الملونة، وتبدأ أحداث (المشوار) لنمبر وان، واستمتع بالتيترات البديعة واضع العمل مع أربعة اعمال أخري أشاهدها والباقي بعد الشهر الكريم، وتأتي الحلقه الأولي واستمتع بالخروج بالكاميرات إلى مناطق جديدة و(لاند سكيب) عبقري، ويبدع محمد ياسين وأصرخ: الله علي مدير التصوير، واستمتع كما يحدث مع أفلام العظيم ديفيد لين، مخرج (لورانس العرب)، و(ممر للهند)، و(ابنة ريان) لـ (سارة ميلز)، و(روبرت ميتشوم)، و(دكتور زيفاجو) لعمر الشريف.
إنه إبداع (محمد ياسين) ومعه (عبد السلام موسي) مدير التصوير، وتمر الحلقات الأولي، ثم فجأه يدخل العمل الي دائرة التوهان ولا يتحرك إلى الأمام، فقط يدور حول ما يحدث لعزة الراقصة والمغنية وقد تقمصت (ندي موسي) دورها باقتدار، وغاصت في تفاصيل الشخصيه بالملابس والحركه والأداء ومعها (أحمد صفوت) في أعظم حالاته، وظهر وجة جديد يمتلك مواصفات نجم قادم (محمد الألفي)، ولكن بعد أن تحول (مشوار نمبر وان) إلى (مشوار عزة)، وشعرت أن محمد ياسين ذهب وترك العمل وفقط يتابعه بالتليفون، وأعتقد.. بل و أكيد أنه غير موجود ولايشاهد ما يحدث ووصلنا إلى الحلقه العشرين والمسلسل يدور في فلك (مشوار عزة) بحضور (محمد رمضان) وريأكشنات وعيون (دينا الشربيني) العظيمة.
والمدهش أن (نمبر وان) حتى الآن يمثل وبشكل جيد ودون ضرب ولا قتال ولاسنج ولا بطولات هندية، فالرجل وبصدق موهوب بكل ما تحمل الكلمة ولكن (إيش يعمل النمبر وان) في الورق المفكك الطيب، مشكلة النجم أنه طيب ومحاط بكتيبة من كأنات الموافقون والمنبهرون والممصمصون لشافههم اذبهلالاً واعجاباً لكل ما يفعله النمبر وان، وتناسي النجم أن الحقيقة المؤكدة أنه لن يبقي منه إلا أعمالة على شرائط، كما فعل الكبار أمثال السير (أنتوني هوبكنز، وآل باتشينو، ومحمود المليجي وسعاد حسني وكبار المبدعين، الفنان يترك أعمالة لوحة أو كتاب أو رواية أوفيلم، أما المال والطائرات والقصور والمجوهرات فأنها لا حياة لها بل في زوال، وقد تترك فقط خلافات للورثة لو أغبياء.
يا سيدي (نمبر وان وتو وثري وفور) انظر كيف تعيش معنا حتى الآن أغاني أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم، ونستمتع بها ومعظم إبداعات العظماء.. خسارة أنت يا نمبر وان كما تقول وتدعي وتؤكد.. اتمني من الله أن يخرج هذا (المشوار) من الدائرة التي يدور فيها وينطلق للإمام، فقد خسر كثير من مشاهديه، فأنا أتابع ما يكتب عن العمل وحزين، فبالرغم من وجود مخرج عبقري أشاهد كل أعماله وأعرف قدرة ومبدعين في التمثيل والإضاءة و معظم مفردات العملية الفنية، لكنها أزمة الورق والسيناريو والسرعة في الكتابة وزحام موسم الدراما والسباق الرمضاني، وكأن المشاهدة لا تتم إلا في هذا الشهر الكريم، فيتم الاستعجال والتنازلات ويعمل الجميع حتي آخر يوم في الشهر الكريم، والنتيجة أعمال سوتيه مسلوقه ومُجهده ويظلم المبدع والمتلقي.
إنها دعوة أن تصرف تلك الأموال في أعمال تحض علي غرس قيم التصالح مع الجمال وقيم الانتماء، فالتاريخ المصري والتاريخ الإسلامي زاخر بالعظماء والمفكرين وأصحاب الفضل في غرس قيم المعرفة، و أدعو ايضا إلى التوجة للاستفاده من الزخم الروائي لكثير من الأدباء الشباب والكتاب الكبار، وأذكر أن السينما المصريه تقدمت وكانت تساعد في الدخل القومي مع القطن حين كانت تأخذ من أدب الكبار أمثال (طه حسين وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوي وإحسان عبد القدوس وثروت أباظه ويحيى حقي، فقد كانت لدينا سينما عظيمة بقدر مصر ثاني سينما بعد السينما الفرنسية.
كفانا ورش للكتابة فلا يجوز ومن الصعب أن يشارك خمسة أشخاص في رسم لوحة، وبالمثل كيف لسيناريو أن ينطلق لإلى الأمام وخمسه يشاركون في الكتابة وكل منهم يريد الاتجاه عكس الآخر، ويحدث ما نشاهده في بعض الأعمال من دراما دائرية ومستعرضة وغير منطلقة بطيئة مجرد تقليد طيب لبعض الحالات الأمريكية، وعلينا أن ندرك أن ذلك يتم من خلال منظومة مختلفة تماماً ولها قبطان واحد يدير الكتابه بحرفية ووعي غير ما يحدث في التقليد والنسخ الطيب.
يا سادة مصر تنطلق ويعمل بها محبيها بكامل طاقتهم، ولكن وكما الحياة البعض من بقايا الكارهين ونراهم على شبكات التواصل ومحطات الحقد البغيض علي دولة لها تاريخ يؤرق البعض، وكانت منارة تنير الظلام الحالك عند البعض وبقيت في النفوس رواسب فيحاربك البعض للماء والآخر للتاريخ والآخر لمجرد الحقد، إنها الطبيعه البشريه حين تقترب من طبيعه الغاب.. مصر تنطلق وتستحق.