بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد
برغم قرب انقضاء الشهر الكريم مازالت بعض مسلسلات رمضان فى مرحلة التصوير و لم ينته العمل بها !! و هى عادة تتأصل عاما بعد عام ، إلا أنه فى عامنا هذا زادت عدد تلك المسلسلات التى تأخر انتهاء العمل بها و أصبحت ظاهرة تستحق التوقف أمامها ، فهل العيب فى شهر رمضان الذى يأتى كل عام بشكل مفاجئ و لا نعرف تاريخ قدومه ؟ و إذا كانت الإجابة بالنفى فلماذا لا يتم الاستعداد قبله بشهور؟، و لماذا لا يتم التخطيط للانتهاء من التصوير قبل إذاعة المسلسل ؟.
فى الحقيقة إن معظم المنتجين يتعمدون تأخير البدء فى تصوير أعمالهم ، بالرغم من أن هذا يعرضهم لمخاطر عديدة ، ربما أدت إلى كوارث ، و لم يفكر منتج واحد فى مخاطر توقف المسلسل أثناء إذاعته فى الشهر الكريم ، و لم يتخيل أحد إمكانية وقوع مثل هذه الكارثة – فهى سابقة لم تحدث من قبل – و مادامت لم تحدث فالكل مطمئن لدعاء والديه له بالستر و عدم الفضيحة . و لم يتعظ المنتجون بعد ما حدث لأحد مسلسلات الموسم الماضى حيث أصيبت بطلته اثناء التصوير بالكورونا ، فاضطر المنتج الى تأجيل المسلسل إلى العام التالى ، و لكنه لم يتمكن من استكمال التصوير هذا العام و تحمل بذلك خسارة فادحة .
و هذا العام كاد أن يتوقف مسلسل بعد انسحاب مخرجه لعدم استطاعته الانتهاء منه ، و لكن المنتج أصر على استكمال المسلسل الذى بدأت إذاعة حلقاته ، فاستعان بمخرج ثان – و ربما ثالث و رابع – إلى جانب مخرجه الأصلى ، و اضطر إلى تخفيض طول الحلقة المتعارف عليه من 40 دقيقة ( بدون المقدمة و النهاية ) إلى نصف هذا التوقيت، و لكن هذا لم يُجدِ فاضطر المنتج إلى إعادة أجزاء من الحلقات السابقة فى بداية كل حلقة ، و كأنها لتذكير المشاهد الذى لم يكد ينسى ، و إعادة المشهد الأخير من كل حلقة كاملا فى بداية الحلقة الجديدة ، ليصل توقيتها إلى 30 دقيقة – بالكاد – بالرغم من كل هذا التحايل .
و الغريب أن بعض المنتجين يرى فى تأخير بدء التصوير أمرا فى مصلحته ، حتى لو امتد التصوير إلى نهاية رمضان ، فقد سمعت من أحد الأصدقاء المنتجين شخصيا أنه يصر على بدء التصوير قبل رمضان بثلاث شهور فقط – حتى لو كان المسلسل جاهزا قبل ذلك التاريخ – حتى يضمن سرعة العمل و قال حرفيا : لو بدأت قبل رمضان بأربع شهور أو خمسة برضه هاخلص فى رمضان ، لأن ساعتها المخرج هيقعد ( يجوّد ) و يعيد و برضه مش هيخلص بدرى !!! و تكون النتيجة الحتمية هى تدهور المستوى ، و الذى ينحدر عاما بعد عام و نمضى نبكى على ( الريادة ، و القوى الناعمة ) فنتيجة للتأخير يتم ( سلق ) الحلقات الأخيرة تمثيلا و إخراجا ومونتاجا، أو اختصار المشاهد التى قد تؤثر على دراما العمل ، و إن لم تؤثر كعادة كل المسلسلات فى المط و التطويل فبالتأكيد ستصبح الحلقات النهائية أقصر طولا مما يجب و جودتها أقل.
و يلجأ بعض المنتجين مع اقتراب الشهر الفضيل إلى الاستعانة بعدة وحدات للتصوير – و هو الأمر الذى انتشر بشدة مؤخرا – و لكن هذا الحل له مشاكله أيضا . فوحدات التصوير المتعددة تعنى أن كل وحدة لها مدير تصويرها و مخرجها مما لا يجعل للعمل ككل طابعه الخاص أو أسلوبا موحدا فى التناول البصرى . و برغم أن هذا الأسلوب متبع فى الخارج إلا أن له شروطه ، فتعدد وحدات التصوير له أسبابه الفنية مثل وجود معارك أو مطاردات أو خدع تقوم بها وحدة متخصصة ، أو أن يكون فى العمل عدة خطوط متوازية ، و لكل خط ( حكايته ) و أبطاله و مواقع تصويره ، فتقوم كل وحدة بتصوير خط معين داخل المسلسل ، على أن يتولى المخرج الأصلى للعمل تخطيط تلك المشاهد مع مديرو تصوير و مخرجى الوحدات قبل تنفيذها لضمان وحدة الأسلوب ، و يراجعها ( مونتير ) واحد لضمان دخولها فى نسيج العمل . و لكن هذا لا يحدث فى مصر ، فلا تخطيط ، و لا وحدة أسلوب ، و إنما الهدف إنجاز العمل فقط .
و قد يتوقع البعض أنه ربما تعارضت وجهات نظر المخرجين بين وحدات التصوير المختلفة ، أو ربما اختلفت توجيهاتهم للممثلين ، و لكن المتواتر عن المسلسلات حاليا أن ( التمثيل مسئولية كل ممثل )، و لهذا فلن تجد فى كثير من الأعمال التناغم المفترض بين الممثلين و الاتجاه لأسلوب واحد فى العمل ، فهذا نوع من الرفاهية لا تتحمله الظروف و الوقت و يقلل أيضا ( الأرباح ) .
و إذا كان من الطبيعى أن يبحث المنتج عن الربح و إلا توقف عن الإنتاج ، فبالتأكيد أن السعى وراء زيادة الأرباح على حساب الجودة الفنية هو خطأ فادح يؤدى لانهيار المستوى وهو السائد حاليا ، و يتمثل هذا بصورة بشعة فى لجوء بعض المنتجين إلى أسلوب غير آدمى فى التعامل مع الفنانيين و الفنيين ، فتكون عدد ساعات التصوير حوالى 20 ساعة دون دفع ( أجر إضافى ) و هو ماتفرضه قوانين العمل من بعد الثمانى ساعات الأولى ، و تكون الحجة التى يرفعها فى وجه الجميع أن المسلسل قد بدأت إذاعته و لم ينته تصويره . و على الفنان و الفنى العمل فى هذه الظروف دون شكوى أو اعتراض أو مجرد تذمر و إلا جلس فى بيته و تم إيقاف التعامل معه بقرار غير معلن و غير منشور ، و لقد حدثت بسبب هذا التعامل اللإنسانى حالات إرهاق متعددة إحداها تسببت فى وفاة أحد مساعدى الإخراج .
و لكى نكون منصفين إنه حتى فى زمن الفن الجميل حدث تأخير فى بعض الأعمال و لكنها انحصرت فى نوعيتين ، إما فى الفوازير التى كانت ( الحيل ) فيها تستهلك وقتا طويلا فى ظل معدات لم تكن متطورة كما هى الآن ، أو فى مسلسلات لها خلفية سياسية و خشى مخرجوها من مقص الرقيب فاضطروا إلى تسليم الحلقات قبل إذاعتها مباشرة ، و هناك واقعة شهيرة لمسلسل ( أظنه ليالى الحلمية ، للعظيمين اسامة انور عكاشة و اسماعيل عبد الحافظ )، حيث تم إذاعة إحدى حلقاته و فى الإعادة – فى نفس الليلة و على نفس القناة – تم حذف بعض المشاهد .
أما الجديد هذا العام فليس فقط عدم الانتهاء من تصوير المسلسلات ، و لكن المفزع هو عدم الانتهاء من تأليف المسلسل برغم قرب انتهاء التصوير ، فهناك هذا العام مسلسلين – على الاقل – مازالت الحلقات النهائية تُكتب و يتم إرسالها للممثلين والمخرج ( على الهواء )، و هناك واقعة شهيرة لممثل قدير أبلغه الانتاج بضرورة الحضور فى الغد لتصوير مشهد ( جارى كتابته ) و لم يقتنع أحد بكلام الفنان حول ضرورة تحضير نفسه للمشهد قبل التصوير بمدة كافية ، و اعتبروه ( دقة قديمة ) فالممثل من وجهة نظرهم يجب ان يكون جاهزا ( يدوس على زرار فيطلّع تمثيل ) .
رحم الله زمنا كانت المسلسلات فيه لا يتم تصويرها إلا بعد الانتهاء من كتابتها كاملة، و يجرى عليها الممثلون تدريبات قد تمتد لشهرين ثم يبدأ التصوير لينتهى فى موعد مناسب ، و لم تكن القنوات تسمح بإذاعة مسلسل إلا و قد استلمت غالبية حلقاته ، و لكن الإنتاج و القنوات الآن فى يد شركة واحدة تمرح كما تشاء بلا رقيب أو حسيب.