بقلم : محمد حبوشة
يقول ستانسلافسكي في كتابه (إعداد الممثل): عندما نخلق نخلق بتأثير الالهام وعقلنا الباطن هو وحده الذى يمدنا بهذا الالهام، ولكن لا نستطيع استخدام عقلنا الباطن إلا عن طريق عقلنا الواعى الذى يقضى على عقلنا الباطن، وللخلاص من هذه الورطة إن فى النفس البشرية عناصر معينة خاضعة للوعى والارادة ، وهذه الأجزاء التى يمكن الوصول إليها قادرة بدورها على التأثير فى العمليات النفسية غير الإرادية، وهو يقصد بذلك: إنك قد تؤدى دورك أداء جيدا، وقد تؤديه أداءا رديئا، ولكن المهم أن تؤديه أداء صادقا؛ ومعنى أن تؤديه أداء صادقا أن تؤديه أداء صحيحا، ومنتظما، ومتماسكا، وأن يكون تفكيرك وجهدك وشعورك وتمثيلك متقنا والدور الذى تؤديه؛ وهو ما يسمى بالحياة فى الدور، وليس مهمة الفنان أن يعرض الحياة الخارجية للشخصية التى يؤديها بل لابد أن يلائم بين حياته الإنسانية وحياة ذلك الشخص الآخر .
وضيفنا هذا الأسبوع في باب (بروفايل) الفنان الكبير والقدير (عبد العزيز مخيون)، هو واحد من تلاميذ (ستانسلافسكي) النجباء، فهو لا يدخل البلاتوه إلا إذا كان دراسا لكل جوانب الشخصية التي يجسدها، ومن ثم يأتي أداءه صادقا ومنتظما ومتقنا بشكل متماسك، وعادة ما يلائم بين حياته الشخصية وحياة الشخصية التي يلعبها، إنطلاقا من إيمان عميق يرسخ في داخله (إن الهدف الأساسى الذى يهدف إليه فننا هو خلق الحياة الداخلية للروح الإنسانية والتعبير عنها بصورة فنية، ولكن التعبير عن حياة باطنية ولا شعورية دقيقة لابد أن تكون لك السيطرة التامة على جهازك الجسمانى والصوتى ولا تستخدم القوالب الجاهزة التى تؤدى الى الآلية .
القرابة بين الممثل والشخص
إن أى فعل على خشبة المسرح أو شاشتي السينما والتلفزيون عند (عبد العزيز مخيون) لابد وأن يكون له ما يبرره داخليا ولا بد أن يكون فعلا منطقيا ومتصلا ببعضه اتصالات معقولة وواقعية، ولعله هنا يفهم إن كلمة (لو) السحرية حيث تعمل كرافعة تزج بنا إلى من عالم الواقع الى عالم الخيال؛ ولكى تحقق القرابة بين الممثل والشخص الذى يصوره على الممثل أن يضيف بعض التفاصيل الملموسة، ومجرد أن ترسى هذه الصلة بين الممثل وبين حياته ودوره سوف نجد أن هذا الدافع أو الحافز الداخلى، وإذا أضاف سلسلة من هذه الأغراض والأحداث الطارئة الناتجة من التجربة الشخصية والحياتية سيجد الممثل أنه من اليسير أن يؤدى ما يمكن تكليفه بأدائه على خشبة المسرح أو التلفزيون وعليه أن يقوم بدراسة دور كامل على هذا النحو لكى يحقق هذه التجربة .
الفنان عبد العزيز يدرك جيدا أن الإحساس بالصدق يتضمن فى ذاته الإحساس بما هو غير صادق، ويجب أن يكون لديكم كلا الإحساسين ولكن بمقادير تختلف باختلاف طبيعة الممثلين فبعضكم يكون إحساسه بنسبة 75% ويكون إحساسه بغير الصد 25% فقط، ثمة ممثلون يأخذون أنفسهم بالشدة – وهو واحد منهم بالتأكيد – فى التزامهم الصدق الى حد أنهم يبلغ التزامه 100% غاية القصوى التى تبلغ حد الزيف، ولهذا يحاول(مخيون) في كل أدواره أن يكون متزنا وغير متحيز، بل يلتزم منهج ضبط النفس ترتيبا على إن الممثل يشعر وهو واقف أمام الجمهور تحت الأضواء بأنه ملزم سواء أراد أو لم يرد بأن يبذل قدرا لا داعى له من الجهد والحركات التى يفترض أنها تعبر عن مشاعره، ومع هذا يبدو له أن ما يبذله ليس كافيا ويترتب على ذلك أننا نرى فائضا من التمثيل الذى لا لزوم له ، ولعلاج ذلك علينا أن نغرس بذرة الصدق التي تطرد طبقة الزيف من نفس الممثل بحيث تؤدى فى النهاية إلى اقتلاعها والحلول محلها .
ذاكرته البصرية قوية للغاية
ومن خلال مشاهداتي لكثير من أعمال (عبد العزيز مخيون) لاحظت أن ذاكرته البصرية يمكن أن تستحضر صورا باطنية لأشخاص أو أماكن أو أشياء عفى عليها النسيان، لذا فإن ذاكرته الانفعالية تستطيع أن تبعث فى نفسك المشاعر التى خالجتك من قبل، ويجب أن يكون معلوما أن الممثل ليس إما كذا أو كذا من الشخصيات المختلفة، بل إن الشخصية هو بالذات شخصيتة الداخلية وشخصيته الخارجية التى تطورت كل منها إما تطورا واضحا لا خفاء فيه وإما تطورا مبهما، وقد لا تنطوى طبيعته هو على نذالة إحدى الشخصيات أو نبالة إحدى الشخصيات الأخرى، إلا أن بذور هاتين الصفتين موجودة فى نفسه؛ لأننا نحمل فى أنفسنا عناصر الخصائص الانسانية كلها – الخير والشر – وينبغى أن يستخدم الممثل فنه ووسائل صنعته ليكثف بالطرق الطبيعية تلك العناصر التى لابد له من تطويرها حتى تصلح لدخولها فى دوره ، وهذا مايفعله (مخيون) في جل أعماله التي تعد علامات بارزة في سجل التمثيل المصري والعربي.
ويبدو لافتا للانتباه في أداء دوره لـ (مرشد الإخوان) هذه المرة على عكس المرات السابقة التي أدى فيها نفس الشخصية في أعمال أخرى مثل مسلسل (الجماعة)، إن انتباهه كممثل يتنقل باستمرار بين شيئ وآخر، وهذا التغيير المستمر فى بؤر الانتباه هو الخط المتصل، فلو أن الممثل تشبث بشيئ واحد أثناء عمل ما لأختل توازنه الروحى وأصبح ضحية فكرة ثابتة، ومن ثم فإنه سعى في (الاختيار3) إلى خلق روح إبداعية جديدة والتعبير عنها بصورة فنية، حتى أنك تخال أنه يسأل نفسه هذا السؤال: هل أحس بهذا الفعل ؟ هل ينبغى لى أن أغير أو أن أضيف شيئا إلى هذه النقطة التي حتما بدورها تصنع الخيال؟، وهذا يشير لنا بأنه كممثل قدير يجتهد في التمرينات التمهيدية التي تثير جهازه التعبيرى ليكون فعالا منجزا، وعلي قدر ما يكون الاستعداد شاقا فى الظروف تكون ملائمة التعبير عن الدور مهما كلفه من رعاية وانفق فيه من وقت .
يفهم قوانين الحركة والتعبير المسرحي
ولعله يضع في ذهنه قاعدة : (إن نوع الابداع الذى نؤمن به هو خلق وميلاد كائن جديد وهو شخص الممثل ممزوجا بالدور إنها عملية تشبه ميلاد كائن بشرى جديد)، وإذا تتبعنا كل ما يحدث فى نفس الممثل خلال الفترة التى يعيشها فى دوره أقررنا بصحة ذلك؛ فكل صورة درامية وفنية يتم ابداعها من جانب (عبد العزيز مخيون) هى شئ فريد من نوعه ولا يمكن أن يتكرر، وذلك ما يحدث فى الطبيعة عنده سواء بسواء، لذا تجده يقوم بتحرير نفسه وإبعادها عن الشروط العادية، النفسية والاجتماعية التي تطغي علي جسده، إنها تساعده علي مقاومة جميع التصرفات والقوالب السلوكية التي يفرضها المجتمع علي كل رجل وامرأة؛ مثلما تجعله يفهم قوانين الحركة والتعبير المسرحي – باعتباره مخرجا من الأساس – وحرية الجسد، كي يستطيع في النهاية أن يتكلم ببلاغة وارتياح ويصبح لديه (جسد متكلم أو حاك) بموجب (مايرهولد)، و(الجسد القابل للتمدد والاتساع)، وفقا لـ (أوجين باربا) هو جسد في حالة تمثيل مثلما يفعل (مخيون).
يهتم (عبد العزيز مخيون) بجانب التكنيك الخاص بالتكيف الذي يعد ضمن عملية إعداد الممثل لقدراته الحسية بموضوع التبني والإيمان، حيث يقصد بـ(التبني) تلك الأوضاع الجسمية التي يعمل الممثل على اتقانها لايصال المعاني ضمن الشخصية التي يؤديها، فضلا عن تبني المشاعر بأنواعها كافة، وكذلك تبني مظهر وسلوك الشخصية.
عشق العزف على الكمان وتعلمه
ولد الفنان القدير عبد العزيز صالح مخيون في مركز أبو حمص التابع لمحافظة البحيرة، وعشق العزف على الكمان وتعلمه، وكذلك عشق التمثيل، واشترك في تقديم المسرحيات في مسرح المدرسة حتى تمام المرحلة الثانوية العامة، وبعد حصوله على شهادة الثانوية العامة كان ينوي الالتحاق بالمعهد العالي للموسيقى، ولكن نصحه أحد الأصدقاء بأن يلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ويقدم على دراسات حرة في المعهد العالي للموسيقى، وبالفعل نجح في اختبارات معهد الفنون المسرحية.
بعد أن تخرج من المعهد كون فرقة مسرحية اسمها (الفلاحون)، وكانت أول أعمال هذه الفرقة مسرحية (الصفقة) للكاتب الكبير توفيق عبد الحكيم، وقدم عدد كبير من المسلسلات التليفزيونية والأفلام السينمائية، جسد دور موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب في العديد من الأعمال الفنية منها مسلسل (أم كلثوم) ومسلسل (السندريلا)، وشارك الفنان عبد العزيز مخيون في بطولة الجزأين الأول والثاني من مسلسل (ليالي الحلمية)، وقدم فيها شخصية طه السماحي، وقد حقق المسلسل نجاحا جماهيريا كبيرا، ويروي عبد العزيز مخيون كواليس تصوير المسلسل، ويقول أن مشاهده كانت دائما يتم تصويرها قبل الإفطار مباشرة وكان دائما يخشى أن يكون أداها بشكل غير صحيح ليتفاجأ بعد ذلك بإعجاب المخرج بأدائه.
ممثل سينمائي ومخرج مسرحي
الفنان عبد العزيز مخيون ممثل سينمائي ومخرج مسرحي، يقول عن نفسه: (أنا من أبو حمص بالبحيرة، طفولتى كانت سعيدة، فقد نشأت فى عائلة كبيرة تنتمى لقبيلة عربية شهيرة تسمى الجميعات، كان عمى عضو مجلسى النواب والشيوخ، وعمى الآخر عمدة القرية، وبعده تولى أبى منصب العمدة، كنت أكبر أخوتى، وكنا نعيش فى سراى كبيرة حولها أراضى شاسعة، كان أبى يهتم بالعلم واللغات ويشجعنى على ممارسة الأنشطة، وفى مدرسة بنى منشأة دمسنا، بدأت نشاط التمثيل وعمرى 8 سنوات، وفى مدرسة أبو حمص الإعدادية واصلت نشاط التمثيل وتعلمت عزف (الكمنجة) ومارست نشاط الخطابة والقاء الشعر، كما اهتم أهلى أيضا بتعليمنا صيد الطيور، ومنذ هذه المرحلة المبكرة من حياتى قررت أن أدرس التمثيل وأحترف العمل.
شارك في بطولة فيلم (الهروب) وقدم فيه شخصية الضابط سالم الذي يجد نفسه عالقا بين واجبات عمله كضابط، ونخوته تجاه أهل بلدته في الصعيد، واضطراره للقبض على صديق عمره منتصر الذي أصبح قاتلا وارتكب العديد من الجرائم، ثم قدم مسلسل (المشخصياتية)، وبعدها بعام شارك في عملين، هما فيلم (فرح زهران)، ومسلسل (القاهرة والناس)، ومن أهم أعماله السينمائية أيضا (أيام العمر معدودة، وحدوتة مصرية) مع المخرج يوسف شاهين، ومن أفلامه أيضا (الحكم آخر الجلسة، وللحب قصة أخيرة، وأجراس الخطر وباب شرق وسيدة القاهرة، نبلاء، وتحت الصفر)، وشارك بعدها في عدة أعمال سينمائية منها أفلام (الجوع، النمس، الثمن، فارس المدينة، دم الغزال، البر الثاني، إسكندرية ليه، زي النهاردة، امرأة آيلة للسقوط، المدينة، دكان شحاتة، خارج عن القانون، الكرنك، يا مهلبية يا، الكنز).
أبرز أعماله التلفزيونية
ومن أبرز مسلسلاته التليفزيونية: (الجزء الثاني من الجماعة، يونس ولد فضة، خطوط حمراء، مشرفة رجل لهذا الزمان، شيخ العرب همام، أنا وأنت وبابا في المشمش، سقوط الخلافة، الوتر المشدود، ابن الأرندلي، أبو ضحكة جنان، خالتي صفية والدير، هارون الرشيد، ليلى مراد، عم حمزة ومحمد رسول الله والنديم والطريق إلى سمرقند وناس مودرن وسفر الأحلام والشراقي وخالتي صفية والدير، وجمهورية زفتى، خيانة، أوقات خادعة، رجل طموح، أوراق مصرية، فلاح في بلاط صاحبة الجلالة، شمس يوم جديد، الدم والنار ، بدون ذكر أسماء، الكبريت الأحمر، يونس ولد فضة، شق الثعبان، اللحظات الأخيرة، زهرة عباد الشمس، أغنية الموت، جمعية الرفق بالإنسان، ألوان من الحب، أوقات مسروقه من الزمن، لالئ، دموع في عيون بريئة، الشيخ شيخة، حبيبة.
وله أعمال أخرى مثل: (شوية عيال، فيلم قصير- أمين، قيس وليلى في المدن العربية، فوازير- قيس، عالم ورق ورق ورق – فوازير، المشخصاتية – مسرحية، عيون عطية – مسلسل اذاعي، عندما يموت الخوف – مسلسل اذاعي، خروف رؤوف – مسلسل اذاعي، واقدساه – مسرحية، أغرب القضايا – مسلسل اذاعي، قضية التيليغراف، الفخ الذهبي – تمثيلية، مريض الوهم – مسرحية، بيرالد، غربة الحب – مسلسل اذاعي).
فنان من طراز خاص
رغم ظهور الفنان المصري عبد العزيز مخيون المحدود على الشاشة خلال الآونة الأخيرة، إلا أنه فنان من طراز خاص.. يحمل ملامح هادئة.. تخفى وراءها شخصية جادة لا تقبل التنازلات.. هو أيضا فنان مميز، أعماله لا تقاس بالكم، فرغم قلة أدواره، إلا أنه يضفى على كل دور مذاقا خاصا لا ينافسه فيه أحد وعدم تجسيده أدوار البطولة المطلقة، بالسينما والدراما التلفزيونية، طوال مسيرته الفنية، فإن أدواره المتنوعة تظل شاهدة على موهبته وأدائه المميز، لا سيما أنه من الفنانين القلائل الذين جمعوا بين التمثيل المسرحي والسينمائي والتلفزيوني، وأطل مخيون على الجمهور في موسم دراما رمضان 2020 عبر مسلسل (البرنس) الذي جسد فيه شخصية الأب، وفي رمضان 2022 الحالي يقدم 4 أدوار مختلفة أبرزها دور المرشد العام للإخوان من خلال مسلسل (الاختيار 3)، فضلا عن مسلسلات (جزيرة غمام) في دور (الشيخ مدين) حكيم القرية، ومسلسلي (توبة، وانحراف).
ينتمي عبد العزيز مخيون إلى حركة كفاية السياسية، وكان من ضمن المشاركين في ثورة 25 يناير، ومارس الكتابة فى (الأهرام والأخبار ودار الهلال وغيرها، وله كتاب مهم بعنوان (يوميات مخرج مسرحي في قرية مصرية )، يقول فيه : (كان هؤلاء البسطاء يعانون من ضيق الحياة، ومع ذلك كانوا ينفضون تراب العمل فى الحقل نهارا ليرددوا ويغيروا ويفكروا ويضيفوا لما كتبه عنهم (توفيق الحكيم) ليلا عند الساقية في الخلاء، وفى أيام العمل المضني تحت شمس أغسطس الحارقة وبالرغم من الإرهاق والهزال كان بعضهم يأتي في المساء على البروفة لينام على الأرض بجوارنا من أجل برهه من الراحة ثم يقوم بجسد واهن إلى المسرح)، ويضيف في نفس الكتاب: (أخيرا لقد أردت لهذه التجربة أن تقف فى الاتجاه المعاكس لانحدار المسرح المصري نحو هاوية الإسفاف وتجارة الضحك الرخيص، أردت لها مع غيرها من مسرحيات الأقاليم أن تنجرف بالمسار قليلا إلى نبع القرية، فهنا على الأقل 80% من السكان أمة لها تاريخها وتراثها وثقافتها وفنها الذي يختلف تماما عن فن المدينة المغتربة، نريد لهذه التجربة أن تقول لمحترفي الثقافة وتجار الأفكار في كل العواصم العربية يكفوا عن اللغو الباطل والدوران حول الأشياء والهرب من مواجهة الواقع فمن هند نبدأ).
أبرز لأقوال عبد العزيز مخيون :
** الحقيقة أنا لم أشهد في حياتي حالة ركود وموات للفن مثل التي نعايشها هذه الأيام، الكل مجمع على أن هناك حالة موات، ومن مدة طويلة.. منذ عدة سنوات.
** بعد رحيل الآتي أسماؤهم دون ترتيب، وأرجو ألا أنسى أحدا (محمد الطوخي – عبدالرحيم الزرقاني – حمدي غيث – عبدالله غيث – عبدالبديع العربي – إبراهيم عمارة )، كل هؤلاء من فحول الممثلين وفطاحلهم، وكانوا يأدون أداء رائعا جدا بالعربية الفصحى، وكان أيامها مسارح الدولة تقدم مسرحيات بالفصحى، لم يكن يتم تقديم مسرحية مترجمة من المسرح العالمي إلا بالفصحى.
** كان الأول الدراسة بالكتاتيب وبعدها المدارس، كان مستوى التعليم مرتفع، ونحن للأسف في مرحلة تدهور وانهيار، ونظم التعليم للأسف تدهورت وبالتالي لايوجد عندنا ممثلون قادرون على أداء اللغة العربية الفصحى.
** لا يمكن أن يكون هناك فن مسرحي دون ممثلين يؤدون العربية الفصحى، كذلك لا يمكن أن يكون هناك دراما تليفزيونية تتصدى للأعمال التاريخية إلا بوجود ممثلين قادرين على أداء العربية الفصحى، فاللغة العربية لها طعمها ولها تذوقها ولها جرسها ولها تأثيرها، والأداء التمثيلي بالفصحى هو المناسب لأداء الكلاسيكيات، واللغة عامية لاتستطيع أن توفر هذا المستوى الرفيع اللي توفره اللغة العربية.
** دراسة اللغات الأجنبية فهي مهمة جدا للممثل، وأنصح بالصبر وقوة التحمل وعدم الاستعجال على حب الظهور، فالممثل هو ابن الناس وابن المجتمع، عليه أن يأخذ من المجتمع ويعطيه.
** أحمد زكي كان ممثل منطلق ومشاعره حاضرة وجاهزة وسخنة وكان بيبقى بيني وبينه عملية أخذ وعطاء وده مطوب جدا بين الممثلين وبعض، بيبقى في تيار إحساسي وانفعالي طالع من الممثل يروح للممثل الآخر اللي في مواجهته يستقبله ويحصل تفاعلات في داخله ويرجعه تاني إلى الزميل اللي معاه.
** كل شخصية درامية لها عالم واسع، ولها علاقات متشعبة، فــ دراستي في الخارج، ودراستي في القاهرة ودراستي للموسيقى، وقراءتي وإطلاعي جعلني أحيط جيدا بعالم كل شخصية وبعلاقاتها المتسعة والمتشابكة، وأيضًا جعلني أنظر إلى السيناريو أو المسرحية نظرة كلية لا نظرة جزئية.
** نحن نمر بأسوأ فترة مر بها فن التمثيل والدراما التليفزيونية والسينما بشكل عام، إذ نرى ممثلين أصحاب مواهب محدودة ومع ذلك تُفرد لهم مساحات وأدوار بطولة وأجور عالية لا يستحقونها، وهذا راجع للحالة الاقتصادية والاجتماعية التي يمرّ بها المجتمع المصري الآن.
** دائمًا لا يكتفي الفنان ولا يرضى تمامًا عن ما قدمه، وأنا قدمت أعمالًا نجحت وحققت انتشارا وهذه الأعمال معروفة، وآخر ما أعتز به مسلسلي “الجماعة” و”الكبريت الأحمر” بجزئيه الأول والثاني، ودومًا يحلم الفنان بتقديم شخصيات وأعمال ولكن الظروف الإنتاجية لا تساعد ولا تقدم ما يُرضي هذه الأحلام.
** كنت حريصًا بشكل دائم على اختيار أدواري والتدقيق فيما يعرض علي، واستطيع أن أقول أنني أحسنت الاختيار، وهو ما يلمسه جمهوري في كل مكان، ولهذا لم أجد ما أندم على تقديمه.
** لم أترك محافظة البحيرة بشكل نهائي، ودائما كنت أتردد عليها، لكن منذ عدة سنوات بدأت أشعر بزحام القاهرة ولم أعد أتحمل الضوضاء التي لا تتوقف، لذا عدت إلى بيتي في البحيرة، وأولادي سعداء بالفكرة، وعندما أشارك في عمل فني أسافر إلى العاصمة وأعود في نفس اليوم.
** اعتذرت عن أعمال كثيرة لأن شركات الإنتاج لا تتعامل معي بشكل محترم، وبصورة تتناسب مع قيمتي وتاريخي الفني، حيث تعرض أجورا ضعيفة، وغير مسموح لي بالمناقشة، كما تجد شخصا بعيدا تماما عن تفاصيل العملية الفنية يتواصل معك. باختصار لا يتواصل المنتج أو المخرج أو المؤلف لكن عامل يتولى كل شيء.
** الجيل الجديد من النجوم يمتلك موهبة كبيرة، ومحمد رمضان فنان مجتهد ويتعامل مع زملائه بشكل رائع، لكن لو تحدثنا عن تقديم أعمال فنية لها رسالة ومهمة يجب أن نقول إن الورق هو الأساس.
** من الصعب أن أمنح نفسى لقباً، فقد اجتهدت، وأخلصت فى عملى، والجمهور هو صاحب الحكم، ولكنى عاشق لوصف الناس لى، فكثير منهم يقولون عنى (حبيب الناس) وهذا يكفى.
** بصراحة شديدة، كنت أتمنى أن أصبح «مايسترو»، فقد تعلمت العزف على آلة «الكمان»، وكنت متميزاً جداً، وتعلمت فى المدرسة وخارجها، ولكن الانشغال بالتمثيل عطلنى كثيراً عن عزف الكمان، وشيئاً فشيئاً ابتعدت عن الموسيقى، ولكنى مستمع جيد ومتذوق للموسيقى المحترمة.
** أعشق الكتابة فعلا، ولكنها تحتاج إلى وقت كبير وصبر، وعملى كممثل لم يساعدنى فى ذلك، ويجب أن يعرف الناس أننى قمت بكتابة مقالات كثيرة منذ عام 1976 فى (الأهرام، والأخبار، وروزاليوسف)، وأفكر جدياً فى جمع مقالات عمرها 40 عاماً فى كتاب كبير، وأتمنى أن ينال رضا الجمهور والنقاد.
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للفنان عبد العزيز مخيون الذي يعد واحدا من عمالقة التمثيل، حيث يمتلك كاريزما وموهبة استثنائية وأداء مميز، ويلعب في منطقة مختلفة لا ينافسه فيها أحد، ومع ذلك لا يهتم بالكم ولكنه يختار أدواره بعناية شديدة، لذا تألق في المسرح والسينما والدراما التلفزيونية، بالكثير من الأدوار والأعمال الهامة التي كتبت اسمه في سجل المبدعين ووضعته في مصاف النجوم الكبار، وهو الذي أحب الطبيعة وسماع الموسيقى الكلاسيك وخاصة تشايكوفسكى، وبيتهوفن، كما أنه أكره الزحام، وهذا هو سر عودته للحياة فى البحيرة، وسط أرضه وبين أفراد عائلته الكبيرة، كما أنه أيضا أحب رحلات السفارى فى الصحراء مع أصدقائى، ويعشق صيد الطيور، لذا فقد زار بالفعل سيوة وسيناء والواحات والداخلة والفرافرة، وخلال رحلات السفارى يعيش حياه بدائية ممتعة، يغسل فيها عقله وقلبه من التفكير والضغوط والهموم، حيث ينام فى الخيام، ويتدفأ باشعال النيران، ويغلق التليفونات، ويصطاد الحيوانات والطيور، ويأكل مما يصطاده..أطال في عمره كي يمتعنا أكثر وأكثر بروائعه التمثيلية.