فى الذكرى الـ 25 لرحيله .. نكشف سر محاولة الرئيس (خروشوف) إعادة البصر إلى سيد مكاوي !
كتب : أحمد السماحي
نحيي اليوم الذكرى الخامسة والعشرين لرحيل ملحن ومطرب عرف بشرقية ألحانه وطرب غنائه واقترابه من الأصول الشعبية للألحان العربية وانتمائه بحب شديد إلى مدرسة سيد درويش التعبيرية، ومدرسة زكريا أحمد فى الطرب، وحمل فى رأسه ذاكرة تاريخ مصر الفنى لقرنين من الزمان، هو الشيخ (سيد مكاوي) الذي أبدع في مجال الأغنية بكافة أشكالها، والذي يأتي يوم رحيله هذا العام في شهر رمضان، الشهر الذي عندما يهل علينا نتذكر على الفور المسحراتي (سيد مكاوي) الذي كان له أيضا الفضل فى وضع أساس لتقديم الأغانى الجماعية بالإذاعة فقدم للشاعر محمود حسن إسماعيل أغنية جماعية هى (آمين آمين يا رب الناس)، وللشاعر (فؤاد قاعود) أغنية مفرحة بعنوان (زرع الشراقي) التى يقول في بدايتها: (أكبر فوق عيدانك يا زرع الشراقي / دا جمالك منور يا با والخير للي ساقي).
وعندما حدث العدوان الثلاثي عام 1956 على بورسعيد قدم أغنية جماعية كانت من عيون أغانى المعركة، وهى أغنية (ح نحارب ح نحارب كل الناس ح تحارب) كلمات زميله ورفيقه دربه في الحياة وفي يوم الرحيل (صلاح جاهين) الذي قدم له أيضا فى حرب 1967 أغنيتين مهمتين جدا الأولى عقب قصف مدرسة (بحر البقر) بعنوان (الدرس انتهى لموا الكراريس) لشادية، والثانية عقب قصف مصنع (أبوزعبل) حيث قدم أغنية جماعية هى (احنا العمال إللى اتقتلوا)
فى 14 مايوعام 1964 أعطى الزعيم الخالد (جمال عبدالناصر) إشارة البدء بتحويل مجرى مياه نهر النيل، وقد شارك في الضغط على زر التفجير معه الرئيس السوفيتي (نيكيتاخروشوف)، وأول رئيس للجمهورية العربية اليمنية (عبد الله السلال)، وأول رئيس للجمهورية العراقية (عبد السلام عارف)، وأول رئيس للجمهورية الجزائرية (أحمد بن بيلا)، والرئيس السوري (شكري القوتلي)، وكذلك نخبة من رواد الفضاء الروس، ومعهم الرائدة الشهيرة (فالنتينا تريشكوفا)، والمهندس (صدقي سليمان) وزير السد العالي، وهلل المصريون فرحاً لتحويل مجرى نهر النيل وأقاموا لهذا احتفالاً كبيراً في البر الغربي لأسوان.
واستمرالحفل إلى ساعة مبكرة من الصباح، كانت سهرة أحيا فيها الفن يوما من أخلد تاريخ أمتنا، بدأ الحفل الكبير الذى نقلته الإذاعة والتليفزيون فى وقت واحد، في الساعة العاشرة مساء بمجرد وصول الرئيس (جمال عبدالناصر)، وضيوفه من الملوك والرؤساء العرب والأجانب، كانت أولى فقرات الحفل فاصلا موسيقيا قدمه أوركسترا القاهرة السيمفوني، عزفت فيه كونشرتو (عبدالوهاب)، وهى مجموعة من ألحان الموسيقار (محمد عبدالوهاب) جمعها الموسيقار الروسي (أميروف) في قطعة واحدة.
وبعد الفاصل الموسيقي قدمت فرقة (رضا الاستعراضية) لوحة غنائية إستعراضية من ألحان على إسماعيل بعنوان (قطار الثورة)، اشترك فيها (محمود رضا وفريدة فهمي)، وقد ألهب هذا الاستعراض بالألحان الحماسية المتوثبة وحركات الراقصين الرائعة المعبرة عن فرحة الشعب بهذا الحدث العظيم حماس (خروشوف) وكل الرؤساء العرب، واشتركت الفرقة الموسيقية العربية التى أنشأتها إدارة موسيقات الجيش بقيادة أحمد الحفناوي وعزفت مقطوعة موسيقية بعنوان (العيد).
بعد ذلك جاء دور الغناء فقدمت المجموعة أغنية (حنبنى السد) من كلمات الشاعر فؤاد حداد، وألحان عبدالعظيم عبدالحق، واشترك (سيد مكاوي) فى الحفل حيث غنى أكثر من أغنية منها أغنية ترحيب بأول رائدة فضائية من ألحانه و كلمات صلاح جاهين والتى يقول مطلعها:
فالنتينا فالنتينا / فالنتينا أهلا بيكي نورتينا
أهلا أهلا بالصداقة / بين واديكي ووداينا
غنوا غنوا/ غنوا لفالنتينا
فالنتينا يا حبيبة / أنتي بينا مش غريبة
كل أسوان عارفة روسي / وعارفة كلمة أسبسيبا
أسبسيبا يعنى شكرا / شكرا يعني أسبسيبا
شكرا تم السد العالي / بعد ما أسهرنا الليالي
والعمل يجمع ما بينا / الجنوبي مع الشمالي
أبن فاطمة أبن فاطمة/ وابن نينا
غنوا غنوا/ غنوا لفالنتينا
وبعد انتهاء (سيد مكاوي) من فقرته أعجب الرئيس الروسي (خروشوف) بصوته وقرر ترجمة أغنيته (فالنتينا) إلى الروسية، وفى عام 1971 اهتمت روسيا بالشيخ (سيد) وعرضت عليه علاج عينيه على نفقاتها الخاصة، وعلى أيدي أطباء روس، وكانت العقبة الوحيدة هى إيجاد متبرع بعينين أو حتى واحدة لتحقيق الأمل الذى طال انتظاره، وحاولت والدته إقناعه بمشقة بالغة أن يقبل إحدى عينيها فرفض رفضا باتا فقالت له: (وما ترضاش ليه يا سيد مش أنا يا ابني كنت السبب، خليني أصلح غلطتي، مش أنا أمك؟!) فرد عليها: (ده أنتي أمي وكل حاجة ليا في الدنيا، إنما أنتي مالكيش ذنب في حاجة، ربنا هوه اللي عاوز كده!).
وتكاتف أصدقاؤه وأسرته وكل عاشقي شخصيته وفنه لإقناعه، وتحمست سيدة الغناء العربي (أم كلثوم) للعملية، ونقلت حماسها للشيخ (سيد)، وفي الآخر وبعد جهد جهيد نجحوا في إقناعه وتمت الفحوصات فى مصر وقرر الأطباء أن الأمل كبير في عودة النور إلى عينيه، وتم استخراج جواز سفر له وواحدا لأمه المتبرعة وانتهت إجراءات الحجز على الطائرة إلى موسكو بعد تحديد المستشفى وموعد العملية، وقبل السفر بساعات قليلة قام الشيخ (سيد) بتقطيع جميع الوثائق، ورفض السفر تماما، فقد عز عليه أن يحرم أمه إحدى عينيها، لم يقبل أن يبصر عن طريق حرمانها بعض مما أنعم الله عليها، وفضل أن يظل فاقدا للبصر على أن تضحى والدته بإحدى عينيها!.. وحالت ظروف الشيخ سيد الشخصية وإنسانيته وحبه الشديد لأمه دون تحقيق ذلك، خاصة إنها هى التى قررت أن تتبرع لها بعينيها.