كتب : محمد حبوشة
لاشك أن مسلسل (فاتن أمل حربي) من الأعمال الدرامية الرمضانية فائقة الجودة على مستوى القصة والحوار والأداء التمثيلي من جانب المبدعة الكبيرة (نيللي كريم) في تخليها عن المكياج وتصديها للظلم الواقع على المراة المطلقة جراء تعنت زوج قاس وغريب الأطوار (شريف سلامة) المنطق بكفاءة في ذهابه إلى مناطق لايقبلها العقل والمنطق والدين، ومن قبل ذلك قانون الأحوال الشخصية الذي يعتريه عوار كما يتضح من أحداثالمسلسل الذي ينتمي للدراما الاجتماعية الهادفة لرفع الظلم عن المرأة المطلقة.
ربما لدى بعض الملاحظات حول الحوار الذي جاء ساذجا في بعض الأحيان، لكنه – بحسب ظني الطيب – لم يقصد في جوهره الاستهانة برجل الدين أو الاستخفاف بالقانون على تعقيداته الشائكة الذي يعصف بالكيان الزوجي في بعض مواده العقيمة التي لاتعرف الرحمة الإنسانية، ومن ثم شجعت زوج جائرا بحكم نشأته في بيئة مختلة – كما ظهر من تصرفات (الأم العدوانية/ فادية عبد الغني)، فضلا عن طبعه السيئ وأخلاقه الوضيعة في تدمير مطلقته، رغم أنها حاضنة لأولاده القصر، وقد نجح (ماندو العدل) كمخرج مبدع في استخراج المشاعر المبطنة داخل الشخصيات، والقصة هنا حمالة أوجه بحكم أن كاتبها (إبراهيم عيسي) المعروف بالجدل في مناقشة قضاياه الشائكة، والذي مالبث أن انتهى من قضية ازدراء للأديان حتى زج به في قضية جديدة، وخاصة أن الذي تصدى له في البداية (مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف) في بيانه الذي قال: إن الفن والإبداع رسالة سامية لها دورها كغيرها في تثقيف الناس وتنويرهم ونشر القيم والأخلاق فيما بينهم، وبناء جيل يعي قيمة ذاته قبل أن يدرك قيمة أوطانه، لكن أن تتحول دفة هذه الرسالة إلى تغريب المجتمع عن هويته وتشويه صورة رموزه فهو أمر ينذر بخطر مجتمعي عظيم.
وأضاف (مجمع البحوث الإسلامية) أن صناعة الوعي المجتمعي لا تقوم على مؤسسات بعينها، وإنما هى صناعة تكاملية لابد وأن يدلي فيها الجميع بدلوه، كما أن حدوث أي خلل من جانب من يشارك في هذه الصناعة إنما هو تعمد لإفسادها وضرب واضح للنتائج المنتظرة منها، وتابع مجمع البحوث الإسلامية: أن الدولة المصرية وما تقوم به من جهود في بناء الوعي وخاصة لدى الشباب في ظل ما يعانيه من تحديات فكرية خطيرة يمكن أن تعصف بكل إنجاز وتقضي على كل مكتسب إذا ترك لها المجال، فإنه يجب على الجميع أن يقدر تلك الجهود بل ويكون خير معين لها لا أن يبث سمومه عبر وسائل جماهيرية لا تفرق في تأثيرها بين مستنير يستطيع أن ينتقي ما يوجه إليه وما بين عقل أعزل بلا علم ولا معرفة يسهل أن يقع في براثن هذه الأفكار الخبيثة.
صحيح أن مجمع البحوث الإسلامية – ممثلا لمؤسسة الأزهر – استنكر تلك الحملات السلبية والموجهة بشكل خاص إلى رموز الدين وإلى الفقهاء والعلماء الذين أفنوا حياتهم في خدمة العلم وأهله، مؤكدا أن تعمد تشوية صورة رجل الدين هو سعي واضح لإسقاط القدوة في هذا المجتمع، وهو عمل من شأنه أن يدعم كل توجه يخطط لإفراغ المجتمع وتجهيله والقضاء على هويته، وهو أمر لو تعلمون عظيم، خاصة وأن تلك الحملات ثنائية الأداة إذا كانت تسعى لإسقاط قدوة من جانب فإنها تعلي من نماذج أخرى ترسخ بها قيما سلبية خطيرة ومهددة لاستقرار المجتمع، لكنه في الوقت ذاته لم يوجه تهمة ازدراء الأديان على غرار بعض طالبي الشهرة من المحامين والنقاد وبعض الجمهور على السوشيال ميديا، فقط وجه مجمع البحوث الإسلامية، دعوة صريحة للقائمين على مثل هذه الأعمال الدرامية أن يتقوا الله في أوطانهم، وأن يقدموا ما ينفع الناس فخير الناس أنفعم للناس، وأن يعوا خطورة كل رسالة كرسوا جهودهم لتضليل الشباب بها، فالمجتمع في حاجة إلى تقويم وإلى نشر السلوكيات الإيجابية وما أكثرها بل وما أعظم تأثيرها في البناء والتقدم.
وكما يتضح لنا من رأي (الأزهر) أكبر مؤسسة دينية وإسلامية ليس في مصر أو الشرق بل في العالم أجمع، فإن المسلسل لم يمس الفقه أو العقيدة أو حتى صحيح القانون، بل ناقش الظلم الواقع على المرأة المطلقة بمزج ذكي بين الواقع والخيال، وهو ما يحسب بالضرورة لمؤلفه الكاتب الكبير (إبراهيم عيسي) كأول عمل درامي له جاء كاشفا لعوار قانون الأحوال الشخصية، لذا عجبت لبعض الأقوال المتطرفة التي أدلت بدلوها في أحداث المسلسل ومهم واحدة تقول: (مشوفتش المسلسل بس من الكلام عنه فهت الغرض منه، الغرض هدم البيوت الباقية على قيد الحياة، الغرض منه ان الست تتوحش وتبقى أمنا الغولة، الغرض منه تهميش دور الراجل .. أنا بقول الراجل مش الذكر، الغرض منه أن الأسرة تصبح حالتها على صفيح ساخن، الغرض منه مش رد الحقوق لا.. بل ضياع الحقوق، الغرض منه خراب البيوت العمرانة بالأصول وتحويلها لبيوت يديرها القانون، الغرض منه إلغاء كلمة احترام من قاموس العيلة، صحيح محكمة الأسرة مليانة ستات مظلومة وصحيح ان فيه أشباه رجال وصحيح كل د.. لكن التعميم مصيبة.
ما هذا العته المنغولي النادر الذي يعيشه بعض الجمهور المصري حاليا؟ .. هل يعقل أن تبدي رأيك في مسلسل لم تشاهده؟، فعلى الأقل عليك احترم جهد صناعه، شاهد ولو بضع حلقات يمكن من خلالها تكوين وجهة نظر قائمة على أدلة وبراهين من قلب السيناريو والحوار، بدلا من أن تنساق في قطيع مصاب بعمى القلب والبصيرة ومن ثم لايعلم وجهته إلى .. أنها مهزلة حقيقية، ومن جوانب الترجيديا التي ترقى لمستوى الملهاة أنه أصبح يحق لطالب الشهرة مثل (المحامي) الذي يرقص على أنغام التناقض دائما أن يقيم دعوى (حسبة) على مسلسل لم يتهمه الأزهر بازدراء الأديان، وكأنه حامي الدين الذي له بألساس رب يحميه وأزهر يدافع عنه.
لقد ذهب (هذا المحامي الغر) بخياله الطامح نحو تحقيق الشهرة ليس إلا إلى قوله في أسباب تقدمه بدعوى قضائية مرتديا عباءة الناسك: (بدل ماتدوروا على قوانين جديدة اهتموا بالتربية والعرف والأصول من البداية، وليه ميتعملش أصلا عمل فنى يعلم فيه البنات والشباب حسن اختيار الشريك !؟، ليه منعلمش بناتنا وشبابنا ان الحياة الزوحية مش كلها شهر عسل ووردى وانها علشان تستمر لازم اجتياز التحديات الكبيرة اللى حنواجهها !؟ ..كفاكم هدم باسم الفن .. كفانا خلق أجيال مشوهة).
المحامي الذي أصر على عدم ذكر اسمه قال في دعواه: إن أحداث العمل تدور حول قانون الأحوال الشخصية، حيث تعمد المبلغ ضده تشويه صورة علماء الأزهر وأظهار رجل الدين بمظهر الجاهل وتشويه سمعته، كما يتعدى المسلسل على الثوابت الدينية ونشر السلوكيات السلبية والتي من شأنها أن تؤثر في المجتمع وترسخ القيم السلبية التي تهدد استقراره، مما دعا مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف إلى الرد عليه، وأضاف البلاغ أنه مما لا شك فيه أن حرية الاعتقاد مكفولة بمقتضى الدستور، إلا أن هذا لا يبيح لمن يجادل في أصول دين من الأديان أن يمتهن حرمته أو يحط من قدره أو يزدريه عن عمد منه، فإذا ما تبين أنه إنما كان يبتغى بالجدل الذي أثاره المساس بحرمة الدين والسخرية منه فليس له أن يحتمي من ذلك بحرية الاعتقاد.
وأشار إلى أن المسلسل يعد يقع تحت جريمة استغلال الدين في الترويج لأفكار متطرفة المنصوص عليها في المادة (98) من قانون العقوبات، كما أنه يخالف نصوص القانون والدستور والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 180 لسنة 2018 وخالف نصوص المواد أرقام 17 و19، وذلك بنشر أفكار تتعدى على القيم الدينية وكذلك لم يلتزم بأحكام ميثاق الشرف المهني والوسيلة الإعلامية وآداب المهنة وتقاليدها، واختتم بلاغه بأن ما قام به المبلغ ضده يشكل أركان جريمة ازدراء الدين الإسلامي، وألتمس التحقيق في البلاغ وتقديم المبلغ ضده للمحاكمة الجنائية العاجلة طبقاً لنص المادة 98 من قانون العقوبات المصري.
وهنا أتساءل ألم يقرأ (هذا المحامي) رد مجمع البحوث الإسلامية ويعي الرسالة الإيجابية التي جاءت في بيانه حين حذر فقط ولم يوجه اتهاما صريحا بازدراء الأديان، وأعجب لتحرضه المجلس الأعلى للإعلام بالتدخل طالما المسلسل خالف نصوص المواد أرقام 17 و19، وذلك بنشر أفكار تتعدى على القيم الدينية وكذلك لم يلتزم بأحكام ميثاق الشرف المهني والوسيلة الإعلامية وآداب المهنة وتقاليدها، مع أن المجلس لم يشر من قريب أو بعيد إلى تلك المخالفات، فقط هو يسير على درب الشهرة باختلاق قضايا ربما تبدو خلافية لتحقيق حتمية وحبكة يبنى عليها العمل الدرامي، وظني أنه بعيد كل البعد عن فهم فنيات العمل الدرامي الذي يتطلب الإثارة والتشويق، حتى ولو كان يستهدف تغيير قوانين أو مناقشة أفكار تستند إلى رأي الفقهاء فيها.
ومع كل ما مضى ظني أن التراشق المتبادل بين المحامي المثير وشركة العدل جروب يصب حتما في مصلحة المسلسل، حيث يقدم دعاية مجانية تحرض الناس على القيام بالمشاهدة المكثفة، ومن هنا أشيد ببلاغ (شركة العدل جروب) الذي وجهته للسيد المستشار النائب العام قائلة: المسلسل يستهدف مناقة إحدى قضايا الأسرة التي تعتبر الخلية الأساسية في صلاح ونھضة أي مجتمع، وذلك بغرض إلقاء ضوء كاشف على تلك المشكلات للوصول إلى حلول اجتماعية مناسبة لحركة المجتمع بما لا يتناقض مع الثوابت الإسلامية المقررة شرعا والمتفق عليھا بإجماع ، ويواكب ھذا المسلسل ويتفق مع توجه الدولة المصرية التي تسعى جاھدة خلال الآونة الأخيرة إلى طرح العديد من المبادرات والتعديلات التشريعية بھدف تنقية البنية التشريعية الوطنية من نصوص القوانين التى تمثل عقبة كؤود ضد حصول المرأة على حقوقھا كاملة وبصفة خاصة الحقوق الزوجية وحقوق الأطفال.
ولما كان موضوع مسلسل (فاتن أمل حربي) وھو من تأليف الكاتب الكبير إبراھيم عيسى، يتناول في قالب درامي مسائل الزواج والطلاق في المجتمع المصري وما يتصل بھا من مشكلات قانونية واجتماعية تتعلق بحقوق الزوجة المطلقة وحضانة الأطفال ومسكنھم ورؤيتھم ونفقة المطلقة ونفقة الأولاد من مأكل وملبس وخلاف ومصروفات الدراسة خلال مراحل التعليم، وغير ذلك من المسائل ذات الصلة التي يحكمھا قانون أحوال الشخصية المصري رقم 25 لسنة 1920 الخاص بأحكام النفقة والقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية والمعدلان بالقانون رقم 100 لسنة 1985، الذي التزم فيه المشرع المصري بأصول ومبادئ الشريعة الإسلامية الغراء القطعية الثبوت والدلالة، كما استلھم المشرع في تنظيمه لأغلب المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية من المذاھب الفقھية الأربعة، الاجتھادات المختلفة دون التقيد بأي مذھب من ھذه المذاھب .
وطبيعي والوضع كذلك أن يعرض الكاتب خلال حلقات المسلسل بعض الآراء والأفكار والمقترحات ذات الطبيعة التنويرية التي تدعو المؤسسات الرسمية بالدولة إلى ضرورة تعديل بعض الأحكام المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية المطبقة حاليا لمواكبة التطورات التي استجدت في حياة المجتمع المصري.
ولما كانت شركة (العدل جروب مالتي ميديا) من الشركات الرائدة وذات السمعة والمصداقية في مجال إنتاج الأعمال الدرامية، لذا كانت شديدة الحرص على التأكد من أن الآراء والأفكار والمقترحات التي يتضمنھا المسلسل لا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية من المذاھب الفقھية والاجتھادات المختلفة الجديرة بالاعتبار دون مصادرة أي حق مقرر قانونا لأي فرد من أفراد الأسرة، ومن كونھا لا تنطوي على إساءة لأي من المؤسسات الدينية الرسمية والرموز الدينية الرسمية والفقھاء وفي نطاق الحريات المكفولة بالدستور.
لذلك فقد اتفقت شركة العدل مع العالم الكبير (د. سعد الدين الھلالي) أستاذ الفقه المقارن المتفرغ بجامعة الأزھر، وعضو المجلس القومي للمرآة، وعضو المجلس الأعلى للثقافة، وعضو نقابة المحامين المصرية، على أن يتولى مھمة المراجعة الفقھية للمسلسل ، وذلك بغرض التأكد من أن ما يطرحه المسلسل من آراء وأفكار ومقترحات مباحة ومقبولة رغم ما يمكن أن تثيره من جدل، وتتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء، ولا تصادرأي حق مقرر قانونا لأي فرد من أفراد الأسرة، ولا تمثل أي إساءة لأي من المؤسسات الدينية الرسمية والرموز الدينية الرسمية والفقھاء وفي نطاق الحريات المكفولة بالدستور، وكذلك عھدت الشركة للأساتذة: د. محمد الغمري المحامي بالنقض والدستورية العليا، وسمير الباجوري المحامي بالنقض والدستورية، ونھاد أبو قمصان المحامية بالنقض والدستورية العليا مهمة المراجعة القانونية للمسلسل، لتفادي وتدراك أية مشكلات أو أخطاء قانونية بالمسلسل .
ونظرا لطبيعة وأھمية الموضوعات والقضايا الاجتماعية والأفكار المثيرة للجدل التى يتناولھا ھذا المسلسل بشكل واقعى وموضوعى، فقد أثار حفيظة البعض من أنصار نظرية (الھدم)، فحاولوا النيل من ھذا المسلسل ومؤلفه والمشاركين فيه والقائمين بانتاجه، حيث فؤجئت (الشركة المنتجة للمسلسل) بسيل من الأخبار المتداولة عبر الوسائط الإعلامية بداية من يوم 13 أبريل 2022 تفيد قيام المشكو في حقه بتقديم – يقصد المحامي – بلاغ إلى سيادة المستشار النائب العام، ضد مسلسل (فاتن أمل حربي) والمسئولين عنه اتھمھم فيه كذباً وبھتانًا بجريمة ازدراء الأديان وطلب عقابھم بنص المادة 188 من قانون العقوبات .
وأكدت العدل جروب محذرة في دعواها: إن ذلك كله يمثل تھديدا صريحا لحياة فريق عمل مسلسل (فاتن أمل حربي)، ويعد تحريضا صريحا من المشكو فى حقه على ممارسة العنف ضدھم أو محاولة قتلھم باسم الدين والدين منھم براء، وذلك مثلما حدث بالفعل في دعوات جاھلية مماثلة تلقفھا بعض المتطرفين فاغتالو الكاتب فرج فودة، وحاولوا اغتيال الكاتب الكبير نجيب محفوظ، والكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد ، واغتالوا بالفعل الشيخ حسن شحاتة، الأمر الذي يضع المشكو في حقه تحت طائلة المواد 40 و 230 و 234 و235 من قانون العقوبات.
أن رسالة الأديان السامية بالأساس هى رسائل رحمة وسلام للعالم كله، كونها داعما لحوار الحضارات إلى كونها سبيلا لصدام هذه الحضارات، ومن كونها جاءت عصمة لدماء الناس وأعراضهم وأموالهم إلى كونها وسيلة لسفك الدماء وانتهاك الأعراض ونهب الأموال، وكما هو معلوم فإن جميع الشرائع السماوية اتفقت وأجمعت على هذه القيم الإنسانية السامية، ومن خرج عليها فإنه لم يخرج على مقتضى الأديان فحسب، وإنما يخرج على مقتضى الإنسانية وينسلخ من آدميته ومن الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، وأعتقد أن مسلسل فاتن أمل حربي لم يخرج على مقتضى الإنسانية، بل أنه يحفاظ عليها عندما تصدى لرفع الظلم عن المرأة المطلقة.