بقلم : سامي فريد
سيظل السر (في بير) كما يقولون.. والسر حافظت عليه أمينة رزق منذ عام 1930 وحتى وفاتها عام 2003، لكنها كانت البرقية التي صنعت منها نجمة النجوم!!
مشوار طويل طويل بطولة عمرها منذ ولدت في طنطا بمحافظة الغربية عام 1910 ثم انتقال الأسرة إلى القاهرة لظروف عمل الوالد والإقامة في حي روض الفرج..
كانت الفتاة الرقيقة الخجولة أمينة رزق هى الصديقة الحميمة لخالتها أمينة محمد.. أو نستطيع أن نقول أن الخالة أمينة محمد هى التي كانت تصحب معها ابنة شقيقتها أمينة رزق الي ملاهي ومسارح حي روض الفرج في فترة الصيف عندما تغادر فرقتي نجيب الريحاني وعلى الكسار شارع عماد الدين شارع الفرق المسرحية المتعددة!، رمسيس وفاطمة رشدي وعزيز عيد وسليم عطا الله وزطي عكاشة وسلامة حجازي وغيرها..
عن ذلك الزمان تقول أمينة رزق أن فترة ازدهار المسرح في مصر كانت بين سنوات 1930 حتى عام 1937 حيث شهدت الحركة الفنية في مصر في تلك الفترة نجوما كبارا مثل زوز اليوسف وفاطمة رشدي وسعيد خليل.
وكانت له فرق مسرحية أيضا لحسين رياض وفتوح نشاطي ومنيرة المهدية (السلطانة) وزكي طليمات، ثم توالت الأجيال والقامات الفنية بعد ذلك جيلا بعد جيل فانضمت إليها أسماء مثل حسن فايق ومحمود المليجي وأنور وجدي وبهيجة حافظ وغيرهم..
لابد إذن أن نحكي الحكاية منذ بدايتها حتى أنها حكاية على بساطتها غريبة كل الغرابة كما سنري.
اقنعت الخالة أمينة محمد ابنة شقيقتها أمينة رزق البنت الخجولة قليلة الكلام بأن تتقدما إلى فرقة علي الكسار بغرض أن ينضما إليها.. لكن علي الكسار ينظر الي الفتاتين وهما في مرحلة الطفولة قائلا وهو يضحك: يابنات دي مسرح.. مش مدرسة أطفال.. تعالوا السنة الجاية والا اللي بعدها وبعدين نشوف.. يالله.. مع السلامة.
وخرجت البنتان كسيفتان لكنهما لم تفقد الأمل فتتقدمان إلى مسرح رمسيس (هكذا خبطة واحدة) وفي مسرح يوسف وهبي عميد المسرح العربي تحدث المفاجأة.. فأبو حجاج لا يرفض البنتين فيضمنهما إلى فرقته في المشاهد الصامتة أو مع المجموعات ان احتاج العمل.
وتقول أمينة رزق عن مسرح رمسيس إنه كان مسرحا فاخرا.. في أعماله وكلها من المسرحيات المترجمة الراقية مثل (الدفاع وراسبوتين) وغيرها، أما باقي فرق شارع عماد الدين وكان الشارع يشغي بهم فكانت تقدم الأوبريتات الغنائية أو الهزلية..
وتضيف أمينة رزق أن الملاحظة الهامة والتي لفتت نظرها إلى مسرح رمسيس (وكان مكان مسرح الريحاني اليوم) فهو روعة الديكورات والستائر وفوق كل المقاعد وانضباط المواعيد والعمل.
في هذا المسرح وعلى خشبيته لعبت أمينة رزق وهى طفلة دور البنت صغيرة في مسرحية راسبوتين فانتبه أبو حجاج إلى أدائها والتزامها بكل كلمة قالها.. ثم لعبت ورد صبي صغير وبعده دور حبيبة بعد أن تقدمت عدة أعوام من عمرها فأسند إليها يوسف وهبي بعض الأدوار الثانوية المساعدة لتبدأ موهبتها في الظهور وأمام بطل الفرقة يوسف بك نفسه!
لكنها تقول أن مسرحية أولاد الذوات (ولها حكاية) لابد أن نحكيها كانت هى الطريق المفروش بالورود أمامها لتنتقل مع يوسف وهبي إلى السينما حين قدم يوسف وهبي المسرحية في فيلم سينمائي بنفس الاسم من بطولة أمينة رزق بطلة فرقة رمسيس وأمام يوسف وهبي لتلعب بعد ذلك أدوار الأم بمختلف أشكالها من الأم الطيبة إلى الأم القاسية أو الفقيرة أو الغنية، والأفلام التي جسدتها شخصيات الأم التي لعبتها أمينة رزق كثيرة في السينما والمسرح أيضا نذكر منها (بنات وضابط) مع أنور وجدي ونعيمة عاكف و(بائعة الخبز) حتى لعبت أمام شويكار وفؤاد المهندس دورها في مسرحية (أنها حقا عائلة محترمة)، وهو ما يؤكد أنها كانت تستطيع أداء الأدورا المختلفة من كوميدية أو تراجيدية بنفس الكفاء والاقتدار..
ولابد هنا أن نذكر أن خالتها التي عرفت عن طريقها طريق المسرح كانت قد انسحبت من الوسط الفني كله لتتركه إلى بطلته الحقيقة أمينة رزق..
لكن ما هو السر الذي دفع بفتاة خجولة من الأدوار الثانوية والمساعدة إلى البطولة المطلقة في أول أعمالها المسرحية الكبرى (بجد) وهى مسرحية (أولاد الذوات) لتدخل عن طريقها أمينة رزق عالم السينما بنجاح؟!.
بدت الحكاية غريبة يحوطها تكتم شديد، لم تفصح أمينة رزق حتى يوم وفاتها بما حدث فيه ولا سببه، وظل السر بينها وبين أبو حجاج.. قاله لها أو تكتمه..
كانت البداية برقية من إيطاليا حيث يوسف بك مع النجمة وقتها بهيجة حافظ وهى شاعرة وممثلة وموسيقية أيضا.. كانت بصحبة يوسف وهبي في إيطاليا لتسجيل حوار المسرحية على ماكينات الصوت في أحد ستوديوهات روما..
لكن مسرح رمسيس يفاجأ ببرقية عاجلة من يوسف وهبي يطلب فيها أمينة رزق، ولم تكن قد تجاوزت العشرين من عمرها لتقابله في ميناء الأسكندرية حيث حدد لها موعد وصول الباخرة التي يستقلها من إيطاليا إلى الأسكندرية..
وفي الموعد الذي حدده لها يوسف وهبي كانت أمينة رزق على رصيف الميناء تنتظر يوسف بك لتعرف منه شيئا أي شيء عما حدث، ولماذا استبعد بهيجة حافظ وكانت نجمة معروفة ومتألقة..
ويعلم الله هل أفضي يوسف وهبي إلى تلميذته التي راعى طفولتها في مسرحية حتي ليسند إليها فجأة بطولة المسرحية فيما يمكن أن نسميه بمجازفة محسوبة أو غير محسوبة من صاحب فرقة رمسيس ليصنع من أمينة رزق نجمة المستقبل في مسرحية وفي الفن كله!!.
ولم تتكلم بهيجة حافظ ولم تحكي حرفا مما حدث في روما.. ولم يصرح يوسف وهبي بشيء مما حدث إن كان قد حدث أي شيء.. لم يصرح بحرف وحتى وفاته.. وبالطبع لم تفتح التلميذة النجيبة أمينة رزق فمها منذ عام 1930 وحتى وفاتها عام 2003 على طول ذلك العمر المديد وبعد تعينيها عضوة في مجلس الشوري عام 1991.
سر لم يعرفه أحد.. ونظن أن لن يعرفه أحد!!