محمد محمود عبد العزيز .. موهبة فذة لايستهان بها في التمثيل
بقلم : محمد حبوشة
من المتفق عليه عموما أن التمثيل هو غير التقليد الأعمى أو المحاكاة، فهو القدرة على الاستجابة لمحفزات وهمية، وعند (باتريس بافيس) هو (رابط حي بين نص المؤلف وإرشادات المخرج من جهة، ونظر وسمع المشاهد من جهة أخرى وهو يجسد الشخصية التي يتحقق وجودها من خلاله، هو قبل كل شيء حضور مادي، على الشاشة، يحقق تلك العلاقة الملموسة مع الجمهور، وفي التعريف الحديث هو (أحد قنوات توصيل رسالة العرض لأن أداءه يربط العالم الخيالي على الشاشة بمرجعه في الواقع)، وبصفة عامة تتفق التعريفات على أن الممثل، شخص يؤدي دورا Part أو شخصية، وهو رابط أو وسيط بين النص والعرض ومن ثم بين العرض والمتفرج، وبذلك يتوفر لدينا التعريف الإجرائي للممثل: هو علامة، تحمل مجموعة من العلامات على الشاشة، يشتغل بنظام الإنابة عن الشخصية تارة، وتارة أخرى يشتغل منتجا للعلامات، ولا يمكن لتلك العلامات أن تنمو وتتطور من دون شخصيته الفاعلة.
وضيفنا في باب (في دائرة الضوء) محمد محمود عبد العزيز واحد من أولئك الممثلين الذين ينطبق عليه تعريف الممثل البارع، فهو ممثل تلقائي يحمل موهبة كبيرة وطاقة هائلة على التجسيد الحي الذي يجعلك بمجرد إطلالته على الشاشة يجبرك بتصديقه على الفور، فالتمثيل عنده هو غير التقليد الأعمى أو المحاكاة، نظرا لأنه يملك القدرة على الاستجابة لمحفزات وهمية وربما يرجع ذلك إلى أن طبيعة التمثيل تتطلب من الممثل أن يعيش المشاعر الحقيقية للشخصية على الشاشة، أو أنه يقوم بإعادة استعراض الشكل الخارجي للمعاناة الإنسانية والناحية الخارجية للسلوك الإنساني بالاعتماد على براعته التقنية بشكل أساسي، فهو يرى كما يرى الممثل الفرنسي (بينوا كوكلين 1841- 1909) أن الطريق للتمثيل الخلاق لا يكون عن طريق المعاناة، ولو كانت بسيطة، ولكن عن طريق ثنائية الأنا (الروح والجسد) التي لا ينفصل طرفاها عن بعض، فالأولى تمتلك السيطرة دائما، وقد توصل كوكلين إلى أن جسد الممثل هو المادة التي يخلق منها شخصياته أما (روحه) أي الجانب النفسي من شخصية الممثل وعيه، أما عقله فإنها تخص الممثل المبدع كلية.
قد تؤدي دورك جيدا، وقد تؤديه رديئا، لكن الشيء المهم في الأداء التمثيلي لدى (محمد محمود عبد العزيز) هو أن يؤديه الممثل أداء صادقا، ومعني هذا أنه لابد أن يؤدي دوره صحيحا ومتماسكا، وأن يكون شعوره وتفكيره وجهده وتمثيله متمشيا ومتفقا للدور الذي يؤديه، فبعد أن يصل الممثل علي الحركة التي يمكننا افتراض أن الممثل على استعداد لأن يتكفل بالهدف النهائي لعمله، وهو دراسة النص من جميع نواحيه، وأيا كان دوره صغيرا أو كبيرا، إلا محمد مجمود عبد العزيز، يحرص دوما على مستوي إجادته لأي منهما، فيجب أن تكون إجادة على مستوي واحد في الحالتين، ولكي يحقق هذا ويحقق الدخول في إيهاب الشخصية عليه قراءة النص عدة مرات على أن يكون لكل قراءة طبيعة خاصة تحكمه في الاختيار، ويفرض على نفسه قراءة العمل كله وليس قراءة دوره فحسب، ومن ثم فعليه فإنه يعطي اهتماما للشخصيات الأخرى إلي جانب شخصيته، فالقراءة الأولي في غاية الأهمية، بحيث لا ينبغي تجاهلها أو صرف النظر عنها، ولو تمت وفق خطوات معينة لتم للممثل أن يدخل في إيهاب الشخصية.
محمد محمود عبد العزيز ممثل بارع – وعلى الرغم من قلة لعبه لشخصيات مختلفة – فهو من يستطيع الإلمام بمختلف العواطف والمواقف والدوافع الإنسانية حتى تصبح تأديته لأدوار وشخصيات مختلفة، ممكنة، على أنها يجب أن تكون أفضل من (الممكنة) ليكون قادرا على التعبير عن هذه العناصر حتى يتم للمشاهدين فهمها، ودعونا لا ننسى أن الممثل الجيد، ينمي حواسه في ملاحظة الآخرين، وتذكر طريقة تصرفهم في هذا الموقف أو غيره، وهنا من الضروري على الممثل المتقن لعمله، أن يطور ذاكرة عاطفية تمكنه من استرجاع الموقف الذي أوجد عنده رد فعل عاطفي مماثل لذلك الذي يود تصويره، إلا أن هذه طريقة تمثيل معقدة ولا ينصح باستخدامها إلا بعد أن يطور الممثل فهما شاملاً وعميقًا لها، وهو ما يجيده هذا الفنان المبدع كما لاحظنا ذلك في كل أدواره وخاصة شخصية (فيصل) في مسلسل (نقل عام)، وكذلك في مسلسله الحالي (ملف سري) بتجسيده الرائع لشخصية (ليل) التي تتطور من حلقة لأخرى بوعي وقدرة على الإلمام بكافة جوانب الشخصية.
واحدة من الملكات التي يتمتع بها (محمد محمود عبد العزيز) هى الحساسية المرهفة واللعب بمشاعر المتفرج، وعادة ما يكون قادرا على ضبطها في نفسه، فعلى الممثل أن يكون باستطاعته وضع نفسه في مواقف خيالية، حاجبا عنه خلالها جميع المؤثرات الخارجية، مقنعا ذاته بأنه لا يمثل بل يقوم بدور حقيقي، وهنا يأتي دور التركيز لديه، ومدى قدرته على استحضار كل ما هو ضروري لعوالم الشخصية، وترحيل كل ما يعيق وجودها الحقيقي من حولها، وظني أن أول ما يقوم به (عبد العزيز) عند تحضيره لتقديم شخصية ما، هو تحليل الخصائص المختلفة للشخصية، مثل: المظهر، الوظيفة، المكانة الاجتماعية والاقتصادية، والسمات العامة؛ يأتي بعد ذلك فهم هدف الشخصية وتصرفاتها في العمل الدرامي بشكل عام، وفي كل مشهد واحد على انفراد، فعندما يصور العمل الدرامي زمنا معينا، فسيتحتم عليه دراسة ذلك العصر من أكثر من ناحية، وفهم ثقافته الحياتية عموما.
إتقان كل من معاني الحركة والإشارة وتوظيفهما في تناسق الشخصية وأفعالها، هى من أهم مميزات (محمد محمود عبد العزيز) وهما الطريقتان اللتان يصور فيهما الشخصية، وأسلوبها في كل ما تقوم به على الورق، بشكلها العام وإشاراتها ومميزاتها الجسمانية الخاصة؛ صحيح أن المخرج يعرض إطار حركة الشخصية العام، غير أن الممثل هو المسؤول عن إخراج هذا النموذج التجريدي إلى حيز الوجود، وذلك بقدرته على فهم هدف كل دافع عاطفي وراء كل حركة تقوم بها الشخصية، وعند الحديث عن مهارات الممثل ( محمد محمود عبد العزيز) فبالتأكيد يمكن الحديث عن العديد من المهارات الموجودة بداخله كممثل ليبدع، خصوصا في ظل غياب شبه عام لاشتغال المخرج عليه، إلا أننا إذا اكتفينا بالأهم، بالعمود الفقري لطبيعة الممثل وقدراته، وبالتأكيد التفاوت في الإمكانيات التي ذكرناها سابقا، هى ما يجعل ممثلا ما من ألمع النجوم في هذا المجال، بينما زميل أخر في المهنة لا أحد يسمع به، أو هذا ما يقوله المنطق!، الذي يثبته دائما هذا الممثل الذي يملك موهبة طاغية هو نفسه ربما لايعلمها.
بحسب هاندمان، كي يؤدي الممثل شخصية ما بدقة، عليه أولا أن يفهم وضعها ويستنبطه، لذا درب معلم الفن الدرامي الممثل على تقنيات بناء الشخصية التي سيؤدّيها، انطلاقا من النص والتجربة الشخصية والتدريب، ويبدو لي أن (محمد محمود عبد العزيز) عادة ما يقوم بدراسة طرق بناء الشخصية باستثمار ما في داخله كممثل، مع التنبيه إلى أن الممثل الفارغ ليس لديه ما يعطيه للشخصية التي سيؤديها، وهو في هذا مثل المعلم الذي يستخرج من طلابه أقصى وأحسن ما لديهم، ولهذا يعتبر أن الأداء ينجح حين يسكن الممثل الشخصية التي يؤدّيها، وحين توجد الشخصية بالنسبة إلى (محمد محمود عبد العزيز)، تصبح موجودة بالنسبة إلى المتفرج أيضا، وعليه يضبط هذا الممثل المخيف (عبد العزيز) علاقته بالشخصية التي يؤديها، ويضبط إيقاعه مع الممثل الذي يعمل معه، وإذا لم يتجاوب ويتشرب ويستهلك الممثل الطاقة الصادرة عن الممثل الذي أمامه، لن يكون التفاعل حقيقيا، ومن هنا فهو ملهم يقوده البحث عن أفق الفعل الإبداعي إلى ترداد هذا: (كل شيء ينبثق من الحياة)، لذا يخاطب ستانسلافسكي الممثل بقوله: (أثقل روحك بالواقع، ثم إرم نفسك في البحر) يشرح هنا: (حين ينطلق الممثل من الواقع، يمكن أن يذهب أبعد، لأن الشخصية حرة حية كالبحر، بحر الإلهام)، وكل هذا يوجد بوفرة عند (محمد محمود عبد العزيز).
يؤمن (محمد محمود عبد العزيز) بمقولة أنه لا يكفي أن تحب الفن لتنجح وتغير حياتك، يجب أن تكون قادرا على عمل منظم لأعوام طويلة شريطة وجود قناعة خاصة بالشخصية التي تلعبها، وربما تختلف أساليب الأداء، لكن الحقيقة لا، ما يهم معلم التمثيل هو الحقيقة، فليجد الممثل أسلوبه، ومن ثم يخرج مشاهد لا يجري فيها شيء، حيث يقدم (عبد العزيز) توجيهه إلى نفسه وكأنه في عقله الباطن يقول: (اجعل ذلك يتحدث، دع الأحداث تحصل)، هكذا تتطور الشخصية من داخله كممثل، ولاننسى أن في هذا بصمة من منهج المسرحي (بيتر بروك) الذي يبدو أن (محمد محمود عبد العزيز) تلميذ نجيب في مدرسته.
خسار كبيرة ألا يواظب (محمد محمود عبد العزيز) في التمثيل ويتحفنا بروائعه المذهلة، فهو مبدع كبير ومن وزن ثقيل يبهرنا في فنون الأداء التمثيلي متبعا في ذلك أكثر الأساليب إنهاكا للأعصاب والروح والبدن، لكي يخلق مع المتلقي صلة مباشرة راسخة، فبحكم مشاهدتي له أرى أنه حريص كل الحرص على إرث والده الساحر العظيم (محمود عبد العزيز) وظني أنه لن يهدم أسطورة الساحر وسيبقى حيا في الوجدان، ولن يضيع جهده، ولن يتم تشويهه في العيون والقلوب والعقول، فأهم مميزاته وأسس تكوينه كممثل، هى الحساسية الشديدة، حيث نشعر بأنه مزيج من أعصاب مشتعلة، وروح قلقة، ومشاعر جامحة، ونظرات تشوبها مسحة حزينة لا تزول، وصوت يكاد يكون دامعا، وربما يعود ذلك إلى أنه من أبناء مدرسة الألم في الفن كأحمد زكي، لا مدرسة السعادة القادرة أيضا على تخريج العباقرة، فالفن ليس شقاء كله بالضرورة، وخاصة أنه منذ طفولته تربى بحكم النشأة على أن يختبر أقسى المشاعر، وأكثر الأحاسيس مرارة، كما تلقى دروس الدراما مبكرا، وفي مقدمتها هزيمة الإنسان الأبدية أمام الأقدار، ولذا فإن حدة الشعور لديه قادرة على جعل من حوله يظهرون كبلداء الحس، في حين أنهم ليسوا كذلك، فهو لايعرف البرود أبدا، أو الاعتدال العاطفي والحياد المزاجي، حتى في أضعف أدواره.
هذه الحساسية هى أداته الأولى في تصوير العاطفة، وهى التي تغمره بالصدق الوفير، وتمكنه من النفاذ إلى النقطة الموجعة، والإحساس الأشد إيلاما في أعماق الشخصية الخيالية، كما أنها من أهم أسرار موهبته التي تجود بما يثير العقول، ويفتن القلوب، ويأسر المشاعر، ويخلقها أيضا لدى الجمهور، فلا يستطيع الممثل مهما فعل أن يجعل المشاهد يشعر بإحساس ما إذا كان هو نفسه فاقد الحس، وشتان ما بين فن (محمد محمود عبد العزيز)، وإحساسه الذي يرتسم على ملامح الوجه وكامل الجسد، والنظرات الثاقبة والصوت النافذ، الذي يحس بكل كلمة ينطقها، والدموع التي تظهر في الصوت قبل العين، والانفعالات العميقة التي تجعل من المشاهد شريكا في الألم، وفن (التبريق والزعيق) الذي يعتمد على الجمود والبحلقة وجفاف المشاعر وانعدام التأثر والصخب البدائي المزعج.
ولد الفنان محمد محمود عبد العزيز ابن الفنان الراحل محمود عبد العزيز، ووالدته هى السيدة جيجي زويد، كما أن شقيقه الأصغر هو الفنان الشاب كريم محمود عبد العزيز، وهو من مواليد مدينة القاهرة، درس في الأكاديمية البحرية بالإسكندرية وتخرج من قسم التسويق، عمل في مجال الدعاية والإعلان وقام بتأسيس شركة إنتاج أنتجت عدة حفلات ضخمة، ثم قام بالعمل في مجال الدعاية، فأسس شركة On time للدعاية والإعلان، وقام بإنتاج عدد كبير من الحفلات الضخمة داخل مصر وخارجها للعديد من نجوم الغناء العربي، وشارك في تقديم بعض الأصوات الشابة الذين أصبحوا نجوما بعد ذلك، عمل كمساعد مخرج في بعض الأعمال السينمائية، ومنها فيلم (ليلة البيبي دول) من إخراج عادل أديب، ثم اتجه إلى التمثيل وشارك في عدد من الأعمال الفنية، ومنها (شباب على الهوا، كذلك في الزمالك، يحيى العدل، القطة العميا).
وشارك (محمد محمود عبد العزيز) في عدة أعمال منها: (النمس – 2000، حلة مشبوهة 2001، شباب على الهوا، كذلك في الزمالك ، يحيا العدل 2002، الملك فاروق 2007، فؤش الجيل 2009، القطة العميا، بابا زعيم عصابة، وفارس المصيدة – 2010، النمر، وباب الخلق – 2012، جبل الحلال – 2014، أرض النعام، وبعد البداية، تمثيل وإنتاج 2015، راس الغول، اللي اختشوا ماتو، والعملية صهلله 2016، الطوفان، الأب الروحي (ج1، 2)، طاقة نور، الكنز: الحقيقة والخيال – 2017، ظل الرئيس، رحيم، فوق السحاب، كلبش، فوق السحاب – 2018، قيد عائلي، الكنز 2: الحب والمصير2019، نقل عام، وملف سري 2022.
ثم قرر الاتجاة إلى الإنتاج وأسس شركة (كوور للإنتاج الفني)، وانضم مع المنتج ريمون مقار صاحب شركة (سوتش) لتكوين مجموعة (فنون مصر للإنتاج والتوزيع)، والتي بدأت أولى أعمالها في رمضان 2012 بإنتاج مسلسل (باب الخلق) لوالده الفنان محمود عبد العزيز، واتفق مؤخرا مع شركة (مجموعة فنون مصر – محمد محمود عبد العزيز وريمون مقار) على العودة مجددا للسينما من خلال إنتاج الشركة لفيلمه الجديد (الأستاذ) بعد غياب أربع سنوات عن شاشة السينما منذ أن شارك في فيلم إبراهيم الأبيض عام 2009، وتدور أحداث فيلم (الأستاذ) في إطار أكشن كوميدى حول أحد زعماء المافيا وعلاقته بأولاده، ومن المقرر أن يشارك في الفيلم مجموعة من النجوم الشباب لم يتم الاتفاق معهم بشكل نهائي، كما أن الشركة المنتجة لم تستقر على مخرج الفيلم بعد، ومن المنتظر أن يعرض الفيلم في موسم الصيف القادم.
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للفنان والممثل والمنتج الجاد (محمد محمود عبد العزيز) الذي ينطبق عليه المثل الشعبى المصرى القائل (اللى خلف مامتش)، لذا أوضح أنه يشعر بالرعب عند سماع هذه الجملة، مضيفا أن اسمه فى حد ذاته مسؤولية مرعبة ويحملها على دماغه فى أى مكان، مؤكدا أنه يشعر بالفرحة عندما تقال هذه الكلمة والسبب فى ذلك هو ذكر والده بالخير وفى نفس الوقت يشعر بالرعب من المسئولية فى أن يظل محافظا عليها، ولأنه جذب الأنظار إليه من خلال ظهوره بمسلسل ملف سري في الموسم الرمضاني الحالي، أمام الفنان هاني سلامة، وذلك بتقمصه شخصية (ليل) الشريرة الغامضة على عكس المعتاد، حيث ظهر من خلاله بمظهر مختلف عنه تماما، من خلال اختيار الملابس والإكسسوارات وغيرها من التفاصيل الصغيرة والمهمة، التي أضافت للشخصية بالعمل الفني، لذا أهمس في أذنه قائلا له: لاتبخل علينا بالتمثيل مجددا وبشكل مكثف يناسب موهبتك الكبيرة، وحتما هذا سيضيف إلى رصيدك الفني الذي تحرص عليه إنتاجا وتمثيلا.