بقلم : علي عبد الرحمن
ظل شهر رمضان لسنوات طوال في عالمنا العربي والإسلامي شهر البرامج الجادة الثقافية والدينية والمتنوعة، شهر أحاديث الأئمة والدعاة، شهر الدراما الدينية والتاريخية والوطنية الجادة، شهر له مذاق خاص في محتواه الفني والإعلامي والذي تستعد له ماكينات الإعلام طوال عام كامل، ولكن تفاجئنا دراما رمضان في كل عام ،بتوليفة من دراما القتل والتحرش والبلطجة والتآمر بما لايتفق أبدا ونفوس الصائمين الطامعين في رحمة الله ومغفرته وعتقه، وكأنما فرق عمل هذه الدراما ليسوا من نسيج هذه الأمة أو كأنهم لا يعلموا موعد إذاعة دراماهم، أو كأنهم في مواجهة مع حالة التضرع لله من خلقه وعباده.
ولقد بح صوتنا من دراما رمضان كل عام وعدم ملائمتها لأصول الحياة اليومية للشهر الفضيل ولكن لاحياة لمن تنادي رغم أن جهة الإنتاج والبث والتوزيع هى جهه واحدة احتكرت كل شئ – ماعدا رحمة الله – وأجلست كل أهل الميديا تأليفا وتنفيذا علي مقاهي الشوارع، بل انك تجلس لساعات أمام أي شاشة وكل شاشة لاتجد سوى شركة واحدة واسمين لاثالث لها علي كل الإعلانات، لدرجة أن اسم الشركه من كثرة سيطرتها علي عالم الإعلانات أصبحت أشهر من أسماء القنوات والأعمال الدرامية وقتل ذلك التنوع والرؤي والتنافس والتجويد!!!
وسط هذا المشهد المتنافر مع الشهر الكريم والمحتكر لدرجة الخنق للإبداع والمبدعين ظهرت هذه الدراما الوثائقيه، هذا العمل الذي تأخر كثيرا، هذا العمل الذي جسد تعاون مؤسسات الدوله من إدارة الشئون المعنويه بالقوات المسلحه إلي إدارة الإعلام والعلاقات بالشرطة إلي أرشيف أجهزة الدوله السيادية إلي أرشيف الهيئه الوطنيه للإعلام لتنتج هذه الجهات مجتمعه عملا دراميا وثائقيا جادا، ومفيدا، ومؤرخا، ومؤرشفا لفترة هامه في تاريخ المحروسة، ويحسب لمخرجه بيتر ميمي ومن عاونوه أن اختياره لشخصيات العمل جيد جدا من حيث الملائمه الشكلية ومقومات الشخصية وملائمة الدور لها، كما يحسب للجهات المتعاونة جودة العثور علي الماده الأرشيفيه المؤيدة للحدث إمعانا في صدق الأحداث التي يقدمها المسلسل لأهل مصر.
ولكن هذا الاختيار تأخر كثيرا قد يكون لأسباب تهم الأمن القومي، لأننا في مصر عشنا زمنا من عدم وضوح الرؤيه بين مدعي النشاط السياسي وأصحاب الأجندات الخارجيه وبين حاقدين على الوطن من الداخل والخارج وبين مدعي الدين، حتي أصبح البسطاء من أهلنا لايعرفون حقيقة مايحدث، وثار من ثار وتجمهر من تجمهر وساوم من ساوم وقبض من قبض وكذب من كذب، وزرعوا الفتنة وخربوا العقول وحرقوا المؤسسات دون أن يكشفهم أحد في تلك الفترة وماتلاها.
ولو أن المادة الوثائقيه المذاعه ضمن أحداث المسلسل وتسجيلاته كانت قد رأت النور وتم بثها على أهالينا لكان أفضل وعيا وتنويرا وسياجا لأهل مصر ضد دعاة الفتنة وأبواق الفرقة الإلكترونية والتقليدية، ولكنا جنبنا مصر حرقا وتدميرا وتغريرا بشبابها تحت ستار التغيير والحرية والعدالة، كما أن هذا العمل يؤكد الأداء السيمفوني لأجهزة ومؤسسات الدولة في تجميع الخيوط والتسجيلات والأقوال والتسريبات لصالح الوطن وأهله، كما كان هذا العمل مبكرا دليل طمأنة لشعب مصر على يقظة أجهزتها السيادية وحسن تنسيقها معا، وجودة توزيع المهام والأدوار في فترة كان ظاهرها يوحي بتفكك أجهزة الدولة ومؤسساتها وغياب دورها رغم ان هذه الأجهزة في ظل تلك الفتره الحالكة السواد المتشحه بالتآمر كانت أجهزة دولتنا أشد يقظة وأكثر متابعة وأعمق نفوذا وأدق تحليلا، وكانت تعمل بدأب في ظل ظروف اختلطت بها كل الخيوط، وظهرت وجوه جديدة وأجهزة عديدة وموضوعات خارج ملفات الأجهزة.
ولكن هذه الأجهزة الوطنيه ظلت بمنتهي الوطنية تعمل بإخلاص شديد رغم أن كل شئ غيرها تبخر وتفكك وأصبح أعداء الوطن يسوقون لفكرة أن المؤسسات تبخرت والأجهزة توارت والأحداث لا راصد لها والأشخاص لا ملفات لهم، ولكن كل ذلك كان هراءا، فقد ثبت قبل المسلسل وأثناء عرضه أن أجهزتنا لاتنام ولا تتبخر وهى تتابع وترصد وتسجل، ولا يوقفها تجمهرأو حرق أو تدمير أو صياح وهي لا يرصدها أحد، وهذا أدعي للشعب أن يطمئن على وطنه ومؤسساته وأجهزته، وأن عين الله تحرس المحروسة وبفضله ظلت عيون أجهزتنا ساهرة فلعل (الاختيار) كدراما وثائقية هو بداية طريق لهذه النوعية من دراما التسجيلات، دراما الأرشيف، دراما الحقيقة، لكشف حقائق كثيرة حول أعداء الداخل والخارج، بل وحقائق موضوعات وأشخاص وكيانات ترصدها الأجهزه بحرفية عالية حتة يكون إعلامنا تنويريا وأهلنا علي علم موثق بكل مايحدث داخليا وخارجيا.
عندها فقط يعود للإعلام رشده ودوره الوطني، ويعود لأجهزتنا فضلها وجهدها ومهارتها وإخلاصها تجاه بلدنا المحروسة بفضل الله وتجاه أهل مصر الطيبين، وكل عام واختيارنا دائما للوطن وأهله وأجهزته وللحقيقة كماهى، وكل عام وانتم بخير ورمضان كريم.