التليفون المحمول يفسد متعة الاستماع إلى برامج الإذاعة في رمضان !
كتب : أحمد السماحي
منذ سنوات الطفولة وأنا أحد عشاق الإذاعة المصرية، وتعلمت منها ومن برامجها ونجومها الكثير والكثير، وأهم ما تركته في تكويني الوجداني هو المعرفة والمتعة والثقافة وكيفية إدارة حوار، كل هذا اكتسبته من الإذاعة وبرامجها التى كانت زادا لشهوة المعرفة التى لم تنطفئ حتى الآن عندي، لقد علمتني الإذاعة محبة الكتاب والأغنية الراقية وأسهمت إسهاما كبيرا في إشاعة الاستنارة عند أجيال كثيرة، وكان شهر رمضان هو شهر الإذاعة المصرية بامتياز، فكنا نستمتع بكبار وشباب المذيعين من مختلف الأجيال مثل (آمال فهمي، أمال العمدة، عمر بطيشة، نادية صالح، سناء منصور، إيناس جوهر، محيي محمود، إبراهيم صبري، أمينة صبري، كامل البيطار، وجدي الحكيم، نهى العلمي، نجوى أبوالنجا، رباب البدراوي، هدى العجيمي) وغيرهم من الأساتذة الكبار، ومن الشباب في هذا الوقت أتذكر (عمرو عبدالحميد، وآمال علام، ونوجي أباظة، وسونيا محمود، وشريف عبدالوهاب).
كان الاستماع إلى هؤلاء المذيعين وسماع أصواتهم العذبة المليئة بالحماس وبرامجهم الممتعة المليئة بكبار المسئولين والوزراء والنجوم يزيح عن النفس كآبتها ويفرح القلب، وكان نجوم الإذاعة من الشباب يعرفون عملهم حق المعرفة، ويبذلون أضعافا مضاعفة من الجهد كي يتقنوا أداءه، وكانوا يعملون ويتنافسون بإخلاص وكأنما للذة العمل وحده.
المتعة التى كانت تسببها لي الإذاعة، حل مكانها مؤخرا الضيق والحزن بسبب تراجع مستواها وما يقدم فيها، نعلم جيدا الصعوبات التى تمر بها الإذاعة وقلة رواتب المذيعين، لكن ليس لدرجة أن نجد معظم البرامج التى تقدم حاليا يغلب عليها الاستسهال والتفاهه والسطحية والبرامج المسلوقة والقيم المهدرة والاستخفاف!.
فأمس الخميس كنت استمع إلى إذاعة (الشرق الأوسط) وياريتني ما سمعت! حيث وجدت برنامج من أعمدة برامج الإذاعة في شهر رمضان وهو (معانا على الفطار) الذي كان يقدم في الماضي تحت اسم (ضيف على الفطار)، وكان يستضيف كبار المسئولين والوزراء والنجوم، الذين كانوا يحضرون إلى ستديو الإذاعة، وتدير معهم أسرة إذاعة الشرق الأوسط مثل (سناء منصور، وإيناس جوهر، ومحيي محمود، وعمرو عبدالحميد) حوارا مليئا بالسخونة والجاذبية وخفة الظل، وأثناء الحوار كان الضيف الكبير يعلق على البرامج القصيرة التى يسمعها.
وجدت برنامج (معانا على الفطار) وكانت تقدمه أمس (شيرين فهمي) يستضيف على التليفون .. تخيلوا! على التليفون! مطربة جديدة هى (هايدي موسى) وتدير معها (شيرين) حوارا ساذجا يغلب عليه التفاهة والسطحية، وتسألها سؤال من الشرق وآخر من الغرب!، انتهى البرنامج وسألت نفسي معقولة وصل الحال بالإذاعة إلى هذا المستوى البائس المتدني! .. مطربة جديدة يُجرى معها حوار يمتد مدة إرسال فترة الأفطار على التليفون! وياريتها نجمة ذات تاريخ!
انتهى البرنامج ووجدت المذيع (شريف عمر) يجري حوار على التليفون أيضا من خلال برنامجه الجميل (فاصل إعلاني) مع الملحن والشاعر (عزيز الشافعي)!، بعدها جاءت الفترات المفتوحة وسمعت العجب! من استخفاف واستهبال واستظراف وتقليد أعمى للإذاعات الخاصة، وسؤال في الفترة المفتوحة حول من يمسك الريموت كنترول في البيت؟، وفي فترة أخرى فوازير ساذجة وعبيطة ويسأل المذيع والمذيعة عن طريق التليفون الجمهور عن حل الفزورة!، والمثير وجدت تكرار للأغاني والمطربيين، فمثلا سمعت أغنية أصالة (يا مجنون) وفي الفترة المفتوحة التالية لها مباشرة سمعت أغنية آخرى لأصالة، وبعد انتهاء البرامج سمعت أغنية ثالثة لأصالة وكأنه يوم أصالة العالمي!
والسؤال أين رئيس إذاعة الشرق الأوسط من هذا الاستخفاف وعدم التخطيط؟ بل أين رئيس الإذاعة نفسه من حالة الهلوسة تلك التى لا نستطيع أن نميز فيها الخبيث من الطيب؟!.. بالمناسبة هذا ليس حال فقط إذاعة (الشرق الأوسط)، ولكنه حال كل المحطات الإذاعية!.
يا سادة يا محترمين يا مذيعي الإذاعة: رجاء النجم الذي يرى نفسه أنه أكبر من الإذاعة المصرية عاقبوه ولا تذيعوا له أغنياته، وإذا كان ممثلا لا تتحدثوا عنه! سيرد أحدكم الآن ويقول أن النجم لن يفرق معه الإذاعة المصرية.. هذا غير صحيح، بدليل أنهم يذهبون جميعا إلى الإذاعات الخاصة بأجسادهم وليس بصوتهم عبر التليفونات!.
والآن دعونا نردد جميعا مع الفنان (عبدالمنعم مدبولي) أغنيته الشهيرة (يرحم زمان وليالي زمان)!