بقلم الإعلامية الكبيرة : هدى العجيمي
كل عام وأنتم بخير، أقبل علينا هذا الشهر الكريم الذي نعيش في روحانياته الجميلة كما تحضرنا فيه دائما ذكريات قديمة لا تغيب عن البال لطرافتها وجمالها.. ذكريات حدثت في رمضان لأن رمضان بالنسبة للإذاعيين هو أهم شهر في البرامج والدراما أيضا، لذلك فإنك تجد قبل حلول الشهر مكاتب وستوديوهات الإذاعة تعمل بكاملها وتقف على قدم وساق من عدة شهور سابقة لحلول شهر رمضان المبارك، ويطلب من المذيعين ومقدمي البرامج الاحتشاد وإعمال العقل لابتكار برامج تشد أسماع المستمعين وتقدم لهم متعة فنية حافلة بالفكر والفن والترفيه.
وكنا نحن في الإذاعة الأم (البرنامج العام) نتميز بفترة المغرب الإذاعية وعقب أذان المغرب نبدأ في تقديم مجموعة من برامج المنوعات القصيرة مدتها حوالي خمس دقائق ولا تزيد عن عشر، وكان المذيعون يتفننون فى ابتكار شكل مختلف في كل عام للبرامج التي ترضي المستمع ويقنع الضيوف من رجال الفكر والفن والصحافة لأن يشاركوا فيها ومواجهة الجماهير علي الهواء مباشرة في (سين وجيم)، وكانت تقدم هذه البرامج بعد الفوازير التي كانت تقدمها آمال فهمى والمسلسل الدرامي الذي غالبا ما يطغي عليه اللون الكوميدي مثل (شنبو في المصيدة) وغيره.
ومنذ سنوات وكنا في العصر الذهبي للإذاعة كان لدينا عدد من نجوم الإذاعة الذين يقدمون تلك البرامج اليومية، ولهذا نجحت وأصبحت من تقاليد (البرنامج العام) بالإذاعة كل عام، وكنت في بعض السنوات أشارك في تقديم برنامجا من هذه البرامج الرمضانية القصيرة، وفي أحد الأعوام وفي رمضان المعظم كنت أقدم برنامج الكراسي الموسيقية وفكرت أن أقدم إحدي حلقاته مع الملحن الكبير بليغ حمدي، ولم أكن أعرفه معرفة شخصية من قبل ولكنني كنت أشاهده أحيانا في أروقة الإذاعة ولكن لم نكن أصدقاء، وهو كان له أصدقاء كثيرون في الإذاعة وحاولت الاتصال به لكي أحصل علي موعد للتسجيل فلم أجده فى معظم إلا وقات، ففكرت أن احصل على واسطة لكي أحظي بالتسجيل فاتصلت بشقيقه الدكتور مرسي سعد الدين لكي يأتيني بالموعد وكنت أعرف الدكتور مرسي سعد الدين منذ أيام بعثتي إلى برلين، وكان هو مدير المكتب الثقافي في ألمانيا ويرعي المبعوثين إلى ألمانيا، وقدم لي هناك خدمات كثيرة.
ووافق الدكتور مرسي وأبلغني بالموعد الذي اقترحه الأستاذ بليغ حمدي للتسجيل معه، وكان الموعد هو العاشرة مساء، وبالطبع لم أستطع مناقشة الدكتور مرسي أو تعديل موعد التسجيل لأن البرنامج كان سوف يذاع في اليوم التالي مباشرة وليس لدي حلقات أخرى، وبهذا ذهبت إلى منزل بليغ حمدي في الموعد المحدد فقابلني العاملون بالمنزل وأخبروني بأن الأستاذ نائم لبعض الوقت وسوف يستيقظ لاحقا ونجري التسجيل الإذاعي، طبعا نزل
الخبر علي قلبي كالصاعقة وأحزنني جدا وفكرت في إلغاء التسجيل والعودة إلى منزلي بكرامة، لكنني كنت في ورطة وليس لدي بديل لإذاعة الغد وهذه هى مشكلة البرامج اليومية في الاذاعة .
وفجاة تذكرت أن الشقة المقابلة له كانت شقة الصحفي الكبير محسن محمد وزوجته وهى صديقة عزيزة جدا المذيعة التلفزيونية (هند أبو السعود) فطرقت بابهم ولم يدهش أحد منهم بل ضحكوا وطيبوا خاطري وقالوا هذا هو حال بليغ حمدي باستمرار ينسي المواعيد كلها مع كل الناس، ومع ذلك
أرسلوا من ينبه بليغ حمدي ويذكره بالموعد فجاءنا إلى بيت الأستاذ محسن محمد بعد ساعة تقريبا وتم التسجيل الذي اجريته مع بليغ حمدي ومحسن محمد، وغادرت منزلهم عندما جاء زوجي ليأخذني بعد منتصف الليل، وكما أني فرحت بتسجيل الحلقة قضيت أسوا يوم في حياتي بعد أكبر خناقة زوجية حدثت لي طوال عمري، فكيف أظل في عمل إذاعي إلى بعد منتصف الليل وكان عنده حق! .