بقلم : محمد حبوشة
من الضروري أن تكون لدى الممثل إمكاناته الذاتية التي يتمتع بها قبل دخوله مرحلة الإعداد والتدريب – وحسب ستانسلافسكي – يجب أن يتمتع الممثل بالوحدة التي تعتمد على العامل الجسماني والنفساني في إبداع الممثل، وأن يعيش المشاعر الحقيقية للشخصية المسرحية على الخشبة أو علي شاشتي السينا والتفزيون، وذلك بالاعتماد على براعته التقنية بشكل أساسي، ويفضل بعض الممثلين هذا الاسلوب التعايشي مع الشخصية، مثلا اختار الممثل السعودي (عبد المحسن النمر) ، هذا الاسلوب التمثيلي ونفذه في أعمال كثيرة بوعي منها للغتها الإبداعية، التي تقيم علاقة بالأشياء والكتل ومكونات الفضاء الإبداعي، رغم أن هذه الإمكانات لم تكن جميعها متوفرة لدى ممثلي البدايات المسرحية الخليجية، والمسألة ترتبط بالمرحلة الزمنية وبمعطياتها الثقافية والمعرفية، لذلك اعتمدوا في بداياتهم على الارتجال من خلال ابتداع فن المهزلة الذي لم يكن متداولاً، على الأقل في المرحلة التأسيسية، وظل الارتجال سائدا في الحركة التمثيلية حتى جاءت الشخصيات النمطية ومن ثم تأثرت في الستينيات بأعمال مصرية تنتمي إلى الفودفيل والفرانكو آراب.
أعتمد عبد المحسن النمر تقنيات اعداد الممثل: وهى الوسائل التعبيرية التي تكون الأدوات الابداعية عند الممثل، وهي تختلف من ممثل إلى آخر، وتختلف أيضا من نوعية إلى أخرى من نوعيات المسرح، فالأدوات الابداعية لممثل الكوميديا غيرها عند ممثل المأساة، والأدوات الابداعية عند ممثل الدراما تختلف عن أدوات ممثل المسرح الغنائي او الاستعراضي والإيمائي والفانتازي، كما أن راقص الباليه له أدواته الخاصة في ميدان إبداعه، ونفس الشيء يقال بالنسبة إلى المهرج وللمحبظاتي، وللممثل السامر والحكواتي والاحتفالي والمسرح الكوميدي، وتلقى (النمر) هذه التقنية ولكنها لم تكن ترتبط بالنوع المسرحي فقط، بل ارتبطت بنوع المسرح الذي كان سائدا في كل مرحلة، فكان التركيز على تقنية الصوت مثلا، أما فيما بعد فقد اختلفت هذه التقنية حيث صار للجسد موقعه الرئيس في العملية المسرحية بالاضافة إلى الصوت دون ان يلغي ذلك من أهمية تقنية الارتجال التي امتلكها ممثلو الأربعينيات.
ولأن على الممثل أن يتمتع بتقنية عالية تمكنه من إيصال الحالة عبر أسلوب تعبيري إيحائي، ولكن بالتوافق مع القوانين الموضوعية لفن التمثيل مع اختيار ما يتلاءم مع الثقافة العربية وخصوصياتنا حيث تظهر فيها اللمسة الابداعية من خلال مكوناتنا والتركيز على جانب الخيال والطاقة الجسدية والفكر، لذا فإن أنصار هذا الاتجاه أو ذاك مثل (عبد المحسن النمر)، تعامل مع النص المرتجل والواقعي والمقلد، معتمدا على الأداة الصوتية له كممثل والمرفقة ببعض الحركات الجسدية (المشي واستخدام الرأس…) والتركيز على اختيار شخصيات مقبولة في المجتمع، إذ أن عددا كبيرا من الممثلين وخاصة الممثلات لا يوافقن على تأدية شخصية أو دور مرفوض اجتماعيًا.
بعد تتبعنا لمسار حركة التمثيل لدى (النمر) وعلاقته كممثل بعناصر العرض، لاحظنا أن هذا الممثل في المسرح ينتقل إلى مرحلة اتسمت بمواصفات المسرح الحديث الخاضع لنظرية العرض المسرحي التي أولت لعناصر العرض أهمية كبيرة أي ان العنصر الرئيسي لم يعد النص المسرحي، بل صارت الأهمية تولى للعنصر البصري السينوغرافي ولعلوم الجسد التي أوغلت عمقا في تخصصها لربط علاقة الجسد بالمسرح، واعتماده عنصرا مهما من عناصر التعبير والتجسيد، وفي عروض كثيرة من المسرح عامة تمت الاستعاضة عن الحوار المنطوق باستخدام حوار الجسد المونودراما والايماء في المسرح المابعد الحداثي، واعتمد على البحث عن وسائط ووسائل فنية وتقنية توصل دلالات الرؤية ورموزها من خلال أداء جسدي مكتفيا بذاته
مارس (عبد المحسن النمر) الفن التعبيري الشعبي احتفاليته وعرف حركة الجسد الذي منه تولد الارتجال والذي بدوره استقى منه أو من الأشكال الشعبية حركة الوجه والرقص وغيرها، وهذا طبعا لا يقتصر على الخليج العربي، بل شمل أيضا حالة التمثيل في العالم العربي حيث كانت العلاقة مع الجسد الادائي التمثيلي وليس الغنائي الراقص شبه معدومة، فالممثل العربي والخليجي استند إلى التعبير من خلال الصوت وبعض ملامح الوجه، لأن أساليب ومناهج التمثيل لم تكن قد امتدت بعد إلى المسرح العربي وإلى عروضه، ولكن يمكن استنتاج أن ما كانوا يقومون به هو الجرأة، والقدرة على الحوار، الخطابية المباشرة والإلقاء بغض النظر عن تجسيد المواقف أو المشاعر حتى في مظهرها الخارجي، حيث اعتمد على تجربته الفردية المتماهية في محاكاة الواقع.
بصرف النظر عن التعريف الأكاديمي للثقافة، فإن الممثل السعودي (عبد المحسن النمر) أو غيره يجب أن يكون عليما بتفاصيل واقعه الاجتماعي حتى يستكمل نص الكاتب، من خلال تفسير المخرج، بتبني هذه التفاصيل وإيداعها في إبداعه الأدائي والشاعري وأنه مطالب في كل الأحوال بأن يخاطب مجتمعه (جمهوره) من خلال تفاصيل واقعه الاجتماعي (سياسيا، أو اجتماعيا أو اقتصاديا أو أخلاقيا أو عقائديا)، ولكن كيف يتم هذا التخاطب: يمكن أن يتم عبر التمثيل المرتبط بالقيم الاخلاقية التي ترسم حدود التعاطي مع الجسد على الخشبة المسرحية والشاشتين الكبيرة والصغيرة، عن المراحل التمثيلية التي مر بها الممثل السعودي (النمر) تشي ببعض التطور في هذا المسار وامتلاك التقنية في الإعداد، ولكنها ونظرا للقيم المجتمعية فقد اختار أنواعا مع المسرح تتلاءم والبيئة التي يعمل بها.
ورغم هذا، يشفع للنمر براعته في تمتين الحدود بين فروع التمثيل أداؤه لمختلف الشخصيات مُثير لتناقضٍ في تقبلها، الحرفية التمثيلية واضحة، الانغماس في الشخصية، شكلا ونفسا وتفكيرا وسلوكا، يمنح الصورة السينمائية والتليفزيونية صدقا مطلوبا، الانغماس نفسه يكاد يلغي الخيط الواهي بين تمثيل، يتطابق مؤدّيه مع شكل الشخصية، وتقليد الممثل للشخصية، المبالغة حاصلة أحيانا، فالإيغال في التشابه يصبح نافرا في لقطات عدة، وهذا يصنع جفاء بين مشاهد مهتم، وفيلم أو مسلسل يروي فصولا من سيرة شخصية حقيقية، لأفعالها حضورا وتأثيرا في العالم، وعنده دائما الفرق ضئيل بين التماهي والتمثيل والتطابق والتقليد والمبالغة والشبه. لكن ضآلته تتحول أحيانا إلى هوة، تغيب براعة الممثل، فتقضي على جهد مبذول لجعل الأداء صادقا في نقل الشخصية الحقيقية، جسدا وروحا وتفكيرا وسلوكا، إلى فيلم أو مسلسل يبغي، من بين أمورٍ أخرى، تصوير عوالم مبطّنة وتفكيك مخبأ وكشف مستور في الشخصية تلك، وفي مهنتها وعلاقاتها وأحوالها ويومياتها وحياتها وأفعالها.
الفنان عبد المحسن النمر ممثل تليفزيوني ومسرحي سعودي، من مواليد محافظة الأحساء و يسكن في مدينة الدمام ، تزوج و أنجب أربعة أبناء هم (حمد و نوف و بدر و ريم )، واشتهر في سنة 1981 م عندما قدم مسلسل (الشاطر حسن)، قدم العديد من الأعمال الخليجية و العربية لأنه متميز بتقمص الأدوار جيدا، والنمر ليس مجرد ممثل عادي بل هو ممثل ومخرج ومؤلف لكل أنواع الفن سعودي أو عربي أو خليجي فهو في الأساس رسام وحصلت إبنته ريم على خبرة هذا الفن وأصبحت رسامة محترفة ومبدعة مثل والدها ،فهي فتاته المدللة ولكن لم يكمل النمر هذا الطريق لإنشغاله بالتمثيل حتي أصبح صاحب مؤسسة إنتاج فني كبيرة وذلك لكونه قادر على تحقيق نجاحاً كبيراً خلال رحلته في عالم الفن .
عبد المحسن ممثل قوي وذو تأثير على السينما السعودية وحصل على أدوار بطولة عديدة وأظهر احترافيته في تقديمها بشكل مميز ومن أجل ذلك حصل عبد المحسن على العديد من الجوائز تقديرا لجهوده المَبذولة خلال فترة تصوير البرنامج وإخراج كل الطاقات التي بداخله في شكل مشاهد يتفاعل معها الجمهور، ففي مصر في (مهرجان القاهرة للإعلام العربي) حصل علي جائزة أفضل ممثل دور تاني بعد أدائه لدور (الأعمش) في المسلسل الشهير (فنجان الدم)، كما تم تكريمه عام 2010 من مسرح الدمام، وهذا دور الدولة في تحسين أداء الممثلين ودعمهم من أجل تطوير عملهم الفني .
بداية النمر كانت في نهاية السبعينات عندما قدم دور مهم في مسرحية صامتة وبعدها ظهر على مسرح جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وقدم عرض شاعري عندما ألقي على المتواجدين بعض مقطوعات الشعر المشهور بها الشاعر (علي مصطفى) وبداية تعرف الجمهور عليه كان عن طريق برنامج (سلامتك)، وزادت شهرته عام 1981 بعد مشاركته في مسلسل (الشاطر حسن) مع علي السبع و سمير الناصر أصدقائه الذين استكملوا معه مشواره الفني وقدم معهم (عائلة بوكلش) لتكن هذه هي بداية فتح أبواب الفن أمامه عندما قدم أكثر من 100 عمل فني ناجح وذلك عام 1988، واشتهر أكثر عندما قدم مسلسلي (جواهر، وطاش ما طاش) وهذه من الأعمال الفنية القوية التي حققت نجاح كبير حيث تم إختيار الممثلين بعناية فائقة لتقديم مثل هذه الأعمال وكان أول تفكيرهم كان في نجمنا عبد المحسن النمر.
كما ظهر كضيف شرف عام 2008 في المسلسل الكوميدي (عائلتي)، ولأن عبد المحسن فنان شامل لمجالات الفن الكوميدية والمحورية والثقافية وغيرها من المجالات المهمة والمؤثرة، فقد كان في كل عام من شهر رمضان المبارك يظهر على شاشة التلفزيون السعودي في عمل مميز عن زي قبل فقام بتقديم العديد من المسلسلات الفارقة في الدراما السعودية وأكثر هذه المسلسلات نجاحاً وتحقيقا لنسبة مشاهدة أكبر هو مسلسل (ساق البامبو)، الذي تم عرضه عام 2018 .
ولم يتوقف عند هذا الحد من التمثيل فقط بل قدم أيضاً أدوار في الأعمال اليدوية مثل مسلسل (المنصة، خارج السيطرة، العقاب و العفرة، شقة الحرية، وجه ابن الفهرة، خزنة، آخر العنقود ،الدوائر ،أولاد بو جاسم، سرور ،أحلام سنين، نيران، الديرة نت ،عد واغلط، طعم الأيا ، جروح باردة، شوية ملح، السديم، دموع الرجال، بهلول الشاعر، ملاذ الطير ،دمعة عمر، حتى التجمد، بيتنا الكبير، ياخوي، حكايات بابا فرحان، الدار، الدنيا لحظة، غصات الحنين، الدريشة، مجاديف الأمل، أبو شلاخ البرمائي، تسونامي، نجمة الخليج، الدروازة، أوه يا مال، عرس الدم ، عائلتي، التنديل، رسائل من صدف، آخر صفقة حب، عيال بحر، غشمشم، دروب المطايا، فنجان الدم، الجيران، الشيماء قيثارة السماء، متلف الروح، رحلة المليون، أبواب الغيم، توق، سماء ثانية، لعبة الشيطان، راعي البومة، منا وفينا، ساهر الليل 3 وطن النهار، أسد الجزيرة – منع من العرض، ريحانة، حب ولكن، للحب جنون، أنيسة الونيسة، صديقاتي العزيزات).
قدم عبد المحسن النمر للمسرح عدة أعمال منها: (مناحي و الملايين، الضريرة و الحب، العيال كثرت )، ومن أعماله السينمائية : عقاب – ظلال الصمت – الدائرة – من ألف إلي باء، وفي عام 1995م بإخراج أول عمل تلفزيوني وهو مسلسل (أوراق متساقطة)، كما شارك في تقديم البرامج مثل (القرار) الذي نجح وأبهر جمهوره بإطلالته في هذا البرنامج، بالإضافة إلى إمتلاكه لمؤسسة النجوم الفنية وهي شركة إنتاج كبيرة مع المخرج الكبير عبد الخالق غانم والنجم سمير الناصر، ورغم كل هذا الإنجاز الذي حققه عبد المحسن في حياته الفنية إلا أنه ظهر في أحد البرامج وعندما وجهه له المذيع سؤال عن بناته ودخولهم إلى الوسط الفني بعد نجاحه الكبير في هذا المجال وكان رده بالرفض الشديد موجهاً كلامه إلى زوجته بأنه هذا لا يمكن حدوثه أبدا.
شارك عبد المحسن في تقديم مسلسل (أم هارون) الذي نتج عنه رد فعل سلبي على مشهد في هذا العمل يظهر فيه (الحاجام) الذي لعب دوره نجمنا عبد المحسن وقام باحتضان روان مهدي التي لعبت دور ابنته في المسلسل ليثور المشاهدين من هذا المشهد، وهنا يأتي دور رواد مواقع التواصل الإجتماعي عندما قاموا بنقد هذا المحتوى السلبي الغير لائق بالدراما الخليجية وخصوصاً أن النمر معروف عنه أنه رجل ذو أخلاق واحترام، ولم يسبق له أن قدم مثل هذه اللقطات الغير مرغوبة من قبل مما سبب لجمهوره حالة من الصدمة لما فعله فنانهم الذين يدعمونه ويتابعون كل أعماله، وكان الرد من النمر بأن هناك بعض النفوس المريضة تقوم بنقد هذا المحتوي الدرامي ويعتبره عمل إبداعي وأنه لم يخطأ في ذلك .
ربما تسبب مسلسل (أم هارون) في حدوث تحقيق رسمي الذي أعلن عنه محمد الجبري وزير الإعلام الكويتى بسبب الانتقادات السلبية الكثير على بعض المشاهد من هذا المسلسل، ولكنه يعتبر هذا المسلسل من الدراما الاجتماعية والتاريخية التي وثقت لفترة وجد اليهود في الكويت منتصف القرن الماضي.
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام، لأحد أبرز نجوم الدراما الخليجية في السنوات الماضية، فهو النجم السعودي الذي استطاع أن يترك بصمة واضحة على مستوى الدراما السعودية والخليجية معا بسبب التنوع الكبير في الأدوار التي يقدمها، فهو نجم يختار دوما أعماله بعد دراستها بعناية سواء من ناحية النص أو الإنتاج، وجسد أدوارا صعبة ومختلفة في أعماله التلفزيونية.
وعن دوره في الدراما الخليجية، قال النمر: (إنه رفض كافة النصوص التي قدمت اليه في فترات متباعدة، معتبرا إياها تصب في الأدوار السهلة نتيجة لطبيعة التوجهات السائدة في الأعمال الخليجية المتفاوتة بين الكوميديا والتراجيدية والتي يرى فيها المنتج طريقا اقصر وأسهل في الإنجاز والبحث عن التميز الذي حققته مجموعة المسلسلات الخليجية مثل (طاش ما طاش)، إلا أن النمر لم يبتعد كثيرا عن تجربته الدرامية الجادة والتي جاءت مختلفة في تقديم مضامين كثيرة مناقشة قضايا إنسانية واجتماعية حققت بذلك اقترابا أكثر من مشاهدها، موضحا أن الجهد الذي يبذله الممثل في اختياره للدور المناسب يزداد تعقيدا مع وجود هذا الاختلاف والتنوع في طبيعة المضامين ليأتي المستوى الفني والفكري وطبيعة الشخصية المميزة والجيدة التي يلعبها الممثل هي من أهم المقاييس التي تحدد مدى قبوله أو رفضه لأي عمل درامي.