بقلم الأديب الكبير : سامي فريد
يعرفها جمهورها وعشاق شخصيتها السينمائية باسم زينات صدقي.. أشهر عانس في السينما المصرية.. وزينات صدقي اسمها الحقيقي قبل أن تعمل بالفن هو زينب محمد مسعود، إسكندرانية من مواليد حي الجمرك عام 1912.. بيضاء البشرة خضراء العينين ملفوفة القوام، أما أشهر صفاتها التي عرفته بها فهي أنها (غلباوية) يمكن أن تكلم أكثر من شخص في نفس الوقت..
كانت البنت زينب جميلة فخاف أهلها عليها وزوجوها رغما عنها وهى ابنة 15 عاما، لكن زواجها لم يستمر طويلا فطلقها زوجها بعد 11 شهرا لأن حبها للفن كان قد بدأ يسيطر عليها فالفن عندها وفي هذه السن الصغيرة كان هو الحياة.. والحرية.. لكن زينب تزوجت بعد ذلك سرا من أحد ضباط الجيش وكان زواجا قصيرا ولم تكن هى تعلم في ذلك الوقت أن زوجها الضابط وقد عرفت هى ذلك بعد قيام ثورة يوليو 52، لكنها لم تندم فقد كان حبها للفن قد ملأ عليها حياتها فالتحققت بمعهد زكي طليمات للتمثيل بالأسكندرية.. لكن أهلها سرعان ما أخرجوها من المعهد لأنهم كانوا يعتبرون الفن والعمل به عارا.. خصوصا ومع فتاة جميلة ملفوفة القوام خضراء العينين وغلباوية مثل ابنتهم..
وفي حوار مع إحدي زميلاتها بالمعهد نصحتها الزميلة أن تنزل إلى القاهرة ان كانت بالفعل تحب الفن فأكدت لها زينب هذا، فأشارت عليها زميلتها أن تبحث عن كازينو أو ملهى بديعة مصابني على النيل في الدقي، وهناك قالت الزميلة أنها لابد من جمالها هذا وخفة دمها ستجد عملا، ففي كازينو بديعة الرقص واسكتشات التمثيل والمونولوجات ولابد أنها ستجد عند بديعة العمل الذي تريده..
وفي القاهرة وفي ملهى بديعة مصابني على كوبري الجلاء وبعد امتحان قصير قبلتها بديعة لتعمل راقصة ضمن مجموعة الراقصات خلف الراقصة الراقصات بعد أن رأت جمال البنت وشطارتها ولسانها الذي لا يكف عن الكلام وإشارت يديها وحركاتها..
وهكذا أصبحت زينت (زينات) وأضاف لها بشارة واكيم اسم صدقي لتصبح زينات صدقي فقد كان بشارة واكيم هو مخرج الفرقة وكاتب الاسكتشات التمثيلية الذي تثق به الست بديعة كل الثقة.
لكن خبطة الخط كانت في انتظار زينات التي عرفت أخيرا أن (سي نجيب الريحاني) كان في ذلك الوقت زوجا للست بديعة وكان يتردد بين الحين والآخر على الملهي فلفت نظره تلك الشابة (الغلباوية) التي تكلم الحجر بل وتكلم نفسها أحيانا.. ورأي بعين الفنان إشارات يديها أثناء الكلام وسمع صوتها فأشار لها ليسألها بعد مراقبة طويلة:
انتي بتعملي هنا إيه يا شاطرة؟
وردت زينات الشاطرة:
ح أكون باعمل ايه يعني.. بارقص يا سي نجيب مع اللي بيرقصوا..
ثم اضافت: يا حسرة على شبابي.. يا ريتني كنت شاطرة ولا وزيرة!
وضحك سي نجيب قائلا:
انتي مش رقاصة يا بت انتي.. انتي ممثلة.. صوتك وغلباوتك وحركاتك كلها بتقول انك اتولدتي علشان تكوني ممثلة..
ثم فاجأها: اسمعي..
نعم يا سي الأستاذ آديني سامعة..
انتي من بكرة تجيلي فرقتي في عماد الدين.. تقبلي تشتغلي معنا ممثلة في الفرقة؟!
أقبل؟: طبعا أقبل.. أقبل ونص.. أنا من بكرة معاكوا في الفرقة يا سي نجيب..
ثم سألته : وح اشتغل ممثلة إيه يعني؟!!
قال: ممثلة تعملي اللي حتقرية واللي نقول لك عليه.. فاهمة؟!
فاهمة يا أستاذ.. م الصبح حتلاقيني عندك ف عماد الدين.
وقضت زينات صدقي من عام 1936 وحتى عام 1950 في فرقة نجيب الريحاني حتى كان إسماعيل يس قد اختار مسرحه خلف سينما ميامي بشارع سليمان باشا طلعت حرب لتبدأ عملها عام 1954 لتلتحق بها زينات صدقي عام 1950 من انضم إليها مثل حسن فايق وعبدالفتاح القصري وبعدها محمود المليجي وكثيرون غيرهم.
وفي فرق إسماعيل يس لفتت زينات صدقي إليها أنظار المخرجين فالتقطتها السينما لتبدأ مشوارا طويلا عملت فيه مع كل الفنانين تقريبا.. فقد عملت مع (محمد فوزي وسراج منير وعبدالفتاح القصري وفريد الأطراش وحسن فايق وسليمان نجيب وعبدالسلام النابلسي وفاتن حمامة وشادية ولولا صدقي وفؤاد شقيق وأنور وجدي) حتى الطفلة (فيروز) في ذلك الوقت.. كما عملت مع نعيمة عاكف وغيرها وكان فيلم (يا حلاوة الحب) هو الفيلم الوحيد الذي جمعها مع وداد حمدي!
كما عملت مع محمد التابعي ومنير مراد وهدى سلطان وعبدالعزيز محمود وغيرهم وغيرهم مثل أحمد رمزي وهند رستم وتوفيق الدقن فلم يكن ممكنا أن يخلو أي فيلم من هذه الفنانة خفيفة الظل طويلة اللسان..
والمثير فعلا أنها لم تكن تقتنع أحيانا بالحوار المكتوب فكانت تضيف كلاما إليه من عندها.. ولا ينسى لها جمهور السينما عبارات عاشت مثل (كتكت كتاكت.. كتاكيتوبني) أو (إنسان الغاب طويل الناب) أو ما قالته لعبدالسلام النابسلي في فسيلم (شارع الحب) وهى ترمي فوق رأسه (حلة الملوخية) وهي تنادية بانه “المهدي إلى الحديقة.. وارد أفريقا) وصحيتها المميزة في أكثر من فيلم بحثا عن العريس الغائب:
(عريس يا رب.. والنبي عريس)، أو البرنيطة التي تضعها فوق رأسها وفيها بعض الكتاكتت، وهي تداعبهم قائلة (كتكت كتاكيت.. كتاكيتو بني) فيضحك الجمهور.
ولعبت في بعض أفلامها دور الصديقة المخلصة.. بنت البلد ويشهد لها مخرجي أفلامها أنها لم تكن تتوقف أمام أي جملة في الحوار، وكانوا يدفعون على كل ما تقولها دون مناقشة..
وكانت النهاية لفنانة بهذه القيمة نهاية محزنة.. كانت تسكن في الدور الأرضي بأحد عمارات خط النزهة قريبا من شارع جسر السويس، ولم تكن تكلم أحدا كلمة زيادة عن صباح الخير أو مساء الخير.. حتى غابت فترة طويل تصارع بواب العمارة جيرانها بذلك، فتشاور الجيران الذين كانوا يعرفون عنها أنها تخرج صباحا لتعود في المساء..
وهكذا كل يوم فاتفقوا على أن يستصدوا إذنا من النيابة لتفح الشقة ليجدوها تجلس خلف الباب بملابس الخروج على أحد مقاعد الفوتيل ميتة بعد أن عادت من عملها.. أو فيما كانت تستعد للخروج.. وقد صدم الجيران أن كل أثاث الشقة كان قديما ومنتهيا يحتاج إلى تجديد رغم طول ما عملته في المسرح والسينما.. وقال بعض الجيران أنها كانت ضيفة في شقتها وأن وسيلة مواصلاتها الوحيدة كانت هى قطار المترو خط النزهة في ذهابها وعودتها يرحمها الله.ش