كتب : أحمد السماحي
كانت سوريا من الدول القريبة إلى قلب العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، حيث لم ينس لها أنها كانت سببا في شهرته، حيث حققت أغنياته الأولى فيها نجاحا، لم تحققه في مصر، وكانت بداية غناء (حليم) لسوريا عندما تمت الوحدة فى فبراير عام 1958 وأصبحت تعرف باسم الجمهورية العربية المتحدة، يومها غنى (حليم) نشيد (غني يا قلبي)، كلمات أحمد شفيق كامل، ألحان محمد عبدالوهاب، ومع ولادة الجمهورية العربية المتحدة بالاتحاد بين مصر، وسوريا، انطلقت الأغاني الوطنية مرحبة بهذا الإنجاز الذي كان حلماً للكثير من العرب.
وكان الموسيقار الكبير (محمد عبد الوهاب) من المرحبين بهذه الوحدة فقدم عام 1959 نشيده الشهير (الوحدة)، كلمات (أحمد شفيق كامل)، والذى عرف فيما بعد واشتهر باسم (الوطن الأكبر)، وقام (حليم) بغنائه مع مجموعة من المطربات هم (صباح، وشادية، وفايزة أحمد، وورده، ونجاة، وفايدة كامل)، وفي عام 1961 غني مع مجموعة من المطربيين والمطربات وهم (نجاح سلام، رفيق شكري، فايدة كامل، عبدالغني السيد، فايزة أحمد، محمد قنديل، نجاة، صباح)، نشيد (الثأر) كلمات أحمد شفيق كامل، وألحان علي إسماعيل.
لهذا عندما حدث الأنفصال عام 1961 سارع (حليم) بالإعلان عن غضبه وحزنه وألمه لهذا الانفصال، ويومها سجل أغنيتين من ألحان الموسيقار المجدد ورفيق دربه (كمال الطويل) الأولى بعنوان (لا يمكن)، كلمات الشاعر العبقري (صلاح جاهين) يقول مطلعها الذي ننفرد به :
لا يمكن لا يمكن
لا يمكن ولا خطوة ح ترجع
لا يمكن، لا يمكن
لا نسيب الأرض ولا المصنع
دولة اشتراكية وح تفضل
في طريقها ماشية وح توصل
والفرقة لا يمكن رح تحصل
لا يمكن لا يمكن…
وكانت الأغنية الثانية من كلمات الشاعر الغنائي الكبير (عبدالوهاب محمد)، الذي كان يغني له العندليب لأول مرة، ويومها التقط (عبدالوهاب محمد) كلمات أغنيته من كلمات الرئيس (جمال عبدالناصر) التى ألقاها في خطابه بعد الانفصال على الشعب، يعلن الانفصال ويتحدث عن الخونة المأجورين الذين كانوا سببا في الانفصال، وتقول كلمات الأغنية التى ننفرد أيضا بنشر كلماتها لأول مرة :
سمعت رئيسنا الصبحية بيتكلم
اتكلم بس في صوته رنة عربي بيتألم
ورئيسنا أما بيتكلم، بإسمع له لأنه الصادق
الصادق اللي تملي بيقول للشعب حقايق
لكن المرة دي سمعته، وسرحت بفكري
دقايق ودفايق قبل ما صدق
وبقيت مش قادر أتصور
وأنقل من سمعي لقلبي
اخبار إنسان في بلادي
يخرج م الصف العربي
يخرج عن وحدة شعب
من 30 مليون عربي.
بمجرد أن أذيعت الأغنيتين فوجئ الزعيم (جمال عبدالناصر) بسيل من الأغنيات تهاجم الخونة الذين كانوا وراء الانفصال، وبدأت بعض الأغنيات تخرج عن الإطار المرسوم لها، وتهاجم بعنف الشعب السوري، وهنا تنبه (عبدالناصر) إلى الخطر الداهم في هذه الأغنيات خاصة أن كبار وأساطين الغناء هم الذين يتغنوا بهذه الأغنيات فى مقدمتهم (أم كلثوم، عبدالحليم حافظ، نجاة، فايدة كامل، شادية، صباح، فريد الأطرش، كارم محمود) وغيرهم.
وهنا أصدر (عبدالناصر) أوامره لرئيس الإذاعة بمنع كل الأغنيات التى تغنت بالانفصال، وعدم إذاعتها إطلاقا، وبالفعل منعت هذه الأغنيات التى (لعلعت) فى الإذاعة ليوم أو يومين فقط، وظلت هذه الأغنيات ممنوعة حتى الآن، منها قصيدة (سمعته) للمطربة نجاة، وأغنية (باسم مين) كلمات أحمد شفيق كامل، وألحان رياض السنباطي، وغناء أم كلثوم، التى ظلت ممنوعة حتى ظهرت للنور عام 2000، ثم طرحت ضمن ألبومات أم كلثوم الوطنية، وبقيت بعض الأغنيات ممنوعة حتى الآن، منها الأغنيتين اللتين غناهما العندليب الأسمر، والتى كتب عنهما الكاتب الصحفي (جميل الباجوري) في مجلة (الكواكب)، وأكد في موضوع بعنوان (كل الحناجر، وكل القلوب هتفت للعروبة)، قائلا : (أن العندليب غناهما بكل الصدق اللي في الدنيا، وكان صوته مليئا بالحزن والألم وهو يغني، كلمات صلاح جاهين وعبدالوهاب محمد، وألحان كمال الطويل المعبرة).
المفاجأة أن هاتين الأغنيتين اختفتا تماما هما وأغنيات أخرى لـ (نجاة، وفايدة كامل، وكارم محمود، وفريد الأطرش)، وظهرت أغنية (إحنا وياك ياريس، فاهمين الوحدة كويس) لـ (شادية) في السنوات الأخيرة.
والسؤال: هل نطمع من أحد المذيعين المخلصين لمصريته ومهنيته، مثل الأستاذ (إبراهيم حفني) المذيع في إذاعة الأغاني، البحث عن أغنيات الانفصال، وإذاعتها كاملة كما أذاع من قبل الأغنيات التى تغنت لنجاة الزعيم (جمال عبدالناصر) من محاولة اغتياله على يد الإخوان المسلمين عام 1954 التى كانت ممنوعة حتى أفرج عنها عام 2012، والأغنيات شبه الكاملة لانتصاراتنا في حرب أكتوبر، وغيرها من الأغنيات النادرة التى كانت تذاع لأول مرة بعد اختفائها لسنوات طويلة جدا؟!، أم إننا نؤذن في مالطة! ولا حياة لمن تنادي؟!.