بقلم : علا السنجري
حين تجد مسلسل مكتوب بشكل جيد جدا و ليس مستوحى أو مقتبس بالكامل، تجد نفسك تشاهد بلا توقف حتى تصل إلى النهاية ، فكرة مختلفة وأحداث متصلة ببعضها بسلاسة حتى تكتشف الحقيقة أمام المشاهد ، هذا ما حققه مسلسل (التحقيق).
تبدأ الأحداث بخالد الذي يتعرض للضرب أثناء تلصصه على أحد الشخصيات العامة ، ويحاول إقناع زميله هشام بمساعدته في بحثه من أجل الحصول على جائزة مالية كبيرة من خلال قراءة كتاب بعنوان تحقيق وحل اللغز الموجود به، ويتخذ هشام الكتاب وسيلة ليهرب من مشاكله في البيت بعد وفاة أخته منتحرة وحالة والدته النفسية و اضطهاد أحد الأساتذة له في الجامعة .
الكتاب يدور حول فكرة التوازن والتلف للنعم التي وهبها الله لنا ، فإذا زاد أحد هذه النعم عن الحد الطبيعي تتلف وتتلف حياة الإنسان ، يوضح الكتاب فكرته من خلال شخصيات كنماذج ، ويطلب من القارئ أن يقابلهم ليتأكد من الأمر ، كما يجب على قارئ تحقيق أن يمنع تلك الشخصيات من الانتحار أو ارتكاب جريمة قتل ، نجد الكاتب الروائي الذي يشك في زوجته ، والأم التي تعيش مع ابنها الرضيع وتعاني من الفقر الشديد ، والرجل الوحيد من بعد وفاة زوجته ، والشاب الذي لديه صحة مفرطة بلا تعليم أو عمل جيد .
يحقق هشام مع مجموعة من الشباب الذين يريدون حل لغز الكتاب ، منهم الصحفية ، الفتاة التي تدرس علم نفس ، و صديقه ، وهناك العاطل ، يجتمعوا بشكل يومي يحللوا كل ما يصل إليهم من حقائق ، ليكتشفوا في النهاية أن كل من شخصيات الكتاب ارتكب ذنب والتوازن يجب أن يتم من خلال عقاب أما بالانتحار او بالقتل .
يحسب للعمل أن البطولة جماعية لمجموعة من النجوم الشباب ، مثل أحمد مالك وتارا عماد وخالد أنور وهدى المفتي و زينب الغريب وعلي القاسم ، إلى جانب نجوم كبار مثل طارق عبد العزيز و صفاء الطوخي و تميم عبده ومحمد الصاوي ويوسف إسماعيل وكمال أبو رية .
العمل من تأليف محمد الدباح ، وهو العمل الأول له ، قدم فكرة بحبكة درامية بإتقان شديد ، أحداث متصلة صعب للمشاهد أن يتوقعها ، تغيير المسار في النسق العام حدث باحتراف ودون فذلكة تفقد الشغف للمتابعة ، بل يزيد من حالة التشويق ، حوار رائع بين الشخصيات في مباراة نظيفة ، دون استخدام أي لفظ يسيء أو مشاهد مخجلة ، كعادة إنتاج المنصات بحجة حرية الإبداع .
ناقش محمد الدباح فكرة عناصر الحياة السبعة وفكرة الـ 24 قيراط ، وكيف يمكن التعامل معها ، وتأثير المورث الاجتماعي ، وربما من خلالهم ناقش فكرة التريند التي سيطرت على الميديا ، ففي النهاية كل شيءٍ بأيد ربنا .
في أول عمل من إخراجه ،نجح محمد فتحي في تجسيد العمل بشكل مبهر ،توضيح كل الاستنتاجات التي يصل لها الأبطال من خلال التصوير ، استخدام كل الأدوات وتوظيفها كرسالة تدل على حل رموز الكتاب .
المخرج محمد فتحي قاد فريق كبير ليرسم بالصورة العمل المكتوب بالموسيقى والديكور والاضاءة ، حتى التتر كان مختلف .
أحمد مالك قدم شخصية هشام الذكي في التحليل والشرح والمضطرب نفسيا بسبب إحساسه بالذنب لوفاة أخته ،خالد أنور قدم الشاب المحب للمال ويستغل كل من حوله ليحصل عليه ،تارا عماد اهتمت بالتفاصيل للشخصية جيدا ،علي القاسم يزداد نضجا في كل دور يقدمه بشكل مختلف ، زينب غريب الصحيفة الفضولية التي تستغل موهبتها للبحث عن المال والشهرة ، بسمة نبيل قدمت دور الأم التي أنجبت طفلا من علاقة مع كاتب معروف تعاني من الفقر ،مي الغيطي قدمت دور فتاة بسيطة الشكل التي تتحول إلى فتاة متكلفة المظهر والسلوك حتى يعجب بها الجميع. إسلام نجيب وأحمد كشك و رامي الطمباري توظيف جيد لدور كل منهم .
الفنان طارق عبد العزيز في دور مختلف ، يجسد شخصية كاتب شهير يدعى عماد صابر يمر بعدد من الأزمات مع زوجته ، ليثبت جدارته بموهبته .
فاطمة النصار أدت دور جديد عليها ،زوجة غامضة في تصرفاتها وغريبة في مواجهة مشكلتها مع زوجها
الفنانة صفاء الطوخي مبهرة فوق الوصف ،كل مشهد لها يعتبر درس لمن يتعلم عبقرية التمثيل ،قدمت دور الأم الحزينة لوفاة ابنتها منتحرة بكل ألم نفسي ظاهر او باطن بإجادة تامة .
شابو لكل من كمال أبو رية و محمد الصاوي و حمدي هيكل ،هم من يطلق عليهم السهل الممتنع .
تحقيق عمل جيد جدا لمنصة ربما أدركت احترام عقلية المشاهد وحرية الإبداع في معادلة صعبة لعمل درامي يجمع بين جيل الشباب ونجوم كبار بفكر مختلف .