بقلم : محمد حبوشة
الممتع في الممثل المجتهد، هو قدرته على عرض وإضافة أفعال بشرية، وتوليد مشاعر إنسانية محددة وواقعية بالتأكيد (سلوك/ فعل)، بواسطة مهاراته الفنية، وضمن ظرف حياتي معطى، والموهوب من الممثلين، هو ذاك الذي يمتلك القدرة على فهم وخلق طبيعة بشرية حقيقية، وتوليد مشاعر وأحاسيس صادقة، وإعادة إنتاج شخصيات وأنماط إنسانية لا حدود لها، ولذلك ليس من السهل تعريف فن التمثيل، لا لأنه فن مركب (جسد/ نفس/ شعور/ لاشعور) فحسب؛ بل لأنه جامع لفنون متنوعة ومختلفة، فثمة ما هو حي يجري فوق خشبة المسرح، أمام المشاهدين، وما هو إذاعي يتم بواسطة الميكروفون، بغياب الصورة؛ إذ نسمع فيه صوت الممثل ولا نرى جسده، وثمة فن آخر هو التمثيل السينمائي أو التلفزيوني الذي يحدث أمام الكاميرات، ويشاهده الناس صوتا وصورة، عبر الشاشة، بعد إكمال العمليات الفنية اللازمة.
وضيفنا في باب (بروفايل) لهذا الأسبوع النجم السوري الكبير والقدير (بسام كوسا)، موهوب حقيقيي، ولديه مهارات فنية تمكنة من تجسيد أصعب الأدوار، ويملك القدرة الفائقة على توليد مشاعر وأحاسيس صادقة، وهو في هذا لايعرف كلمة المستحيل في قاموسه الفني، لذا نستطيع أن نقول أنه (حقيقيا) وصادقا مقنعا، قادرا على عدوى المشاهدين بمشاعره، ويجعلهم يصدقونه ويتابعونه، وعلى الرغم من أنه لم يقف فوق خشبة مسرح ممثلا ومخرجا إلا في فترة دراسته الجامعية، إلا أنه أثبت أن فن التمثيل فطرة أو سليقة ولدت مع ولادته، وتطورت معه، سواء كان ذلك باللعب والتقليد أوالإشارة والبوح والهمهمات التي استخدمها الإنسان/ الطفل، قبل اللغة والعقل وقبل الحضارة والفن، وأقول الطفل لأن الأطفال الصغار يراقبون، ويقلدون الكبار بالفطرة، ويتعرفون الأشياء من خلال (تمثلها) وتجريبها (معرفة).
قمة الصدق الفني
وفن التمثيل عند (بسام كوسا) وحده هو الفن الذي يكون فيه جسد الممثل هو الأداة، وهو المادة، وهو الموضوع معا، هذه هى أولى خصائص فن التمثيل لدى (كوسا)، كما أن هذا الفن في عقله ووجدانه يتميز عن باقي الفنون الأخرى، بأنه فن جماعي مركب، تحيط به وتخدمه فنون أخرى، وهو الفن الوحيد كذلك، الذي يولد ويموت في كل عرض مسرحي، أو فيلم، أو مسلسل تليفزيوني أو إذاعي ، لأنه عرض حي (مباشر)، ولأن أداء الممثل يتغير بين مرة وأخرى، كما أن الجمهور يتغير بدوره كل مرة مع اختلاف الوسيط الفني، المهم أنه يحرص أن تكون عنده (قمة الصدق) هي (قمة الكذب)!، أي أن تكذب كي تكون مقنعا، ويصدقك المشاهدون.! والكذب هنا ليس أخلاقيا أو محرما، بل هو كذب مهني مشروع لمن امتلك المهارة الفنية، فـ (أعذب الشعر أكذبه) كما قال العرب.. وهذا ما نطلق عليه مصطلح (الصدق الفني) أو (الإيهام)، وجعل الآخر/ المشاهد، يتورط في لعبتك ويصدق ما يراه ويسمعه، كما لو كان حقيقة لا شك فيها.
يؤمن (بسام) كوسا أن الدراما موجودة في شتى النشاطات البشرية، موجودة في الشعر والموسيقى والأغنية والرقصة واللوحة والمنحوتة والعمارة؛ أي أنها موجودة في الكلمة والصورة والصوت، وقبل ذلك، موجودة في الوعي واللاوعي، وفي الجسد والرغبات ودوافع النفس البشرية المتضاربة، وهي أفعال ربما ليست جسدية بحتة، ولا ذهنية منفصلة عن الجسد، بل متظافرة متراكبة ومتّسقة معه، في فعل واحد: (خوف، شوق، أمل، غدر، شجاعة، خيبة، انتظار، مواجهة، حب، غيرة، خيانة…إلخ)، والجدير بالذكر أن وحدة الفعل هذه لا يجسدها إلا (الفاعل – الممثل) بكيانه كله، وبما يختزنه من معرفة وتقانة بدنية وروحية (مشاعر وخبرة وأحاسيس وحضور ورهافة وذاكرة وانتباه..)، وهو ما يفعله (كوسا) في كل حالاته الإبداعية.
أكثر من صفة ممثل
ومن خلال متابعتي لرحلة الفنان الموهوب (بسام كوسا) الطويلة في الإبداع الفني في الدراما التليفزيونية تحديدا، ألحظ جيد أنه لا وجود لسلوك فسيولجي مجرد (حركة)، ولا وجود لشعور أو إحساس نفسي لا يعبر عنه جسديا – بل هو بالضرورة – يقود إلى هدف محدد؛ لتحقيق رغبة محددة مضمرة، يحركها دافع قوي، مادي أو معنوي؛ وهذا يعني أو يشير بشكل محدد إلى أن الفعل يجب أن يكون مدركا، أي دراميا لدى الممثل المحترف، ولعل أعمال (كوسا) هى التي تحكي عنه، ولقب فنان يلبسه أكثر من صفة ممثل، ولأنه متمسك دائما بجوهر القضايا، فإن البعض يقول: إنه (دون كيشوت) الدراما، الذي لم تأخذه أمراض النجوم أو أوهامهم بالأحرى، فالقصة هنا مسؤولية ثقيلة لا ينوء بسّام بحملها عن طيب خاطر، لأن العناوين الكبرى للثقافة تستحق أن نخدمها بشكل صحيح.
التمثيل في مخيلة (بسام كوسا) كما ألحظه من مشاهداتي لكل أعماله هو الدراما، وهو فن الإتقان والمهارة والجمال، سواء كان فعلا أو أداء أو تقليدا أو تقمصا أو تجسيدا، وهو مثل أي فن آخر، يحتاج إلى المهارة الفنية والإتقان، لكن كي نميزه من بقية المهن الحرة التي تتوخى الإتقان وتعنى بالجمال، ولا تخلو من المهارة (النجارة والحدادة والسمكرة والخياطة والحلاقة)؛ فلا بد أن نضيف إليه المعنى (أو الغاية العليا لهذا الفن)، والمبنى (المقدرة على البحث، وإعادة خلق الشخصيات والنماذج البشرية)، بعيدا عن الابتذال والاستسهال والتقليد والتكرار الذي يُعتبر آفة فن التمثيل بخاصة، وألد أعداء الإبداع بعامة، والذي يُطلق عليه مصطلح (كليشيه – cliche)، أو (ختم: كليشه) بالعربية الدارجة، كما تعني: (التقنية) بالفرنسية، والطابع أو القالب بالتركية، وكل ما له علاقة بالأقوال المأثورة والعبارات والأفكار والصيغ المبتذلة المكررة لاتوجد على الإطلاق في قاموس (كوسا) الإبداعي.
النمطية والاستنساخ الأعمى
ويقيني الذي لايقبل الشك أن الفنان القدير (بسام كوسا) لا يعرف طريق النمطية والاستنساخ الأعمى، إن لم نقل التنفيذ السهل للأفعال الصعبة، وهذا هو الفرق بين المهارة الفنية في الإبداع والمهارة التقنية في الحرفة، انطلاقا من إدراك دفين بداخلة يقول إن أخطر شيء يمكن أن يواجه الممثل، هو تجسيد الحالات المتكررة كثيرا في الحياة وفي الدراما، مثل: الاعتراف بالحب، الخوف، السرقة، التحية، الدهشة، ويسأل نفسه دائما: كيف نحصن أنفسنا من الوقوع في (الكليشة) والتقليد، وكيف نبتكر تعبيرات جديدة لهذه المشاعر/ الأفعال؟ هذا هو سؤال الفن.
تجربة (بسام كوسا) الإبداعية، تنطوي على كم هائل من النبل، فقبل أن الغوص في جوانية الأدوار وفكرة الأعمال التي لبسها ولبسته، لابد لك من الذهاب إلى الينابيع التي اغتذى منها في شخصيات الواقع والتاريخ وغيرها، وإذا كان المثل الشهير يقول إن فاقد الشيء لا يعطيه، فإن ما يمتلكه بسام في جوانيته كثير ومتنوع إلى درجة تجعل المتابع يتأكد من حجم الثراء الذي يهبه للدور وليس العكس.. من أعطى للدراما أو من نحت الأدوار الدرامية أكثر، هل هو الفنان أم الشخصيات التي كان يعيد جبلها في كل مرة بحيث تكون أشهى وأشد دهشة؟.. من المؤكد أن ما فعله بسام على كل هذه الصعد، يعد ملامح فريدة تتطلب دوما الإضاءة عليها كنقاط ارتكاز، كي لا تضل التجارب الطريق أو يفقد الجيل البوصلة.
ولد الفنان بسام كوسا في مدينة حلب في سوريا، وتخرج من كلية الفنون الجميلة في دمشق – قسم النحت، وخلال دراسته الجامعية بدأ بالعمل كممثل ومخرج مسرحي في المسرح الجامعي مع المخرج الراحل فواز الساجر، ثم عمل في المسرح القومي وانتقل بعدها للعمل في السينما والمسلسلات التلفزيونية، ومثل أغلب الممثلين السوريين، كانت بدايات الفنان بسام كوسا في التمثيل المسرحي ومع بداية الثمانينات بدأ بالمشاركة في الأفلام السينمائية مثل (قتل عن طريق التسلسل – 1982، ليالي ابن آوى – 1989، شي ما يحترق – 1993، الكومبارس – 1993، صعود المطر، و المتبقي – 1995، تراب الغرباء، ونسيم – 1997، صندوق الدنيا – 2001، العشاق – 2005، محبس – 2017)، ورغم قلتها إلا أنها حققت نجاحا جيدا ومنها فيلم (قتل عن طريق التسلسل) في عام 1982، وفيلم (ليالي ابن آوى) في عام 1989، ويذكر أنه حصل على جائزة أفضل ممثل ثلاث مرات عن أفلامه: (الكومبارس، المتبقي، تراب الغرباء – 1997).
مسلسل (الفصول الأربعة)
أما عن مشاركاته في المسلسلات التلفزيونية فهى كثيرة جدا، وكان أولها في مسلسلات البيئة الشامية، حيث لعب دور سليم في مسلسل (لك يا شام) عام 1989، كما ظهر بدور حمدي في مسلسل (أيام شامية – 1992)، فضلا عن مشاركته في مسلسل (الشريد) أيضا في نفس العام، وعام 1993 شارك في مسلسل (أبناء وأمهات، والفراري – 1996)، وفي عام 1999 كان له أداء مميز لشخصية (نجيب) في المسلسل الاجتماعي (الفصول الأربعة) من إخراج حاتم علي، وفي عام 2000 كان ضيف شرف في المسلسل التاريخي (الزير سالم)، حيث لعب دور الملك التبع اليماني، وبنفس العام أخذ دور البطولة في مسلسل (الخوالي) الذي يتبع للبيئة الشامية وفيه لعب دور البطل الدمشقي الثائر نصار ابن عريبي.
ولم يبتعد كثيرا عن مسلسلات البيئة الشامية، فمن المعروف أنه شارك في أهم أعمال هذا النوع، ظهر بدور شخص شرير وطماع يدعى المخرز في مسلسل (ليالي الصالحية) عام 2004، كما شارك في الجزء الأول من المسلسل المشهور (باب الحارة – حيث لعب دور الإدعشري وهو رجل سيء وسارق، واستمر نجاح (بسام كوسا) في هذا النوع مع مسلسل (بيت جدي) بجزأيه في عامي 2008 و 2009، ومسلسل (قمر الشام – 2013)، ومسلسل (طاحون الشر بجزأيه في عامي 2012 و 2013)، وآخرهم مسلسل (الغربال) بجزأيه في عامي 2014 و 2015 بدور رجل شرير جدا يتعاون مع العدو الفرنسي ويدعى أبو جابر.
تألق بسام كوسا أيضا في المسلسلات الكوميدية ولاسيما في المسلسل الاجتماعي الكوميدي (قانون ولكن) في عام 2003 ومسلسلات (بقعة ضوء – 2002 ، عالمكشوف ،عصر الجنون – 2004، كما قدم في نفس العام واحدا من أعماله التي تركت بصمة لا تُنسى في ذاكرة المشاهد وأهمها دور (صالح المدمن على المخدرات)، وشارك بـ (حارة على الهوا – 2008)، بالإضافة إلى دوره المميز في المسلسل الاجتماعي الكوميدي الساخر (ضبوا الشناتي) بشخصية رب العائلة خليل، ودوره اللافت للانتباه في مسلسل (خان الحرير) الذي صور البيئة الحلبية بطريقة ناعمة وجميلة.
مسلسل (وراء الشمس)
وتألق في عدة مسلسلات أخرى مثل (الانتظار، الواهمون 2006 ، كوم الحجر – 2007) بدور الآغا، الحوت، حارة على الهوا، أحلام كبيرة، ، جمال الروح – 2008، زمن العار، الشام العدية، سحابة صيف – 2009، وغيرها من أعمال مهمة مثل (الذئاب، عالمكشوف، عز الدين القسام، باب الحديد)، وفي عام 2010 شارك في مسلسل (وراء الشمس) الذي أحدث ضجة إعلامية كبيرة حول نجاحه الرائع في تجسيده لدور (بدر)، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة ومصاب بالتوحد، وفاز بسام كوسا عن هذا الدور بجائزة أفضل ممثلٍ عربي من (مهرجان جوردن أووردز)، وجائزة (أدونيا) لعام 2010 لأفضل ممثل دور أول، وشارك أيضا في نفس العام بعملي (قيود الروح، والصندوق الأسود).
فضلا عن أعمالا أخرى في السنوات التالية مثل (السراب – 2011، طاحون الشر – 2012، قمر شام ، طاحون الشر 2 – 2013) ، وصرخة روح (2013 – 2014) – الجزء الأول والثانى، وعام 2014 أيضا قد مسلسلي الغربال ، والحقائب)، وفي 2015 شارك بمسلسله الأهم (صرخة روح)، وفي عام 2016 لعب دور البطولة في مسلسل (دومينو) بشخصية نوح علم الدين وهو رجل أعمال كبير في سوريا يتزوج من فتاة صغيرة، وفي عام 2017 قدم مسلسلات (شبابيك، أهل الغرام – الجزء الثالث، الرابوص) وهو دراما الرعب و التشويق الأولى من نوعها في الوطن العربي.
براعة التجسيد الدرامي
شارك الفنان بسام كوسا في عام 2018 بمسلسلي (روزنا، دوت) وفي مسلسل (سلاسل ذهب) عام 2019، وفي عام 2020 شارك بمسلسلي (سوق الحرير ج1)، سر) والأخير مسلسل (سر) يحظى بكم من الإثارة والتشويق التي تعتمد على براعة بسام كوسا في التجسيد الدرامي، حتى إنه يمكن القول أن هذا المسلسل علامة مميزة في تاريخ بسام كوسا الفني من فرط إبدعه في التقمص واللعب على المشاعر الدراخلية لزوجته النجمة (داليدا خليل) وأضاف لمسيرته التي تتسم بالزخم مسلسل (سوق الحرير ج2) عام 2021.
بسام كوسا متكتم بكل ما يتعلق بحياته الخاصة وعائلته، فهو متزوج ولديه ولدان هما وجد وثائر، ولكنه يشير دائما إلى دور زوجته المهم في نجاحه وحصوله على جائزة ميوركس دور لأفضل ممثلٍ عربي، وفاز بسام كوسا ثلاث مرات بجائزة أفضل ممثل: في مهرجان طهران عن فيلم (المتبقي)، ومهرجان معهد العالم العربي بباريس عن فيلم (الكومبارس)، ومهرجان البحرين عن فيلم (تراب الغرباء)، وحصل على جائزة أدونيا لأفضل ممثل دور أول عن دوره في مسلسلي (سحابة صيف، وراء الشمس) في عامي 2009 و 2010 على التوالي، وحصل على جائزة أفضل ممثل عربي في مهرجان جوردان أووردز عن دوره في مسلسل (وراء الشمس)، وفي عام 2010 حصل على جائزة أفضل ممثل عربي في مهرجان ميوركس دور، وكتب بسام كوسا العديد من المقالات النقدية السياسية والاجتماعية، وعلى الرغم من إبداعه في مجال البيئة الشامية فهو ليس من المهتمين بالأعمال التاريخية، بل ينتقدها ويرى فيها بكاء على الأطلال.
……………………………………….
أشهر أقوال بسام كوسا :
** من غير الممكن أن تقوم قائمة لأي أمة لا تأخذ الثقافة بعين الاعتبار، وأقصد هنا الثقافة بجميع مناحيها واختصاصاتها، خاصة عندما نتحدث عن بناء الأمم الحديثة التي تحتاج التأسيس الثقافي أكثر من غيرها لأن الثقافة لديها ستكون البنية التي ستتحمل كل شيء.
** مهنتنا مهنة تجريب ومعظم الفنانين في العالم ماتوا وهم مازالوا في حالة التجريب وسأبقى إلى أن أموت في مرحلة التجريب، ولو قام الممثلون العباقرة عبر التاريخ بإلغاء قضية التجريب من أذهانهم لكان التمثيل انتهى عندهم بالتأكيد!.
** باعتبار أن جزءا من مهنة الدراما يعتمد على الميديا ووسائل التواصل، كان لهذه المهنة نصيب من المنجز العلمي، لكنه أتى في وقت نحن في حالة إنتاجية مضطربة.. فقبل الأزمة كان الوسط الدرامي غير موفق وغير محظوظ بمجموعة من المنتجين الذين لم يكن يعنيهم الشأن الثقافي.
** أنا واحد من الناس الذين يدينون إلى القطاع العام، فهذا القطاع قدم طاقات فنية هائلة حتى إلى المناطق العربية، هو القلعة الأخيرة التي نحتمي فيها، ولا ننكر أن القطاع الخاص قدم شيئا مهما، أما بالنسبة للمواكبة فالقطاع العام لم يواكب الخاص الجيد، لعدد كبير من الأسباب منها المحسوبيات والوساطة والسرقة!.
** الدراما العربية تدور، للأسف الشديد، في دائرة محدودة ولا تخرج منها، وتستخدم أدوات التعبير وآلية التفكير القديمة، ما يؤكد أننا في حاجة إلى اختراقات في آلية وطريقة العمل، سواء في النص أم الإخراج، أم في الأداء التمثيلي، حتى نخرج من السبات الفني.
** أنا مؤمن بمن هم قادمون.. فالجيل الشاب هو الهدف وهو الذي يقول ما لم يستطع غيره أن يقول، ولكن عندما نجد التجارب الشبابية فقط للدعاية والإعلان يفترض أن نشير إلى هذا الأمر كي نحافظ على الدقة المطلوبة في التوصيف!.
** كل من عمل في أعمال درامية خارج سورية، هذا حقه الإنساني والمهني والشخصي، ومن المعيب سؤاله عن ذلك، فلا يستطيع أحد أن يفصل الناس على مقاسه وكل ما نفعله اليوم وفي جميع القطاعات هو الدفاع عن الحياة.
** لا أزال في فن التمثيل هاويا، فروح الهواية يجب أن تبقى موجودة عند كل مبدع، لأنها تقدم حالة الشغف، والاستكانة لفكرة الاحتراف تعطي نوعا من الاسترخاء، أما الهاوي، فهو شغوف دائما، أنا محترف هاو في فن التمثيل!.
يتمتع بموهبة فذة
وبعد مامضى لابد لي من تحية تقدير واحترام للنجم السوري الكبير (بسام كوسا) الذي أغنى أرشيفه بأيقونات تمثيلية يحكى عنها وعن جمالياتها، ورغم العمر الفني الطويل يشعر الجمهور معه أن ما يمتلكانه من موهبة أكثر بكثير مما ظهر على الشاشة، فهو يتمتع بموهبة فذة، وقدرة على تجسيد إحساس الممثل والتعبير عنه بأدوات خاصة شكلت فيما بعد لغة متفردة في التعاطي مع حالاته الدرامية، ونجح بسام كوسا منذ بدايته بما يسمى أعمال البيئة الشامية، وحفر حضوره جيدا في ذاكرة الجمهور، عبر مسلسلات رسخته بطلا خيرا حينا، كالمقاوم والمناضل نصار بن عريبي في الخوالي، وشريرا حينا بل في أغلب الأوقات كالمخرز في ليالي الصالحية، والإدعشري في باب الحارة، وصبري أفندي في بيت جدي، وأسعد في الحوت، وعاصم بيك في طاحون الشر، وأبو جابر في الغربال، والصائغ مهيوب في سلاسل دهب.
وفي أدوار الشر تلك تفاوت عنصر الشر بين شخصية وأخرى، بعضها تمتعت بالشر المطلق، وأخرى لم يرغب تجريدها من إنسانيتها كاملة، ومن هنا طرح نفسه بذكاء ماكر لكن محبب، واللائحة الإبداعية معه تطول، ولو أردنا تفصيل كل فئة فنية، أو دورا جسده أمام الشاشة الصغيرة والكبيرة، لن يكفينا مقالا واحدا أو حتى عشرة، للحديث عنه وإنصاف فنه، ففي الكوميديا هو رقم صعب، لا يمكن تجاوزه أو تجاهله، فشخصياته لها علينا حق، حق الذكر والإشادة، فزارع البسمة لا يمكن أن تنساه الذاكرة، ولو بعد حين، ولا يوجد ذاكرة بمقدورها نسيان حكاياته المتعددة في بقعة ضوء، أو ناظم بك في قانون ولكن، أو أبو وديع الجار المهووس بالتجسس على سكان حارته في حارة ع الهوا، أو حتى الرجل الطيب البخيل الذي يحسب القرش أين صرف في شخصية خليل في ضبوا الشناتي.
وأخيرا وليس آخر لابد لي أذكر أنه سيظل عنوان (بسام كوسا) الفنان والإنسان والروائي الذى أصدر روايته الأولى (أكثر بكثير) قبل أيام، العفوية والصدق في التعامل مع تلك الشخصيات والتقاط أبسط تفاصيلها الحياتية، وتحقيق التقمص الروحي والخارجي لها وراء محبتنا وتعلقنا بها، لذا كانت أدواره بغالبيتها أحصنة رابحة في ميدان الفن، نقلته لمكانة بعيدة عن مصاف النجوم، فهو لا ينافس سوى نفسه، وقد قال عنه الفنان الراحل نور الشريف: (هناك فنان سوري أعشق تمثيله وهو بسام كوسا، وأراه واحدا من أندر الممثلين في العالم، وقد منحته مرتين جائزة أحسن ممثل وأتمنى أن يعمل في مصر).