بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد
استقبل الوسط السينمائى و الفنى – و ربما الجمهور أيضا – خبر عودة الفنان الكبير حسين فهمى ( أو البرنس كما يناديه الأصدقاء ) إلى رئاسة مهرجان القاهرة السينمائى بكثير من السعادة و الارتياح ، و نشر كثير من الفنانين التهانى ، و عبروا عن أمنياتهم للفنان الكبير بالنجاح فى مهمته . و لم تكن تلك التهانى و الأمانى مجرد مجاملات ، فالحقيقة أن المشاكل التى أثارتها الادارة السابقة للمهرجان و الأقاويل التى أثيرت حولها كانت ضخمة و وصلت إلى مرحلة خطيرة تهدد المهرجان نفسه .
و برغم أن كثيرين حاولوا شيطنة المنتج محمد حفظى لخلافهم معه حول أسلوب إدارته للمهرجان و الاتهامات التى لاحقته بتسخير المهرجان لمصلحته الشخصية و لمصلحة شركاء أعماله الخاصة ، إلا أن النظرة الموضوعية تكشف أنه استطاع أيضا أن يقود سفينة المهرجان فى وقت عصيب و ينجو بها من التحطم فى وسط عواصف عدة كانت كفيلة بعرقلة المسيرة ، فلا أحد يستطيع أن ينكر أن الجائحة و ما تبعها من إغلاق أثرت على المهرجان ، و لكنه حقق خلال رئاسته عدة إنجازات منها تنظيم (ملتقى القاهرة السينمائي)، الذي يقدم جوائز تصل قيمتها إلى 300 ألف دولار، لمشاريع الأفلام الجديدة في مرحلتي التطوير وما بعد الإنتاج . كما أضاف لنشاط المهرجان (أيام القاهرة لصناعة السينما) و هى عبارة عن سلسلة من الندوات والموائد المستديرة والمحاضرات يقدمها صناع السينما من أنحاء العالم للمهتمين ، و غيرهما من النشاطات التى ساهمت فى تحسين صورة المهرجان و عودته إلى الصدارة ، متخطيا المشكلة الأولى التى جابهته ، و التى كانت صداعا دائما لكل قيادات المهرجان السابقة و هى ضعف ميزانيته ، و استطاع التغلب عليها باحترافية عالية بأن اعتمد على مجموعة من الرعاة ساندوا المهرجان حتى تضاعفت ميزانيته عدة مرات .
فمنذ نشأة المهرجان على يد الصحفى و الأثرى الكبير كمال الملاخ عام 1976 من خلال الجمعية المصرية للكتاب والنقاد السينمائيين كانت مشكلة المهرجان الأساسية و الأولى هى التمويل ، و ظل شبح التعثر المالى مسيطرا طوال سبع سنوات ، و لذا تشكلت لجنة مشتركة من وزارة الثقافة ضمت أعضاء الجمعية واتحاد النقابات الفنية للإشراف على المهرجان عام 1983، و تولى مسؤوليته الأديب والمناضل سعد الدين وهبة ، و منذ ذلك الحين تولت وزارة الثقافة الإشراف على المهرجان و أصبح نشاطا حكوميا يعتمد ماديا على ما تخصصه له الوزارة من أموال ، و خلال فترة تولى الكاتب الكبير سعد الدين وهبة لرئاسة المهرجان التى امتدت لحوالى 12 عام ، استطاع الضغط على الوزارة و الحكومة للحصول على الأموال التى تضمن للمهرجان الظهور بصورة رائعة تليق باسم مصر و تليق بمهرجان رائد ، هو أول مهرجان سينمائى دولى فى المنطقة العربية . و الحقيقة أن وهبة لم ينجح فى هذا فقط، بل وضع اسم المهرجان ضمن المهرجانات الثلاث الأولى فى العالم ، إضافة إلى جعل المهرجان أيقونة نضال برفضه التطبيع مع العدو الصهيونى باستضافة أفلام أو شخصيات إسرائيلية ضمن برامجه ، و ظل محافظا على سمعته و قيمته الدولية ، برغم الموقف السياسى المضاد لمافيا السينما العالمية التى تسيطر عليها الصهيونية .
و بعد وفاة الكاتب الكبير جاء حسين فهمى بداية من الدورة الثانية و العشرين عام 1998 ، ليقود المهرجان خلال 4 دورات عانى فيها معاناة شديدة بسبب ضعف الميزانية حتى إنه فى النهاية استقال بسبب عدم تنفيذ الوعود الدائمة بزيادتها ، فلقد كانت له طموحات متعددة يحدها ضعف التمويل ، فمع تولى البرنس انتقل المهرجان إلى العصر الحديث ( عصر الانترنت و الديجتال ) فقد تم تدشين أول موقع إليكترونى للمهرجان ، كما تم لأول مرة توزيع أسطوانة تحمل وقائع المهرجان على الضيوف، و كانت تلك هى الخطوة الأولى فى طريق طويل مليئ بالاحلام ، لم يتحقق للأسف و لكننا خلال تلك الدورات رأينا اهتماما بدعوة ضيوف من النجوم العالميين أضافوا بريقا للمهرجان و ساهموا فى تدعيم مكانته . و لكن لم تخل فترة رئاسة البرنس من المشاكل أيضا ، و خاصة فى مواعيد عرض الأفلام التى كانت تعرض فى دور سينما كثيرة ممتدة على مساحة القاهرة الكبرى ، و لعل أطرف تلك المشاكل قيام أحد المواطنين بتحرير محضر ضد إدارة المهرجان بسبب تأخر عرض أحد الأفلام ، وبررت إدارة المهرجان هذا التأخير بانفجار ماسورة مياه عطلت المرور و منعت السيارة التى تحمل الفيلم من الوصول للسينما فى موعدها !!
و فى ذلك الزمن لم تكن تلك مشكلة المهرجان وحده ، بل كانت مشكلة القاهرة كلها و كثير من المدن المصرية حيث تنعدم دقة المواعيد أمام أزمات المرور المتكررة و شوارعنا المكتظة ، و لكن المشكلة الأكبر التى أثارت محبى المهرجان و عشاق السينما هى قرار البرنس بأن يكون حضور حفلى الافتتاح و الختام ( ببدلة السهرة )، و هى رفاهية لا يملكها سوى النجوم ، فقامت الدنيا و لم تقعد ، برغم إصدار إدارة المهرجان تفسيرا أنها قصدت البدلة الكاملة و ليس بالضرورة بدلة سهرة ، و برر البرنس قراره بأن يريد الحفاظ على شكل و بهاء المهرجان ، و لكنه لم يسلم من الهجوم و الغمز و اللمز !!
أيا ما كانت المشاكل التى صدرت عن إدارة البرنس للمهرجان فى ذلك الحين ، فهى أصغر من أن تقارن بمشاكل إدارة حفظى ، الذى لم ينتبه إلى أن المهرجان ظل لسنوات طويلة عنوانا للصمود ضد التطبيع ، فأراد كسر هذا الصمود مرتين ، الأولى تراجع عنها ، أما الثانية فقد أصر عليها ، برغم أن الصهيونى المدعو كان ممثلا من الدرجة الثانية بعكس الأول الذى كان مخرجا مهما و شهيرا و له تاريخ سينمائى كبير. أما الدورة الأخيرة فقد امتلأت بالأخطاء التى تسببت فيها المصالح حتى طغت تلك الأخطاء على كل نجاحات المهرجان ، بداية من الاحتفاء بمسلسل تليفزيونى – هو شريك فى إنتاجه – فى مهرجان للسينما ، نهاية بتفضيل الشركاء و الأصدقاء و إسناد مهام لهم فى المهرجان ليسوا أفضل من يقوم بها .
و إذا كان البرنس فى فترة رئاسته قد شكى من التهافت على الدعوات المجانية حتى انه اضطر لايقافها ، فحفظى استطاع تقنين هذه المسألة حتى للصحفيين ، و أنشأ نظاما إليكترونيا للحجز رفع عدد التذاكر المباعة إلى 43 ألف تذكرة فى آخر دورة .
نتمنى أن يحافظ البرنس – كما صرح بنفسه – على الإنجازات التى حققها حفظى خاصة فى مجال الرعاة ، و أن يتجنب أخطاؤه التى يعلمها الجميع ، فلا يحاول كسر حالة رفض التطبيع ، و ألا يخلط العام بالخاص ، و من المؤكد أنه لن يدير المهرجان لمصلحة شركته أو شركائه . و نتمنى من وزارة الثقافة ألا تبخل بالتمويل الضرورى لمهرجان عريق يمثل واجهة ثقافية و سياحية لمصر ، و أن تسعى لدى وزارة المالية حتى لا يتم تطبيق قرار تخفيض المصروفات على المهرجان حتى لا يستقيل البرنس مرة أخرى .