نسرين طافش تعيد ألق الدراما السورية بـ (جوقة عزيزة)
كتب : مروان محمد
يبقى البعد الإنساني في كل أعمال النجمة العربية (نسرين طافش)، سورية المولد (فلسطينية – جزائرية الهوية)، هو الأعمق والأصدق الأكثر ألقا وتوهجا في سلسلة إبداعها التمثيلي، وربما يعود ذلك لكونها ابنة شاعر فلسطيني كبير هو (يوسف طافش) الذي واجه في طفولته الأحد والأكثر ضراوة، جراء ما عاشه وعانه وشاهده من عصابات الصهاينة التي كتبت له الغربة الهجير في سوريا، وكتب ما كتبه بحبر دمه، ونزف محبرته، ومعاناة نسجت ضميرا شعريا حاد التوهج والبهاء!، ويبدو أن طيفا من هذا قد لامس شغاف قلب ابنته (نسرين) التي تتمتع بجاذبية آسرة على الشاشة فور أن تطل في أي عمل عربي على جناح الألفة التي تلازمها في شخصيتها الحقيقية حيث تحرص دوما على جلب البهجة والسعادة لجمهورها المتنوعة بين الاجتماعي والكوميدي والتاريخي والبدوي في فتنة غالبة، ولعل هذه الألفة هى سر نجاحها، وواحدا من أهم أسباب نجوميتها التي أكدتها في مصر مؤخرا.
وكونها تمتلك طاقة إيجابية كبيرة استمدتها من (علم الطاقة والروح)، فهي بالأساس ممن يؤمنون بعلم الطاقة، لذا فهي تعكسه في صورة روح شفافة تحلق في سماء الكون، محبة للسلام الذي تتمنى أن يعم البشرية، لذا تعلق دائما قائلة: (لست من أنصار الصراعات و الحروب لأنها لا تؤدي إلا إلى الهاوية .. ثقافة العنف ما بتولد إلا العنف .. ثقافة الكراهية ما يتولد إلا الكراهية .. لكن الظلم إحساس بشع.. لطالما كنت مع المحبة مع السلام مع الأمل أن أهل هالأرض اللي فيها حاليا ينعمون بالسلام والآمان)، ومن أجل المحبة والسلام التي تتمناه لسوريا في وضعا الحالي، أرادت وهى العاشقة للخيل أن تكون تعتلي صهوة جواد الإيجابية على جناح طائر محلق في فضاء الكون الرحب لجلب البهجة والسعادة لجمهور هدته آثار الحرب القاسية، وذلك بتقديم عمل فني استعراضي (غنائي راقص) من خلال مسلسلها الرمضاني (جوقة عزيزة) الذي أراه من خلال البرمو الذي أطلق بالأمس سوف يكون قادرا على أن يعيد ألق الدراما السورية من جديد عبر الحنين إلى ماضي سوريا العريق في عشرينيات القرن الماضى.
من جانبها أكدت نسرين طافش لـ (شهريار النجوم) أن العمل يجمع بين الدراما الثقيلة العميقة والبهجة المدروسة المبهرة، كما أن عزيزة بالنسبة لها تمث دورا استثنائيا فارقا في حياتها المهنية، فهي شخصية خفيفة الظل، متمردة وذكية ولكنها في ذات الوقت طفلة فيها قدر من الأنوثة الساحرة و فتاة شعبية وملكة متوجة قاسية و مكسورة حازمة ودمها شربات، ومن أجل كل ذلك لقبت بـ (ملكة المسرح و بهجة الغناء)، وهى فنانة استعراضية تمثل ترقص و تغني كما أنها تمثل تجسيدا حقيقي لروح هذا الزمن الجميل ربما يحدث نوعا من الإسقاط على الواقع الحالي من خلال قصة مشوقة تملك القدرة على أن تنتشل السوريين من أزمتهم الحالية التي يعيشونها كي تتدفق في رئتي الإنسان أنفاس هادئة تقوى على تهدئة الحالة السوادية جراء الحرب البغيضة التي فرضها الغرب على سوريا.
ومن خلال مشاهدتي للبرومو أضم صوتي لصوت نسرين في نظرتها المتفائلة، فقد لاحظت أنه يحمل قدرا من الإثارة التي يختلط فيها الكوميدي بالتراجيدي، والغناء بالرقص والاستعراض بمواقف تحمل في طياتها عبق ماضي سوريا الجميل، كما يتضح أيضا أنه عمل فخم ومشغول على نار هادئة، وتدور أحداث العمل في سنة 1929 في دمشق ويروي حكاية متخيلة بالكامل تدور في زمن ومكان محدد، على حد قول مؤلفه خلدون قتلان، فجغرافيا المكان معروفة شارع (البدوي الدمشقي)، والذي كان يعرف بزمن الانتداب بشارع المرقص، لوجود مدرسة تعليم الرقص الشرقي الوحيدة في دمشق والتي ساهمت في إحياء الحركة الفنية في ذلك الوقت، الأمر الذي شكل مناخا مناسباً لصنع الحكاية.
والمسلسل من خلال أحداثه التي تتسم بقدر كبير من الإثارة والتشويق يجسد في طي حلقاته بشكل توثيقي ورصد كيفية تأدية بعض الأدوار التي كانت تغني في ذلك الزمان مثل سيد درويش وغيره من فنانين تلك الفترة، أو من خلال الذكر العلني لنجوم ذلك الوقت على لسان الشخصيات، فالناس في الشام كانت ترحب بقدوم كبار مطربي القاهرة إلى دمشق مثل (منيرة المهدية، ومحمد عبد الوهاب) اللذان قدما منفصلين حفلات على مسرح (العباسية) في دمشق، ويتم تداول اسطواناتهم وسماعها في الشارع، وبما أن العمل قد نفذ على الورق خلال 14 شهر وهو وقت طويل لكتابة عمل نظن أنه سيجلب المتعة والسعادة ليس للجمهور السوري والمصري بل العربي كله جراء جمال رونق صورة وبهاء مناظر هذا الزمن الفتي الذي كان يحظى بالمواهب على اختلاف أشكالها وألوانها.
ويشارك نسرين في بطولة هذا العمل كوكبة من النجوم السوريين واللبنانيين وعلى رأسهم الفنان القدير (سلوم حداد) الذي يجسد دور طبال عزيزة، وقد بدا لي من خلال البرومو، أنه فنان يملك قدرة عالية على الأداء، وعليه يبدو أنه سيلعب دورا محوريا في الأحداث عبر شخصية يجب أن تُفَعل الشخصية بشكل كبير في محيطها الدرامي لتأخذ شكل آخر كان كافيا لإقناع (سلوم) ليتبناها وبكل سرور بعد أن وجد في الشخصية ما يحرك قدراته، وكما يعلم الجميع سيغني الأستاذ سلوم في الدراما لأول مرة، وله عدة أغنيات يقدمها النص.
شخصية الراقصة (عزيزة) شخصية محورية في العمل بحسب – قبلان – فهى (عزيزة اللذيذة) كما يلقبها جمهورها، هى بالفعل كانت كذلك على الورق فهي تتمتع بالذكاء الفطري ولديها من الجمال ما يكفي للفت انتباه الرجال، ولديها من الطموح ما يكفي للوصول إلى ما تريده، وعلى هذا الأساس تم بناء الشخصية، فكانت والجوقة الدائرة الأولى التي تتولد من حولها دوائر تنسج الحكاية، وبعد أن تم ترشيح الفنانة (نسرين طافش) للعب دور عزيزة كان من الطبيعي أن نناقش معا الشخصية ليتم الوصول إلى كشف كل مكنوناتها، فتحدثنا على الهاتف مطولاً لعدة مرات بسبب وجودها في القاهرة.
بقي أن نقول أن (جوقة عزيزة) يأتي كتتويج لفترة مهمة في تاريخ سوريا الحديث، حيث يعيد أجواء ما كتبه في عام 1927 الصحافي الفرنسي جوزيف كيسيل (1889-1970)، من خلال كتاب بعنوان (في سوريا)، طرح فيه هذا السؤال الذي يطرح بإلحاح الآن: من يفسر لماذا نُقتل ومن يقتل؟ في الحقيقة، إذا كان من عذر لافتقاد المعلومة، فبوسعنا البحث عنها ضمن التعقيد المرعب الذي يسود سوريا، وعن دار(خطوط) الأردنية، صدر الكتاب بنسخة عربية بترجمة الكاتب المغربي سعيد بوخليط، والذي يعلق على هذه العبارة في المقدمة ويقول: (هذه الجملة المكثفة والمركزة جداً، قدر استشرافها البعيد المدى، انطوت عليها إحدى فقرات كتاب كيسيل، الذي يعود تاريخه إلى أواسط سنوات العشرينات،
والمفارقة المدهشة، يقول (بوخليط) رغم قدم المسافة بعقود طويلة، فبالتأكيد، عبارة لازالت تنطبق حتى اليوم، ربما تمام الانطباق بدون مبالغة على ما تعانيه سوريا تبلور أعتى مستويات – اللامعقولية – التي يعجز أي ذهن بشري عن تمثلها، إذن لما تعاني سوريا ما تكابده؟، لماذا يقتل الناس هناك؟ من القاتل؟ ثم أساسا وقبل كل شيء ما دواعي ومبررات القتل؟ حتما، العبقري كيسيل استبق غفلتنا جميعا.
وملحوظ أن (كيسيل) في كتبه المختلفة يروي القصص بقوة ومتعة، وفي وصفه تتدفق المناظر الطبيعية والناس على اختلافاتهم، وينفرد عن كثير من كتّاب الرحلات الفرنسيين في عصره بشكل خاص، بفضوله وتقديره للثقافات الأخرى، وبعد مرور ما يقرب من قرن على كتابه هذا، لا يزال مقروءاً من دون أن نلمس فيه نفس الاستشراق المعتادة في مثل هذه الكتابات، ولا يعتقد (كيسيل) أن الغرب يحمل كل الإجابات أو أن حضارته متفوقة على الحضارة التي يزورها.
كتب (كيسيل) الكثير من الروايات وكان أشهرها رواية (الأسد) التي كانت أهم أعماله الأدبية، وكتاب (في سوريا) ليس إلا كتيبا بين مجموعة كبيرة من إصداراته، ويتناول فيه رحلته إلى سورية؛ عن ذلك يقول بوخليط في مقدمة الترجمة (إنه عمل تجاوز مستوى الانطباعات والارتسامات الشخصية، المنقادة وراء التقاط محايد لمتواليات رحلة عادية، مرتقيا حقيقة غاية التقييم الموضوعي الحاذق لجوانب من سياق المرحلة، المعروفة تاريخياً بالانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان (1920-1946)، وما انطوى عليه من منزلقات سياسية وجغرافية وثقافية وإثنية وعسكرية، استمرت وامتدت تراكماتها البنيوية حتى الزمن الراهن).
جدير بالذكر أن مسلسل (جوقة عزيزة) هو الذي شجعني على استدعاء فحوى العبارات في الكتاب الذي يلامس نفس أجواء المسلسل وظروف تصويرة في ظل المحنة السورية الحالية، ويروي الكاتب عن رحلته: (أعشق الشرق، هو ليس بعذري الوحيد للرغبة في التكلم عنه، لأني لا أعرفه جيدا، إننا لا نذهب إليه، وينبغي أن يأتي إليكم، مما يقتضي وقتاً، والحال أني قضيت خلال مرتين، ما بين ثلاثة إلى أربعة أسابيع في سوريا، هذا كل شيء، ثم ابتغيت أن أعيش التجربة صحفيا، بمعنى قضاء أغلب يومياتي مع جنرالات وموظفين كبار).
ويضيف: (سوريا.. ماذا نعرف عنها؟، لنعترف بالأمر دون كبرياء مزيف، فقط بعض الوقائع التاريخية المبهمة حول الحروب الصليبية، ثم بعض الصفحات الشهيرة والأسماء الجميلة لدمشق وتدمر والفرات، ذاك كل زادي بالنسبة لبلد كبير وخصب، يعيش تحت الانتداب الفرنسي، ويكمل قائلا: (لكن، من يبين أهمية هذا الانتداب؟، ثم بوسعه أن يرسم – اللهم إلا مختصين قليلين – المظهر السياسي لهذا البلد؟، من يفسر: لماذا نُقتل ومن يقتل؟ في الحقيقة، إذا كان من عذر لافتقاد المعلومة، فبوسعنا البحث عنها ضمن التعقيد المرعب الذي يسود سوريا) .. أليست أجواء كتاب كسيل عن هذا الماضي تشبه في تفاصيله أجواء ما يحدث اليوم على الأراضي السورية بل حمل ذات علامات الاستفهام الكبيرة؟!.