محمد ضياء يخرج عن المألوف بأغنية للأم
كتب : محمد حبوشة
أول أمس الاثنين 21 مارس كان عيد الذي نحب.. الأم، ذلك الحضن الدافئ الذي نحتاجه في كل لحظة، ويظل حنين الأم هو رحيق الحياة، وعطر الوجود، وبلسم الجراح، كما أن الأم هى الصفاء والنقاء والأمل، بل إن الأم تظل أغنية الوجود الباقية في ذاكرة أبنائها، وهى بمثابة همس الموج، وإشراقة الفجر، وفي يوم عيدها يغني الأبناء لها معزوفة جديدة على وتر الحياة، لتأتي تلك الأغاني كوردة.. وقبلة حب وأمل، ويقول شاعر الحب والحرية (نزار قباني) مخاطبا أمه من خلالها كل الأمهات:
صباح الخير يا حلوة
صباح الخير يا قديستي الحلوة
مضى عامان يا أمي
على الولد الذي أبحر
لرحلته الخرافية
وخبأ في حقائبه
صباح بلاده الأخضر
سلامات
سلامات
إلى بيت سقانا الحبّ والرحمة
إلى أزهارك البيضاء
هى إذن الأم التي كم من تغنى بها نزار وهزه الشوق إليها.. فأنشد لها قصائد وصاغ لها أشعارا وكلمات وخواطر وخط بمداد قلمه عبارات معطرة بالمسك والعنبر، ولقد حفلت المدونة الموسيقية العربية بكم كبير من الأغاني التي تحدثت عن الأم وتوقفت عند خصالها وخصوصياتها ومزاياها.. أغنيات خالدة.. راسخة في الذاكرة.. رغم أننا لا نستمع إليها إلا في المناسبات القليلة.. ومع ذلك فهى أغنيات لا نملها.. بل نزداد عشقا وحبا لها.. هى أغنيات الحب الصادق والعشق الدائم لأعظم كائن في الوجود.. الأم، ولعل (ستّ الحبايب يا حبيبة).. واحدة من الأغنيات الخالدة التي صاغ لحنها المطرب الكبير محمد عبد الوهاب وأداء فايزة أحمد.. وللأم غنت وردة الجزائرية (كل سنة وأنت طيبة)، وتغنى محمد منير بـ (أمي الحبيبة.. أمي الحنون، وفيروز (أمي يا ملاكي)، وعماد عبد الحليم (مهما خذتني المدن)، ودريد لحام (يامو)، وعاصي الحلاني (يما)، والقائمة طويلة في هذا المجال لشادية وسعاد حسني، وغيرهم ممن شنفوا آذاننا برحيق حنان الأم.
وربما تغنى هؤلاء جميعا لتلك الأم التي ينحني ظهرها ولا تتعب، تنتصر للحب.. تتحمل.. تحنو بكل صدق ودون من ولا مواربة، وتظل الأم حاضرة وبشكل كبير في المدونة الموسيقية العربية بفضل تغني أبناءها الذين ولدتهم من رحمها الطاهر، لكن الموسيقار (محمد ضياء الدين) خرج بالأمس عن المألوف في أغاني الأم، وقدم أغنية تختلف في معانيها عن كل ماسبقها في تاريخ الغناء القديم والحديث، حيث أهدى جمهوره بأحدث اكتشافاته الفنية، المطربة الصاعدة (ندى مدحت)، في أغنية جديدة بمناسبة عيد الأم، بعنوان (حاسة بالوحدة).
والجديد في الأغنية أنها إهداء لكل امرأة لم ترزق بطفل إلى الآن، وتؤكد أن الأمل مازال موجودا، والأغنية تم طرحها على اليوتيوب، والمتاجر الإلكترونية، ومحطات الراديو، و كتب كلمات الأغنية ناصر الجيل، وألحان وتوزيع محمد ضياء، ومن توزيع شركة ديجيتال ساوند، وتقول كلمات أغنية (حاسة بالوحدة):
غريبة وحاسة بالوحدة
وأنا والفرحة بينا بلاد
كأني مش أنا واحدة
عشان محرومة من الأولاد
لكن لسه الأمل موجود
وهيجيني في يوم مولود
وهفرح فرحة مالها حدود
وهتقرب لو إحنا بعاد
مافيش حاجة صعبة في الدنيا
ومافيش في الدنيا حاجة محال
ده ربنا واحده وف ثانية
تملي يغير الأحوال
ومعروف أن محمد ضياء الدين الملحن المصري ابن الملحن والمطرب الكبير الراحل (محمد ضياء الدين الهاشمي)، وهو من لحن موسيقى مسلسل (لدواعي أمنية) بطولة الفنان الراحل كمال الشناوي وماجد المصري، كما لحن موسيقى فوازير (عجايب صندوق الدنيا)، ومثل تلك الأعمال ما زالت عالقة في أذهان جمهور الملحن الكبير الذي استكمل مسيرة والده الحافلة، ولم يكتف محمد ضياء الدين باستكمال مسيرة والده وتلحين كثير من الأعمال، ولأن (ابن الوز عوام) فكما كان الأب (محمد ضياء الدين الهاشمي) مجددا في أغنية الأم والطفل، فقد صار (محمد ضياء) الابن على درب إبداع والده وقرر أن يعوم ضد التيار السائد بأفكار جريئة وجديدة على مستوى الأغنية الهادفة، فقرر أن يقدم أغنية (حاسة بالوحدة)، التي جاءت جديدة على مستوى الشكل والمضمون لينصف الأم التي لم ترزق بأولاد مجددا الأمل في نفوسهن المتعبة جراء الوحدة والهجير وحرمانهن من الأمومة الحقيقية حتى ولو كان بالتبني.
جاءت أغنية (حاسة بالوحدة) بلحن عذب وشفاف للغاية ليعيد للأذهان مناسبة عيد الأم هذه السنة بشكل مغاير، حيث يعود بنا، ككل سنة، إلى ذكريات أيام الأغنيات الخالدة التي كانت تتدفق بها عبقرية شعراء الأيام الغابرة وموسيقييها ومطربيها، احتفاء بالأم، أو اهتماما بالطفل والطفولة، أو ما إلى ذلك من موضوعات اجتماعية حساسة، بل إنه بهذه الأغنية يذكرنا أنه لا تكاد تمر مناسبة من المناسبات الوطنية أو الاجتماعية إلا تجعلنا نستعيد أيام العصر الذهبي للموسيقى العربية، حين كانت كل مناسبة من تلك المناسبات تحرك قرائح شعراء الأغنية والملحنين والمغنين، فيتحفوننا بروائع ما تلبث أن تتحول إلى جزء أساسي من رصيد ذلك العصر الذهبي، ما زلنا نعود إليه حتى يومنا هذا الذي دخلنا فيه منذ ثلاثة عقود على الأقل، في حالة من الجفاف الثقافي والفني، يزداد يوما بعد يوم ويحتل شاشات الفضائيات العربية وسائر أجهزة الإعلام العربية، فتجدنا نكرر أغنيات لا تلبث أن تخرج من الأذن اليسرى فور أن تدخل من الأذن اليمنى.
لكن (ضياء أراد بأغنية (حاسة بالوحدة) أن يخرج بفكرة جديدة ترسخ في الذاكرة العربية عبر كلماتها الجديدة ولحنها الشجي على غرار أغنيات عيد الأم التي صاغها الموسيقار محمد عبد الوهاب لحنا رائعا على شعر أحد شعرائه المفضلين حسين السيد (ست الحبايب يا حبيبة)، التي أسند إنشادها إلى أحد الأصوات النسائية المفضلة لديه: فايزة أحمد، بعد أن كان قد اعتزل الغناء رسميا في مطلع الستينات، لكنه من شدة ارتباطه بالعلاقة الخاصة التي كانت تربطه بوالدته، خاصة في أيام طفولته وشبابه، حتى كان يردد أن الإنسان لا يشعر بتقدمه في العمر، إلا بعد أن يفقد والدته، عاد فسجل الأغنية بصوته على آلة العود، فأصبح لدينا تسجيلان لهذه الأغنية الجميلة يتنافسان في الجودة الفنية الرفيعة.
وكما جاء اللحن والغناء مؤثرين بدرجة عالية ما زالت راسخة في أسماعنا حتى اليوم، جاء ضياء بـ (حاسة بالوحدة) كأنشودة جديدة للأم التي لم ترزق بأولاد، وظني أنها ستكون نشيدا جديدا يردده المصريون والعرب من الآن وهم يحتفلون بعيد الأم والذي يوافق 21 مارس من كل عام، وهو العيد الرسمى للأم فى مصر، والذى يبرز خلاله الأبناء حبهم لأمهاتهم، وذلك تقديرا لدورهم الجليل فى التربية والرعاية، كما أنها ستكون علامة بارزة في الغناء الحديث تقديرا للأم التي لم تنجب أبناء يغنون لها لتبرز نفس مكانة الأم في قلوب أبنائها، كما أنها ستطل راسخة في عقول المصريين والعرب تماما كما ظلت أغنية (ست الحبايب) متربعة على عرش أغانى هذا اليوم، حيث تعتبر وأيضا ستكون أحد الأيقونات المرتبطة بهذا اليوم نظرا لحالة التأثر والشجن والتعبير عن حب الأم التى تحملها كلمات الأغنية التي كتبها الشاعر حسين السيد، وقام بتلحينها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب.
وإذا كانت أغاني زمان عن الأم لها رونق خاص، ولا تزال راسخة في وجدان ومشاعر المستمع العربي، واللافت أن هذه الأغاني طرحت بكل اللهجات العربية، فإن أغنية (حاسة بالوحدة)، جاءت لتخرج عن المألوف في أغاني عيد الأم، لتدشن عهدا جديدا في شكل ومضمون أغني الأم .. فتحية تقدير واحترام للموسيقار المبدع محمد ضياء الدين (الابن) في سيره الحثيث على درب (الأب) الذي ابتكر أساليبا وتجاربا جديدة في اللحن والأداء الذي سبق عصره، ومن يسجل جاء تفرده (ضياء الابن) في شكل الغناء الحديث.