بقلم : علا السنجري
قاهرة المعز ، قاهرة الأعداء وعشاقها.. مدينة لا تنام من كثرة الألغاز والأسرار التي تحتويها شوارعها، إذ لم تكن من أهلها فلن تتركك على نفس سجيتك، بل تأخذك لدوامة الرحايا وتمتص روحك وتتركك مجذوبا أو درويش يردد أنشودة عشق عند بوابات السحر، ترحب بكل غريب حين يأتي إلى مدينة والنار، ليردد هذا الغريب تلك الجملة (منورة بأهلها) ولا يعلم أي مصير سيواجه .
أبطال العمل الدرامي الذي يحمل نفس تلك الجملة: (منورة بأهلها)، جاءوا إلى مدينة النور والنار من مدن ساحلية أو من الصعيد، جاءوا بأمل كبير لتلك المدينة القاسية بعشق كبير لها، يسحرهم إيقاع الحياة السريع و الأضواء المبهرة التي تأسر عيونهم ولا يرون حقيقة الموت المختفي بين أحضانها، هاربين إلى نيران حارقة تلتهم أحلامهم البسيطة مما يجعلهم غير قادرين على العودة بعد ما سلكوا طرق الشر والانحراف، ورغم ذلك يظل مفعول سحرها ليستمروا في العيش بين ضواحيها .
يبدأ الجزء الأول من (منورة بأهلها) بعنوان قصاقيص صور بمقتل المصور الفوتوغرافي (مهاب) الذي جاء من بلدته (السويس) ليحترف التصوير في أحد المجلات، يمتلك قدرة على معرفة الأشخاص من خلال عدسة الكاميرا، من خلال لمس الصور، يحركه عادل الشهاوي مصمم الأزياء غريب الأطوار وصاحب اختراع مشروب ـطلق عليه (السكومونوص)، هو أيضا جاء من بورسعيد للقاهرة، لتأكل المدنية روحه ويتحول إلى تاجر في كل شييء ،بين لحظات مزاحه وضحكه تجده حزين ويظهر ذلك في لقاؤه مع أخته عاليا .
عاليا هى الأخرى لديها قدرة قراءة أفكار الآخرين، تسمعها دوشة وتحولهم إلى صفحة بيضاء، باعها أخوها عادل لسلوى شاهين تتاجر بجسدها لتسدد ديونه، أحبت مهاب وانجبت منه ابن، أعطته لزينب والدة مهاب دون علمه انتقاما منه، سلوى هى أيضا جاءت هاربة من الصعيد بعدما فضحت زوجها الذي أفهمها أن أطفالها يموتون بعد الولادة وينتقم زوجها منها بمحاولة قتلها عن طريق ابنها، ماري التي تركت المدينة الجامعية لتعرضها للاضطهاد من زميلاتها بسبب مظهرها وطريقة لبسها، تقع في براثن مهاب وتنجب منه طفل تأخذه منها سلوى .
قصاقيص الصور يجمعها الضابط آدم، ليصل إلى من قتل مهاب، لكنه كلما اقترب من حقيقة تزداد القضية غموض ويقع في دائرة أسرار، تنتهي بشكوكه في زوجته التي سبق لها تجربة أبحاث عن الخلود من خلال حديثي الولادة .
المسلسل من تأليف محمد أمين راضي، كعادته حوار ومشاهد متتابعة بأحداث غير متوقعة ونهايات صادمة مفتوحة مملؤة بالرمزية، حاول راضي تقديم القصاقيص بفكرة (بيتزاجيت)، نظرية المؤامرة التي تخلط النفوذ والمال بالاتجار في الأطفال والاستغلال الجنسي و طقوس الاحتفالات الغريبة، إلا انه في الحلقة الأخيرة صدم المشاهد لمدة 80 دقيقة، ففي الحلقات السابقة يشد المشاهد بتشابك الأحداث والجرائم، مما يذكرك بمسلسل (أهل كايرو)، ومسلسل نيران صديقة لنفس المؤلف، فالنهاية لم تأتي بمجرد لغز لم يتم حله كعادة محمد أمين في كل أعماله، بل جاءت النهاية بشرح مطول لمؤامرة عادل يخلط الأمور ولا تظهر حقيقة عاصم ويترك المحقق يكتشف أن زوجته لها يد، والجثة التي بلا صورة التي ألقاها، لغز غير مفهوم، ربما كانت نهاية رمزية بشكل كبير الإفراط في الفانتازيا والواقع السحري جعل المشاهد يزداد توهان في كل حلقة وبشكل خاص في الحلقة الأخيرة.
الإخراج ليسري نصر الله في أول عمل درامي له، استطاع المزج بين الماضي والحاضر بسهولة ودون أي إرباك للمشاهد، كما استطاع التعبير الجيد لنص راضي وإظهار القاهرة بعين المغترب، الذي يرى الأشياء جميلة بها من خلال بيئته، لكنه حين يعيش بها يكتشف حقيقتها القاسية، استطاع يسري نصر الله قيادة العمل وجعل نجومه يقدمون أدوارهم بشكل مختلف ورائع .
ليلى علوي تلك القطة القطيفة الشرسة في أول أدوار الشر، قدمت أداء تمثيليا غير عادي بسلاسة وببساطة، قدمت دور المرأة التي فقدت بكارة قلبها على يد قسوة زوجها وأختها المرأة الذكية التي تنتقم في مشهد العشاء حين اكتشفت محاولة قتلها بالسم على يد ابنها، واجهت زوجها بما فعله بها لتتمكن الانتقال في الحوار بين العامية واللهجة الصعيدية، ليلى علوي لديها موهبة كبيرة تبهرك بالشكل والمضمون .
غادة عادل جعلت دور (عاليا فوزي) ممتلىء بالجمال، استطاعت التوازن بين براءة الطفولة و إغراء المرأة بين الحلم والواقع، فجاء دورها مزيج من المرح والألم، أجادت الدور بكل تحولاته ببراعة الفراشة .
ناهد السباعي قمة النضج الفني في إظهار قوة الشخصية في أداء دور (ماري) التي واجهت التنمر الذي تعرضت له، والقوة أيضا في اختيار طريق مختلف بعد الأذى التي تعرضت له على يد مهاب .
باسم سمرة يستعيد نجوميته بدور عادل الشهاوي، استطاع خلق شخصية المصمم بابتكار إفيهات خاصة به، باع نفسه للشيطان لكن بداخله جانب من الألم، ارتباطه بأخته رغم أنه استغلها، إحساسه بالذنب تجاه مهاب، ويمكنني القول بأن باسم السمرة شجاع في اختيار أدواره حتى لو كرهه المشاهد، قادر على احتلال إعجاب الجمهور.
محمد حاتم أثبت موهبته في دور مهاب بملامحه المصرية، جعل المشاهد يتعاطف معه من خلال اسرار صوره و بأدائه المتزن .
عمر رزيق صاحب موهبة عظيمة في أداء الابن الذي نشأ على كره الأم وعليه قتلها للأخذ بثأر والده، بكاؤه الصامت الممتلئ بالغضب عند اكتشافه لحقيقة والده أثناء إعطائه السم .
أحمد السعدني أو الضابط آدم الذي يعتبر رمانة الميزان في هذا العمل كونه الوحيد الطيب الذي يبحث عن الحقيقة، فهو صاحب الأداء المتميز لشخصية غير ملوثة، رغم وسامته إلا أنه يمتلك حضور طاغيا في الأدوار الجادة .
الموهبة التي يجب الإشادة بها هنا هو عصام عمر، يملك قدرة على توظيف لغة الجسد ، كما استطاع التنقل بين الانفعالات النفسية بسهولة .
يجب أيضا الاشادة بكل من مهندسي الديكور والإضاءة والتصوير، ربما الملاحظة الفنية الملفتة للنظر هو المكياج الذي لم نلاحظ أي فرق للشخصيات فيه بين الماضي والحاضر، لم يتغير بل ظل واحد في كل الأوقات .
في النهاية عرفنا سر (السكومونص) ولم نعرف من هو (عاصم) في عمل جمع بين تشويق الجرائم والرومانسية والغدر والانتقام، قصاقيص الصور خلصت لكن القضية لم تغلق بعد فهناك جزء ثاني ربما يكشف لنا كافة جوانب الغموض.