كتب : أحمد السماحي
بعد معاناة مع مرض السرطان رحل أمس المخرج (زكي فطين عبدالوهاب) داخل إحدى المستشفيات بالدقي، عن عمر يناهز 67 عاما، نتيجة توقف عضلة القلب، ودفن جثمانه بمقابر والده المخرج (فطين عبد الوهاب) بصلاح سالم، وذلك بعد تشييع جنازته أمس عقب صلاة المغرب من مسجد السيدة نفيسة.
منذ أعلن (زكي) حقيقة مرضه لأصدقائه وأحبابه على صفحته الخاصة على موقع التواصل الإجتماعي (الفيس بوك) كنت أعرف أن ريح الموت تدور حوله وتتربص به، لكني عندما علمت بخبر الرحيل جزعت جدا لرحيله، خاصة وأنه مات ولم يحقق نبوغه الفني الذي ولد به، حيث عاش رحلة من القلق وعذاب الإبداع، منذ امتهن مهنة الفن، لم أكن أعرفه شخصيا، لكني فوجئت في أحد الأيام بطلب منه لأكون أحد أصدقائه على موقع (الفيس بوك)، وسعدت جدا ووافقت على الفور، واكتشفت مع الأيام رقة شعوره، حيث كان يثني على كتاباتي من حين لآخر خاصة ما أكتبه عن نجوم الزمن الجميل، ويدخل على صفحتي يشيد بما أكتبه، وأحيانا يقوم بـ (تشير) الموضوع على صفحته.
ابن اثنين من الأساطير
ولد زكي فطين عبدالوهاب لأثنين من أساطير السينما المصرية، فالوالد هو (فطين عبدالوهاب) أحد أساطين الإخراج السينمائي الذي أمتعنا بالعديد من الأفلام الكوميدية الراقية التى نشاهدها الآن ونندهش من عبقرية مخرجها مثل (الأستاذة فاطمة، الآنسة حنفي، إسماعيل ياسين في الجيش والأسطول، والطيران، وبوليس حربي، وابن حميدو، إشاعة حب، آه من حواء، عيلة زيزي، الزوجة 13، كرامة زوجتي، عفريت مراتي)، وغيرها من العلامات البارزة في السينما المصرية.
أما الأم فهي (ليلى مراد) وكفى ! أسطورة السينما الغنائية، وصاحبة الرصيد الذهبي من الأفلام والأغنيات التى لا تنسى، وصاحبة أعلى أجر حتى الآن في تاريخ السينما المصرية حيث كانت تتقاضى فى حقبة الأربعينات من القرن الماضي 15 ألف جنية نظير بطولتها لأي فيلم تقوم به.
زكي وولادة متعثرة
أثناء قيامها بآخر أفلامها (الحبيب المجهول) شعرت (ليلى مراد) بأعراض الحمل، وتكتمت الخبر عن الجميع خاصة وأن ابنها الأول (أشرف وجيه أباظة) لم يكن بعد قد أكمل عامه الثاني، وعندما عرض الفيلم في شهر مايو عام 1955 كانت ليلى ماضية في شهور حملها حتى جاء موعد وضع الجنين في ديسمبر من العام نفسه ــ ملحوظة مكتوب على يكبييديا انه من مواليد 1961، وقد نقل هذه المعلومة المغلوطة كل الزملاء ــ وواجهت (ليلى مراد) محنة صحية كبرى كادت تودي بحياتها في أثناء الولادة للدرجة التى جعلت طبيبها الدكتور (علي إبراهيم) يخيرها هي وزوجها المخرج (فطين عبدالوهاب) بين حياتها، وحياة الجنين.!
فاختار (فطين) حياة (ليلى) بينما أصرت هى على الاحتفاظ بالطفل على حساب حياتها حتى أن صحف تلك الفترة، وخاصة (أخبار اليوم) – كما يقول الباحث أشرف غريب – كتبت (المانشيت) الأول في العدد الصادر بتاريخ السابع عشر من ديسمبر تحت عنوان (ليلى مراد في خطر) متقدما على العناوين السياسية المهمة من قبيل (حاكم السودان يختفي دون أن يخطر مصر وبريطانيا)، و(رسالة عاجلة من إيدن إلى عبدالناصر)، و(الماريشال تيتو يصل 28 ديسمبر) إلى غير ذلك من العناوين السياسية الملتهبة.
وجاء الخبر كالتالي : حمل العنوان (كيف ولد زكي.. ليلى مراد تطلب التضحية بحياتها في سبيل الطفل)، وجاء في الخبر الآتي : قال الدكتور (علي إبراهيم) لـ (فطين عبدالوهاب) إنه لابد من إجراء عملية جراحية لليلى مراد حتى يتم الوضع، أو يضحي بحياة الطفل، وتتم الولادة طبيعية، فقال فطين : المهم حياة ليلى لا أريد أطفالا، وقالت ليلى للطبيب: لا المهم طفلي، وليست حياتي مهمة، وبكت ليلى، وبكى فطين، ولم يحتمل الزوج الموقف فهرب من المستشفى، وعاد بعد ساعات ليقول له الطبيب: مبروك، العملية نجحت أنت أب لولد.!
وقد أطلق (ليلى وفطين) على المولود اسم (زكي) على اسم والد المطربة الشهيرة.
خوف وشقاوة
بعد ولادة (زكي) ابتعدت (ليلى مراد) عن الفن – ابتعدت ولم تعتزل – وتفرغت لرعاية ابنيها (أشرف وزكي) وكانت حريصة عليهما كل الحرص وتخشى عليهما من النسمة، لدرجة أن (زكي) كان يضيق بهذا الحب الجارف، وكان في كثير من الأحوال يتمرد عليه، وعندما قدم أوراقه في معهد السينما حاولت أن تثنيه عن المضي فى هذا الطريق خوفا عليه من الصعوبات التى سيواجهها، لكنه صمم على رأيه والتحق بالفعل بمعهد السينما.
زواج من سعاد حسني
أثناء دراسته في السنة النهائية في معهد السينما إرتبط بسندريلا السينما المصرية (سعاد حسني)، بعد أن تعرف عليها أثناء عمله كمساعد مخرج في أحد الأفلام التى قامت ببطولتها وهو (أهل القمة)، وبعد طلاقها من زوجها المخرج (علي بدرخان)، اقترب منها أكثر، وحاولت (ليلى مراد) أن تثنيه عن هذا الحب، لكنه فاجأها بزواجه من (سعاد حسني)، لكن هذا الزواج لم يستمر سوى شهور معدودة وحدث الانفصال بعدها في هدوء.
العمل مع يوسف شاهين ورومانتيكا
عمل (زكي فطين عبدالوهاب) مساعد مخرج لعدد من المخرجين أبرزهما (علي بدرخان، ويوسف شاهين) وأثناء عمله كمساعد مخرج مع (يوسف شاهين) مارس تجربة التمثيل بداية من (اليوم السادس) وتكررت التجربة فى العديد من الأفلام والمسلسلات، حتى أنه ابتعد عن مجاله الأساسي وهو الإخراج بعد أن قدم تجربة سينمائية وحيدة كمخرج من خلال فيلم (رومانتيكا) الذي حصل على 7 جوائز في مهرجان الأسكندرية السينمائي عام 1996 رغم عدم اكتمال الفيلم وخروجه بشكل لم يرضيه فنيا.!
علامات على الطريق
قدم (زكي فطين عبد الوهاب) العديد من الأعمال التي ارتبط بها الجمهور مثل مسلسلات (تفاحة آدم، اسم مؤقت، الزوجة الثانية، العراف، إثبات شخصيّة، فرح ليلى، على كف عفريت، آدم وجميلة، البلطجي، روبي، طرف ثالث، المواطن أكس، أهل كايرو، سمارة، ريش نعام، شهادة ميلاد، ممنوع الاقتراب أو التصوير)، وكان آخر أعماله مسلسل (كوفيد 25) في رمضان 2021، بطولة يوسف الشريف، قبل أن يغيب عن الشاشات بسبب صراعه مع المرض.
وفى السينما شارك في بطولة العديد من الأفلام المهمة منها (اليوم السادس، إسكندرية كمان وكمان، مرسيدس، سرقات صيفية، العنف والسخرية، بحب السيما، ، سكوت ح نصور، واحد صحيح، الفاجومي، الماء والخضرة والوجه الحسن، حرام الجسد، عمر الأزرق) وغيرها.
رحم الله المثقف الراقي الهادئ (زكي فطين عبدالوهاب).