كتب : محمد حبوشة
يبدو أن النجمة الكبيرة (إلهام) أصبحت في مرمى الإخوان والسلفيين بصفة دائمة فهم يقفون لها على كل صغيرة أو كبيرة تصدر منها، وكأنها أصبحت مشروعهم الدائم في الهجوم على مايمس أي من ثوابتهم العقيمة، خاصة أذا مابدر منها من أي فعل أو موقف ليس على هواهم، وبالطبع لأنهم يعملون من خلال أجندة إرهابية، فيبدو طبيعيا أنهم لن يقبلوا عدوهم اللدود (إلهام شاهين) في أن تقوم بدور امرأة إرهابية في مسلسل (بطلوع الروح)، ولذا على الفور بمجرد رؤيتهم للإعلان الترويجي للمسلسل قاموا بحملة منظمة على مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة بمقاطعة المسلسل الذي يدعون بأنه يسيئ للإسلام، ولست أدري أي غباء هذا الذي يحكم على مسلسل لم تعرض أي من حلقاته على الناس ليروى ما إذا كان يخدم الإسلام أو سييئ له.
وماذا نفعل في هؤلا الظلاميين، فإن رؤية البعض من تلك التيارات السلفية والإخوانية العقيمة قد أحدثت في العقيدة الإسلامية مثلما أحدث الهراطقة والوضاعون.. فإذا كان هؤلاء قد خاضوا في الإسلام تجريحا وذما، فالسلفيين والإخوان على الجانب الآخر جمدوا الدين، واحتفظوا به في ثلاجات التاريخ لتفسده المواد الحافظة، مع أن الله سبحانه لم يشرع الدين إلا لصلاح المجتمعات.. وصلاح المجتمعات لا توجد أدواته في (ثلاجات) التاريخ!.. السلفيون والإخوان رجعوا بالإسلام إلى الخلف، وعلبوه وقالوا إنهم احتكروا ماركاته وخلطاته بسيرهم على خطى السلف الصالح.. رغم أن السلف الصالح لا أمروا ولا شهدوا والأقرب أنهم لم يكونوا ليرضوا لو عرفوا محاولات تقليد السلف الصالح، ومحاكاة زمانهم رغم تغير الظروف واختلاف البلاد وتلون العباد، كانت فاحشة تاريخية.. ومقتا إجتماعياً وساء سبيلا.
ونرجع لأصل الحكاية، فلم تكد تنشر الفنانة إلهام شاهين البوستر الترويجي لدورها في المسلسل الرمضاني (بطلوع الروح)، حتى أثارت عاصفة من الانتقادات والهجوم الشرس والتجريح القاسي، ووصلت إلى حدود الإهانة بحقها، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ وصفت شاهين بأقبح الألفاظ، واتهمت بالإساءة إلى الدين الإسلامي بسبب وضعها شعار التنظيم الإرهابي (داعش) على عصبة رأسها، وفق ما أظهرها (البوستر)، كذلك، خرجت أصوات كثيرة، صوبت سهامها باتجاه المسلسل، وهاجمته قبل أن يبدأ عرضه، ونالت قناة (أم بي سي)، التي سيعرض المسلسل على شاشتها في رمضان، نصيبها من الحملات المضادة، إذ طالب كثير من منتقدي المسلسل بمقاطعتها.
وقد ذهب البعض من هؤلاء المتطرفين إلى اتهام القناة بـ (تشويه صورة الإسلام كل سنة من خلال عرضها لمسلسلات تصور الإسلام على أنه دين الإرهاب والتطرف، على عكس الدراما التركية، التي تحرض في أعمالها التاريخية على إظهار صورة الإسلام والمسلمين بأبهى صورة، وكأنهم في غيبوبة فهذه المسلسلات التركية لاتعلى إلا من شأن النزعة التركية والإسلام من ممارساتهم العنيفة برئ براء ةالذئب من دم ابن يعقوب، ولنا في (قيامة أرطغرل) الأسوة والمثل في هذه النعرة التركية على حساب دور الإسلام ودول العالم العربي في نشأة وبناء الدولة العثمانية التي سقطت بفعل رجيم من جانب أبناهها حيث وصفها الغرب بـ (الرجل المريض).
عجبت جدا لشن ما يدعى بالشيخ محمد الصاوي هجوماعلى المسلسل (بطلوع الروح) دون أن يشاهده، وتساءل: (لماذا لا يوجد مسلسل عن أميركا التي قتلت مليون فيتنامي أو مسلسل عن روسيا التي تقتل الآن الأبرياء؟، ولأن الحماقة أعيت من يدويها، فقد ذهب بخياله الواهي معبرا عن استغرابه للتركيز على تناول المسلسلات لموضوع الإرهاب، مسجلا اعتراضه على وضع إلهام شاهين عصبة على رأسها عليها كلمة (لا إله إلّا الله محمد رسول الله)، وهي التي اشتهرت بـ (أدوار بذيئة) على حد تعبيره، مشددا على أن ظهور (منة شلبي) بالحجاب تشويه لصورة المحجبات، في الوقت الذي وصف فيه المسلسل بأنه (قذارة وقلّة أدب)، وهنا أتساءل أين محامي مصر من هؤلاء الذين يتمتعون بقدر من العته المنغولي النادر.
من جانبها تحدثت (شاهين) حول الضجة الكبيرة التي تعرض لها المسلسل المقرر عرضه في رمضان، ولم يعرض منه سوى مجرد صور، وقالت، (لا أفهم سر كل هذه الضجة وأراها سابقة لأوانها، لا أحد يعرف الدور ولا الحكاية، حتى يحدث كل ذلك الجدل، وبالفعل، كنت أعتقد أن الدور سيحدث ضجة كبيرة، لكن بعد عرضه، وليس بمجرد صورة فوتوغرافية)، وتابعت، (لم أفهم أيضاً سر هجوم الجماعات المتطرفة على المسلسل، وصورتي قبل عرض أي تفاصيل، هذا موقف غريب، توقعت أن يسرهم ويفرحوا هم ومن على شاكلتهم، لأنني أقدم فكرهم وأوصله للناس، لكن فكرة الهجوم جعلتني أتساءل هل خافوا من أن أقدم دور واحدة منهم، وتقدم فكرهم وتنتمي إليهم بإيمان شديد، أم خشوا من أن يعرف الناس حقيقتهم التي يرفضون أن تظهر في العلن؟ وربما يدركون جيدا أن فكرهم في الأساس خطأ، ويخافون من ذلك).
وعن عصابة الرأس، التي تحمل عبارة (لا إله إلا الله)، التي ارتدتها إلهام شاهين في (أفيش) المسلسل قالت: (هاجموني أيضا لأنني ارتديت زيهم، وهذا ليس من اختراع المسلسل، بل أحضرنا صور داعشيات حقيقيات، وأخذنا منهن التفاصيل الكاملة، لذلك، فهذا ليس من وحي الخيال الفني ليهاجمونا عليه، وإذا كانت العصابة التي تحمل (لا إله إلا الله) أثارت غضبهم، فلماذا لم يعترضوا على الداعشيات الحقيقيات اللاتي يرتدينها.
وعن بعض الأخبار التي ترددت أن هناك تهديدات بالقتل وصلت إليها، أكدت الفنانة المصرية، (لم يصلني شيء كهذا، عموما أنا لا أخاف، أحب فني، ولا أخشى المناطق الشائكة، وأنا أيضا لست ضدهم في العمل بل بالعكس أنا أعرض فكرهم بإيمان شديد، فهذه هي شخصيتي، وأعترف أنني أكره هذه الشخصية ولكنني أقدمها بحب، هذا دوري ويجب أن أقدمه بتبرير واقتناع حتى يخرج صادقاً، حتى لو تنافت كلياً مع قناعاتي الإنسانية والشخصية)، وعما إذا كانت تخشى أن يحب البعض الدور فيأتي بنتائج عكسية؟، قالت شاهين، (صعب أن يحبني الناس فيه، وليس معنى الإجادة أن يقع الناس في حب الشر، فلا يوجد دين في الدنيا يقبل بالعنف، وأنا أكره كل أنواع التطرف، ولا أعرف بشكل دقيق ردود الأفعال، فهذا سابق لأوانه، وأعتقد أن الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تسرعت في الحكم على المسلسل من مجرد صورة أو أفيش، وهذه علامة أن الفن تأثيره كبير”.
معروف أن إلهام شاهين اشتبكت وتكرارا في مواجهات مع الجماعات المتطرفة منذ حكم (الإخوان) تحديدا، وحول ذلك قالت، (كل إنسان سوي وطبيعي ضد التطرف والعنف والقتل والتحرش والمتاجرة بالدين، وضد أي انعدام أخلاقي أو إنساني، وأي شخص يرحب بأي صفة ضد الإنسانية والأخلاق والتحضر هو شخص غير طبيعي وخطر، أنا لا أهوى الحديث عن السياسة، بل أتحدث عن الحياة ومشكلاتها، لا أناقش أسلوب حكم بل ظواهر حياتية تؤثر على الإنسانية)، وهو ما بدا ظاهرا في مسلسل (الكومي)، الذي قامت ببطولته شاهين مع الراحل ممدوح عبد العليم، حيث قدمت الفنانة دور إرهابية، وحول وجود تشابه بين (الكومي) و(بطلوع الروح)، فقد قدمت بالكومي دور زعيمة إرهابية بالفعل، لكن في (بطلوع الروح) الشخصية لا تشبهها على الإطلاق من حيث الملامح ولا الفكر).
وأخيراً تحدثنا مع إلهام شاهين حول تصدرها الدائم في مواقع التواصل الاجتماعي، فقالت، (لا أحب السوشيال ميديا، والغريب أن أي تصريح أو حديث لي يجري تداوله على نطاق واسع ويسمونه (ترند)، وما إلى ذلك، وبكل صدق لا أهتم ولا يعنيني أي من هذا، فأنا أركز في ما أقوله وأفعله في الحياة والفن، وليس عبر شاشات مواقع افتراضية).
إنها إذن المكايدة لإلهام شاهين ففور أن بدأت قصة تقديم المسرحية في مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي دورة (سميحة أيوب)، وأعلنت فيه إلهام عن استعدادها لتقديم المسرحية إذا أخرجتها الفنانة القديرة سميحة أيوب التي وافقت، علما بأن الفنانة القديرة سميحة أيوب قدمت مسرحية (المومس الفاضلة) في ستينات القرن الماضي ولاقت إعجاب الجمهور، وقالت عنها سميحة أنها كانت نقطة فارقة في حياتها المهنية، ومن ثم قالت الفنانة سميحة أيوب عن أزمة اسم المسرحية: عايزين يرجعونا الكهف تاني، مشيرة إلى أن الإعلان عن إعادة تقديم مسرحية (المومس الفاضلة) للكاتب جان بول سارتر، التي سبق أن قدمتها قبل سنوات طويلة كانت (دردشة ومجرد فكرة تم طرحها والتحمس لها)، خلال لقائها بالفنانة إلهام شاهين التي أعلنت عن بطولتها للمسرحية وتحمست لها خلال لقائهما في مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي قبل أيام، ولم نبدأ فيها حتى الآن.
وقالت إلهام شاهين في إطار استهدافها بإثارة الأزمة: (المسرحية ليست شيئا من اختراعنا، ولكننا نعيد الأعمال الناحجة في الأدب العالمي، وأنا واثقة أن من يعترض لا عمره قرأ لجان بول سارتر ولا يعرف المسرحية بتتكلم عن إيه، ومش عارفة على أي أساس بيحكم عليها)، وذلك فور أن تقدم النائب أيمن محسب، عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة موجه لرئيس مجلس الوزراء، ووزيرة الثقافة، بشأن مسرحية (المومس الفاضلة) أو (الساقطة الفاضلة) التي تعتزم الفنانة إلهام شاهين تقديمها على خشبة المسرح، مؤكدا: (طريقة التناول والمعالجة للمسرحية التي كتبها المفكر الفرنسي جان بول سارتر قبل أكثر من 75 عاما غير مناسبة للمجتمع والمصرى، بل ومن الممكن أن يطلق عليها فن إباحى).
ظني أنهم لن يتركوا فرصة لاحطت لهم بتصفية ثأرهم القديم وسيظل استهداف السلفيين والإخوان قائما وسيقفون لإلهام بالمرصاد لأنها ببساطة قالت في أثناء أزمة (عبد الله بدر) عام 2013: هذه الناس تعيش في زمن آخر، وأن كرامة أي إنسان مصري لا تقل أهمية عن كرامة رئيس البلاد، مشيرة إلى أن الرئيس في نهاية الأمر (موظف)، ويجب الأخذ بعين الاعتبار (اننا قدمنا الكثير لمصر)، ثم توجهت للشيخ بدر بسؤال (ماذا قدمت أنت لمصر سوى السب وقذف المحصنات بألفاظ بشعة كهذه).
ورأت إلهام شاهين في معرض دفاعها عن نفسها، أن عبد الله بدر وغيره من سلفي مصر لم يشاهد فيلما واحدا مما قدمته، واعتبرت أنه يتعمد اجتزاء لقطات ومشاهد محددة من سياقها، وأنه لا يصح التعامل مع الأمر على هذا النحو، معتبرة أن ذلك يشبه تلاوة الآية القرآنية (لا تقربوا الصلاة) وتجاهل (وأنتم سكارى)، واعتبرت إلهام شاهين أن هجوم إسلاميين على الفن هو بمثابة (تفكيك للدولة المصرية)، متسائلة وماذا في مصر سوى (الفن والثقافة والسياحة؟) مقارنة مع دول أخرى تتمتع بثروات طبيعية كالنفط وما إلى ذلك، وكأنها تناظرهؤلاء الجهلاء في قولهم (ليست هذه دعوة للتقييد ولكنها دعوة لرقي الأخلاق والحفاظ على القيم في بداية عصر جديد).
ولعل تصديها الحالي بعد (المومس الفاضلة) لمسلسل (بطلوع الروح) يعيد الأجواء ذاتها بالهجوم على فنانة مصرية تتمتع بالجرأة في تناول موضوعاتها الفنية التي تقض مضجع الإخوان وأقرانهم من السلفيين، وتبقى الحسنة الوحيدة في حملتهم على هذا المسلسل الرمضاني أنهم روجوا له أفضل ترويج دون إدراك بعقولهم الخربة.