كتب : محمد حبوشة
(الفن لا يطعم خبزا) .. تلك العبارة توجز سيرة حياة بعض النجوم الذين كانوا يوما ملئ السم والبصر، وهو الأمر الذي يرغمهم كثيرون منهم على امتهان البعض منهم أعمال أخرى، قد يؤديها البعض بنفسه، فيما يشرف البعض الآخر عليها، مستثمرا فيها ما ادخره من أموال خوفا من المجهول، ومما يتصف به الفن من عدم الاستمرارية، ومن هنا تبدو لي حالة الفنانة (نجوى فؤاد) التي يرثى لها الآن تستحق منا العطف عليها، ليس لأنها لم تتمكن من إقامة مشروع خاص يحميها من عواصف الأيام والسنين والمجهول الذي وضعها في خانة اليك في آخر أيامها، ولكن بحكم انتمائها لزمن الفن الجميل الذي لم يكن لم يدر بخلد نجومه يوما تصور أو خيال يرقى إلى أن الأيام يمكن أن تغدر به، فقد كان الهم الأول والأخير هو الاحتفاء بالفن حتى ولو علي حساب مدخراته.
ساءني جدا حال الفنانة المصرية (نجوى فؤاد) وهى تحكي معاناتها الحالية من خلال مداخلة مع الإعلامية (ياسمين عز) مقدمة برنامج (كلام الناس) عبر (قناة mbc مصر) مساء الأحد الماضي، حيث قالت في أسى ممزوج بمرارة في الحلق : (كنا يوم نتعشى عند فريد شوقي، ويوم عند حسن يوسف، ويوم عند نادية لطفي أو سعاد حسني، كنا ملتحمين مع بعض ومش بنفارق بعض، وكنا بنسأل على بعض حتى لو مشتغلناش مع بعض)، وتابعت: (كنا نسأل شم النسيم هنقضيه إزاي وكده، وكل التفاصيل هشتري كذا أو هطبخ كذا وغيره.. دلوقتي مش لاقية حد يسأل عليا، مع إن وسيلة الموبايل سهلت ده علينا، أنا عارفة إن الناس عندها شغل ومشاكل والحياة بقت فظيعة ومزدحمة، لكن السؤال محرمش).
وكانت الفنانة (منة جلال) عبرت عن حزنها لعدم اهتمام نجوم الوسط الفني بالسؤال عن الفنانة الكبيرة نجوى فؤاد، وذلك عبر حسابها على موقع (إنستجرام)، ونشرت فيديو يجمعها بـ (نجوى)، ظهرت الأولى تسأل الأخيرة: (من بيسأل عنك من الوسط الفني؟)، وجاء رد نجوى: (منة جلال أولا، سعيدة جلال، ونبيلة عبيد) لن أنسى لها مواقفها الأيام دي أبدا، ربنا يديها الصحة والعمر، بس لما بيكون عندي حاجة أنا اللي بطلب النقيب، لما سمير صبري تعب أنا اللي طلبت النقيب وقلتله أستاذ أشرف (سمير صبري) تعب ونقلوه المستشفى، لكن محدش من الوسط بيسأل عليا خالص)، ومعروف أن سمير صبرى هو من كان يتكفل بكل متطلبات حياة نجوى فؤاد في محنتها الأخيرة.
وأضافت معاتبة أهل الوسط الفني: (ليه حرام، مش عشاني أنا عشانا كلنا، إحنا اللي بنحب بعض وبنجري ورا بعض، حبوا بعض)، وكتبت (منة) في تعليقها على الفيديو (جبر الخواطر .. جبر الخواطر يا ناس .. قيمة وقامة كبيرة الأستاذة نجوى فؤاد، كانت صريحة قوي وجعتلى قلبي، محدش بيسأل عليا)، وكانت حالة من القلق انتابت محبى وجمهور الفنانة نجوى فؤاد، بسبب أزمتها الصحية الأخيرة، حيث تعانى الفنانة الكبيرة من انزلاق غضروفى بين الفقرة الرابعة والخامسة وتخضع حاليا للعلاج الطبيعى، وفى تصريحات خاصة لـ (اليوم السابع)، تقول نجوى فؤاد: (جالى انزلاق غضروفى ضاغط على العصب عاملى آلام مبرحة وأخضع لجلسات علاج طبيعى والدكتور بيستخدم الليزر والعلاج الطبيعى باليد عشان يحاول يطلع العصب ما بين الفقرتين والحمد لله مفيش جراحات).
وأضافت فؤاد: (حاليا بتحرك بالمنزل وأنا بتسند وإن شاء الله يكون فى تحسن بعد 10 أيام على حسب كلام الطبيب)، لكن (نجوى) عبرت في الوقت ذاته عن حزنها واستيائها بسبب تجاهلها من قبل زملائها بالوسط الفنى، وقالت إن الرحمة انعدمت فى الوقت الحالى، مؤكدة أن 3 أفراد فقط هم من يتواصلون معها ويسألون عليه، وأضافت خلال مداخلة هاتفية لبرنامج (حضرة المواطن)، الذي يقدمه الإعلامي سيد علي عبر فضائية (الحدث اليوم)، مساء الاثنين، أنها تعاني من الانزلاق الغضروفي وتنام على ظهرها لمدة عامين ونصف، دون أن يسأل أحد عنها، قائلة: إن الحل الوحيد لحالتها متمثل في العلاج الطبيعي وليس التدخل الجراحي، وأشارت إلى أنها راضية بقضاء الله، متابعة: (الحمد لله أنا أحسن من غيري وفي نعمة وراضية بما يقدمه لي، ناس كثيرة من المجتمع والشعب فاكرين أنني متمنعة عن الفن بإرادتي أو أستقبل أعمالا وأرفضها، لكن السبب ليس مني، وإنما من شركات الإنتاج). ولفتت إلى أنها لا تمتلك نقودا لإنتاج الأعمال الفنية، فضلا عن أن نقابة المهن التمثيلية لا تسأل عن حالتها، مضيفة: (عاوزة أشتغل عشان آكل عيش، لأنني من أعول بيتي ولا زوج أو أولاد لي، مش عاوزة غير ربنا يشفيني وأشتغل تاني، عندي عطاء كامل وبكامل قواي العقلية ولا ينقصني شيئا)، ونفت تقاضيها ملايين الجنيهات نظير عملها كراقصة، كالأجر الذي تحصل عليه الراقصات الأجنبية الآن، موضحة أن الأموال التي كانت تتقاضيها كانت تكفي الإنفاق على نفسها وأسرتها، ولفتت إلى أنها تفضل الاتصال الصوتي وليس التواصل من خلال الواتس آب، مبينة أن الجميع كانوا متعاونين في السابق، منوهة أن الفنان فريد شوقي كان يعزم الجميع ويكتب على الحائط أسماء الأشخاص الذين لم يأتوا ويغضب منهم ويعاتبهم على عدم حضورهم.
واستطردت: (حاسة أن الدنيا اتغيرت والمواصلات بقيت زحمة والدنيا مشاغل، وأصعب فترة عدت عليا هي الآلام والعملية والمادة كانت محدودة، الأول كنت بسافر فرنسا أتعالج لكن مؤخرا الاقتصاد في مصر بقى صعب شوية، بس برضه الحياة حلوة وجميلة ومستورة وأنا راضية، الفلوس بتروح بتيجي والرضا ثروة وحب الناس ثروة أكبر، أنا فرحانة إني كنت كريمة، أنا معنديش أولاد هخلي الفلوس لمين أسرتي في أمريكا والصين واللي في مصر ممتنعين عن الزيارة عشان كورونا، وصعب ييجوا من إسكندرية للقاهرة، وذكرت أنها تفضل تكوين الأسرة والزواج وإنجاب الأولاد لو عاد بها الزمن؛ لأن (الفن غدار)، ما يدل على نكران الجميل لمن أفنوا حياتهم في محراب الفن على جناح الصدق والموضوعية.
عندئذا أتوقف عن عرض باقي تفاصيل مأساة فنانة مصرية حتى النخاخ، وخدمت وطنها في أكثر من موقف حين تصدت مع الفنان الراحل (إسماعيل ياسين) في إنتاج أفلام وطنية عن الجيش والشرطة والطيران بتكليف من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لرفع الروح المعنوية للشباب تجاه وطنه، حتى أنها أصيبت بالعمى لفترة من حياتها، حتى عاد النظر إليها بعد التدخل الطبي، وهو ما لايعرفه الكثيرين، فقد كانت أصيبت في عينيها ببعض ذرات القنبلة التي سقطت بجوار منزلها في فلسطين، و أسرعت الدتها بها إلى الطبيب، فنصحها بالسفر للعلاج في مصر، وأنها بدأت تعاني من ضعف شديد الإبصار حتى فقدت الرؤية بعينها اليمني، وظلت حالتها الصحية تدهور حتى لم تعد قادرة على الإبصار، فقررت أسرتها اصطحابها إلى مصر عام 1948، واستطاع أحد الأطباء علاجها من تأثير ذرات القنبلة.
وبعد ذلك حدثت مفاجأة بعد العملية، بأنها أصيبت بالحول، ولكنها رضيت بالنتيجة بعد أن عادت لها قدرتها على الإبصار، وعندما أصبحت فنانة معروفة، وكانت ترقص في إحدى الحفلات، رآها الدكتور (خالد عبادة) وهو طبيب عيون مشهور وأبدى استعداده لإجراء جراحة لها تخلصها من الحول، وبالفعل أجرت العملية بنجاح، وأكدت أنها رغم نجاح الجراحات ظلت تعانى من تأثير آثار القنبلة على عينها اليمنى حيث أنها تعانى من كونها أضعف من العين اليسرى، وقد عرفت بأعمالها الخيرية الكثيرة، وتعتبر من الممثلات ذوات التواجد الأكبر بالنسبة لعدد الأفلام على الشاشة، وعلى الرغم من تقدم سنها كانت إلى وقت قريب (قبل 7 سنوات) فاعلة في فنها، وما تزال مستمرة بأعمالها الفنية حتى أقعدها المرض والعوز والحاجة الماسة إلى المال الذي يسترها في آخر أيامها.
ولدت (عواطف محمد عجمي) الشهيرة بـ (نجوى فؤاد) في الإسكندرية 1939، وبدأت بالفن بسن صغيرة جدا، حيث هربت من منزل والدها عندما أراد تزويجها من ابن عمها، وعملت في مكتب وكيل للفنانين وأصبحت ترقص في الملاهي الليلية وصالات الأفراح في بداياتها، واضطرت لتغيير اسمها لتهرب من عائلتها وجاء اسم (فؤاد) من ارتباطها بالزواج من الموسيقار الراحل أحمد فؤاد حسن، وبعدها دخلت في مجال السينما لتعمل في الرقص إلى جانب التمثيل، وهكذا بدأت تتوالى عليها الأعمال حتى أصبحت من أبرز الأسماء الفنية في مصر، وبعد أن توفيت والدتها فلسطينية الجنسية وهى لاتزال طفلة تكفلت زوجة والدها بتربيتها والتي كانت بمثابة أم بالنسبة لها.
رفضت (نجوى فؤاد) الإنجاب خشية زيادة وزنها، حيث أن طلاقها من زوجها الأول كان بسبب رفضها الإنجاب، وكانت دائما على علاقة طيبة مع زملائها في الوسط الفني، وجمعهتا علاقة ود مع عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وغيرهم من كبار فناني مصر، ولأن سحنتها تشبه إلى حد كبير سحنة المغنية العالمية (داليدا)، أكدت نجوى في إحدى مقابلاتها أن وزير الخارجية الأمريكي السابق (هنري كيسنجر) طلب يدها للزواج، لكنها لم تكن تتحدث الإنجليزية، وحاولت أن توصل إليه فكرة أنها متزوجة وتجمعها مع زوجها قصة حب ولا تستطيع فراقه، ولحن لها كبار الفنانين مثل محمد عبد الوهاب.
تفردت (نجوى فؤاد) برقم مميز في عدد أدوارها التمثيلية حيث لعبت أدوارا كثيرة ومتنوعة وأصبحت من أكثر الأسماء ظهورا على الشاشة، فبعد أن برعت بالرقص بدأت العمل بالتمثيل إلى جانب الرقص – في الليل راقصة وفي النهار ممثلة – وشاركت في بطولة العديد من الأفلام، ومن أشهر أعمالها السينمائية: (فرسان آخر الزمن، كشف المستور، هيستريا، شادية الجبل، المغامرون الثلاثة، الدكتورة منال ترقص، غدا يعود الحب، السكرية، تحت سماء المدينة – عام 1961، سجين الليل – 1963، فتاة الميناء – 1964، المشاغبون – 1965، صيف – 1966- أشجع رجل في العالم – 1968، سبع الليل – 1971، أرملة ليلة الزفاف – 1974، عالم عيال عيال – 1976، ألف بوسة وبوسة – 1977، ضربة شمس – 1980، الليلة الموعودة – 1984، حد السيف – 1986، البيضة والحجر – 1990، الدلالة 1992.
وفي الألفية الجديدة قدمت عدة أفلام منها: (الأجندة الحمراء – 2000، خلطة فوزية – 2009، حلاوة روح – 2014، هذا بالإضافة إلى عدة مسلسلات تليفزيونية ومنها: (برج الأكابر – 1987، وتدور الدوائر – 1989، العائلة – 1994، زيزينيا – 1997، بنت الأسيوطي – 1999، دائرة الاشتباه – 2006، البلطجي – عام 2012، لأعلى سعر – 2017، وآخر أعمالها الفنية هو دورها في مسلسل (أرض النفاق) في عام 2018، وفيلم (قهوة بورصة مصر) في عام 2019، وبلغت أعمالها التمثيلية حوالي 277 عمل، إلى جانب ذلك كان لها عدة تجارب في مجال الإنتاج السينمائي، من خلال خمسة أعمال فقط، نذكر منها: (حد السيف – 1986، و(في العلالي – 2011).
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للفنانة الكبيرة والقديرة (نجوى فؤاد)، صاحبة المسيرة الوطنية المخلصة للفن والوطن، والتي تستحق منا نظرة حانية، خاصة من جانب الدولة المصرية التي تهتم حاليا بالقوى الناعمة التي تتصدى للشر وتحث المواطن والوطن على التنمية في ظل (الجمهورية الجديدة)، التي تهدف إلى عيش الإنسان المصري (حياة كريمة)، فهل من نظرة لنجوى فؤاد تحمل عن كاهلها المرض والعجز وقلة الحيلة في أيامها الأخيرة؟ .. ظني أن هناك أيدى حانية ستشفق بحال مواطنة مصرية أخلصت لوطنها وفنها وجمهورها التواق للفن الجيد .. اللهم بلغت .. اللهم فاشهد.