بقلم : علي عبد الرحمن
لايكلف الله نفسا إلا وسعها، ودائما ندعو الله ألا يحملنا مالا طاقة لنا به، ولكن أهالينا في بر مصر تحملوا ماطاقوا والآن يتعرضون لما لا يطيقون، تحمل شعبنا سنوات التشتت في أعوام 2011، 2012، وتحملوا أوقات الانفلات الأمني والإحساس بالخوف وفقدان الأمان، وتحملوا إرهابا وحرقا وقتلا وتدميرا وهم في ذلك يأملون في مستقبل قريب آمن، تحملوا تبعات إجراءات اقتصاديه قاسيه وتحملوا تحريكا مستمرا للأسعار وصمتوا علي أمل الغد الأفضل، وتحملوا وعودا عديده ببداية الانفراجه ولم تأت.
أخرجوا مدخراتهم لمشروعهم القومي قناة السويس حبا وولاءا، تحملوا توقف عائدات السياحه وانعدام فرص عملها، تحملوا تحرير سعر الصرف وجنون الأسعار، تحملوا دمغات وضرائب ورسوم دعما لموارد الدولة، وتحملوا رداءة التعليم وسوء الغذاء والإهمال في مؤسسات الدولة الخدمية، وتحملوا قسوة القانون والقائمين عليه، وتحملوا تقوقع المسئولين والنواب، وتحملوا فشل الإعلام وإستفزازه، وتحملوا صعود أراذل القوم وانعزال علمائه ورواده، تحملوا سوء الاختيار وسوء التطبيق، تحملوا الموالاة لأصحاب الحظوة، تحملوا أخطاء الحكومة والإعلام ،تحملوا كل شئ علي أمل غد أفضل وحبا ودعما لوطنهم.
ولكن أن يترك أهلنا فريسة لجشع أصحاب المحلات تجار التجزئة وأصحاب السوبر ماركت والهايبر، أو أن يتركوا تحت رحمة منتجي السلع ومستورديها وأصحاب المخازن، فهذا كثير لايطاق.
مزاجنا الشعبي العام أصبح متذمرا، محبطا، حائرا لايدري ماهي ملامح الغد المنتظر، فكل النواحي تتجه نحو الغلاء وكل الخدمات تتجه نحو الرداءة، وكل بيت مصري أصبح يعاني قوت يومه، وفعل المصريون ما يجابه ذلك، دخلوا في جمعيات سويا واقترضوا وباعوا مما يملكون، وسافر من سافر، واكتأب من لاحيلة له وطال انتظارهم للغد الأفضل.
ولم يشرح لهم أحد مبررات غلاء المعيشة ولم يحاورهم أحد في ملامح الغد المتأخر، ولم يقدم لهم أحد فكرة تعينهم في وقت الشدى اللهم إلا منافذ الغذاء للجيش والشرطه والوزارات، وتساءل أهل مصر: ماذا بعد الغلاء والوباء ومتي يأتي الغد المتأخر؟، وهل تستمر الحياة بقسوتها وماذا نفعل وإلي متي؟، ثم جاءت حرب أوكرانيا وتخيل البسطاء أننا بعيد عنها، وتوجس الفاهمون خيفة أن تطالنا تأثيراتها.
وقد حدث بالفعل ما تخوفوا منه، فال ستيراد تأثر بالحرب،وإغلاق الملاحة ونحن دولة مستوردة، وانشغلت الحكومه بالبحث عن بدائل والحفاظ علي مخزون السلع الاستراتيجيه في خضم انشغالها بذلك، ومع غياب دور وزارة التموين وجهود جهات مراقبة الأسواق والأسعار، وصمت مجلسي النواب والشيوخ، وغاب دور جهاز وجمعيات حماية المستهلك، انفجر الوضع بالداخل، وأصبح المصري يتفاجأ كل يوم بسعر زائد فارتفعت أسعار السكر والدقيق والعيش والبيض والفراخ والسمك والزيت والسمن والأجبان والإندومي والمكرونة والألبان والأرز والبرجر وسلع أخري عديدة وكان الارتفاع ليس طفيفا، بل ارتفاعا موجعا.
و تراوحت متوسطاته من 4 – 6 جنيها في السلع اليومية بمعدلات تقارب نصف السعر والدخول ثابتة ومتواضعة والرقابة على الأسواق غائبة، واحتار أهل مصر، هل كل ذلك بسبب حرب أوكرانيا التي نراها على الشاشة في كل لحظة ودقيقة، هل وصل تأثيرها إلى الخضار والمكرونه والإندومي والبيض والفراخ والسمك؟، أم هو بشائر قرب شهر رمضان أم إنه جشع التجار والمستوردين وأصحاب المخازن؟، أم لغياب الجهات الرقابية أم لانشغال الحكومة بأمور أخرى أم أنه ابتلاء واختبار لطاقة تحمل أهل مصر؟، أن مزاج المصريين أصبح متوترا حائرا ضائقا بمعيشته ينتظر طاقة نور في شوارع الضلمة، ولم يطبطب عليه أحد ولم يفهمه أحد ولم يريحه أحدمن الفضائيات الغرقة في المستنقع.
فماذا ننتظر من مزاج شعبي متعكر ومتقلب، هل يقبل علي الإنتاج والعمل؟، هل يقدم نشئا صالحا معتدلا؟، هل يعتدل أم يتطرف؟، وازدات خلافات الأسرة المصرية، وزادت خناقات المصريين وزادت حوادث القتل والانحراف في أمزجة المصريين المتقلبة.. وماذا بعد؟، هل يتدخل علماء النفس والتربيه أم علماء الاجتماع وغيرهم، أم نترك المزاج العام مضطربا، متقلبا، حادا مقبل على الانحراف؟!.
لقد سجل المزاج العام المصري على مر السنين اعتدالا وفكاهة وتندرا ونكاتا،ولكنه لم يسجل هذا الكم من الشكوي والتحمل والإحباط، ماعلاقة تحريك أسعار هذه السلع بحرب القرم؟، ولماذا تحركت ومن يوقفها؟، وهل يستمر توالي الضغوط على أهلنا وإلي متي؟، ومتي تأتي الانفراجة وسنوات الرخاء؟، ومتي يحصدون الرضا بعد أن زرعوا التحمل القاسي؟، وأين صوت الحكومة والنواب وجهات مراقبة الأسواق في التنلفزيون، ومع قرب شهر رمضان وإستمرار موجة الغلاء وثبات الدخول، ماذا تنتظرون من مزاج أهل مصر المتعكر بعد أن تخلى الإعلام عن دوره في التوضيح والكشف وملاحقة التجار الجشعين؟.. اللهم سترا يسرا ورخاءا لمصر وأهلها الطيبين، وحمى الله مصر وأصلح مزاج أهلها.. وتحيا دوما مصر.