بقلم الإعلامية الكبيرة : هدى العجيمي
بعد أن قبلتني صفية المهندس في إدارة المنوعات بدأت تدربني على الإلقاء وتقديم فقرات برنامج (إلى ربات البيوت)، وكنت عند حسن ظنها، وهكذا أصبحت عضوا في إدارة المنوعات بالبرنامج العام بالإذاعة ومذيعة متدربة في برنامج (إلى ربات البيوت) اليومي الناجح المسموع تحت رعاية المذيعة الأولي الرائدة صفية المهندس، وكنا في وقتها نحدث المستمعات باللهجة العامية فكنت أقول في التقديم (حا ناكل ايه النهارده)، ثم أقدم نوع الطعام ومقاديره وطريقة طهيه.
فقدمت أول تقديم لي في الإذاعة وقلت (حاناكل ايه النهارده) ثم ألقيت الضوء علي عدد الدجاجات وطريقة طهيهم، وانتهي البرنامج وخرجت من الاستوديو لاجده غضبان ساخطا يقف متحفزا لمهاجمتي، كان هو زميلي وجدي الحكيم نجم صوت العرب المعروف الذي بادرني بالنقد العنيف بقوله بقي انت جاية من كلية الآداب وكنت شاعرة ونسمعك في الأسرة الأدبية ودارسة للأدب العربي واللغة لكى تقولي في الاذاعة (نأكل ايه النهارده)؟ .
دافعت عن موقفي بأن هذا مجرد تمرين وتدريب وانني إن شاء الله في المستقبل قد تسمح لي الظروف بتقديم برامج ثقافية، المهم استمر عملي تحت التدريب في نفس البرنامج دون أن يذكر اسمي بتاتا، وعندما قدمت حديثا عن التنظيف قدمت اسم السيدة التى كتبت الحديث لكي أقرأه أنا فذكرت اسمها مع الحديث (فتحية عبد الله)، وإذا ببعض الرسائل تصلني بعد أيام قليلة باسم الآنسة (فتحية عبد الله) تشيد بصوتي وقراءتي، على أنني هى (فتحية عبد الله)، مع ذلك فرحت واعتبرتها بشرة خير أن يتفاعل الجمهور مع صوتي ولو باسم آخر.
لكنني وجدت نفسي وحيدة في هذه الإدارة كمذيعة صغيرة مبتدئة، وكان من قبلي كلهم عمالقة ونجوم في سماء الإعلام ذاك أن بيني وبينهم ما لا يقل عن عشر سنوات في العمر وفي الخبرة والتجربة، وكان بعضهم وهم نجوم كبار يتعالون على من ليس لهم في النجومية أو المبتدئين وأنا منهم، حتي أن بعضهم لم يكن يمد يد العون لنا أو ينصح أو يعدل من أسلوبنا الأولي غير الناضج!.. كنت أرجع هذا إلى أني ليس لي جيل هنا وأنني جئت وحدي الي هذا المكان، فأنا كنت البنت الوحيدة التي نجحت مع مجموعة من الشباب كمذيعين.
لم تمض فترة طويلة حتي وصل إلينا مجموعة جديدة من الشباب أصبحوا زملاء لنا في الادارة، كانوا هم: (عمربطيشة ونادية صالح وآيات الحمصاني وصبري ياسين)، فرحت جدا بوصول هذه الدفعة من الشباب المثقف الذي اجتاز امتحانات المذيعين بنجاح وبهذا أصبح لدي جيل استند عليه وأتضامن معه في كل القضايا، وهذا ما جعلنا نعمل بفكر جديد ونقدم أفكارا غير مسبوقة في إدارة المنوعات، مما اعتبرت منوعات ثقافية أوصلت للمستمع برامج تجمع بين المنوعات والثقافة أطلقنا عليها اسم (منوعات ثقافية)، منها من (سور الازبكية، شاهد علي العصر، زيارة لمكتبة فلان، طريق السلامة) وغيرها من البرامج التي عاشت في ذهن المستمع واحبها كثيرا.
قدمت برنامجا اسمه (من سور الأزبكية)، ومضمونه نابع من معرفتي بهذا المكان وهو العفوية التي توضع بها الكتب، فانت تجد كتابا علميا الي جانب كتاب عن الموسيقى وكتاب عن شخصية من الشخصيات إلى جانب كتاب عن الفكاهة والنكت وكتاب هو رواية أو مجموعة قصصية إلى جانب ديوان من الشعر.
وهكذا أعددت هذا البرنامج وقدمته وأخرجته، والحلقة الأولي كتبها الأستاذ عبد التواب يوسف، وأعد فيها قصة كتبها الأديب الفلسطيني (غسان كنفاني) عن سيدة عجوز فلسطينية تحاول العبور من المعابر والحواجز التي صنعها الإسرائيليون بين المدن، ويصور بأسلوب شعري مؤثر معاناة هذه السيدة فى طريقها للعودة إلى دارها، لم يكن البرنامج قد أذيع بعد، ولأنه جديد للدورة الاذاعية الجديدة فكان لابد أن يمر علي لجنة البرامج التي يرأسها (بابا شارو) رئيس الاذاعة في ذلك الوقت.
سمعت اللجنة برنامج (من سور الأزبكية) وأثني عليه محمد محمود شعبان (بابا شارو) ثناء أخجلني وأنا مازلت في بداياتي وأدرجه ضمن برامج الدورة الجديدة التي تذاع في البرنامج العام، لكنه عندما وصل إلى مكتبه جاءته نشرة عن منحة لدراسة الفن الإذاعي بألمانيا الديموقراطية وكانت الألمانيتان ما تزالا منقسمتين إلى دولتين الشرقية، هى (الديموقراطية)، والثانية الغربية هى (الاتحادية)، وكانت المنحة الدراسية من معهد برلين للإذاعة في ألمانيا الشرقية.
ما أن وصل خبر المنحة إلى رئيس الاذاعة لترشيح أحد الإذاعيين الشباب الواعدين لهذه الدراسة، وهو الذي كان منذ قليل يسمع برنامجا جيدا لمذيعة شابة ينطبق عليها شروط المنحة فرشحها وكانت هى (هدي العجيمي)، ولكنني عندما أبلغت بتىشيحي للسفر إلى ألمانيا لمدة أربعة أشهر فرحت، ولكن أسقط في يدي وتحيرت حيرة شديدة !!!.