كتب : محمد حبوشة
حقق مسلسل (الفرح فرحنا) للمخرج معتز التوني، حالة من الرواج الجماهيري الكبير خلال فترة قصيرة على عرضه على منصة (شاهد) السعودية، وتصدر المسلسل تريندات مواقع التواصل الاجتماعي، وقوائم الأكثر بحثا على جوجل، منذ بداية عرضه، إذ تفاعل الجمهور مع الحلقات وأحداثها، وزادت عمليات البحث عن المسلسل في مصر، خلال الساعات الأولى، خاصة مع أداء كوميدي يبرز قدرات ممثلين برعو في الكوميديا على مدى مشوار حياتهم مثل (محمد ثروت، أس أس، إيمان السيد، ميرنا جميل، ويزو، سليمان عيد، سامي مغاوري، عارفة عبد الرسول، محمد عمرو الليثي) والأخير يعد مفاجأة العمل، حيث يكشف عن إمكانات ممثل كوميدي خفيف الظل على مستوى الحركة ولغة الجسد وملابسه وغيرها من مظاهر تؤكد أننا أمام موهبة كوميدية صاعدة نحو قمة الأداء الكوميدي.
ولكن إذا كان للفن دور في تشكيل الوجدان ووعي المجتمع وأهمية الفنون في والتوجيه بشكل تربوي، فلا ينبغي أن نرسخ لثقافة الصخب والضجيج كما جاء في مسلسل (الفرح فرحنا) فكلما كانت هناك فنونا جيدة كلما كان هناك مجتمع جيد وعلى رأس هذه الفنون هي الموسيقا لانها من أكثر الفنون قوة وأكثر تأثير في تشكيل وجدان المتلقي سواء كان هذا التوجيه بالسلب أو بالايجاب لما للكلمة من تأثير قوي على المتلقي وخصوصاً عندما تكون مصحوبة بالموسيقا والألحان، كما أنه لايح على الإطلاق أن تصبح أغاني المهرجانات أمرا واقعا، كما أنه من غير المقبول النقاش بها لأنها أصبح موجودة في حياتنا كلون شعبي جديد حتى ولو أصبح لها رواد ومستمعين ومستمتعين به، فيجب أن يكون هذا اللون من غير إسفاف أو ضجيج يشوه شكل الغناء الجميل في عذوبته وشجنه المحبب الذي يجعل مصر صاحبة مكانة وتاريخ في الغناء الرصين.
للأسف أفرزت لنا المهرجانات من هم آفات موسيقية أو مجموعة ناس قدموا ماهو مسيئ ومسف سواء في الشكل أو المضمون المحتوى، وطبعا هذا شيئ لايتناسب مع فكرة الجمهورية الجديدة التي تتصارع بها الدولة في شتى المجالات لتطوير مؤساستها، ولابد من تطوير الفنون وتواكب فكرة الاصلاح، وكان من قرارات اهذا الإصلاح هو قرار الفنان القدير هاني شاكر وإن جاء هذا القرار متأخر، ففكرة أنه يحجب مجموعة هم قانونيا غير نقابين وليس مصرح لهم بالغناء أن يتواجدو بهذه الكثافة المشهوه لوجه الغناء المصري، خاصة أنه قرار يحجب بعض الأشخاص الذين لم يجدو مهنة اخرى يمتهنونها فامتهنوا الموسيقا والغناء في المهرجانات ويتسارع بعضهم البعض في ماهو غريب من كلمات واشياء مسيئة.
قرار هاني شاكر له وجاهته في الحفاظ على الهوية الفنية المصرية، وأدعو مؤسسات الدولة والجهات المعنية والأشخاص لدعم هذا القرار، وهناك ضرورة ورسالة أيضا للفنانين المطربين والمغنين أن لايتركوا الساحة لهؤلاء وأن يكثروا من أعمالهم في المرحلة المقبلة لتعيد لنا الذوق الفني للمتلقي لسابق عهده بعد أن تراجع ذوق المتلقي بسبب تواجد هؤلاء على الساحة .
أن يتحدي مسلسل كوميدي مثل (الفرح فرحنا) يشكل نوعا من الإفساد المتعمد للدراما المصرية الرائدة كوميديا واجتماعيا ويسيئ في الوقت ذاته للدراما الوطنية وحتى الأكشن والإثارة التي أصبحت في تطور يومي يشهد لريادة مصر في هذه الصناعة، ولعل قرار السيد النقيب (هاني شاكر) بمنع مغنيين المهرجانات من الغناء لهو قرار في غاية التحيز لأصحاب ذوق موسيقى رفيع يخاطب العقل والوجدان، فهو لا ينكر وجود الأغنية الشعبية الموجودة قبل بداية عهده بالغناء، ولكنه يقرأ تطورها، ومن ثم يجب عليه تصويب و تصحيح مسار المغنيين في ظل خروجهم عن النص، وأن يمنعهم كلياً و منع هذا اللون العشوائي من سيادة الساحة في ظل جمهورية جديدة تعني بالأصالة والمعاصرة، وعلى رأسها الفنون التي تشكل القوى الناعمة المصرية.
وظني أن قرار النقيب جيد في توقيت جيد لأن الفترة الحالية انتشرت فيها أصوات غريبة و أي حد بقي يمسك مايك بقي مغني و لا اهتمام بالصوت ولا الكلمات ولا حتى الهيئة والأسماء التي ما أنزل الله بها من سلطان، فضلا عن كونها تحمل كلمات غريبة و منبوذة مثل (حشيش و فودكا) أو أي شيء سيء اخر لذلك اتمني أن نرتقي لنبتعد عن هذا السوء، فكم من ضربات موجعة فى حياتنا، ونصف مظاهر الحياة التى نعيش فيها بالصخب والضجيج الذى يزعجنا ويؤثر على هدوئنا النفسى، على الرغم أن ضجيج الحياة هو الذى صنعها فى بحث مستمر عن أسبابها وسعى الناس وراء لقمة عيشهم إن لم يكن الضجيج مظهرا له، قد يكون هو عملهم أو الإعلان عن عملهم وتسويقه لجذب الانتباه والحصول على أقصى سعر.. فكم من باعة جائلين فى الأسواق لا تلتفت إلى بضاعتهم إلا حينما ينادون عليها بفنون صاخبة، تجعلك لا تستطيع أن تستغنى عن شرائها.
وهنا أهمس في أذن صناع (الفرح فرحنا) قائلا: ليس الباعة الجائلون فقط هم من يلفتون النظر والانتباه فى الأسواق.. فحياتنا ومجتمعاتنا أسواق تجذب المشترين والمستهلكين، ولكن لكل صخبه وضجيجه، الذى قد يصل الأمر معه أن يطغى على من يعمل فى صمت فلا ينجذب أحد إلى عمله المتقن، لأنه لم يعلن عنه وعن نفسه.. فهنا وهناك أناس يعملون على الترويج لأعمالهم البسيطة أو حتى التافهة ليحصدوا مكاسب أكبر من حقهم ليس لتغفيل المشترى ولكننا نميل دائما للانخداع بالمظاهر ولا نبحث عن المضمون والمحتوى الثمين الذى لا يملك قدرات التسويق لنفسه.
صحيح أننا فى حياتنا لا يمكن أن نتخلى عن مظاهر الصخب والضجيج، وكذلك الحاجة للسكون والهدوء.. فتتقلب فيها أحوالنا ما بين النهار معاشا والليل لباسا.. فاحتياجات الإنسان يلبيها مثلما خلقها الله ما بين نهار للعيش والكسب وليل للهدوء والسكون والراحة.. فنتأرجح بين هذا وذاك حسب ميول الأشخاص التى تحدد الدرجة التى يشعر معها بالراحة النفسية من كلا النقيضين ليكمل كل منهما الآخر فى كل واحد متكاملا، وترى التجارب الإنسانية التى يمر بها الإنسان فى حياته تدفعه للاندماج فى صخب الحياة أو الابتعاد والصمت الذى لا يخلو من ضجيج نفسه الذى يسيطر عليه فى أمور عديدة في حياة شبنبنا الطامح نحو مستقبل أكثر إشراقا يعتمد على العمل الجاد وليس الكسب السريع لمجرد إقامة مهرجان هزيل يجلب مظاهر السلبية.
ياصناع (الفرح فرحنا) لقد أفسدتم شكل وملامح المسلسل الكوميدي الاجتماعي في روعته، وأضعت علينا الاستمتاع بأداء الكوميديان الجميل (محمد ثروت) في ارتجالاته المذهلة وصناعة فكاهة الفارس التي يجيدها، وكذلك (أس أس) عندما اعتمد الصخب والضجيج في أدائه الفطري على طريقة المهرجانات، وبراعة (سامي مغاروي) بإفيهاته وحركاته القادرة على تفجير الضحك من قبل المواقف التراجيديا، وعارفة عبد الرسول بخفة ظلها المعهودة، وإيمان السيد في تجليات لافتة للانتباه، و(سليمان عيد) في شخصيته الكاريكارتوريا التي لعبها بفرط من من الكوميديا الراقية، و(دينا محسن – ويزو) في سخريتها من نفسها وحياتها المعذبة المسجونة داخل جسمها السمين، والسعودي (علي الحميد) في ذهابه نحو مناطق كوميدية تلقائية رائعة تشير إلى موهبة تم إهدارها للأسف، ومحمد عمرو الليثي في رشاقة حركته والتعبير بلغة جسد تكشف موهبته الكوميدية، كل تلك السلبيات كان سببا جوهريا نال من متعتة جمال وروعة الكوميديا في هذا المسلسل.
ياسادة: لا أحد يتحمل الضجيج طوال الوقت فنفوسنا جبلت على الاشتياق للهدوء للتأمل والتعقل.. فالضجيج لا يصنع فكرة ولا يقدم حلا على الرغم أنه قد يكون مقدمة لإيجاد حل، لكن الحلول تكمن فى بيئة التأمل والصمت.. وهو ما نجده فى ضجيج الهتافات والأصوات المدوية الداعية للحق أو الفوضى الكل فيها يتحدث ويصرخ ويهتف قد يكون حماسيا أو مزعجا لكنه ضجيج.. فحتى طبول الحرب تسبق الحرب ولا تسير معها إمعانا فى التركيز للوصول للنصر، وحتى لو كان الضجيج لونا من ألوان الوهج فإن الحياة لا تستقيم معه طوال الوقت.. فمثلما يزعجنا الصمت فى الحزن فالضجيج يتلف أعصابنا.
ربما يرد البعض على بأن كل إنسان يختلف عن الآخر فى رغباته وميوله وأحاسيسه ومشاعره وأولوياته وحتى نفس الإنسان قد يتغير من وقت لآخر.. فقد يميل للسكون تارة وللصخب تارة أخرى ليتأرجح بين الاثنين مهما كانت الدرجة.. فالحياة لا تعرف وتيرة واحدة.. الحياة ترفض الملل والنمطية وتبحث عن الخروج عن الرتابة حتى ولو كانت بالتفاهة.. قد ترى أنها تفاهة وقد تكون كل سعادة شخص آخر.. فلا تحكم على أمر يسعد غيرك بأنه غير مجد.. وقد تكون إنسانا جادا طوال الوقت وحين تخلو بنفسك بعيدا عن أعين الناس تخلع لباس الجدية الذى قد يصل لحد التعقيد لترتدي لباس البساطة أو حتى ما تصفه بالتفاهة فلا تظهر بها أمام الناس بسبب بعض القيود التى فرضتها على نفسك.
ولا أنكر أن الحياة جميلة فى اختلاف ألوانها وأشكالها وصورها وتنوعها المبهر الذى يلائم كل الأطياف والأنواع والأشكال ليرضى كل الأذواق.. ويشع بالتغيير والانتقال من حال إلى حال حتما أو بإرادتك، وإذا أردت أن تعيش حياتك فعليك أن تتقبل بعض الصخب أحيانا وليس كله، وتكتفي بأن تذهب لخلوتك وصمتك متى أردت لأنك لا تحيا وحدك وما تملكه هى أسرار نفسك تخبئها فى صمتك أو كلامك.. لنحمل نحن والحياة مظاهر الصمت والضجيج فى كل شيء.. حتى الموت الساكن تسبقه آهات الاحتضار ويعقبه نحيب وعويل المشيعين الذين سكن قلوبهم صمت الألم ووجع الحزن الذى خلق معه ضجيجا مؤسفا نشتاق معه لضجيج مفرح من خلال كوميديا صادقة تخلو من الضخب والضجيج الذي يشوه وجهها المشرق الذي يبعث على بهجة النفوس وليس إصابتها في مقتل على مذبح العشوائية وترسيخ قيم جديدة يفرضها علينا خفافيش المهرجات.