كتب : محمد حبوشة
على مدار 30 عاما يعرف شريف عامر، بأنه نموذج للإعلامي القدير في التزامه المهنية والمصداقية والرقى فى الأداء البرامجي، واستطاع أن يحافظ على مكانته المرموقة بين الجمهور طيلة سنوات مشواره في دهليز الاستديوهات، ومهما تنقل بين القنوات يظل محافظا على اتزانه وأدواته الإعلامية ومهاراته فى التقديم التليفزيوني، التى اكتسبها على يد أساتذة من كبار الصحفيين والإذاعيين والتلفزيونيين، ولم يكن غريبا اختياره فى بداياته لإطلاق أنجح المشروعات الإعلامية المصرية في بداية التسعينات قناة (النيل للأخبار وقناة النيل الدولية)، وبعد أن أثبت نجاحا كبيرا جراء دأبه الشديد – كما أعرفه عن قرب ليس بحكم علاقتي بوالده الكاتب الصحفي المرموق منير عامر صاحب الإحساس المضبوط وأسلوبه الشيق فحسب، بل بحكم التزامه الأخلاقي والمهنية الشديدة منذ أول طلة له من خلال ماسبيرو – عندما أطل بوجهه البشوش الذي لا يخلو ابتسامة ناعمة تكشف ذكائه في استمالة الميكرفون.
اختارته قناة mbc فى عام 2001 ليتولى منصب مدير البرامج لمكتب القاهرة، ثم انتقل إلى أمريكا للعمل هناك لمدة 4 سنوات تولى خلالها تقديم وإعداد البرامج بقناة (الحرة) ، ثم عاد إلى القاهرة ليقدم برنامج (الحياة اليوم) على قناة (الحياة) ويصنع اسما مشرفا لبرامج التوك شو المصرية الناجحة، فكان شريف عامر هو صاحب اللقاء التليفزيوني العربي الأول مع وزيرة الخارجية الأمريكية والمرشحة الرئاسية سابقا (هيلارى كلينتون)، وتم اختياره – آنذاك – باعتباره الوجه الإعلامي الأكثر مصداقية ضمن الإعلاميين المصريين من الرجال، كما حصل على عدد من الجوائز الإعلامية المشرفة للإعلام المصرى ككل، وهو حاليا يواصل نجاحاته في تقديم برنامج (يحدث فى مصر) على قناة mbc مصر، الذى يلتف حوله المشاهدون من مصر والعالم العربى.
وطوال تلك الرحلة في بلاط الـ mbc، لم يضبط شريف عامر أبدا في الخروج على النص، إلى أن التهمته الألسنة الآثمة على أثر إجراء حوار مع صاحب (البطة شيماء)، لم يكن الهدف منها سوى تصديه لظاهرة مهرجانات تشويه الغناء المصري، وهو ما ظهر في سخريته الخجول في توجيه الأسئلة والرد عليها، ومن بعدها صار لقمة سائغة لكل من هب ودب بلا رحمة، ونسي كثيرون التزامه المهني طوال حياته وكشفه وتصديه الذي لايخلو من جرأة ودقة وموضوعية لظواهر اجتماعية وسياسية تمس قطاع كبير من الجمهور، ليصبح خلال الأيام الماضية (خبرا) يؤهله ليركب (الترند)، وهو ما لايتمناه أو يسعى إليه طوال 30 عاما من العمل الدؤوب، وراعي خلال تلك المسيرو الطويلة ألا يفقد الإعلامى عقله عندما يفقده الآخرون، بل يسير وفق مبادئه ولا ينجرف وراء غيره، سواء كان غيره هذا بشرا أو سوشيال ميديا، والدليل على ذلك عندما حدثت أزمة مع الجزائر فى مباراة كرة قدم كان وقتها يقدم برنامج (الحياة اليوم) فلم ينجرف أو يتطرف أو يسير وفق ما سار البعض، بل كان يتناقش كعادته بتوازن وحيادية، وبالفعل عادت الأمور لأصلها وطبيعتها، ولذلك فضل دوما أن يحافظ الشخص على عقله فما بالنا بالإعلامى.
ساءني جدا مثل كثير من المراقبين لأداء الإعلام المصري مؤخرا خبر استدعائه من قبل نقابة الإعلاميين بدعوى مخالفته ميثاق الشرف الإعلامي، وذلك لما تضمنه حواره مع الدكتور مبروك عطية ببرنامجه، وألمنى أكثر دفاعه الجسور قائلا: بقالي 30 سنة بشتغل في هذه المهنة ولم يكن اسمي هو الخبر.. ولكن في آخر 4 أشهر اسمي بقى خبر ولم أكن أسعى لذلك، وقال (عامر) خلال برنامج (يحدث في مصر) المذاع عبر فضائية mbc) مصر) مساء الخميس الماضي، إنه تم تداول فيديو مجتزأ لحواره مع الدكتور مبروك عطية على طريقة (ولا تقربوا الصلاة)، مضيفا أنه (تعلم الصحافة على يد أساتذة كبار)، متابعا: (أنا راجل بمشي مستقيم الضهر مرفوع الراس)، وقال: (المؤسسة الإعلامية التي يعمل بها أصدرت بيانا عن الأمر، مطالبا طارق سعدة (نقيب الإعلاميين) عدم الاجتزاء من السياق، مستنكرا وصف بيان النقابة بأن الدكتور مبروك عطية ينطق بما لا يعي، معلقا: (عند هنا يا عم طارق ونقف، لن أسمح لأي كائن من كان أن يقول على المواطن شريف عامر أنه يقصد إهانة الشعب المصري).
وتابع شريف: دكتور مبروك عطية كان بيتكلم عن موضوع بدأ منذ بداية الأسبوع في احتفالية حضرها الرئيس السيسي، لافتا أن (كل ضيوف البرنامج من أصحاب السلطة في تخصصهم)، واستطرد مخاطبا طارق سعدة: (أنا عمري ما كنت جزءا من خبر.. بس أنا بمشي ضهري مفرود وراسي مرفوعة.. أرجوك لا يتم الاجتزاء، اعرض الفيديو كاملا، أنا مش هارفع قضية عليك، بلاش ترتكبوا اللي بتقولوا للناس متعملهوش، لما تقول على شريف عامر غيض من فيض يبقا أنت راجل غلطان، أنا عمري ما أهين الشعب المصري، أنا راجل ربيت ولادي ومستعد أقعد في البيت، أنا عمري ما كنت أتخيل أني اتكلم مع حد كده، ولكن أنا اتعلمت أمشي مستقيم الراس ومفيش على راسي بطحة).
وكدأبه في الحديث بصوت هادئ وبموضوعية شديدة دون تشنج، تناول شريف عامر بيان نقابة الإعلاميين التي خرجت عن السياق المهني رغم أنها أرجعت الأمر إلى (لجنة الرصد) التي يفترض ألا تقع في المحظور وتجتزأ نص الحوار (محل الجدل)، حيث قال بالحرف الواحد وبوجهه البشوش دائما: (أنا خجلان جدا، وأعتذر لحضراتكم مقدما)، مضيفا في تأكيد على حق المشاهد في توضيح المعلومة مهما كانت شائكة، من حقي أقول لحضراتكم الموضوع من البداية، أنا اتعلمت صحافة على يد أساتذة وكنت عيل صغير وأنا بسمع صوت فتحي غانم بيتكلم عن القضايا الصحفية، ولما كبرت كنت بناقش الأستاذ محمد حسنين هيكل عن الصحافة في مرحلة صعبة جدا من تاريخنا، وسمعت محمد السعدني بيتكلم عن الصحافة وقعدت في مكتب صلاح عبدالصبور وهو بيتكلم عن الصحافة والفن والأدب والرواية.
ولأنه هاله ما حدث من اجتزاء واضح – كما شاهدت وسمعت وقائع حلقة العالم الدكتور (مبروك عطية) – فقد أكد أنه قادم من خلفية صحفية وثقافية وبحسب قوله: (أقول أسماء مين ولا مين، واتعلمت على يد أول واحد بص على الشاشة في العالم العربي كله اللي هو الله يرحمه الأستاذ صلاح ذكي وسمعت إذاعيين بيسجلوا شغلهم وبيتعاملوا مع شغلهم إزاي، زي الأستاذ طاهر أبوزيد الله يرحمه واحد من أهم رواد العمل الإذاعي في مصر، كما تعلمت في مدرسة الأستاذ محمود سلطان، علشان كده معلش أنا راجل بأمشي مفرود ومستقيم الضهر ومرفوع الرأس، وفيه مثل باللغة الانجليزية بيقول take the gloves off يعني (قلع الجوانتي) وأنا طول عمري لابس الجوانتي وأقولها لكم بالعربي، واللغة لما نحتكم ليها يبقى نذهب للقرآن: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ).
ومن هنا أقول بشكل واضح وصريح أنا مع شريف عامر في هجومه على نقيب الإعلاميين، قائلا: (صدر في 2019 قرار بتعيين الأستاذ طارق سعدة قائمًا بأعمال رئيس اللجنة المؤقتة التي تتولى مباشرة إجراءات تأسيس نقابة الإعلاميين وأنا بطلب من الأستاذ طارق سعدة إذا كنا إحنا بنتكلم عن المهنة إن إحنا نمارس اللي بنطلبه من الناس، يعني لجنة تأسيس لنقابة الإعلاميين لازم أنها لما تطلب من الناس عدم الاجتزاء أو أنها تتعامل مع السياق ميصحش أنها تكتب بيان وفي البيان تحط فيديو، وبالمناسبة عرض الفيديو ده في القوانين المحلية وقوانين الدولة غلط لأنك لا تملك هذا الفيديو ولا هذه الصور ومش أنت صاحب القدرة على إذاعتها، لكن ما علينا).
نعم أنا معه تماما في قوله: (إذا كنا بنتكلم عن المهنة يبقى الاجتزاء جريمة ونحن نطلب دائما من الناس إنهم مايعملوش اجتزاء لكلامنا، وقلنا كتير إن مصر كلها والمجتمع المصري في السنين اللي فاتت كانت بتعاني من ناس بره مصر يجتزئون كل تصريح بيتقال وبيخرجوه من سياقه ويعملوا بيه مشكلة، فلما نطلب من حد أنه يلتزم المهنية لا نمارس إحنا الجريمة، والجريمة هى الاجتزاء، وتحدث عن حواره مع الدكتور مبروك عطية، قائلا: (الحوار ده تم مع واحد من العلماء في مجاله، وتخيلوا أنه يشار له في البيان اللي صدر من الأستاذ طارق سعدة بأنه ينطق بما لا يعي وده عميد كلية أصول الدين السابق، وتابع: (الإشارة لشريف عامر في اللحظة دي كانت إيه.. كانت استمراره في ارتكاب المخالفات المهنية أما بالاتفاق مع ضيوفه أو السماح لهم بالكذب والتضليل والإهانة للشعب المصري).
وأضم صوتي لصوته الحر في قوله: (عند كده يا عم طارق ونقف.. أنا لن أسمح لأي كائن من كان أنه يقول على المواطن شريف عامر أنه بيساعد أو بيحرض أو بيتفق على الكذب أو يهين الشعب المصري فياريت انتقاء الألفاظ بناء على التصرف مش الاجتزاء اللي أنا معرفش إيه هواه، بالإضافة إلى كلمة استمراره وكان من الممكن أن تقوم بعمل أفضل في صياغة البيان ده)، واستنكر قائلا: (استمراره في ارتكاب المخالفات المهنية.. فين حضرتك كلمة الاستمرار في ارتكاب المخالفات المهنية ولا دي مخالفة تانية حضرتك ارتكبتها لما استندت على قيل وقال دون تحري ودون معرفة مصدر، ودون دليل محدد وأنا هنا مش بتكلم قانون لكن بتكلم مهنة).
ومازاد الطين بله هو النبش في ماضي قريب لا أراه يخجل منه عندما تناول بالسخرية في حواره الذي أراه غير مسيئ على الإطلاق بقدر ما يكشف عيوبا اعترت المشهد الغنائي المصري عبر تلك النتوءات التي يطلق عليها (مطربي أو مؤدي المهرجانات البغيضة)، لكنها كعادتها انتهزت (مواقع غير التواصل الاجتماعي) التي تعنى بتمزيق المجمتع وليس لم شمله كما يطلق عليها من (حالة التواصل)، حيث ادعت أن حالة الصدمة التي لازالت تسيطر على متابعي شريف عامر، والعديد من المواطنين الذين أبدوا استيائهم من قرار استضافة مؤدي المهرجان الشعبي صاحب (البطة شيماء)، وذهابها بخيالها المريض في الحديث عن المعايير المهنية الغائبة والموضوعية التي تم افتقادها من قبل (شريف عامر) في العديد من المرات والتي توجها باستضافة كارثية لأحد الذين تتصدى لهم نقابة المهن الموسيقية حفاظا على قيم الأسرة المصرية، ولست أدري كيف تتحدث تلك المواقع عن الحفاظ على قيم الأسرة المصرية وهى تنتهكها ليل نهار في حالة من الفوضى والعشوائية في حوارتها الممجوجة.
لقد أطلق العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ومتابعي الإعلامي شريف عامر ادعاءات كاذبة على استضافته لـ (يوسف سوسته) عنوانا عريضا تحت مسمى (الزلزال الإعلامي)، حيث وصفت الحوار بأن حالة أشبه ماتكون بانهيار صرح إعلامي كبير وصاحب تاريخ من العمل المهني القيم، والذي بات مهددا الآن تحت وقع العديد من المشكلات التي لم يكن استضافة مطرب مهرجانات آخرها، فعلى عكس ما اعتاد شريف عامر من تقديمه في السابق، بات الآن يورط نفسه وبرنامجه في العديد من المشكلات الإعلامية، ونذكر منها على مدار الشهرين الماضيين ما أثاره البرنامج من مضامين التحريض على العنف ضد المرأة، وبعدها اتهامات صارخة بالفبركة مع المدعي محمد الملاح، الشهير بالمحلل الشرعي في مصر، صرح لعامر بأنه تزوج 33 مرة أثناء عمله كـ (محلل شرعي)، قبل أن يخرج ليتنصل من تصريحاته التي اتضح أنها غير حقيقية، وهنا تساؤل مشروع: هل من حق الإعلامي أن يشق صدر محاوريه كي يكشف عن كذبهم أو زيفهم، أم أنه ملتزم بنقل وجهة نظر محاوره مهما اعتراها من شطط؟.
أشهد أن شريف عامر ليس من بين الإعلاميين الذين ينساقون على مدار الفترات الطويلة الماضية حول هوس (الترند) أو مايبحث عنه جموع الناس، دون النظر لأية اعتبارات أخرى، بل إنه يسعى طوال الوقت في بحثه المستمر عن كل مالا يمكن أن يصنع له (الفرقعة الإعلامية)، انطلاقا من إدركه وحسه الصحفي والإعلامي بأن تلك المدرسة أثبتت فشلها الذريع في تكوين إعلام مهني وراقي يستطيع ممارسة الأدوار التنويرية والإخبارية البديهية المطلوبة من الإعلام، ومن ثم يصبح على (مواقع إشعال النار) الكف عن الاجتزاء هى الأخرى على طريقة (لا تقربوا الصلاة)، ولا يعتمدون على تصريحات لما يسمى بـ (نقيب الإعلاميين) الذي وقع في المحظور هو الآخر عندما اجتزء النص من سياقه الطبيعي، وحكم على أحد أهم وأفضل إعلامي مصر الشرفاء المقاتلين في ميدان يحظى بفوضي عارمة تأكل الأخضر واليابس على جناح التكنولوجيا التي أصبحت تضر أكثر مما تنفع.
وأخيرا ليس آخرا، كفوا عن إسكات صوت (شريف عامر) الصادق صاحب المهنية العالية والأخلاق الرفيعة الذي لم يتلون أبدا كغيره مع تغير لغة الخطاب الإعلامي الذي اختلف بعد ثورة 25 يناير عما قبلها، بل إنه يظل أكثر ايجابية في تناول الموضوعات الحساسة، ومشيرا في الوقت نفسه إلى تفاؤله خلال الفترة المقبلة حول شكل ولغة الخطاب الإعلامي الذي يراه أصبح يسير على الطريق الصحيح، وهو القائل بفخر: ماسبيرو هو المصنع ولحم أكتافنا من خيره مهنيا، فقد تعلمنا به ووقف خلفنا أساتذة كبار وتدربنا على يد عمالقة وعظماء، واستمعنا لنصائحهم واستفدنا من علمهم ومهنيتهم. تحية تقدير واحتراه لهذا الصوت الإعلامي الصادق بمهنية شديدة.