بقلم : محمد شمروخ
إذن فقد فشلت المخابرات الغربية وعلى رأسها الأمريكية، لكن الفشل لم يكن بخصوص توقيت وكيفية ونتائج الحرب التى شنتها روسيا على أوكرانيا، فلقد بدت أحيانا وكأن أجهزة الإعلام الغربية كانت تستفز روسيا للدخول في هذه الحرب لغرض ما قد تكشف وقد لا تكشف عنه الأحداث القادمة لتنضم في حال عدم الكشف إلى الأرشيف الأشد غموضا في دهاليز أجهزة المخابرات مع الأخذ في الاعتبار أن أجهزة الإعلام الغربية وإن لم تكن جميعاً تحت سيطرة مباشرة أو غير مباشرة، إلا أنه قد ثبت أنها تحكمها التوجهات نفسها.
لكن الفشل المحقق هو انتهاء ذلك الوهم الكبير الذي ظلت هذه أو تلك، ينسجونه على مدى ثلاثة عقود على أثر انهيار الاتحاد السوفيتى أو لعقدين من السنين منذ أحداث 11 سبتمبر، وهو الوهم الذى نازع الحقيقة مكانها وجرى الترويج له بكل سبيل وهو أن (الإسلام هو الخطر الأكبر على هذا العالم).
فلقد فوجئ العالم المتحضر بأن دولة من دول العالم المتقدم على المستوي الحضاري، تلجأ لخيار الحرب التقليدية تجاه دولة لا تقل حضارة ولا تقدما مع الاحتفاظ بكل فوارق القياس الكمية بينهما.
دولة أوروبية متقدمة تغزو دولة أوروبية متقدمة، رجل أبيض يواجه رجلا أبيض مثله، يتحد معه في العرقية القريبة ويماثله في الخلفية العلمية والثقافة، بل وكان كلاهما كيانا واحدا حتى وقت قريب!
فكلتا الدولتين تنتميان إلى الثقافة الغربية بكل تجلياتها الاجتماعية والثقافية والأخلاقية والفروق بينهما وبين كتلة الغرب القاطرة للحضارة (الأورو-أمريكية) مجرد فروق درجات وحتى السمات الخاصة بكل كيان، تسبح في الإطار العام للحضارة الغربية الحديثة.
والآن نحن أمام هجوم عسكرى بري جوى، غارات وانفجارات واشتباكات وتدمير وحرائق!.. هو هو نموذج الحرب التقليدى، وليس مهددا لكتلة أوروبا الشرقية فحسب، بل امتد الخوف والترقب إلى أوروبا الغربية والولايات المتحدة والصين وكوريا واليابان وأماكن أخرى في العالم!
وإن لم ينته هذا التصرف بحرب عالمية مدمرة لكل أشكال الحضارة على الأرض، فيمكن بلا خلاف أن يستأصل شأفة الوجود البشري على كوكب الأرض، فالقوة التدميرية للأسلحة النووية – حسب حساباتهم هم وليس غيرهم – قادرة على تدمير الحياة على الأرض عدة مرات.
حقا فقد سبق أن عاش العالم لحظات مشابهة مع امتداد فترة الحرب الباردة، لكن العالم الآن كاد ينسى الخطر النووى إثر تفكك الاتحاد السوفيتى في بداية العقد الأخير من القرن الماضي، وتم الترسيخ لخطر واحد على العالم وهو الإسلام الذي أطلق عليه بداية الخطر الأخضر كبديل عن الخطر الأحمر الشيوعي الذي نجحت المخابرات الغربية مع عدة عوامل أخرى في إزالته نهائيا من الوجود.
صار الخطر بعد زوال الشيوعية، فقط يأتى من تلك البقعة التى تتوسط العالم وصار العدو الأول للمدنية والحضارة هو المسلم الإرهابي ثم اتسعت الدائرة لتصير (الإسلام الإرهابي) ولتشمل كل مسلم وليتم التعامل مع أى مسلم على أنه إرهابى محتمل ينتظر فرصة للانقضاض!
لقد خاضت الولايات المتحدة حروبا مازالت أصداؤها عالية وسيظل العالم الإسلامى يعانى منها طويلا ووضعت القوات الأمريكية قدما في كل مكان تراه خطرا عليها واستخدمت كل الوسائل لتدمير العالم الإسلامى ونشر الفوضى فيه، حتى وجدنا أشلاء دول أو على الأكثر أشباه دول من جراء التدخل الأمريكي المباشر في العراق وليبيا والصومال وأفغانستان وغير المباشر في كل مكان في هذه البقعة التى تتوسط اليابسة!
أفلح الإعلام الغربي في تشويه صورة المسلم بشتى السبل حتى لو اضطرهم الأمر إلى التحالف التكتيكي مع بعض الجماعات الإسلامية المسلحة لاستخدامها في تهديد مجتمعات المسلمين أنفسهم!
ألم تر كذلك إلى أن الطفل الذي ولد في أى بيت أمريكى أو أوروبي منذ أحداث سبتمبر صار اليوم وقد جاوز العشرين الآن، قد تربى وتفتق وعيه على أن الخطر الداهم قادم من تجاه المسلمين في حوادث دهس أو طعن أو تفجير بحزام ناسف؟!.
فالمسلم – أي مسلم – خطر على كل من يخالفه في العقيدة، على البوذية، على الهندوسية، على المسيحية، على اليهودية، على المدنية، على الحضارة الإنسانية!
ترى كم أنفقت المخابرات الأمريكية وحلفاؤها على المواقع والجمعيات والهيئات والمعاهد التى تعد دراسات حول خطر الإسلام، حتى اقترنت الصورة الذهنية للمسلم بذلك الوجه القبيح؟!.
لكن دخل عام 2022 وإذا به ينذر بخطر أبعد ما يكون عمن تم تجهيز ذهن المواطن الغربي ضدهم، وقرب نهاية الشهر الثانى من هذا العام، وقع الخطر من أوروبي أبيض على أوروبي أبيض مثله وهو ذا يهدد بقية إخوانه البيض، بل وصار يهدد الإنسانية كلها!
فهل مازال الإسلام هو مصدر الخطر على الغرب؟!
لا محالة سوف يطرح هذا السؤال مع تزايد التوتر في الدول الأوروبية مع الحرب الروسية الأوكرانية، بل حتى لو تمت التسوية، فإن تمثال الشبح قد تحطم ولم يعد صالحا لإعادة الطرح، على الأقل لم يعد الإسلام هو الخطر الوحيد، ثم إن الإرهاب غاية ما قد يفسده هو طلقات نارية في حفل غنائي أو دهس لتجمع بشري على محطة أتوبيس أو طعن لشرطى في أطراف مدينة أوروبية أو على الأكثر تكرار على غرار 11 سبتمبر، لكنه أبدا لن يكون خطرا على الوجود البشري قاطبة مثلما يحدث الآن في شرق أوروبا!
إنها ورطة كبرى أمام الإعلاميين وضيوفهم من المفكرين والمحللين والمراقبين هنا أو هناك، والخطر على هؤلاء هو أنه لم يعد الإسلام هو الخطر الأكبر، فإن هناك تهديدا لا يمكن مقارنته به، ماذا ستفعل أمريكا وأوروبا؟!
ماذا سيفعل أتباعهم الذين فرغوا أنفسهم لتشويه هذا الدين من داخل المجتمعات المسلمة نفسها؟!.. إنهم في ورطة، فمنهم من مزقوا أنفسهم وهم يبحثون عن أى إشارة لعنف إسلامى في الحاضر أو الماضي حتى أفرغوا أنفسهم له، إلى أن أصابهم الهوس من جراء ما وهبوا أنفسهم له!
إنهم لن يجدوا أثرا لأسامة بن لادن في أوكرانيا، ليس ثمة ابن تيمية يفتى بالجهاد ضد الروس، الأرض إذن غير مناسبة لبقاء العدو التقليدي، أما تجهيز الذهنية لعودة الخطر الروسي كعدو أحمر البشرة وليس أحمر الفكرة، فقد يبدو عبثا لأن الذهن العالمى منهك من أشياء كثيرة أصابته بما يشبه البله من جراء توالى المصائب تحت وطأة إنهاك ذهنى إثر الضغوط الاقتصادية المتخلفة عن تسونامى إعلامى عن خطر كورونا الذى أجهد العالم كله منذ عامين، فثخن الجلد وباتت لعبة التخويف الإعلامى سخيفة ومملة حتى لو كانت تتحدث عما يمكن أن يصير حقيقة!
لقد استنفد الإعلام أعصاب العالم بما يكفى، فلم يعد ذلك الفزع بشكله القديم من نشوب حرب نوووية، فلنترك كل قادم يأت مع شمس صباح قدومه ولا ننهك أنفسنا بانتظاره، فلم تعد هناك طاقة للترقب ولندع الأشباح تحطم الأبواب دون عناء القيام لفتحها كي تدخل علينا!
فمنذ 11 سبتمبر 2001 لم ير العالم خطرا غيره، فجأة توارى وانشغل العالم بخطر داهم بدأ حربا فعلية، فأصيب الإعلام الغربي والمحلى هنا في مصر بارتباك، فلأول مرة يقع حدث كبير يصير حديث كل بيت ومنتدى ولكن ليس فيه (خناقة مع وضد)، وهى الخناقة التى كان يجيد الإعلام هنا وهناك اللعب عليها.
كما لم يستطع بعض مراسلى القنوات العالمية إخفاء عنصريتهم البغيضة التى تمثل في الحقيقة، الوجه الخفي والقبيح للثقافة المدنية الأوروبية الحديثة التى يجهلها أو يتجاهلها البعض من دعاة التنوير والأخذ بالنموذج الغربي، إنه النموذج نفسه الذي يعانى ورطة الآن وهو يرى أن نتاج الحضارة الإنسانية ومقياس تقدم الدول وقمة رقيها العلمي، يهدد بقاء الإنسانية وقد يؤدى لتدميرها لينتهى عصر الإنسان في الكون ولتستمر عصور الطحالب والكائنات وحيدة الخلية!