صرخة فرقة (أم كلثوم) التى تتسول الغناء، والأوبرا تبخسها حقها !
كتب : أحمد السماحي
مع النهضة العلمية والفنية التى شهدتها الموسيقى العربية في مصر في بدايات النصف الثاني من القرن العشرين اتجه الاهتمام إلى تكوين فرقة متخصصة للموسيقى العربية تقوم بتقديم أنماط وأنواع مختلفة من فنون الموسيقى للجمهور بهدف نشر الأهتمام بالموسيقى العربية وتذوقها، وقد حرصت الدكتورة الراحلة (رتيبة الحفني) عميدة المعهد العالي للموسيقى العربية على أن يتحمل المعهد هذه المسئولية العلمية والفنية، فأنشأت أول فرقة أكاديمية لرعاية وتقديم الموسيقى العربية فى إطار حديث، وأشرفت على تكوين هذه الفرقة عام 1965 بحيث تضم نخبة متميزة من طلبة وطالبات المعهد، بالإضافة إلى مجموعة مختارة من بين المعيدين، وأعضاء هيئة التدريس، وذلك بهدف تدريب الطلبة والطالبات على فنون العزف والأداء الجماعي.
وقد نمت هذه الفرقة نموا سريعا فشاركت عام 1966 في مهرجان الموسيقى الأندلسية الذي أقيم في الجزائر، والذي شارك فيه العديد من فرق الموسيقى العربية لعدد من الدول العربية، وقد تم تسجيل أعمال فرقة المعهد وإصدار هذه التسجيلات في اسطوانات خاصة ضمن ألبوم أسطوانات وتسجيلات هذا المهرجان الدولي.
وفي أوائل عام 1967 أسندت قيادة الفرقة للفنان (عبدالحليم نويره)، وفي عام 1968 أسندت إلى المايسترو (شعبان أبوالسعد)، وانتقلت قيادة الفرقة عام 1969 إلى الملحن الكبير (حسين جنيد)، وبعد وفاة كوكب الشرق (أم كلثوم) أقامت الفرقة حفلها الدوري حيث قدم المايسترو (حسين جنيد) مقطوعة موسيقية اسمها (أم كلثوم) في حضور وزير الثقافة وقتها (يوسف السباعي) الذي طرح إطلاق اسم (أم كلثوم) على الفرقة، وظل المايسترو والملحن (حسين جنيد) يقود فرقة (أم كلثوم) حتى وفاته في 15 نوفمبر عام 1990، وتولى قيادة الفرقة بعده المايسترو (محمد سعيد هيكل)، وفي عام 1991 تولى الفرقة (سامي نصير).
وقد خرج من هذه الفرقة مجموعة كبيرة من الأصوات الرائعة نذكر منهم (سوزان عطية، لطيفة، محمد الحلو، أحمد أبراهيم، توفيق فريد، إجلال المنيلاوي، طارق فؤاد، هشام يحيي، إيمان عبدالغني، رحاب مطاوع، أحمد سعد، يحيي عراقي، محمد عبدالستار) وغيرهم.
أحببت في البداية أن أسرد تاريخ هذه الفرقة المهمة التى أفتتحت عام 1988 دار الأوبرا المصرية في مبناها الجديد والذي شُيد بمنحة من الحكومة اليابانية لنظيرتها المصرية بأرض الجزيرة، نظرا للجحود والنكران التى تتعرض له، حيث تتسول الغناء في السنوات الأخيرة وقل نشاطها وتواجدها بشكل ملحوظ، وانخفض صوتها وقل شدو بلابلها العذب، في الوقت الذي نحتاجها بقوة في ظل ما يمر به الغناء العربي في هذه الأيام من انحطاط ، زاد وضاعة مؤخرا.
ومما يزيد من تدهور وضع فرقة (أم كلثوم) أن دار الأوبرا المصرية، تفضل الاستعانة بالفرق الخاصة بها وهى (الفرقة القومية للموسيقى، وفرقة الموسيقى العربية، وفرقة التراث) في حفلاتها وتمثيلها في المهرجانات المصرية والعربية، وما يتبقى من هذه الفرق يذهب إلى (أم كلثوم)، كما تأثرت فرقة (أم كلثوم) بالخلافات بين المسئولين عن الفرق، وكان نتيجة كل ذلك أن الفرقة كادت أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، ولم يشفع لها تاريخها الطويل، ولا إحيائها من خلال أعضائها الذين يمتلكون الشدو العذب الجميل (الدور، والموشح، والطقطوقة) وغيرها من القوالب الغنائية التى اندثرت في ظل انتشار أغنيات المهرجانات، وسعي كثير من المطربيين إلى (التريندات) على حساب المضمون!.
يا مسئولين في وزارة الثقافة!، يا دكتورة (إيناس عبدالدايم) وزيرة الثقافة، يجب دعم فرقة (أم كلثوم) معنويا وأدبيا وماديا حتى تعود الروح لهذه الفرقة العريقة التى قدمت مؤخرا وبالتحديد يوم 18 فبراير حفلا غنائيا رائعا كعادتها دائما بقيادة الدكتور (محمد عبدالستار) وتحت إشراف (هشام العربي) عميد معهد الموسيقى العربية، وإشراف عام الدكتورة (غادة جبارة) رئيس أكاديمية الفنون، تألق فيه نجوم الفرقة بالغناء الجميل العذب الذي جعل جمهور الحضور، وأنا واحد منهم نتحسر على حال الغناء الآن، ونهتف مع كل مطرب يصعد على المسرح ويختم فقرته بكلمة واحدة هى (الله.. الله) من عذوبة وجمال ما استمعنا اليه من نجوم الفرقة.
ومن هؤلاء الذين صالوا وجالوا في القوالب الغنائية المختلفة من المطربيين (يحيي عراقي) الذي أمتعنا بشدوه العذب لرائعة (سحب رمشه)، وقدمت سهيلة بهجت (للصبر حدود)، ومصطفى عبدالناصر (خدك وردي)، وأحمد علاء (يا ورد مين يشتريك)، وأحمد عبدالعزيز (غريب الدار)، ومحمد حربي (عيني بترف)، والسيد رزق (الناس المغرمين) ومريم هاني (يا تمرحنة) وحبيبة حاتم (العيون السود)، وذكرى حميد (يا مه القمر ع الباب)، فضلا عن غناء المجموعة لدور (كادني الهوى) لمحمد عثمان، و(ظبي من التركي، والسبوع).
الغريب والمثير والذي يحيرني أنه في الوقت الذي نُهمل عشرات الأصوات الرائعة والمدربة والدارسه ومعظمهم بالمناسبة أصوات شابة في العشرينات والثلاثينات من أعمارهم، نسعى وراء التقليد الأعمى، ونقدم برنامج مثل (الدوم) الذي يتكلف ملايين الجنيهات، حتى نكتشف من خلاله صوتين!.. آه والله صوتين.. تخيلوا! مع إننا نمتلك عشرات ولن أقول مئات من الأصوات الرائعة الموجودة في الفرق لدينا سواء فرقة (أم كلثوم) أو غيرها من الفرق الموجودة في دار الأوبرا المصرية، وعجبي عليكي يا مصر.!