رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

ثروت الخرباوي يكتب : السينما تبني إذا أردنا وتهدم إذا لم ننتبه

الإرهاب والكباب.. قيلم  تحول إلى اتهام للدولة

بقلم الدكتور : ثروت الخرباوي

كنت أتمنى أن أسبق الرئيس السيسي في هذا الموضوع، ولكنه سبقني عندما تحدث عن فيلم (الإرهاب والكباب) وكيف أن الفيلم بدلا من أن يوجه الأنظار إلى سلبية المواطن الذي يعمل موظفا في الحكومة، تحول الفيلم إلى اتهام للدولة، فأصبحت الدولة بذلك خصما للمواطن، ولكن يُحسب لي أنني طرقت أبواب هذا الموضوع عبر مقالات سابقة، ولكن ما هو الموضوع أصلا؟: الموضوع يا سادة يتعلق باستخدام السينما في إعداد برمجة ذهنية للمواطن العادي لكي يصبح مواطنا رافضا وكارها للدولة، أو ما يُطلق عليه البعض (إدارة العقلية الجمعية)، وهو ما يعني قدرة الفن على إدارة عقلية الجماهير وتوجيهها في المسارات التي يريدها، ولكي أقدم لكم مثلا واضحا أقول إنكم إذا عدتم إلى مقال سابق لي ستجدون أنني تكلمت عن رجل الشرطة في السينما المصرية، كيف كان في زمن الملكية، ثم في زمن الناصرية، ثم كيف تم تقديمه في زمن السادات إلى نهاية زمن مبارك، ستجدون تغييرا شاملا في صورة رجل الشرطة، من رجل يسعى لحماية أمن المواطن إلى رجل كل مهمته هى الاعتداء على أمن المواطن، نعم أتفق معكم يا سيادة أن هناك سلبيات في أداء رجال الشرطة، وهذه السلبيات قائمة إلى الآن، ولكنها سلبيات تتعلق بسلوك مواطن تجاه مواطنين آخرين، مثلها مثل سلبيات المواطن الذي يعمل في أي وزارة من الوزارات تجاه المواطن الذي يلجأ إليه لإنهاء مصالحه.

(قلبي دليلي).. أنوز وجدي وليلى مراد

في زمن السينما الصامتة في مصر يقوم الفنان (ستيفان روستي) بإخراج فيلم صامت عام 1928 اسمه (البحر بيضحك) يحكي فيه قصة رجل شرطة قام بدوره الممثل المعروف وقتها (أمين عطا الله) الذي كانت له فرقة مسرحية شهيرة وقتئذ، وفي الفيلم يظهر أمين عطا الله في شخصية رجل الشرطة الذي يبذل كل جهده ويُعرض نفسه للخطر للقبض على (ستيفان روستي) الذي صدم كلبا بسيارته، كانت هذه هى الصورة الأولى لرجل الشرطة في السينما المصرية، رجل الشرطة الذي يتفاني للقيام بواجبه، وتتوالى الأفلام التي تقدم صورة إيجابية لرجل الشرطة، كان منها مثلا فيلم (قلبي دليلي) عام 1947 لأنور وجدي وليلى مراد وبشارة واكيم، وكان أنور وجدي هو الضابط وحيد الذي يسعى للقبض على عصابة إجرامية، ويتقابل مع ليلى مراد في محطة قطار فيظن أنها من أفراد العصابة وتتوالى الأحداث إلى أن نجح الضابط في القبض على العصابة وتخليص مصر من شرورها.

(الرجل الثاني) .. صلاح ذو الفقار ورشدي أباظة

ويبدأ عام 1952 بفيلم (النمر) لأنور وجدي ونعيمة عاكف حيث يسعى الضابط أنور للقبض على عصابة يتزعمها زكي رستم ليقضي على الشر الذي أحدثته تلك العصابة في بلادنا، ثم يهل علينا عام 1954 ليخرج إلى الوجود فيلم (حياة أو موت) الذي أنقذ فيه حكمدار القاهرة (يوسف وهبي( حياة المواطن (عماد حمدي) أحمد إبراهيم القاطن في دير النحاس، وهلم جرا ، ثم نشاهد عام 1960 فيلم (الرجل الثاني) لرشدي أباظة وفيه يزداد إعجابنا برجال الشرطة الذين كان يمثلهم صلاح ذو الفقار وتعريضه حياته للخطر أثناء القبض على المجرم الخطير رشدي أباظة، وزعيم عصابته الفنان عبد الخالق صالح.

وتستمر أفلام الفترة الناصرية على ذات النسق، حتى الكوميديا يقدم لنا إسماعيل يس فيلم (إسماعيل يس في البوليس)، ويصبح رجل الشرطة هو البطل الشعبي عند الشعب المصري لذلك كان إقبال طلبة الثانوية العامة في تلك الفترة كان على الدخول لكلية الشرطة والكلية الحربية، وكانت كل أسرة عندما تسأل طفلها الصغير: ماذا تريد أن تعمل عندما تكبر؟ فيقول: ضابط، وما كان ذلك إلا لأن الأثر الإيجابي في السينما ومسلسلات التلفزيون كان يقدم لنا رجل الشرطة البطل الذي يدافع عن أمن المواطنين ضد رجال العصابات.

احنا بتوع الأتوبيس

ثم يأتي زمن الخلاف السياسي بين حقبة وحقبة، فيكون أول إنتاج سينمائي يعبر عن غضب العهد الجديد بالعهد القديم متمثلا في فيلم (الكرنك) عام 1975 وفيه نرى الظلم الذي مارسته الشرطة وقام به رجال المخابرات في انتهاك الإنسان المصري، فتعتمل نفوسنا بكراهية هذا النموذج، ثم نشاهد فيلم (احنا بتوع الأوتوبيس) لعادل إمام وعبد المنعم مدبولي فتزداد كراهيتنا لهذا الشرطي الظالم، ثم تنعكس كراهيتنا على مؤسسة الشرطة من أكبر كبير فيها إلى أصغر أفرادها، وفي ذات الزمن نرى فيلم وحيد حامد (طائر الليل الحزين) لمحمود عبد العزيز ونيللي، ولكي تصل كراهيتنا إلى عنان السماء فيجب أن يقوم بدور رجل الشرطة الكبير في هذا الفيلم الفنان العبقري (عادل أدهم) الذي كان ينجح في تجسيد الشر وكأنه هو الشيطان ذاته، ويسعى رجل الشرطة الشرير لقتل المواطن محمود عبد العزيز الذي يحاول أن يقدم براءته في جناية قتل، ولكي يبرع وحيد حامد في تقديم الشر متمثلا في رجل الشرطة فكان يجب أن يجعله أيضا فاسدا، حيث يجعله متزوجا في السر من غانية سيئة السمعة (شويكار)، وطبعا سيقدم وحيد حامد لنا تلك الزوجة السرية في نمط فاسد، فليس الضابط الكبير هو وحده الفاسد ولكن زوجته اللعوب أيضا .

فيلم الغول

ثم فلتنفض يدك أيها المواطن من الشرطة، فلن تحصل لك الشرطة ولا النيابة على حقك، بل ستقوم بالتستر على الفساد، لذلك يكتب وحيد حامد فيلم (الغول) الذي قام ببطولته عادل إمام وفريد شوقي ونيللي، وهم أبطال لهم قدرهم في قلوب الجماهير، فمجرد وجودهم كفيل بنجاح الفيلم، وكانت رسالة هذا الفيلم متمثلة في لقطته الأخيرة وهى: لن تستطيع أيها المواطن أن تحصل على حقك من خلال مؤسسة الشرطة أو مؤسسة العدالة، كل هذا هباء، كل هذا هو أداة في يد الفساد، لذلك فلتحمل (ساطورك) ولتقتل بنفسك خصمك، فالدولة لن تقف معك، ثم يكون المشهد الأخير عبثيا تمت صياغته ليعطي انطباعا بأن الفاسد الذي قتله عادل إمام هو أنور السادات بنفسه، فكأنما تحول عادل إمام إلى خالد الإسلامبولي!!، ويتم بعثرة الكراسي وقت مقتل فريد شوقي  ليكون مشهدا مشابها لمشهد المنصة وقت قتل السادات.

فيلم التخشيبة

ونرى أيضا فيلم (التخشيبة) لنبيلة عبيد وأحمد زكي وسعيد عبد الغني، وتدور القصة من أولها إلى آخرها حول أن نظام العدالة في مصر نظام فاشل، وأن المواطن هو الذي يجب أن يسعى بنفسه للحصول على براءته، أما الشرطة والنيابة فلا وجود لهما في تحقيق العدل، وسنظل نحكي عن رجل الشرطة المريض نفسيا والفاسد أخلاقيا، فنجد أن هذه الأفلام زادت بشكل كبير قبل ثورة يناير عام 2011، أمامك مثلا فيلم (زوجة رجل مهم) لأحمد زكي ومرفت أمين، الذي يقدم لنا ضابط أمن الدولة السادي المريض نفسيا، ثم نقفز سنوات لنصل إلى فيلم (تيتو) لأحمد السقا وخالد صالح، وهو يقدم لنا رجل الشرطة الذي تحول إلى زعيم عصابة في نفس الوقت الذي يتقلد فيه وظيفته، ونفس الأمر مع فيلم (أبو علي) لكريم عبد العزيز وضابط الشرطة الفاسد خالد الصاوي، ثم نصل إلى الفيلم الأشهر (هى فوضى) ليوسف شاهين وخالد يوسف، بطولة خالد صالح ومنة شلبي، وفيه يقوم خالد صالح بدور أمين الشرطة حاتم الفاسد الذي يستغل سلطته ويعيش في مستنقع من الفساد واستغلال السلطة.

وأظنني لن أستطيع الحصر، فالموضوع يحتاج إلى كتاب يتضمن عدة فصول، مقال واحد لا يكفي أيها السادة، ولكنني بالقدر الذي تسمح به المساحة أقول إن السينما الأمريكية تقدم لنا أيضا رجل الشرطة الفاسد، ولكنها تقدم لنا في ذات الفيلم رجل الشرطة الآخر الصالح الذي يقف في مواجهة هذا الفاسد، وينتهي الأمر في النهاية باكتشاف الفاسد والتخلص منه من خلال السلطة، ومن أشهرها سلسلة أفلام (جيسون بورن) رجل المخابرات الذي فقد ذاكرته ويقوم بدوره الممثل العالمي مات ديمون، حيث يقوم الضابط مات ديمون بكشف الضباط الفاسدين بمساعدة  ضابطة المخابرات (جوان ألين( وستجد أيضا أفلاما للفنان العالمي (بروس ويلس) تدور حول نفس المعنى ، رجل الشرطة الصالح الذي يكشف فساد رجال شرطة ويقدمهم للعدالة، وأيضا لا ننسى أفلام بروس ويلس التي قام فيها بدور ضابط الشرطة جون ماكلين الذي يقضي بإمكانياته البسيطة المتواضعة على عصابات خطيرة مدججة بأحدث الأسلحة.

نعود إلى السينما المصرية، لنجد أن إدارة عقلية الجماهير هو المستهدف إذن منذ سنوات طويلة، ولم نكن ننتبه، بل كنا نفرح ونقدم شهادات التقدير لمن يقوم بتزييف وعينا، وسيظل الأمر مستمرا طالما أن من يوجه الصناعة الفكرية للسينما ومسلسلات التلفزيون مِن وراء الستار لا زال يرتب الأفكار ويقدمها للمنتجين، ولكي لا يكون كلامي بلا دليل فلكم أن تشاهدوا مسلسل (لا تطفىء الشمس) الذي شاهدناه منذ سنوات قليلة وظهرت فيه عبارة (السيسي خائن !!) على إحدى حوائط مدينة الانتاج الإعلامي في تصويره لشارع مصري، إذ يجب أن نلاحظ أن التصوير لم يتم في شارع من الشوارع الحقيقية يمكن أن تكون تلك العبارة مكتوبة فيه ولم يلاحظ المصور ولا المخرج هذه العبارة، ولكنها مكتوبة بالقصد على حائط في مدينة الإنتاج الإعلامي، صحيح أن البعض قدم بلاغات للنائب العام ولكن هذه العبارة تُظهر أن التلاعب بالعقلية الجمعية كان وسيظل مستمرا ما لم ننتبه ونعمل على تصحيح وعي المواطنين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.