بقلم : محمد حبوشة
معلوم أن الاستمتاع بالأعمال المسرحية يأتي من شعورنا بالانسجام مع حركة الممثلين وتفاعلنا بما يقولونه، وهو أمر لا يبدو سهلا، لكنه يتطلب مهارات حركية وقدرة على التعبير المتمكن، وهذا ما يوضح أهمية توظيف لغة الجسد في المسرح كواحدة من أهم استراتيجيات التعبير الجسدي وباعتبارها وسيلة التواصل مع الجمهور ونقل الأفكار والمشاعر، ولذلك تبدو صناعة ممثل جيد قائمة على فهمه العميق لجسده وما يمكن أن يقوله من خلاله؟ ولمساحته في الفضاء واستغلاله للفراغات، وهذا هو منهج الفنان الكويتي الكبير والقدير (جاسم النبهان) عاشق المسرح منذ نعومة أظفاره، والذي تأتي أهمية لغة الجسد عنده من قدرته على لعب دور واضح في التواصل مع الآخرين، فالأمر لا يقتصر على الأداء المسرحي والتمثيل، لذا نراه واحدا ممن يعرفون جيدا كيف يقدمون أنفسهم بصورة جيدة من خلال الاستخدام السليم للغة الجسد في تجلياته عبر أعمال اتسمت بالدقة والموضوعية في المسرح والدراما الخليجية.
(جاسم النبهان) ضيفنا في باب (بروفايل) لهذا الأسبوع يفهم جيدا ما المقصود بأن تكون وسيلة لغة الجسد لغة تواصل فعالة، والطريقة المثالية لإتقان استخدامها، وكيف يمكن أن تتناسب مع اختلاف المجالات التي يعمل بها سواء كان لك على خشبة المسرح أو شاشة التليفزيون، إنطلاقا من أن لغة الجسد هى نوع من التواصل غير اللفظي، فنحن لا نستخدم الكلمات والجمل ويحاول المتلقون أن يستكشفوا ما نريد قوله أو التعبير عنه من خلال حركات يدينا ونظرات أعيننا وإيماءات وجهنا، وميزة هذا النوع من التواصل أنه يحدث بين البشر والحيوانات، وأنها في الغالب تحدث دون وعي وبشكل تلقائي، وهى تختلف عن لغة الإشارة أو اعتماد إشارات محددة داخل ثقافة معينة تشير إلى معلومة أو معنى بعينه.
وضعية الجسد وحركته
التواصل الجسدي عند (النبهان) في حالة السكون تبدو ذات أثر فعال من خلال تعابير الوجه التي قد توضح المشاعر وطبيعتها من القبول إلى الرفض، وسواء كانت الشخصية التي يجسدها لديها شعور بالخوف أو السعادة أم الحزن، وهل هو يركز في شيء ما الآن أم أنه مشتت الذهن؟ هل يشعر بالطمأنينة والثقة أم أنه قلق؟، وهناك أيضا ما يمكن استنباطه من حركات الرأس والرقبة، فالإيماءة قد لدى النبهان تعني الموافقة، وهز الرأس يشير إلى الرفض، ومن الممكن أن نتعرف على خضوع (النبهان) من خلال حركة عينيه ورأسه، وكذلك اهتمامه بما يقال من خلال إنصاته والتواصل بالعين، ويمكن للرأس والعينين أن يخبرونا عن فضوله كشخص أو شكه، وبالطبع وضعية الجسد وحركته يمكنها أن تخبرنا الكثير مما لا يقال، فكم من مرة عرفناه من خلال أعماله المسرحية والتليقفزيونية أنه مهتم بما يقول من خلال إقبال جيد، وهل تتحرك يديه باستمرار أم أنه يعقد يديه أمام جسده ولا يريد أن يتدخل في أي نقاش؟، ويمكن أن تكون كل تفصيلة في الجسد عنده لها تفسير يشير إلى معنى معين، سواء اليدين أو خطوات القدمين وطريقة الجلوس أو الوقوف، وكذلك حركة الصدر ومقدار النفس، وطريقة المصافحة: هل تعبر عن الترحيب والمحبة أم أن هناك مشاعر أخرى كالرفض وعدم القبول؟، وتعتبر حركة الأكتاف عند النبهان من أكثر الحركات التي يمكن ملاحظتها بسهولة، فقد تشير للثقة أو التوتر والقلق، وهز الكتفين يعني عدم معرفة شيء معين.
لغة الجسد عند النبهان
أهمية لغة الجسد عند جاسم النبهان لايمكن التقليل من أهميتها في أدائه العذب، فكثيرا ما نكتشف كذب الآخرين من خلال حركة أو إيماءة يقومون بها، أو نتعرف على شعور الشخص بالانهزام أو الفرح، وطريقتنا نحن لنخبر الآخرين أننا فقدنا طاقتنا أو نشعر تجاههم بالامتنان، لكن على مستوى التواصل الإنساني فإن لغة جسد (النبهان) تكمل تفاعلنا مع المحيط الذي نعيش به، وعلى مستويات أخرى متعلقة بالعمل أو الأداء المسرحي والتمثيلي، وتعتبر لغة جسده هى الأداة التي يجب أن يطورها ويعمل عليها كفنان عرف دقات المسرح، وتمكن دوما من استخدام لغة الجسد وتوظيفها لصالح الدراما، ولعل أهمية لغة الجسد في أدائه تحدث دون وعي، وهو ما يظهره لنا صاحب الشغف بفكرة تعبر حركات يديه وعينيه عن ذلك.
الاهتمام بنبرة الصوت ومظهره لدى الفنان (جاسم النبهان) يمنحه ثقة أكبر في النفس، بل إن لغة الجسد هى التي تساعده على أن يحقق ما يريده، وحتما يكون قادرا على أن يجعل حضوره مريحا لمن حوله وباعث للثقة والاطمئنان، فيتمكن من النجاح في نواحي مختلفة في الحياة، سواء اجتماعية أو مهنية، ومن ثم فهو يؤمن أن للغة الجسدية بالنسبة لممثل أهمية توظيف لغة الجسد على المسرح، فيقف الممثل على موعد مع مئات وأحيانا آلاف الأشخاص، يريد أن يلفت انتباههم لما يقوله ويبعدهم عن تشتت الانتباه، يحاول مستخدما كل الأدوات، بداية من ملابسه ونبرة صوته وحتى حركة جسده وتعابير وجهه وقدرته على التعامل مع الفراغ من حوله واستغلاله، فلغة الجسد على المسرح تتلخص في قدرة الممثل على تحريك جسده من خلال حركتك على المسرح يمكنك أن تخبر الجمهور كثير عن الشخصية التي تقوم بأدائها، عمرها ومشاعرها وطبيعة تعاملها مع محيطها، وعلى ذلك أن يبدو مقنعا.
التركيز على الطاقة
ولن يحدث ذلك دون أن يكون لهذه الشخصية لغة خاصة بجسدها تعبر من خلالها عن نفسها، بخلاف الكلمات المنطوقة، ومن هنا فإن الممثل المسرحي (جاسم النبهان) يوظف لغة الجسد من خلال القدرة على التحكم في التوتر الطبيعي الذي يسبق مواجهة الجماهير، والتحكم به وتجاوزه حتى لا يتعرض للإحراج، والتركيز على الطاقة التي يمكن التعبير من خلالها، وظني أن يقوم بالتدرب من خلال استخدام قناع خاص على الوجه، فيركز بذلك على حركة يديه وجسمه لتعبر عن الانفعالات التي تتعرض لها الشخصية من الغضب والحزن أو الخوف والفرح، وهو تمرين يعزز من موهبته الحركية، وهذا بالطبع ينعكس على تركزه لتعابير الوجه والإيماءات وحركة الرأس، وكذلك طريقة الإمساك بالأشياء، وتقدير السكون والثبات كما الحركة، وكيف يمكن أن تعطي عدم الحركة معنى مثلما تفعل الحركة نفسها، وهو أمر يجب على صانع الدراما أن يتعلمه ويتقنه مثل الممثل القدير (جاسم النبهان)، في قدرته على التفاعل الحركي الجيد والتواصل مع الممثلين الآخرين على خشبة المسرح، فيكون متفهم لأبعاد تواجده ومساحاتهم والمساحة الخاصة بهم كذلك.
وفوق كل مامضى فإن جاسم النبهان نموذج حقيقي للفنان الملتزم الذي يعي أبعاد حرفته، ومنذ انطلاقته الفنية، في منتصف الستينيات من القرن الماضي، وهو يمتاز بلغة عالية من الاختيارات الفنية والتماس الحقيقي مع جيل الرواد الذين عاش بينهم سواء في ردهات فرقة المسرح الشعبي أو الساحة الفنية بكل شمولها وتنوعها، وحينما راح يحلق عاليا، ظل ذلك النموذج المقرون بالالتزام، على صعيد الحرفة.. والاختيارات.. والمواعيد.. والتعامل، ومن يعرف الفنان جاسم النبهان، يعلم جديته في كل شيء، ولهذا فان سيرته هي انعكاس لتلك الجدية التي صاغها بروح هي اليوم مصدر فخر واعتزاز، خصوصا إذا ما عرفنا تلك النقلات الفنية المهمة في مسيرته، وبالتالي مسيرة الحركة الفنية، في الكويت والمنطقة.
موظف بوزارة الأوقاف
ولد جاسم محمد عبد الله النبهان بحي القبلة بدولة الكويت، وتلقى مراحله التعليمه في المدارس المجاورة، حيث التحق بمدرسة عمر بن خطاب في منطقة القبلة بدولة الكويت وذلك في عام 1953 واستمر في هذه المدرسة حتى الصف الثالت الابتدائي، ثم انتقل بعد ذلك الى المدرسة الشامية المتوسطة ومكث بها لمدة عام واحد فقط ، ثم أكمل دراسته الثانوية في ثانوية الشويخ بدولة الكويت، وأثناء فترة دراسته منذ المرحلة الابتدائية ووصولا إلى المرحلة الثانوية، كان جاسم النبهان يحرص دائما على المشاركة في المسرح المدرسي، وفي عام 1963 سافر أخيه الأكبر للدراسة بخارج البلاد، مما اضطر جاسم إلى ترك التعليم من أجل العمل وتحمل مسؤولية المنزل، وخلال هذه الفترة تم تعيينه كموظفا في وزارة الأوقاف الكويتية، ثم بعد ذلك انضم إلى فرقة المسرح الشعبي، وذلك في عام 1964 بعد أن كانوا رفضوا انضمامه إليهم عندما تقدم إليهم بعد تأسيس الفرقة وذلك كونه ما زال طالبا حينها ، وبعد فترة من اشتراكه قرر أن يلحق العمل بالدراسة الاكاديمية.
التحق (جاسم النبهان) بعد فترة بمعهد الدراسات المسرحية الذي أسسه زكي طليمات، لكنه ابتعد عن المسرح نتيجة الرقابة الكويتية عليه، حيث يرى أن العروض المسرحية في بلده حاليا لاترتقي إلى مصاف المسارح الحقيقية بسبب تقليص سقف الحريات، وشارك في الكثير من الأعمال التلفزيونية والمسرحية والسينمائية، إلى جانب المشاركة في دبلجة بعض أفلام الكرتون حتى عام 1964، ومع بداية انضمامه إلى فرقة المسرح الشعبي شارك في عدة أعمال منها: دبلجة الرسوم المتحركة (سهم الفضاء)، وفوازير (مسايقات رمضان)، والمسلسل الإذاعي (أسرار خلف الجدران)، وفيلم (طائر الخير)، ومسرحية (غلط ياناس)، وقدّم بين العامين 1965 – 1970 مجموعة من المسرحيات كان منها: مسرحيات (الجنون فنون، يمهل ولايهمل، العلامة هدهد، انتخبوني)، وكان له ظهور في سهراتٍ تلفزيونية من بينها سهرتي (صورة وبرواز، الباب الموصد).
حكمة محكمة السلطان
أما في الفترة الممتدة بين عامي 1971 – 1976 فكان له الكثير من الأعمال ومن أبرزها: مسلسلات (خلف الجدران، الملقوف، مشاهد خالدة، ألوان من الحب)، ومسرحيتي (ثورة عيده، ومدير طرطور)، وتابع جاسم عطاءه الفني من خلال عددٍ من الأعمال قدمها في الفترة 1976 – 1980 منها: مسلسلات (خولة بنت الأزور، الزير سالم، قصة موال)، ومسرحيتي (ورطة خريج، ورسائل قاضي إشبيلية)، وسباعية (الدكتور)، ومسلسل (علاء الدين)، ودبلجة برنامج الرسوم المتحركة (الحوت الأبيض)، وأطل جاسم النبهان على جمهوره أيضا من خلال مشاركات كانت بين عامي 1981 – 1985 منها: الرسوم المتحركة (عدنان ولينا، الرجل الحديدي)، ومسلسلي (أسماء النبي، وابن سينا، امرأة ضد الرجال، نادر)، ومسرحيتي (حكمة محكمة السلطان، ودقت الساعة، والمسلسل الإذاعي (وجوه مزيفة) وغيرها.
وفي الفترة مابين بين عام 1986 – 1990 شارك جاسم النبهان في العديد من الأدوار ومنها: مسلسلات (المغامرون الثلاثة، إلى من يهمه الأمر، العادلون: ضيعة أم سالم، رحلة العجائب)، ومسرحيات (فرسان بني هلال، الثمن، السمكة والصياد، كما شارك أيضًا في أدوار أخرى متنوعة في الفترة الممتدة بين عامي 1990 – 1995 ومن بينها: مسلسلات (الملقوف، مرآة الزمان، حوش المصاطب)، ومسرحيات (أولاد وضابط، إسلام سات، صوت الزمن)، أما في الفترة بين 1996 – 2000، فكان له عدد من الأعمال التي شارك بها مثل: مسلسلات (رجل سنه 60، وجوه بلا أقنعة، الدردور، زمن الإسكافي، البيت الجديد)، والسهرة التلفزيونية (نوال) فضلا عن مسرحية (سنطرون وبنطرون).
في حين شارك بين عامي 2001 – 2005 بعدة أعمال تليفزيونية، منها مسلسلات (القدر المحتوم، الصقرين، الاختيار، وتبقى الجذور، الأخرس، رحلة الانتظار، بريق المال)، بالإضافة إلى مسرحية (ذوبان الجليد، وكان من بين الأعمال التي شارك بها بين عامي 2006 – 2010 مسلسلات (رجال يبيعون الوهم، عرس الدم، عيون الحب، همس الحراير، ساهر الليل، ومسرحية (يا دانة دنا الليل) وفيلمي (كيوت، وهمسات الخطيئة) وانهالت العروض على الفنان جاسم النبهان للمشاركة في كثيرٍ من الاعمال، إثر الشهرة التي حققها مسلسل (ساهر الليل) في عام 2010، وخصوصا الأعمال الدرامية التليفزيونية، وكان من أهم ماقدمه بين عامي 2011 – 2015 مسلسلات (ساهر الليل ج2، للحب زمن آخر، عبرات وحنين، مجموعة إنسان، ساهر الليل ج3، جرح السنين، وشارك كضيف شرف في المسلسل المصري (أوراق التوت).
أحلام على ورق
أما مجموعة الأعمال التي قدمها بين عامي 2016 – 2019 كان من بينها مسلسلات: (أحلام على ورق، المحتالة، كحل أسود قلب أبيض، أغرابلا موسيقى في الأحمدي)، والفيلم القصير (صمود)، وشارك الفنان جاسم النبهان عام 2020 في مسلسلات (الشهر المر، محمد علي رود، غرفة رقم 7، رحى الأيام، شغف) أما عام 2021 فقد شارك جاسم النبهان في مسلسلات (مع الحرملك، سما عالية، رد اعتبار، الوصية الغائبة، و الناموس) والأخير عرض موسم رمضان 2021.
وجدير بالذكر أنه حيث انطلق المسرح الخاص قدم النبهان مع فرقة المسرح الكوميدي الكويتي أعمالا لافتة مثل (دقت الساعة، حامي الديار) تأليف مشترك لسعد الفرج وعبدالأمير التركي، وكتب بنفسه نصوصا مسرحية حصدت شهرة واسعة في العالم العربي، ولم يكن يفعل هذا دون شراكة مع قديرين مثل الراحل سعد أردش وأحمد عبدالحليم، وكان نتاج تلك الشراكة أعمال ذات وزن كمسرحية (رسائل قاضي إشبيلية) و(مغامرة المملوك الجابر)، ووصل شغفه بالمسرح إلى حدود قصوى حين شارك كممثل إلى جانب 25 ممثلاً وممثلة من ثقافات متعددة في مسرحية (ريتشادر الثالث.. مأساة معربة) للمخرج سليمان البسام التي عرضت في بلدان عربية وغربية كثيرة.
ومع أنه من أكثر الفنانين رصيدا في مختلف المجالات، إلا أنه يعتبر أن ذكاء الممثل ليس في كثرة ظهوره في الدراما، بل بتوظيف الأداء في المشاهد الأكثر تأثيراً، ومن بين الحقول الأكثر تأثيرا وفقا للنبهان، العمل التراثي، فهو أكثر مصداقية من الأعمال الأخرى، لذلك ينصح بالاهتمام بهذا النمط أكثر لأنه يعطي صورة حقيقية عن الزمن الماضي، كما أنه في الوقت ذاته هو المبدع الذي خبر كافة التخصصات في عالم الدراما جيدا، ومع ذلك فله رأي حاد حول الدراما الخليجية، وهو يعتد بالدراما الكويتية التي يعتبرها رائدة في المنطقة، وفي الوقت ذاته يصب جام غضبه على المستويات السطحية التي يقدم بها البعض أعمالا لا ترقى إلى مستوى ذوق المشاهد.
أشهر أقوال جاسم النبهان:
** الممثل يحمل هموم مجتمعه، فإذا لم يستطع تناول هذه الهموم على خشبه المسرح فمن يستطيع؟، مؤكدا أن أكثر ما يعيق الممثل في الإبداع هو ضعفه وضعف أدواته في تقديم الشخصية التي يجسدها.
** إن مناخ الماضي كان رائعا في تكوين شخصيته الفنية، وكانت في منطقة (جبلة) طبقات متعددة، فيهم الغني والفقير، وثقافة وبحر وبيوت قديمة ذات هيئة جميلة، وثمة من يحب ويدعم الثقافة، إلى جانب العامل الاقتصادي، ودور التجار الذين دعموا الثقافة والتعليم.
** في حقبتي الخمسينيات والستينيات وإلى منتصف السبعينيات، كان زمن النور بالنسبة للمسرح والفن الكويتي بشكل عام موجودا وسائدا، وكانت لدينا أربعة مسارح، وكل مسرح يوجد فيه ما لا يقل عن سبعة إلى ثمانية عناصر نسائية، والمجتمع كان لا يرفض المسرح.
** المسرح يحتاج الى فسحة من الحرية، لكن هناك رقابة غير واقعية، فقد كنا في زمن نور والآن ظلام، والكويت كانت أفضل بكل المجالات، مبينا ان الحكومة اليوم تريد مواكبة خطة 2035، داعيا الى ألا تكون إنشائية فحسب، ويجب أن تكون هناك مواكبة بشرية لكون الفنان الكويتي جزءا من التنمية، ويجب مراعاة ذلك.
** أحترق من الداخل، لأن ما بناه الأولون من الفنانين انهار حاليا، وأملنا الأخير في دعم الحركة المسرحية بالكويت، وكتر الدق يفك اللحام.
** إن محاكاة الواقع من أصعب التحديات التي يواجهها الفنان،والاعمال التي تستقي أحداثها من الواقع صعبة لأنها تتطلب محاكاة ما يحدث في الحقيقة وهو تحد صعب.
** بدأنا فعلا بإنتاج أعمال مشتركة قديما، قبل 30 سنة، وساهمت هذه الأعمال في إبراز روح المودة والإخاء والوحدة بين أبناء مجلس التعاون الخليجي، لذلك اليوم نحن بحاجة ماسة لعودة الإنتاج المشترك.
** لدينا الكثير من الأدباء، والكتاب، ولدينا تاريخ عميق في البحر والبر والعلوم المتنوعة، لذلك يجب أن تبرز هذه الأسماء وهذا التاريخ، وأن تلتقي هذه النُخب في أعمال تلفزيونية لهدف واحد نبيل وهو توثيق تلك المقومات وتقديمها للأجيال الحالية والمستقبلية.
** السينما صناعة دقيقة وليست صناعة عبثية، وقديما كانت السينما تحتاج إلى أدوات مختلفة تماما عما هو موجود اليوم، ما حدا ببعض المعنيين والمنتجين باستسهال صناعة فيلم سينمائي، وهذا الأمر غير صحيح، فالسينما ليست بأدوات التصوير، بالصناعة الدقيقة، لإنتاج أعمال خالية من الرتابة، خالية من الحشو، تجذب المشاهد من أول وهلة إلى آخرها.
** كنا سابقا نتنافس على الموسم المسرحي وتقديم الاعمال الجماهيرية التي تستقطب الجمهور إلى شباك التذاكر، ولم يكن همنا المهرجانات والتنافس على نيل لقب معين.
** إذا كان العمل لا يتنمي إلى مجتمعي، وأعني بـ «مجتمعي» أولا: المجتمع الذي أعيش فيه بما يحمله من عادات وتقاليد وثقافة ودين، وثانيا: المجتمع الأشمل وهو المجتمع الإنساني الأخلاقي، لذلك خلال مسيرتي الفنية تناولنا قضايا ونصوصا من الشرق والغرب.
** ربما من النادر أن نجد اليوم رواية من كتابنا ذات بعد مؤثر، هناك نماذج، ولكن أرى أن الغالبية انتهجت نهج القصة القصيرة، كنا نرى هذه القوالب في المجلات الدورية، وهذه القصص لا يمكن أن نستلهم منها أعمالا فنية.
** كان مشوار الجيل القديم شاقاً جداً حتى يحصل أي شخص على لقب (فنان)، وكان التزامهم من ناحية الجمهور من أهم أولوياتهم لتقديم فن راق، وهذا ما أراه مختلفا قليلا مقارنة بالجيل الجديد، ولكن لا أنكر أن هناك مواهب حقيقية كثيرة من الجيل الحالي.
** باتت هناك صراعات وحروب بين الفضائيات والمنتجين على اجتذاب أكبر عدد من المشاهدين في الموسم الرمضاني، وهذا يتسبب في تشتيت المشاهدين، وللأسف الشديد البعض لا يدركون ذلك، بالإضافة إلى أن هناك فنانين يشاركون في ثلاثة أو أربعة أعمال دفعة واحدة مع تكرار شخصياتهم وهمهم الأكبر الظهور على الشاشة لوقت أطول من دون النظر إلى الجانب السلبي وهو ملل المشاهد منهم.
** ابتعدت عن المسرح لأنني لم أجد النص الجيد الذي يجذبني، بالإضافة إلى أنني فقدت إخواني وزملائي المسرحيين الذين كانوا يشعلون العرض بأدائهم المميز، كما أرى أن المسرح فقد بريقه وابتعد عن الجمهور لأنه لا يقدم قضايا تواكب حال جمهورنا.
** مازلت أصبو لتقديم الأفضل الذي يعيش في وجدان الجمهور وأفتخر بمسلسلات مثل (إخوان مريم)، وشخصية الحاكم الأول، وكذلك (نيران، افتح يا سمسم، سهيل وزهرة اللوتس)، وأحلم بتقديم أعمال عن الشيخ عبد الله الجابر وعبد العزيز رشيد وغيرهما من الشخصيات الكويتية الكبيرة.
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للفنان الكبير والقدير (جاسم النبهان) الذي قد مايزيد عن 280 عملا متنوعا من خلال مسيرة عطائه التي ما تزال مستمرة دون توقف، وهو الذي يؤمن بأن الفن ترياق للنفس البشرية، هبة من الله، ومحفز للشعور وخالق للأشياء الجميلة، والمسرح بالنسبة إليه ليس وظيفة أو هواية، بل أسلوب حياة لذا توجت بمنحه جائزة الشارقة للإبداع المسرحي العربي في دورتها الخامسة عشرة تقديرا لرسالته الفنية الراقية، وفقا لبيان الجائزة، والتي عكستها عروضه المسرحية والتلفزيونية والإذاعية خلال أكثر من خمسة عقود، ولعله يظل الوجه الذي لا يمكن أن تذكر الدراما الكويتية دون أن يحضر، في الأعمال الجادة، أو الكوميدية، أو التاريخية على حد سواء، على خشبة المسرح أو عبر الشاشة الصغيرة.