حدوتة (مدد.. مدد.. شيدي حيلك يا بلد) رائعة (محمد نوح، وإبراهيم رضوان) الخالدة
كتب : أحمد السماحي
من الأغنيات الخالدة التى أصبحت نشيدا وطنيا نستدعيه الآن في كل لحظات حياتنا سواء الحزينة أو المليئة بالآمال والأحلام، رائعة (مدد.. مدد.. شيدي حيلك يا بلد) التى هتف بها الشعب المصري كله في أحرج لحظات حياته وفي قمة سعادته، هذه الأيقونة الخالدة التى ترددت بعد نكسة يونيو عام 1967 عندما صحى الشعب المصرى من كابوس انهيار حُلم، بل أحلام بالتنمية وبالعدالة الاجتماعية حلقت به فى السماء لمدة خمسة عشر عاما من يوليو 1952، أثارت في العامين الماضيين جدلا كبيرا، عندما نسبت لشاعر غير شاعرها المبدع المناضل (إبراهيم رضوان) أحد العلامات البارزة في الشعر المصري المعاصر، الذي عشق مصر وآمن بها، وهذا الإيمان فجر ينابيع الإبداع لديه، وعمق الحس الوطني بداخله، لهذا وظف شعره لخدمة القضايا الوطنية التى آمن بها، وقدم لنا العديد من الروائع التى لا تنسى.
(شهريار النجوم) دق باب شاعرنا الكبير (إبراهيم رضوان) ليعرف منه ظروف كتابة وظهور أيقونة (مدد.. مدد.. شيدي حيلك يا بلد) التى تعتبر أول أغنية في مشواره من بدايتها حتى نهايتها فقال: منذ بدأت كتابة الشعر وحتى اليوم وأنا شاعر عامي، ولست مؤلف أغاني، وأؤمن أن الأوطان لا تكون إلا بوحدة أبنائها وأن يلتفوا جميعا بجدهم وكفاحهم وعملهم من أجل رفعة الوطن، ومن أجل محاربة كل ما يضيع معاني الوحدة والكرامة والبناء، وعندما حدثت النكسة كنت شابا صغيرا، وجاءت الهزيمة لتكسرنا وتهزم أرواحنا، ويومها تأثرت جدا وكتبت (مدد.. مدد.. شدي حيلك يا بلد، إن كان فى أرضك مات شهيد فيه ألف غيره بيتولد)، وفي هذه الفترة تعرفت على شاب من طلخا اسمه (حسين سند) كان من أجمل الأصوات التى أنجبتها مصر، وكان أيضا ملحن قوي جدا، لكن للأسف لم يكمل المشوار حيث أقنعه البعض أن الغناء حرام فترك الغناء والتلحين رغم موهبته الطاغية في الأثنين، ووقتها نال الكلام إعجابه ووضع له لحنا جميلا، كنا نردده فى القرى القريبة منا وقبض علينا أكثر من مرة.
ويضيف (رضوان): فى هذه الفترة طلعت ديوان من وحي الهزيمة اسمه (الدنيا هي المشنقة)، كان من المفترض أن يكون 180 صفحة، لكن (أمن الدولة) التى كانت رقيب فى هذه الفترة على المطبوعات فحذفت كثير من القصائد، حتى وصل عدد الصفحات إلى 80 صفحة حتى لا يصلح للنشر، ورغم هذا نشرت الديوان بعدد صفحاته القليلة، ولم يتركوه، حيث قاموا بمطاردته بعد طبعه، وأذكر أنه كان من بين قصائد هذا الديوان قصيدة جميلة مليئة بالدلالات والرموز بعنوان (ليلة دخلتي) أقول في نهايتها:
وخطبت وعشت خاطب 15 سنة
أحلم في كل ليلة أحلام بيضا وجميلة
مليانة بالهنا، وفي ليلة دخلتي
كانت ليلة شتا فرحت بالشتا
وروحت للعروسة، والقلب كله فرحة
ولما شلت الطرحة لقيتها ميتة.
وقصيدة أخرى كان مطلعها يقول (يا ندل يا للي كنت في عينين أصيل)، وكانت كل قصائد الديوان صرخة ضد النكسة وما حدث لنا، وبدأ اسمي يتردد في المنصورة، إلى أن دعتني كلية الطب في حفل لتخريج الدفعة الأولى لإلقاء بعض قصائدي، وكان معانا الكابتن (غزلي) وفرقة أولاد الأرض، يومها قلت على المسرح قصيدة (الجرايد والكلاب) التى تعرضت فيها بالهجوم على (أم كلثوم ومحمد حسنين هيكل)، وهاجمتهما بشدة، كما ألقيت قصيدة أخرى بعنوان (الأم الفاسدة)، وفضلت على المسرح حوالي 20 دقيقة وسط إعجاب الحضور وتصفيقهم الشديد، ويومها وقبل صعودي على المسرح حذرني مدير أمن المنصورة اللواء (علي نور الدين) من إثارة الشغب أو إلقاء قصائد محرضة.
ولم أمتثل لتحذيره لهذا هاجمتني مباحث أمن الدولة في الليل، وأخذوا كل القصائد التى كانت موجودة عندي، وتم بعدها القبض علي وسجني لمدة سنتين و42 يوما، حيث اعتبروا هجموي على (هيكل) هجوم على الرئيس (جمال عبدالناصر)، وخرجت من المعتقل في بداية عام 1970، وأثناء ذلك طلب مني زميل شاعر اسمه (سامح حمدي) النزول إلى القاهرة ومقابلته، ونزلت إلى القاهرة وسألت عليه قالولي عند الفنان (محمد نوح)، وفي هذه الفترة كان (محمد نوح) غير مشهور، ويقدم مسلسل في الإذاعة بعنوان (حبي أنا) بطولته مع الموسيقار بليغ حمدي وعفاف راضي، وذهبت بالفعل إلى شقة (محمد نوح) المتواضعة في شارع (نجيب الريحاني) في وسط البلد.
ويومها تعرفت على (محمد نوح) لأول مرة ووجدت لديه أحلام كثيرة، منها أنه يريد إنشاء ستوديو خاص به على أحدث مستوى وتقديم غناء مختلف وغيرها من الأحلام الفنية، فضلا عن عشقه لخالد الذكر (سيد درويش) مثله الأعلى وقدوته.
ويستكمل شاعرنا الكبير باقي حدوتة (مدد.. مدد.. شيدي حيلك يا بلد): في هذا اليوم طلب مني (محمد نوح) أن نسهر في حي الحسين، وفى نهاية السهرة في الفجر دخلت أنا و (نوح) الحمام واستمعت أثناء ذلك إلى حلقة ذكر والمنشدين يقولون (مدد.. مدد)، فقلت لـ (محمد نوح) بعد أن عدنا إلى مقهى (الفيشاوي) تعرف أنني كاتب أغنية بعنوان (مدد.. مدد) فطلب مني الاستماع إليها فأسمعته الأغنية فوجدت (نوح) يقول مندهشا: (يا نهار أسود على دي أغنية، وده كلام، ايه الكلام الحلو ده يا ابراهيم)، وفجأة تركني دون أن يحاسب على الطلبات وتبخر، ويومها كنت سأرهن ساعتي بسبب عدم وجود فلوس معي كافية للمحاسبة على الطلبات، وعرفت أنه من شدة إعجابه بالكلام أنه لحنه في نفس اليوم.
وبدأ (نوح) يردد الأغنية في كل مكان، وأثناء ذلك سمع الأغنية محام من أصدقاء مجموعة كافتيريا (سوق الحميدية) بباب اللوق وهو الأستاذ (عبدالعزيز الشوربجي) وقرر أن ينتج أسطوانة بإسم (مدد.. مدد) وأعطاني عشرة جنيه ونفس الأجر لنوح، وعمل حفلة لنا في نقابة المحامين وحققت الأغنية نجاحا كبيرا وسط المثقفين، وأثناء ذلك كان (نوح) يغنيها في الملاهي الليلية فكانت الناس (تفوق) وتخرج من الملاهي وهي تنشد (مدد.. مدد.. شدي حيلك يا بلد).
ويضيف (إبراهيم رضوان): وظلت الأغنية غير معروفة للناس حتى حدثت انتصارات أكتوبر عام 1973، فكانت الأغنية على لسان كل جنود مصر، هي ونشيد (بسم الله، الله وأكبر بسم الله)، وفي هذا الوقت طلبت سيدة المسرح العربي (سميحة أيوب) بحكم أنها كانت مديرة المسرح الحديث من المخرج (عبدالغفار عوده) عمل مسرحية غنائية في أسرع وقت، فتم تقديم مسرحية وكان من أبرز أغنيات المسرحية أغنية (مدد.. مدد.. شدي حيلك يا بلد) التى كانت على كل لسان في مصر فى هذه الفترة.
هذه هي حدوتة أغنية (مدد.. مدد.. شدي حيلك يا بلد) من البداية إلى النهاية.