سامي كلارك .. رحيل مطرب السبعينات الذهبي والنجم الذي رفض ترك لبنان في حربها !
* ولد لعائلة محبة للفن: الأب يكتب مسرحيات، والأم تعزف على البيانو وتمتلك صوتا جميلا.
* أسس وهو في المرحلة الثانوية وبعمر السابعة عشر مع زملائه أول فرقة موسيقية وأطلق عليها (روبنز).
* انقطعت الكهرباء فتعرف على عرابه الموسيقار (إلياس الرحباني) الذي أعطاه أول أغنية في مشواره.
* نصحه أحد أساتذته في كلية الحقوق بترك دراسة حقوق والاتجاه إلى الغناء.
* رفض ترك لبنان في الحرب وغنى للجيش والاستقلال
* قدم حوالي 800 أغنية و3 أفلام والعديد من مقدمات مسلسلات الكرتون
كتب : أحمد السماحي
قصيرة هى الحياة، ولكن الحب طويل، و(سامي كلارك) المطرب اللبناني الذي رحل عن حياتنا يوم الأحد الماضي 20 فبراير مس كل قلب عرفه أو استمع إليه من خلال أغنياته التى استمعنا إليها ونحن نسبح في أثواب براءتنا، وصور لنا فيها مثالية الحب وقدسية العطاء ونقاء السريرة، وكان صادقا في كل ما غنى، لذا سيظل موجودا بين عشاق النغمة الموسيقية المختلفة.
في منتصف الثمانينات كنت في العاشرة من عمري، واستمعت لأول مرة إلى إذاعة (مونت كارلو) بالمصادفة، ووجدت (حكمت وهبي، أو أميجو العرب) يجري حوارا مع مطرب لم أسمع به من قبل اسمه (سامي كلارك) ويومها أذاع له العديد من الأغنيات التي لم تلفت انتباهي، لكن لفت انتباهي أغنية بعنوان (آه آه ع هالأيام) كان يغنيها مع (دمية) صغيرة تغني بصوت محبب إلى الأطفال، أحببت الأغنية جدا بسبب (الدمية) وتعلقت بالمطرب.
وبدأت أعاود الاستماع إلى إذاعة (مونت كارلو) لعل وعسى تذيع الأغنية مجددا، وفي هذه الفترة المبكرة من عمري، تعرفت بكل الأصوات اللبنانية التى كانت تغني وقتها، منها (نهاد طربيه، أحمد دوغان، وليد توفيق، راغب علامه، ماجدة الرومي، ملحم بركات) وغيرهم من الأصوات، وعشقت الأغنية اللبنانية بسبب أغنية (آه على هالأيام).
وعندما كبرت بعض الشيئ بدأت أتردد على محلات الكاسيت لشراء الألبومات الغنائية الجديدة، وبعد أن توطدت علاقتي بصاحب المحل طلبت منه ألبومات (سامي كلارك) فأحضر لي العديد من الألبومات منها (وين كنتي) الذي يتضمن أغنيات (أمرك حبيبي أمرك، سيرة أهلي، أرق الليل، مارينا، يا أم الخلخال، دلونا، لا تحبينا)، و(قومي تانرقص يا صبية، واشبكي ايديك في ايديا)، و(قلتيلي ووعدتيني) و(تامي تامي، تامي خليك هون)، و(موري موري)، و(بكى هواك) وغيرها من الأغنيات والألبومات.
الميلاد والهواية
ولد (سامي كلارك) في 19 مايو 1948 في بلدة ضهور الشوير في لبنان، وتحديدا في (بعبدات)، وترعرع في ظهور الشوير، ونزل في عمر السنتين إلى الأشرفية، وكبر بين الأشرفية والضهور، حيث السهول والينابيع والقهاوي المتناثرة في الغابات، كان والده (عادل حبيقة) يعمل في قوى الأمن الداخلي، مدير مكتب التحريات في السجل العدلي، وشغل موقع مختار ضهور الشوير، وعندما علم بحلاوة صوت ابنه (سامي) خاف عليه من أن ينغمس في متاهات عالم الفن، خاصة وأنه كان بحكم عمله تمر من أمامه مشاكل العاملين في الوسط الفني، وما خفف من هذا الخوف أن الأب كان يحمل جينات فنية وأدبية، وكتب عددا من المسرحيات، وكانت والدته من عائلة (آل سلهب) وتتمتع بصوت جميل وتعزف على البيانو.
روبنز أول فرقة
وسط هذه العائلة المحبة للفن والثقافة كبر (سامي كلارك) وأسس وهو في المرحلة الثانوية وبعمر السابعة عشر مع زملائه أول فرقة موسيقية وأطلق عليها (روبنز)، وفى هذه الفترة شارك أسوة بكل طلاب جيله في التدريب العسكري كل نهار سبت، وفي الصيف يأخذونهم لمدة خمسة عشر يوما فيتعلموا بعض الأصول العسكرية، وبعد انتهائه من المرحلة الثانوية تاه الطريق من تحت قدميه ولم يستطع تحديد دراسته، فدرس عاما في كلية إدارة الأعمال، وسنتين في كلية الحقوق، ودرس سنة ونصف في كلية الفنون الجميلة، حيث كان يبحث عن نفسه في هذه الفترة، رغم أنه كان يدرك في قرارة نفسه أن مصيره الغناء، لكنه كان ينتظر لحظة حاسمة، لحظة ما، كي يختار نهائيا ما يريد.!
إلياس الرحباني عرابه
حدثت هذه اللحظة عام 1970 عندما كان يغني في الجامعة اليسوعية وبالمصادفة كان حاضرا الموسيقار الشاب (إلياس الرحباني) ويومها انقطع التيار الكهربائي، وتابع الغناء ولم يتوقف، وغنى أغنية صعبة للغاية وهى (who have nothing) للمغني الشهير (توم جونز)، غنى بلا فرقة ولا أوركسترا، وتوجه نحوه (إلياس الرحباني) وتعرف به، وسأله: (ما رأيك لو تذهب معانا إلى اليونان، حيث سنشارك في مهرجان عالمي هناك؟!)، وجاءت كلمات (الرحباني) لتحسم للمطرب الهاوي الطريق والجدل المشاغب بداخله خاصة بعد أن نصحه أحد أساتذته في كلية الحقوق قائلا: (هذا المكان – كلية الحقوق – ليس لك يا سامي، صوتك حلو، وحضورك حلو، فحرام أن تحرق موهبتك على كرسي المحاماة).
أول أغنية
قبل السفر إلى اليونان كتب ولحن ووزع (إلياس الرحباني) أول أغنية في مشوار (سامي كلارك)، وكانت بعنوان (jamais jamais)، والأغنية تحكي عن لبنان، وعن شاب حمل جيتاره وسافر من مكان إلى مكان، وحين غنى هذه الأغنية على المسرح قام المسرح ولم يقعد، وصفق له أكثر من 40 ألف مستمع بحرارة شديدة، وأدرك (كلارك) منذ اللحظات الأولى إنه التقط الجمهور، وكما صفق له الجمهور، امتدحته الصحافة اليونانية، وتوالى اشتراكه في المهرجانات العالمية مع عرابه ورفيق مشواره ومكتشفه (إلياس الرحباني) الذي قدم له في هذه الفترة العديد من الأغنيات الأجنبية، وما ساعده على ذلك إتقان (كلارك) لأكثر من لغة منها الفرنسية والإيطالية والألمانية، وبدأ الشباب اللبناني يردد هذه الأغنيات ويستمع إليها بقوة خاصة بعد رحيل العمالقة الكبار (أم كلثوم وفريد الأطرش، وعبدالحليم حافظ)، فبدأ الشباب يتجه بقوة إلى الأغنية الأجنبية والاستماع إلى الفرق العالمية.
رفض ترك لبنان
في عز انتشار (كلارك) بدأت الحرب اللبنانية، وكان عليه أن يختار بين أن يهاجر أو أن يبقى ويناضل، فاختار البقاء، لكن ماذا يفعل إذا بقى؟، وأي فن ينتهج؟، وهل هناك فن حين يرتفع صوت الرصاص؟!، أسئلة صعبة طرحها على نفسه وأتت إجاباتها على لسانه: (قررت أن أشتغل وطنيا!، نزلت إلى الشارع وأسست نادي (new lebanan)، وجمعت أكثر من 16 ألف شاب لمواجهة الحرب، وأقمنا القداديس في الملاجئ، وساعدنا بترميم البيوت، ومددنا يد العون لكل الأحزاب، ورفعنا شعار (لا للطائفية).
وفى هذه المرحلة انتقلت إلى الأغنية العربية، حيث أدركت يومها أنه لا يكفي أن أغني بلغات أجنبية، ورحت أغاني أناشيد الجيش، وكم تذكرت في تلك المرحلة كلام والدي: (إذا أردت يا سامي أن تبقى في لبنان عليك أن تتعلم الغناء للوطن وللجيش وللبنان)، فغنيت (أرضي أرض البطولة، بلادي بلاد الأحرار)، ولم ابتعد تماما عن الغناء الأجنبي فسجلت أيضا أغنية (موري موري) في الملجأ، بينما كانت القذائف تنهمر علينا مثل المطر).
800 أغنية وثلاثة أفلام
توالت أغنيات وأعمال (سامي كلارك)، فقدم حوالي 73 نشيدا وطنيا للجيش والوطن والاستقلال، وحوالي 800 أغنية أجنبية وعربية، كما أن صوته ارتبط لدى أجيال متعاقبة بأغنيات مقدمات أشهر المسلسلات الكرتونية التي نالت رواجاً في ثمانينيات القرن الماضي ولا تزال محفورة في الأذهان، أبرزها (جرانديزر، وجزيرة الكنز)، وقدم للسينما ثلاث أفلام هى (الممر الأخير، حسناء وعمالقة، لعبة النساء)، وللراحل ولد اسمه (سامي جونيور) وابنة تدعى (ساندرا).
أقوال كلارك الأخيرة :
** إلياس الرحباني هو عرابي ورفيقي من أول خطوة فنية قمت بها، كان أخي الكبير، وقدمنا سويا حفلات في لبنان مع فيروز والأخوين رحباني، وتقربت من عائلة الرحباني وتغذيت فكريا بالإصغاء إلى أحاديثهم الوجدانية العميقة، وكنا نسافر أنا وإلياس كثيرا، وكانت زوجته (نينا) تعطيني بعض الملاحظات حول لغتي القريبة من الإنجليزية خلال الغناء، تتلمذت بعد مرحلة (إلياس) على يدي الراحل الكبير (زكي ناصيف) الذي منحني مفاتيح الغناء الشرقي، وتعاونت بعدها مع الموسيقار (وليد غلمية) الذي استفدت من وجودي معه في المهرجانات العالمية.
** الناس يتهافتون خلف قوتهم اليومي متلهين بالدولار في السوق السوداء، ويجب ترميم الإنسان قبل الصروح، وتوحيد الأهداف اللبنانية، ونشر العدالة بين الجميع، أعتقد أنه علينا الخروج من شريعة المزرعة التى نعيش فيها، إذ لا يمكنك الانتظار من هدم بلدك أن يعيد بناءه.
** النقابة عندنا جمعية خيرية غير مهنية فضلا عن الفضائح التى طالتها أخيرا، لكنها استقرت اليوم برئاسة جهاد الأطرش، الفساد يتغلغل في المؤسسات كافة لكن بنسب متفاوتة، كنت عضوا في مجلس إدارة نقابة الفنانيين المحترفين، وحاولنا آنذاك تقديم بعض المشاريع الهادفة، لكنها لم تلق موافقة سائر الأعضاء، كذلك يجب توحيد النقابات تحت راية وزارة فنون جميلة تخطط لاستمرارية الفن وتدعمه، لكن للأسف نحن بلد مباح من أولاده تغيب عنه المواطنية وتطغى عليه الطائفية!.
** لدي كتاب جاهز للطبع بعنوان (قصة غنية) حيث وقع اختياري على 400 أغنية لي من 800 أغنية أحكي قصصها مع ظروف تسجيلها، وسأنشره على حسابي الخاص بالتعاون مع صديق لبناني يعيش في أبوظبي، ولقد أعدت توزيع بعض أغاني (زكي ناصيف) التى تتناول مواضيع الاغتراب والعلاقة بين المقيم والمغترب لتسليط الضوء على أهمية المغتربين في دعم وطننا، كذلك أعدت توزيع أغنيتي الشهيرة (جرانديزر) ومن المفترض أن أصورها في السعودية.
** يجب ضرب البلد من حديد عبر إعادة تنظيف القضاء من السياسيين (الوسخين) ويبدأ التغيير بالولاء الكامل للجيش اللبناني وتخلى كل الفئات عن أسلحتها، لا يجوز التستر عن السلاح المتفلت بعد الآن.