بقلم : محمد حبوشة
يحدثنا المخرج المبدع (علي بدرخان) عن الغريزة التمثيلية وهى الرغبة في أن نتخذ لأنفسنا شخصية غير شخصيتنا، ونأتي أفعالا تخالف أفعالنا المألوفة، وأن نخلق لأنفسنا وسطا غير وسطنا الذي نعيش فيه، ويبدو أن نبوغ الممثل أو الفنان بوجه عام يتوقف على التوازن الذي يوفق بين مواهب الطبيعة، والمواهب المكتسبة بالتعليم أو التدريب، إن المواهب بنوعيها الطبيعي والمكتسب لا تحدد في صفات معينة، بل تدل عليها الحساسية والمزاج والذكاء والثقافة، لهذا يحدثنا (بدرخان) بشكل تفصيلي عن كل صفة من هذه الصفات، فيذكر الأمزجة المختلفة والصفات التى تلائم كل مزاج للممثل، فيقول أن مزاج الممثل له أثر كبير في نجاحه، فهناك صاحب المزاج الصفراوي، والمزاج اللمفاوي، والمزاج العصبي، ويشرح كل مزاج.
ولأن ضيفنا في باب (بروفايل) لهذا الأسبوع الفنان والأكاديمي (علاء قوقة) هو واحد ممن يملكون الحساسية والمزاج والذكاء والثقافة في أدائه لمختلف الأدوار على خشلة المسرح والتلفزيون، فقد تجلى ذلك في أعماله المسرحية والتلفزيونية، وعلى قلتها تبدو علامات بارزة في الأداء على مستوى التكنيك الذي يتبعه، ولعل هذا ما يفسره في كتابه (تنمية قدرات التركيز للممثل)، أن قدرات الممثل وأدواته الجسدية والصوتية مهمة جدا للتوصيل والأداء، وأيضا أدواته الثقافية واطلاعه على مختلف المعارف، كعلم النفس مثلا، لأن سيكولوجيا الشخصية أمر مركب، كذلك متابعة تجارب المبدعين الآخرين، فالممثل عندما يشخص دورا – من وجة نظره – فهو لم يعد هو نفسه، إنه يسكن الشخصية في داخله ويصير هو الشخصية، يتنفسها ويتكلم بصوتها ويتحرك بجسدها ويتصرف على ضوء سيكولوجيتها.
التركيز ووعي الممثل
ومن ناحية أخرى يلزم أن نتحدث عن تركيز الجمهور أيضا، لابد من فضاء يضمن تركيز الجمهور، فالجمهور العربي إذا لم يقدم له ما يشد انتباهه يخرج من صالة العرض – وهذا أمر يحزنني – الممثل يتعب ويبذل جهدا أمام الجمهور، وفي لحظة ما يخطر على بال أحد ما من هذا الجمهور أن يخرج من الصالة فيخرج وأعتبر ذلك أمرا سيئا، وشخصيا إذا ما دخلت عرضا أبقى في الصالة وأتابعه إلى أن ينتهي، والتركيز مرتبط بوعي الممثل، فهو مطالب بأن يكون حاضر البديهة وأن لا (يذوب) في العمل المسرحي إلى الحد الذي يغيب وعيه كممثل، لأنه لا يعرف ما الذي يمكن أن يحدث بين لحظة وأخرى من مفاجآت، ممكن الممثل الذي يشخص معه ينسى حواره، ممكن أن يصدر تعليق من الجمهور، أن يحترق بروجكتور، أو أن (الصوت الخارجي) الذي ينتظره قد لا يأتي بسبب عطل ما، فعلى الممثل أن يكون متأهبا دوما، وهذا يتطلب تركيزا عاليا منه للتفاعل مع أي موقف طارئ وإنقاذ المشهد أو إيقاع العرض حتى لا يحس الجمهور بأن هناك شائبة ما في العمل المسرحي.
وما أثارني وأعجبني في كتاب (علاء قوقة)، هو التزامه الشديد بمنهج وقواعد المسرح من خلال عنصر (التركيز) الذي يتناول باقي العناصر الأخرى وخاصة ما يتعلق بالانفعالات، فيقول: نعرف أن وجود الممثل على خشبة المسرح، هو وجود مزدوج (الشخصية والممثل) وأن الخطاب المسرحي على الخشبة، على عكس ما يعتقد البعض، هو خطاب قصدي، أي ليس فيه مجال كبير للارتجال، وإذا ما أردنا أن يكون الفن المسرحي فنا: هناك خطة إخراج، تحرك على الخشبة، علاقات بين الشخصيات مدرب عليها الأحداث على المسرح والأفعال التي يقوم بها الممثلون تبدو وكأنها وليدة اللحظة، لكن هناك بنية للعرض يجب أن تحترم وحتى يكون للعرض المسرحي دلالته ولكي يحمل متنه الحكائي وما يتبناه من أفكار ورؤى على مستوى التيمة أو الموضوع.
تحرر العضلات على الخشبة
كل هذا يتطلب من وجهة نظر (علاء قوقة) تركيزا كبيرا، والذي بدونه لا يمكن أن تتحقق تلك الأفعال المتكاملة فيما بينها مع باقي الممثلين ومع باقي عناصر العرض المسرحي، ومن هذه الناحية فالتركيز أمر أساسي ومهم، والعنصر الثاني الذي تناوله الكتاب، بكثير من التدقيق هو الاسترخاء وتحرير العضلات وهو من المفاتيح الأساسية التي تطرق إليها (ستانيسلافسكي) في منهجه مدللا على أن تحرر العضلات على الخشبة ليس فقط مسألة حسية مرتبطة بتوتر جسدي لكنها أيضا مسألة عقلية، بحيث أن وجود أعين تشاهد الممثل وهو على الخشبة دائما ما تفرض على ذهنه، في حالة غياب القدرة على توجيه التركيز إلى الأعمال التي يقوم بها، أن يفكر في حكم الجمهور (وهذه خاصية في أي تواجد علني)، وإذا لم يكن تركيز الشخص موجها إلى الأهداف التي يتواجد أمام الجمهور من أجلها، غالبا ما يتوجه تفكيره إلى الأحكام المفترضة لأصحاب العيون التي تشاهده، ومن هنا يحدث التوتر بسبب عدم التركيز على الفعل وما يقوم به الممثل من مهمات، إذا التركيز عنصر أساسي لتحرير العضلات بهدف الوصول إلى أداء عضوي مبني على العلاقات الرابطة بين كل ما يقع على الخشبة.
و أشار (قوقة) في كتابه إلى نقطة مهمة، وهى ارتباط التركيز بالانفعالات، وهنا أسأل: هل الأحاسيس على الخشبة هى نفسها التي نعيشها ونشعر بها في الحياة، أم هي مختلفة عنها؟.
يقول (قوقة): هناك فهم شائع – خاصة عند العامة – مرتبط بطبيعة هذه الانفعالات والأحاسيس على الخشبة يذهب إلى أنها تعادل الأحاسيس الحقيقية في الحياة.. أي أن الصدق في أداء مشاهد الحب يغيب عنه تعبير (كما لو…) فنعتقد أن الإحساس فوق الخشبة هو نفسه الذي نعيشه في الحياة، ومن هنا يشير د.علاء قوقة في الكتاب إلى هذه الإشكالية وأحال على أحد المنظرين بخصوص ذلك، وهى إشكالية تعود إلى القرن الثامن عشر وأول من طرحها هو (دنيس ديدرو) في نقاشه لـ (مفارقة فن الممثل)، واستمرت معالجتها من طرف الباحثين ومنظري فن الممثل من خلال سؤال (هل الإحساس في التمثيل حقيقي أم لا؟).
أساس الأداء الدرامي
وأشار المؤلف أنه لا يمكن للعقل أن يوجه أمرا للممثل من قبيل: أعشق! أو أحب! أو عش إحساسا ما…!، والكليشيهات تنتج من هذا الفهم، فالأداء هو أداء أفعال وهذه التقنية المرتبطة بالتركيز أساسا، خاصة عندما تركز على الفعل الذي هو أساس الأداء الدرامي تقع (ظاهرة سحرية) هى عبارة عن نوع من الإيحاء الذاتي الذي يقود الممثل إلى التصرف (كما لو…)، وبالتالي تنبع أحاسيس التي هى أشبه ما تكون بالإحساس الواقعي، وبذلك لا يصير الأداء (شجني) فيه الكثير من البكائيات، والتي تكون في نهاية المطاف مصطنعة.
وكما يقول (ستانسلافسكي): (إنني أقول لكم افعلوا ولا أقول اشعروا) ذلك أن الفعل يقود طبيعيا على بروز الأحاسيس، كما لو أن في الأمر (تحايلا) من الممثل على نفسه من خلال التركيز على الأفعال، وهناك فصول مهمة في الكتاب تربط التركيز بالذاكرة الانفعالية، وهذا أمر مهم فهو يقود إلى إثارة الخيال، وإلى الدخول في جو الأداء بحيث يحرك العامل العقلي العامل الوجداني الذي يحتفظ ببنية الأثر الفني، لأننا عندما نتحدث عن المسرح – على حد قول علالء قوقة – فنحن نتحدث عن أثر فني قصدي لا مجال فيه للاعتباطية فهو خطاب أساسا، وللتركيز دور أساسي في هذا الأمر فأن تركز على أمر ما، يعني أن تلغي ما سواه، يجب على الممثل التركيز على المهمات المطلوبة منه في الأداء.
ومن ثم أشار علاء قوقة في كتابه إلى أنه يمكن تطوير قدرات التركيز على أكثر من موضوع في وقت واحد، إما بالتتابع بشكل سريع أو أن ينهمك الجسد في فعل ميكانيكي ما، في حين يركز التفكير في أمر آخر مغاير، ومن الأفكار المهمة في الكتاب الخروج من مجال الممثل وتسليط الضوء على التركيز في مجالات أخرى (تتطلب بدورها تركيزا خاصا)، ثم نعود لتطبيق ما نصل إليه من خلاصات على فن الممثل مرة أخرى.
الجسد عنده مرنا وطيعا
أدوات التعبير التي يلخصها (على بدرخان) فى الجسد، والوجه، الجسد هو وسيلة أساسية للتعبير عند الممثل (علاء قوقة)، لذا تجد أن الجسد عنده مرنا وطيعا ومستجيبا لتيار الإحساس، بمعنى أن عضلاته يجب أن تتلقى تيار الإحساس وتستجيب له، وتتشكل تبعا لهذا التيار المتولد فى نفسه كممثل، إن جسد الممثل في حالة (قوقة) يوضح الشخصية، الوضع الاجتماعي، الموقف، الحالة النفسية والسيكولوجية، ويتكون الجهاز الحركي له من الرأس والرقبة والوجه والجذع والصدر والذراعين واليدين والفخذين والساقين والقدمين، فمثلا الأيدي لها لغتها وتعبيرها، تخيل رجلا يغرق ويده فقط هى الظاهرة على صفحة الماء، ألا تجد فى إشارة أصابعه ما يكفي لإدراك المأساة؟، ويد الأم التى تداعب شعر طفلها الصغير ألا توحي إليك بالحنان بأحلى معانيه، ويد الشاب التى تبحث عن يد حبيبته فتجدها وتضغط عليها في رفق، ألا ترى أن ذلك أبلغ من المكاشفة بالغرام التى تكون غالبا ممجوجة؟،
انظر إلى المدخنين وطريقة مسكهم للسجائر، في أداء (علاء قوقة)، فهذه تدل غالبا على شخصيتهم، فالرجل الأرستقراطي له طريقة في مسك سيجارته غير طريقة العامل البسيط، أما الوجه فهو عنوان الشخصية، وهو مركز الحواس الرئيسية، ومن ثم فإن قراءة ملامح الوجه تعني بالضرورة قراءة ما يدور بداخل الشخصية، أو على الأقل ما يريد الشخص إطلاعنا عليه من مشاعر أو انطباعات، كما يتصح لنا في حركته على المسرح أو أمام شاشة التليفزيون من خلال تجسيد حي يجمع بين الأسس الأكاديمية التي يدرسها لطلابه وبين حيوات الشخصيات التي يجسدها على الطبيعة من خلال الخشبة أو داخل الكادر المشبع بالأحاسيس والمشاعر.
ولد الدكتور (علاء قوقة) في مدينة كفر الشيخ، وبحسب قوله: نشأت في أسرة متوسطة الحال ، كان لي أخ عضو في فرقة كفر الشيخ القومية المسرحية، يعتبر أحد الأسباب لانضمامي إلى الفرقة وأنا صغير، ثم اشتركت في المسرح المدرسي خلال فترة الإبتدائي والإعدادي، وفي مرحلة الثانوي توقفت، بعد نجاحي في الثانوية العامة، فقد اشترطت عائلتي إتمامي لشهادة الهندسة أولا، ورفضوا أن ألتحق بمعهد الفنون المسرحية، وعلى أساس ذلك كنت أذاكر كي أنجح فقط في الدراسة، لكن طوال العام الدراسي كنت أشارك في عروض مسرحية بالتمثيل والإخراج، وأثناء دراستي في كلية الهندسة بشبين الكوم تعرفت على مخرج عظيم وهو الفنان طلعت الدمرادش، ساعدني في نضوجي الفني، لتأثيره الكبير كقدوة على المستوى الإنساني والسلوكي، فقد كان شاعر أيضا، ومن ثم فلم أعتبر سنوات دراستي بالهندسة ضاعت هباءا، بل تازملت مع أشخاص آخرين من الحركة المسرحية وقصور الثقافة .
دراسة الهندسة أولا
ويضيف علاء قوقة: عندما أنهيت دراسة الهندسة ذهبت للقاهرة وتقدمت للمعهد العالي للفنون المسرحية، حيث تم قبولي من أول مرة، إلا أنني أنهيت خدمتي العسكرية بعدما حجزت مكان لي كطالب في المعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل والإخراج، وحصلت بالفعل على تقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وتم تعيني كمعيد و توالت الدراسات العليا ، لكن فترة اشتراكي في فرقة كفر الشيخ ، تم تبني موهبتي من قبل أشخاص لهم أعمال فنية كبيرة، و تاريخ كبير في الثقافة الجماهيرية، على سبيل المثال أعمال مع الدكتور حسين جمعة، ومسرحية (الزوبعة) .
وأذكر أن أول عمل فني في طفولتي حين اشتركت مع أخي في فرقة كفر الشيخ المسرحية، قرأت النص وبه بدأت في التمثيل بلهجة صعيدية ، شجعني المخرج وأخي، قمت بالدور جيدا، أما عن أول عمل فني في الاحتراف، فكان مسرحية (الشخص) في فترة المعهد في ختام المهرجان التجريبي، من إخراج دكتور سناء شافع، وبطولة الفنان محمود الجندي، حيث كنت أجسد شخصية القرين له، حيث كان يحكي وأنا أؤدي الحركة، والتقينا في مشهد وجها لوجه، حيث أرد عليه بعكس كلامه، وأول عمل فني في الفيديو كان مسلسل ( مازال النيل يجري)، من تأليف العبقري (أسامة أنور عكاشة)، وإخراج الأستاذ محمد فاضل، في عام 1983 أثناء دراستي للسنة الثالثة للمعهد .
ومن أهم أعمال (علاء قوقة) في المسرح والتليفزيون: (أين حقي، الأم شجاعة، حق ميت، شمس منتصف الليل، يا ما الجراب ياحاوي، بعد الطوفان، الحرير المخملي، الطاووس، ملوك الجدعنة، كل مانفترق، الأزهر ج4، أبو عمر المصري، حدث في بلاد السعادة، فوق السحاب، الحساب يجمع، نوايا بريئة، أوراق التوت، سجن النسا، مكان في القصر، أهل الهوى، شمس الأنصاري، أين حقي، سقوط الخلافة، العنكبوت، خليها على الله، الجبل، الظاهر بيبرس، المنادي، رحلة العمر، شمس منتصف الليل، فارس العرب، أهل الدنيا، ملكة من الجنوب، عائلة شمس، جوازة طلياني، السرايا، هارون الرشيد، رياح الخوف، غراميات عطوة أبو مطوة، ومازال النيل يجري، رقصة سالومي الأخيرة، حدث في بلاد السعادة، يوم أن قتلوا الغناء، الجريمة، وأخيرا تواجده الكوميدي الرائع في مسلسل (القاتل الذي أحبني).
صناعة النجوم في الخارج
ويرى علاء قوقة أن صناعة النجوم في الخارج صناعة أساسية في كل دول العالم، أعتقد أننا نستطيع ذلك بعد التطور التكنولوجي الحديث، لنقل تلك الخبرة في هذا المجال، و يتم تنفيذها في مصر لتفيد الفن، ببساطة أعتقد يمكن تنفيذها بإتفاقيات بين وكالة ما، وبين الوجه الجديد، حيث تقوم بتدريبه وتضعه في أدوار مناسبة، وذلك مقابل نسبة ربحية من كل عمل له بعد نجاحه، لابد له من تنمية موهبته وتثقيف فكره و الوكالة يكون دورها في التسويق له، كما أن المسرح المدرسي أحد الركائز الذي أخرج أجيالا من مبدعين وفنانين، وكذلك المسرح الجامعي، من وجهة نظري، إذا كان المسرح المدرسي يساعد على التنشئة ويعلم، إلا أن الأكثر تأثيرا هو المسرح الجامعي، حيث أن أسر كثيرة تبدأ في إيقاف نشاط ابنهم المسرحي للاهتمام بدراسة تؤهل للجامعة و التنسيق، مما يؤدي إلى إهمال الموهبة، لكن المسرح الجامعي يصقل الموهبة الحقيقية.
وعلى الرغم من نجاحه الأكاديمي، يقول الفنان علاء قوقة، أن التمثيل أقرب إلي أكثر، لأن الممثل يفكر في جزئيته فقط من العمل، أما الاخراج فهو هم كبير جدا، حيث أنني أتعب عند ممارسة الإخراج، حيث أصبح مهموم بكل التفاصيل وحل كل المشاكل والعقبات، المفروض أن ينحصر تفكير الممثل فقط في الإبداع، لكنه في مصر يعاني الأمرين، ومع ذلك لم أفرض تقديم هذه الأعمال العالمية/ أعتقد أنها وجهة نظر المخرجين في قدرتي على تجسيد الشخصيات العالمية، كما أنني أجيد الإلقاء باللغة العربية، ولا أفضل تقديمه رغم حبي وعشقي للمسرح العالمي، مع أني قدمت العديد من المسرحيات المصرية، مثل (تحت التهديد، ويوم أن قتلوا الغناء) كما قدمت العديد من أعمال كممثل و مخرج و ليس فقط المسرح العالمي
أشهر أقوال علاء قوقة :
** لورش الكتابة أو الإخراج المسرحي وجهان دائما، أولهما إذا كانت هذه الورش تعمل فعليا على تعليم مبادئ الفن المسرحي وأن يكون العاملون على تقديمها متخصصين يقودون العملية لتخريج جيل مسرحي، ومن ثم العمل على تقديم أعمال خاصة بهم وتقييمها.
** إن الفن المسرحي محتاج للمحبين والمخلصين، وأنه من يدخل هذا المجال بهدف الشهرة أو بهدف الربح لن يحقق ما سيتمناه، أما من لديه الإخلاص والجدية والمحبة لهذا الفن العظيم وهو الفن المسرحي فيجب أن يكون مثقفا ومطلعا ومتعدد الذائقات كقراءته لفنون الشعر والموسيقى والفن التشكيلي لأن الفنون تكاملية.
** عندما أقوم بتمثيل عرض مسرحي باللغة العربية الفصحى فهذا يعني أنني لا بد وأن أكون متقنا لهذه اللغة قبل أن أبدأ في عملية التمثيل، وأرى أيضا أن إتقانها لا يعتبر ميزة بالنسبة للممثل المسرحي إنما هي في صلب الشغل وضمن أبعاد الشخصية التي أقدمها كممثل مسرحي.
** أرى وأؤكد على أنه كلما زادت دور العرض المسرحي والبنية التحتية كلما كانت الرؤية سليمة وساعدت في استمرارية حركة المسرح، إضافة إلى الاهتمام بالتجارب الجديدة والميزانيات التي ترصد والعروض التي تعرض عبر عدد من المواقع، وكذلك كم الإنتاج الذي يحدث كل عام فكلها عوامل صحية لتصحيح مسار المسرح المصري.
** مشاركتي بالأعمال المسرحية كلها لصالح الجمهور في النهاية، وأسعى من خلالها لبذل مزيد من الجهد حتى يظهر العمل المسرحي على الوجه الأمثل، وأؤكد أنه سواء كان العمل حصلا على جائزة أو لا، فهي تعود للجنة التحكيم؛ وأنا في النهاية أقبل ما تراه اللجنة وأحترم موقفها سواء منحتني جائزة أم لا، وأفضل أن لا أبدي رأيا حول موقف لجان التحكيم من الجائزة التي تمنحها سواء لي أو لأي فنان آخر، وأحترم قرارها في النهاية.
** شكوى المسرحيين من أن (السوشيال ميديا) تجذب منهم الجماهير، أعتقد أنها مخاوف غير حقيقية، لأنه حينما أنطلق (الستالايت) وبثت القنوات الفضائية، التي تعد الآن بالآلاف، قيل نفس هذا الكلام، ولكن هذا لم يحدث.. ومع ظهور الشبكة العنكبوتية قيل أيضا أنها سوف تجذب البساط من تحت قدمي المسرح؛ وهذا لم ولن يحدث.. لسبب بسيط؛ هو أن المسرح يمتلك في جوهره أهم ما يميزه.
** الوجود الحي والتفاعلي مع المتلقي؛ هو الجوهر الحقيقي الملموس الذي سيبقى، وما تقدمه السينما والفيديو والسوشيال ميديا يتم مشاهدته عبر (شاشة)، لكن الوجود الحي هذا يظل ميزة أصيلة يتصف بها العمل المسرحي، والجمهور سيظل يرتاد المسرح طالما يقدم فن وإبداع حقيقي.. مادام هناك مبدعون يعملون حساب لهذا المتفرج الذي يصر على الحضور والتواجد في المسرح والتلتقاء بالمبدع.
** دور النقد في تطوير الحركة المسرحية دور جوهري جدا، وله جانب مؤثر للغاية.. ولكنني أرى أن الفترة الأخيرة قد شهدت، لا أعلم بماذا نسميها، هل هى فترة انحسار أم تدهور لحركة النقد؟!.
** أزمة المسرح الحقيقية الآن، من وجهة نظري، تبدأ من أزمة المؤلف.. لأن المؤلف هو العجلة التي تدور لإنجاح العمل المسرحي، فهو البداية، إن لم يوجد مؤلفين قادرين على طرح رؤى وأفكار وأهداف في نسق درامي قيم، لا يوجد مسرح جيد في إعتقادي.
** أنا أؤمن بأن المسرح عموما يشهد موجات صاعدة وهابطة كسنة الحياة.. لكن لو المسرحيين تبنوا مقولات: (المسرح الجاد والأصيل هو الذي يبقى)، أعتقد أن هذا سوف يحدث فارق كبير.
** مقولة: (هذا ما يريده الجمهور)، هي مقولة خاطئة جدا ومن يتبعها ويؤمن بها لا يملك من الإبداع أو من علم الجمال ورسالة المسرح الهادف، ولا يعلم كيفية بناءه أو تقديمه أو يدرك من القيم الاجتماعية التي يطرحها المسرح، والمسرح يقوم بدوره المنوط به توعويا وتثقيفيا واجتماعيا،لأن هؤلاء يفتقدون لكل هذه القيم يتخفون وراء مقولات رغبة الجمهور وغيرها من الشعارات الاستهلاكية.
** المسرح.. يظل هو الفن الأكثر زخما في واقع أصبح أكثر صخبا بقنوات ومنصات ومواقع تنقل على مدار الساعة أمواجًا من فنون هشة وفن زائف ووجوه إما موهومة أو مفروضة.. فيظل المسرح هو (السيد) رغم كل هذا، الذي يمتاز بنعمة التقاء المبدع والمتلقي (وجه لوجه)، في تفاعل حي نابض بموجات مبدع (موهوب) يبذل كل ما ملك لإثبات واستحضار موهبته؛ ومشاهد يرقب باستمتاع راصدا مستوى الأداء التمثيلي ورؤى النص وفلسفات النص والحركة والإضاءة.. ووو.. إلى آخر إبداعات (أبو الفنون).
وفي النهاية لابد من تحية تقدير واحترام للفنان والأكاديمي (علاء قوقة) هذا الراهب في محراب فن التمثيل، والذي يبدو لي كممثل قدير مثل جندي المشاه الذي يتحرك في هدوء، عبر ملامحه الصارمة، ولغة جسده فائقة الحساسية، لكنها تعكس قناعات مثقف مهموم بقضايا وطنه الحقيقية بغض النظر عن التحولات الكبرى، ويبقى هو أستاذ التمثيل والإخراج في المعهد العالي للفنون المسرحية ، وله أدوار لفتت النظر لموهبته الرائعة، رغم أنه أخرج كلاسيكيات (شكسبير ومغامرات غوركي ويونسكو ونصوص الهم العربي)، وهو ممثل تلفزيوني لعشرات المسلسلات المهمة، إضافة إلى عشقه الأول، التمثيل على خشبة المسرح .. متعه الله بيالصحة والعافية.