الدوم .. هل نحن بحاجة إلى برنامج لاكتشاف المواهب ؟!
كتب : أحمد السماحي
خلال الأيام الماضية حاز برنامج (الدوم) لاكتشاف المواهب، والذي يعد أول برنامج مصري من نوعه يجمع بين التمثيل والغناء وتقديم البرامج التليفزيونية، على اهتمام الجمهور، خاصة بعد مشاهدتهم حفل افتتاحه المتميز والذي حضره معظم نجوم مصر، البرنامج إنتاج الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية من خلال (ميديا هب سعدي – جوهر)، وبدعم من وزارتي الثقافة والشباب والرياضة، تنقل فريق عمل البرنامج قبل انطلاقه وخلال فترة التحضيرات الخاصة به في مختلف محافظات مصر للقاء 20 ألف مشترك من المواهب المتنوعة في كل مجال من المجالات الثلاثة التى ذكرناها، ثم جاءت مرحلة التصفية بين آلاف المتسابقين ليتم في النهاية تحديد 200 متسابق من 27 محافظة ليشتركوا في البرنامج، وسيتم في النهاية اختيار أفضل موهبتين من كل فئة للمشاركة في أعمال الشركة (المتحدة للخدمات الإعلامية) بمسلسلاتها وقنواتها وبرامجها.
والهدف الرئيسي من البرنامج هو منح الفرصة للمواهب الشابة من مختلف المحافظات لإظهار موهبتهم وتنميتها وإعطائهم الفرصة للظهور أمام الجمهور، لكن السؤال الذي تبادر إلى ذهني بعد مشاهدتي لحفل الافتتاح والحلقة الأولى من البرنامج: هل نحن بحاجة إلى برنامج لاكتشاف المواهب مثل (الدوم)؟!.
الحقيقة نعم محتاجين لمثل هذا البرنامج، ولكن ليس في المجالات الثلاثة التى بدأ بها البرنامج الضخم إنتاجا وإبهارا، لأنن لدينا ببساطة المئات من المواهب الرائعة في المجالات الثلاثة ولا تجد فرص عمل، يكفي أن المواهب الغنائية التى ظهرت في برامج المسابقات التى إذيعت على قناة (mbc) وكلها أصوات رائعة ومتميزة جالسة في بيوتها، ولا تجد من يرعاها بفرصة عمل واحدة، وبعضها مثل المطرب رائع الصوت (محمود محيي) هاجر من مصر بعد حصوله على لقب مطرب (ستار أكاديمي) في الموسم التاسع عام 2014، واضطر للتخلي عن حلمه بالغناء، متوجهاً للعمل كموظف في قسم مبيعات إحدى الشركات خارج مصر، نظرا لعدم وجود شركة أو أشخاص تتبنى موهبته!.
وفي مجال التمثيل لدينا مئات من الشباب الموهوب الذين تخرجوا من ستديو(المواهب بمركز الإبداع)، ومن مشروع (ابدأ حلمك) وكلهم يبحثون عن فرصة تحت أضواء شمس النجومية، أما تقديم البرامج فلدينا على القنوات الرئيسية في التليفزيون المصري وعلى الفضائيات مئات أيضا من الشباب الرائع الذي يحتاج فقط للتأهيل الثقافي، والقراءة الكثيرة والكثيفة كلا في تخصصه.!
كان أجدر بنا قبل أن نكتشف أصوات جديدة في عالم الغناء أن نقضي على ظاهرة القرصنة التى أضاعت على الدولة المصرية مليارات الجنيهات سنويا، وبسببها تم القضاء على صناعة الكاسيت، وأصبح الغناء الآن للمطربين القادرين ماديا فقط، أو من ورائهم (سبنسر) من رجال الأعمال أو الشيوخ أو الأمراء العرب!.
كان يمكن أن يحقق برنامج (الدوم) نجاحا أكبر، ويكتسب أهمية قصوى للغاية لو اهتم بالمحتوى الذي نعاني من نقصه في كل المجالات الفنية، بمعنى اكتشاف شعراء جيدين ومختلفين في شعر العامية والفصحى، واكتشاف أيضا كتاب جدد في مجال الكتابة الدرامية والسينمائية والمسرحية، خاصة وإننا نعاني من فقر شديد في الكتابة في كل مجالات الفن، ولدينا قلة قليلة متميزة تعد على أصابع اليدين في كل مجال، ومن ثم فنحن محتاجين أكثر لصناع الكلمة، خاصة مع زيادة عدد الأعمال الدرامية والمسرحية وظهور منصات إلكترونية، ووجود فضائيات عربية كثيرة جدا، ومعظمها تتطلع إلى الدراما المصرية، وتطلب الجيد منها لعرضه على قنواتها الفضائية.
جدير بالذكر أن كثير من الزملاء نصحني بعدم الكتابة في هذا الموضوع!، لكنني لم أستطع خاصة وأنني مؤمن بمقال كتبه أديبنا الكبير (يوسف أدريس) عن أهمية النقد الفني جاء في جزء منه: (الحركة النقدية في كل بلاد العالم تقف موقف الغرابيل والمناخل من الإنتاج والمنتجين، وهو موقف حيوي وخطير، فلولا الغرابيل والمناخل في المطاحن لأكل الناس الخبز مختلطا بالطوب والزلط والداتورة، ولأصيب الناس بالتسمم وعاش آخرون في حالة غيبوبة!)
والسؤال أليس ما يحدث في مصر حاليا في المجال الفني يمثل حالة غيبوبة تستلزم الانتباه إلى كنوزنا المنسية في مجال الكلمة؟!، وخاصة أن الحلقة الأولى من البرنامج بدأت بمنولوج رائع من كتبة عبد الرحمن الشرقاوي وأداء عبد الله غيث حيث يقول:
أَتَعرِفُ معنى الكلمة؟
مفتاح الجنة فى كلمة
دخول النارِ على كلمة
وقضاءُ اللهِ هو كَلِمة
الكَلِمةُ نور
وبعض الكلمات قبور
الكلمة فرقان بين نَبىٍّ وبَغىٍّ
بالكلمة تَنكَشِفُ الغمَّة
الكَلِمَة نورٌ ودليلٌ تَتْبَعُهُ الأُمّة
عِيسَى ما كان سِوَى كَلِمَة
أَضَاءَ الدُّنْيا بالكَلِمات
وعَلَّمَها للصّيَادين
فَساروا يَهْدُونَ العَالَم
الكلمة زَلْزَلَت الظَّالِم
الكلمة حِصْنُ الحُرِّية.
نعم الكلمة نور، معظم كلماتنا الحالية قبور، وهى مفتاح الإبداع الجيد في زمن التيه الذي نعيشه حاليا، وبها تنكشف الغمة، ومن ثم ينبغي علينا أن نهتم بالكلمة قبل الموهبة التي تنطقها حرفا بليغا لتصبح حصنا للحرية وفي النهاية تلزمنا الكلمة التي يمكن أن تضئ حياتنا العابثة الحالية.