رسالة خاصة من سميرة سعيد للنساء المعذبات في أغنيتها الجديدة (ما استريحتش معاه) !
كتب : أحمد السماحي
(يجعل كلامي فانوس وسط الفرح قايد، يجعل كلامي على السامعين بفوايد، يجعل كلامي لا ناقص ولا زايد)، هذه الكلمات التى كتبها شاعرنا المبدع (صلاح جاهين) تطبقها الديفا (سميرة سعيد) منذ بداية مشوارها دون أن تدري!، ومن يسمع جديدها الغنائي وآخره أغنية (ما استريحتش معاه) كلمات محمد القاياتي، ألحان محمد حمزه، توزيع أمير محروس، والتى طرحت منذ يومين يتأكد أن (الديفا) لديها عقيدة فنية راسخة تتلخص أن الفنان ينبغي ألا يكرر نجاحه، بل بعد كل نجاح ينسى الوصفة الفنية التى حققها وينتقل إلى نقطة بداية جديدة نحو شكل آخر مختلف تماما، على سبيل المثال بعد طرحها فى السنوات الأخيرة أغنية (ماحصلش حاجة) التى حققت نجاحا ساحقا لم تحاول أن تغني شيئا يشبهها، لكنها غنت (مون شيري) و(الساعة اتنين بالليل) و(قط وفار) و(متاهة) وغيرهم، فكل أغنية لديها فتحا وسكة جديدة.
سميرة وعدد قليل جدا من المطربيين في مصر والعالم العربي هم الذين يشعروننا أن (الأغاني لسه ممكنة)، و(أن الغناء يسعد اللي قايله واللي سمعه) باختياراتهم الذكية المختلفة التى تضيف لقاموس الأغنية العربية جديدا، لكن الباقيين من المطربيين والمغنيين والمؤديين يفقسون مجرد أغنيات تقتحم بدون استئذان مشاعرنا، وتثقل كاهلنا، وتفرض نفسها بلا مبرر أو سبب منطقي، فهي تطاردنا في البيوت والمقاهي وعلى الإنترنت، وعلى شفايف الأطفال الذين أصبحوا يعانون هم أيضا من لوعة وجراح في قلوبهم!، يمكن أن تكون بعض هذه الأغنيات جميلة، أو تحقق أرقاما قياسية على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها تظل أغنيات جميلة فقط، لكنها لا تحمل أي جديد من مفردات أو ألحان موحية.
قدمت الديفا منذ يومين أغنية (ما استريحتش معاه) وهي تتحدث عن موضوع اجتماعي نلمسه عن قرب في حياتنا اليومية، يعالج مشكلة زوجة تعاني من الجفاف العاطفي من زوجها الذي يشعرها كل يوم أنها حمل ثقيل عليه، ولا يعطيها (ريق حلو)!، لهذا فهي لم تعش معه حياة مريحة ولا كريمه (ولا شفت وياه يوم عدل)، بل العكس (كل يوم شبه اللي قبله/ حرق دم، وميت خناقة)، وكانت طوال الفترة الماضية تصبر نفسها وتقول (يا بنت عيشي/ وبكره كله يكون تمام)، لكن الصبر لم يصلح مع زوجها، ولم يأت بنتيجة، ولأنها زوجة لديها كرامة ويبدو أنها على درجة كبيرة من التعليم والثقافة، لهذا حاولت (تنفد بجلدها)! وسألت نفسها :
إنتي أصلاً راضية ليه؟
لو ما كانش بجد عارف
قيمة إنك حبتيه
اشتري العمر اللي باقي
واللي فات امشي و سبيه
وهذا الكوبليه تحديدا كان موضوعا لنقاش دار بيني وبين صديق لي عندما دخل علي مكتبي وقال سمعت أغنية (ما استريحتش معاه) لـ (سميرة سعيد) قلت له : أه سمعتها وعجبتني جدا!، فرد علي قائلا : طب ما لحظتش حاجة في الأغنية؟! قلت له: هات م الآخر، عايز تقول ايه؟ قال لي: الأغنية دعوة للستات لترك أزواجهن، لأنها بتقول (لو ماكانش بجد عارف قيمة إنك حبتيه، اشتري العمر اللي باقي، واللي فات امشي وسيبه)!
فضحكت وقلت له: لو زوج زي أخينا ده، ده يتساب له بلاد!، دي يا رجل معيشها في نكد وغم وحزن وكآبة.! وهى مستحملة وراضية، لكن وعلى رأي (أم كلثوم) للصبر حدود، والست طهقت من عمايله السودة، كل حاجة عملتهاله ردهالها بالإساءة.!
بعيدا عن هذا النقاش استطاع الشاعر (محمد القاياتي) أن يعالج موضوع الأغنية بالألفاظ اليومية المتداولة المباشرة، وابتعد عن خلق الصور الشعرية، لأنه مدرك أنه يكتب موضوعا اجتماعيا وليس موضوعا رومانسيا، واستطاع أيضا الملحن (محمد حمزه) أن يبرز ويؤكد لنا حلاوة صوت (سميرة سعيد) من خلال التركيز على أدائها الصوتي بغض النظر عن التعبير الموسيقى المبسط المصاحب للكلمة معبرا عن مضمونها.
لم يستعرض (حمزه) عضلاته في اللحن ولم تغريه الآلات، لكنه استغل مهارته في تقديم لحن درامي بسيط محبب يسرق الأذن، ويبرز صوت الديفا أكثر، وقدم (أمير محروس) توزيع رائع وناعم، ومليئ بالشياكة، وساعد في إبراز وتأكيد صوت الديفا، وأدت (سميرة سعيد) الأغنية بتمكن شديد وبخبرة السنين وصالت وجالت في الأداء بمهارة وبشكل خاص ورائع جدا، وظهرت بلوك أبيض يؤكد فكرة الخلاص وفتح صفحة جديدة بعيدا عن هذا الزوج السيئ للغاية.
كلمة أخيرة: (الديفا سميرة سعيد) أصبحت جزءا من وجداننا وضميرنا وعمرنا، وظلت وفيه ومخلصة للغناء تفجر فينا الأمل والمرح والوعي، وتحرضنا على التمرد والحب والشقاوة والشغب الصحي، وتقلق ثباتنا وجمودنا، وتقلب أفكارنا عندما يتبلد، مجددة شباب أرواحنا وعقولنا، وعندما تبتعد بعض الشيئ ندرك قيمة ما تقدمه لنا، عندما يضغط علينا الواقع الخانق المحبط أكثر، ويهجم علينا الابتذال والفظاظة والبذاءة بضراوة من كل حدب وصوب، فشكرا للديفا أنها موجودة تضيئ حياتنا.