بقلم : سامي فريد
في هذا المقال أستكمل ملابسات صرف مافأة شهر من مرتبي بسبب كاريكاتير صلاح جاهين عن محمد عبد الوهاب الذي أنقذته من الحذف من صفحات الأهرام وذلك بتغير كلام التعليق والاحتفاظ بالرسم كماهو وجاءات التفاصيل على النحو التالي:
كان موعدي في الجريدة يبدأ من الساعة الرابعة وكنت أخطو داخلا إلى مبني الأهرام بعد الرابعة والنصف عصرا، لكنني لاحظت شيئا غريبا.. ألقيت بعد التحية كالعادة على موظفي الاستقبال فهموا جميعا واقفين مبتسمين ومدوا أيديهم لمصافحتي وسؤالي عما حدث بالأمس فاندهشت واجبت أنني لا أعرف ماذا يقصدون؟.
قلت: عادي! وقال واحد منهم أصل الاستاذ هيكل فضل منتظر لحد خمس دقائق.. وبعدها رجع مكتبه فزادت دهشتي ولم أعرف بماذا أجيب.. وسألني عامل المصعد النوبي مبتسما أيضا وهو يقول: هو في إيه؟.. إنني عملتي إيه امبارح؟ قلت: مش عارف والله.. يعني عادي، قال: أصل كلهم فوج كانوا بيسألوا عليك وكل شوية يسألوا الاستقبال هو حضرتك لسه ماجتش!
على باب الدور الرابع حيث إدارة التحرير كان رئيس القسم الأستاذ ماهي الدهبي يقف في انتظاري متلهفا.. أسرع نحوي يجذبني إلى الداخل وهو يقول: لو كنت قدمت كمان خمس دقائق كنت قابلت الأستاذ هيكل.
سألته: هو في إيه بالظبط يا أستاذ ماهر فأجاب: ادخل الأول على كرم الصراف بقاله ساعتين ونص مستنيك.
ذهبت إلى كرم الصراف فاستقبلني معاتبا: اتأخرت ليه يا أستاذ سامي؟
قلت: يعني.. السكة والمواصلات وسهر امبارح.. خير.. هو في إه؟، قال: في لك مكافأة عندي يا سيدي استلم عشان أمشي.
شكرته ودخلت إلى الصالة فتجمع حولي عدد من الزملاء من كل صالة التحرير ومن قسم سكرتارية التحرير يصفون لي باعتزاز ما حدث.. ورحت اسمع منهم مندهشا حتى تجمعت لدي كل عناصر الصورة.
قال واحد أن الأستاذ: هيكل في بداية اجتماع الدسك المركزي وجه حديثه إلى الأستاذ: عبدالحميد سرايا قائلا: شكرا يا أستاذ عبدالحميد.. انت أنقذت شرف الأهرام إمبارح.. ونهض الأستاذ عبدالحميد سرايا واقفا وأشار إلى مكاتب سكرتارية التحرير قائلا لا يا افندم دا موش أنا.. دا شاب من سكرتارية التحرير اسمه (سامي فريد).. نظر إليه الأستاذ هيكل يستعيد الاسم فكرره الأستاذ سرايا ليخرج الأستاذ هيكل مفكرة صغيرة من جيب سترته الداخلي ليكتب فيها الاسم ثم مد يده إلى البلوك نوت أمامه ليقدموه له فيتكتب فيه بالحرف: مكافأة شهر للأستاذ سامي فريد ثم يضع في النهاية علامة الصح وهى بديل إمضائه ليرفع الورقة فيشير الجميع إلى ساعي الصالة الذي أتي مسرعا ليقول له الأستاذ ادي دي للصراف على طول.. دلوقتي لحد ما يجي الأستاذ سامي، وقال الأستاذ ماهر الدهبي رئيس القسم كالمعتذر: أصل السهرات يا فندم بيجي تاني يوم الساعة 4.. وهو واضح انه اتأخر شوية.
وحكي الأستاذ عبدالحميد سرايا ما حدث بالأمس ورد الأستاذ هيكل قائلا: تصورا الأستاذ صلاح جاهين كلمني الصبح لما شاف الجورنال بعد ما عرف اللي حصل وقال: والله أنا لقيت الكلام اللي مكتوب مع الكاريكاتير نكتة حلوة.. أنا والله ضحكت لها قوي!!
وانتظر الأستاذ هيكل بعد الانتهاء من عمل الديسك لعله يراني.. ثم قال منصرفا وسط دهشة البعض.. وإعجاب البعض الآخر مما حدث!!
في ذلك اليوم البعيد من عام 72 لم أستطع أن أخط خطأ أو أشارك في رسم أي ماكيت بسبب زحام الملتقين حولي يسألون عن أدق تفصيلات ما حدث فأحكي وأحكي وأعيد الحكاية.. والمدهش أن الخبر قد وصل إلى الدور الثالث.. إلى عمال وفنيي التوضيف من منفذي الصفحات فبدأ صعودهم للبحث عني .. وكنت بين فرحتي أقوم بالدهشة من أن مكافأتي التي كانت ثلاثين جنيها كاملا! قائلا لنفسي متحسرا: لو كانت مكافأتي مائة جنيه مثلا.. لكن قرار الأستاذ عبدالحميد سرايا يوم قدمني للأهرام وسألني كم كنت أتقاضي كمرتب من هيئة الاستعلامات أو إدارة المجلات الثقافية التي كنت أعمل فيها سكرتيرا لتحرير المجلة مع الاستاذ يحيى حقي؟.
أجبته انني الآن أتقاضي راتبا يبلغ 54.70 جنيها فقال مشيحا بيدي: لا.. لا هنا حيبقى تعينك تعيين جديد.. يعني حتبقي كمبتدئ.. ويعاملوك بقانون عقد العمل الفردي.. يعني بخمسة وعشرين جنيه بس!
تراجعت للخلف وأنا أجلس أمامه أسمع ما يقول وربما أحس هو بذلك فقال: بس اسمع.. عاوز أفهمك حاجة.. لو الأستاذ هيكل شاف اجتهادك وكفاءتك هو الوحيد اللي يقدر يرفعك من 25 الي 100 أو أكثر!
ولا أنسى ما قلته في ذلك اليوم وقد ملأت صدري حمية الشباب : أنا عارف نفسي يا أستاذ سرايا.. أنا قبلت!
بعد تعييني بفترة بسيطة أخبرني الدكتور عبدالملك عودة مساعد رئيس التحرير وعميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بأنه تدخل عند الأستاذ هيكل يدفع مكافاتي من 25 جنيها إلى 30 جنيها وهو يقول للأستاذ هيكل أنني دفعة رئيس القسم في نفس السنة فيوافق الأستاذ هيكل على زيادة مكافأتي.
لكنني مع فرحتي بالمكافأة وبالثلاثين جنيها كنت أتوقع بعد أن أنقذت شرف الأهرام على حد قول الأستاذ هيكل كنت انتظر أن يرفع مكافأتي من ثلاثين جنيها بأي صورة من الصور..
ولم يحزنني هذا بقدر ما أحزنني أنني في ذلك اليوم الذي انشغلت فيه بالزملاء وعمال المطبعة فلم أستطع أن أكمل عملي على الوجه الأمثل.