كتب : محمد حبوشة
عبر عوالم غربية ومغايرة تجنح نحو إطار معلب يبتعد عن الواقع العربي، على جناح الخرافات أو (الخيال العلمي) الضعيف أو المستنسخ، يحاول منتجي الدراما العربية اختزال ساعات الترفيه في أفلام وأعمال درامية مصورة بطريقة من الواضح أنها تؤسس لمرحلة جديدة في عالم السينما والمسلسلات المصورة، وتشجع مخرجين آخرين للعمل وفق هذا النمط أو الأسلوب، فمن خلال 30 دقيقة أو أكثر (مدة الحلقة) تعصف بين المشاهد المتسارعة وتعقيد الحاضر عبر مطارادات وشكوك تعتمد على أداء عادي لمعظم الممثلين يتحول بموجبها إلى ممثل منفذ يكرر نفسه في مثل هذه المسلسلات، خصوصا إذا انخرط أحدهم بدور المحقق أو الشرطي، لكن هذه المرة بفارق بسيط، هو أنه شريك للعصابة.
تلك هى وقائع الدراما والأفلام العربية التي تعرض على المنصات الرقمية حاليا في محاولة لمداعبة خيال شباب طامح نحو نوعية دراما المغامرة والجريمة المغلفة بطابع بوليسي، أو ذات طابع أسود قاتم في غرائبيته وعوالمه الخفية على جناح الرعب المطعم بالقتل والتعذيب، في إطار يخالف الواقع العربي في سرده المغاير للعادات والتقاليد العربية، بعد أن غادر خيال المؤلفين العرب ساحة الدراما الاجتماعية، والتي ما انفكت المنصة المصرية (واتش إت) هى الوحيدة التي تهتم بها حتى الآن، لكن مع هذا الاهتمام ينقصها الحبكة الدرامية الطازجة النابعة من واقع عربي يعج بالمشكلات المعقدة بفعل ظروف اقتصادية ضاغة، أو تحديات أخرى في ظل اجتياح فيروس كورونا الحالي في تحور موجته الخامسة (أوميكرون)، فضلا عن انجازات تنموية غير مسبوقة على أرض الواقع المصري المعاش.
فمن خلال مشاهداتي المكثفة على مدار الخمسة شهور الماضية لاحظت أن هنالك اجتياح غير مسبوق من جانب المنصات الرقمية العربية والأجنبية، في سباق محموم نحو مسلسلات وأفلام الجريمة التي تأتي في غالبها نحو تقليد أعمى أو معلب يبتعد عن الواقع العربي، وربما الأصل في ذلك هو جنوح مشاهد اليوم نحو الجريمة والقتل بأعصاب باردة، مثل مشاهدة المسلسل الكوري (لعبة الحبار) الذي شهد أعلى نسب مشاهدة حول العالم في عام 2021، فقد أكدت شركة بحث سوقي أن عدد المشتركين خلال الشهرين الماضين في خدمة (نتفليكس) في كوريا الجنوبية ارتفع لمستوى قياسي، وخاصة خلال شهر سبتمبر الماضي مقارنة بالشهر الذي سبقه، ويرجع ذلك إلى عرض مسلسل (Squid Game لعبة الحبار)، ونقلت وكالة (يونهاب) الكورية الجنوبية للأنباء عن مركز (نيلسين كوريان كليك) لقياس عدد المستهلكين، أن عدد المشتركين الشهريين في (نتفليكس) ارتفع خلال شهر سبتمبر الماضي بنسبة 9.8% مقارنة بشهر أغسطس الماضي ليصل إلى 8.63 مليون مشترك، ويعد عدد المشتركين في خدمة (نتفليكس) في كوريا الجنوبية خلال شهر سبتمبر الماضي هو الأعلى منذ تدشين الخدمة في كوريا الجنوبية عام 2016.
وجدير بالذكر أنه على جانب آخر سجل المسلسل الكوري (لعبة الحبارSquid Game) ) رقما قياسيا جديدا، كأكثر عمل مشاهدة على الإطلاق على المنصة الإلكترونية العالمية لعام 2021، حيث أفادت وكالة الأنباء الكورية الجنوبية (يونهاب) بأن دراما (لعبة الحبار)، سجلت ما مجموعه 1.65 مليار ساعة مشاهدة في الأسابيع الأربعة الأولى من إطلاقها، وجاءت الدراما الكورية على رأس قائمة البرامج غير الإنجليزية الشهيرة، مسلجة إجمالي 1.65 مليار ساعة من المشاهدة في أول 4 أسابيع من إطلاقها الأول في 17 سبتمبر، ويعد هذا تحولا غير مسبوق ليس في أمزجة الكوريين بل في كل دول العالم التي شهدت منصاتها عرض (لعبة الحبار)، ومنها بالطبع منصاتنا العربية.
يشار إلى أن نتفلكس (المنصة التي تعرض المسلسل) كانت قد كشفت في وقت سابق، أن ما يقرب من 142 مليون أسرة شاهدت حلقات المسلسل في الفترة المذكورة، وجاءت دراما الجرائم الإسبانية (لا كاسا دي بابيل) الجزء الرابع في المركز الثاني، على قائمة الأعمال غير الإنجليزية، مسجلة 619 مليون ساعة مشاهدة، وكان قد تجاوزالمسلسل الكوري الجنوبي الشهير (لعبة الحبار)، نجاح المسلسل الشهير (صراع العروش) من حيث عدد المشاهدات على يوتيوب، ووصل عدد مشاهدات مقاطع (لعبة الحبار) حوالي 17 مليار مشاهدة، في الوقت نفسه بلغ عدد الإعجابات أوالتعليقات على مقاطع الفيديو ذات الصلة 533 مليونًا، في حين حصدت مقاطع مسلسل (صراع العروش) خلال عشر سنوات 16.9 مليار مشاهدة، و233 مليون تعليق وردود أسفل الفيديو، بحسب ما ذكر موقع. (scooptrade)
وأعلن المؤلف (هوانج دونج هيوك)، مؤلف المسلسل الكوري (لعبة الحبار)، عن بدء التحضير للموسم الثاني من المسلسل، بعد النجاح الكبير الذى حققه الموسم الأول الذى عرض منذ أشهر قليلة عبر المنصة الأمريكية نتفليكس، وقال دونج هيوك، فى تصريحاته نقلتها صحيفة AP العالمية، (كان هناك الكثير من الضغط، والكثير من الطلب والكثير من الحب للموسم الثاني، لذلك أشعر وكأنك لا يوجد لنا أي خيار، وسيكون هناك موسم ثاني من السلسلة، ونحن فى عملية التخطيط الآن)، وكشف أحد التقارير الأجنبية، عن وصول عدد مشاهدي المسلسل الكوري الشهير Squid Game لـ 142 مليون أسرة من جميع أنحاء العالم، ليحقق شعبية ضخمة للشركة المنتجة وإيرادات بمئات الملايين.
وفي صدد عرض هذه النوعية المسلسلات التي تجنح نحو العنف أو الفانتازيا والخيال العلمي دعا شباب عرب إلى الاستفادة من الحضارات الفرعونية والأشورية في اقتباس أعمال تدور في عالم الخيال العلمي المطعم بالفانتازيا التي تحمل في طياتها رسائل وأهداف إيجابية على عكس سلبية الإفكار التي تأتي بها المسلسلات الكورية والإسبانيا والأمريكية والإنجليزية، مشيرين إلى أن الدراما العربية تعاني أزمة في الفكرة والخبرة التي تساعد على تقديم أعمال عربية تضاهي نظيرتها الهوليوودية، ويرى هؤلاء الشباب أن قرار أي منتج عربي بخوض تجربة إنتاج أفلام ومسلسلات خيال علمي أو فنتازي خطوة يستحق عليها التحية، وهى خطوة ينتظرها محبوا هذا النوع من الأفلام والمسلسلات في العالم العربي، مؤكدين أن الجمهور المحب لهذه الأفلام إذا ما وجد أعمالا بنفس الجودة التي تقدمها هوليوود سيتابعها بالطبع.
وأشاد بعض المشاهدين العرب بتجربة فيلم (موسى)، مشيرين إلى أنه يقدم تجربة جيدة في عالم أفلام الخيال العلمي، منوهين بأنه ينتظر وغيره من هواة الخيال العلمي المزيد من هذه الإنتاجات، ومع أنهم يرون أن اقتباس أفلام الخيال العربية من الأجنبية أمر جيد، فهناك أفلام عربية مقتبسة من أفلام أجنبية ونجحت بصورة كبيرة مثل فيلم (شمس الزناتي) الذي تم اقتباسه من فيلم (العظماء السبعة)، وتم إعادة اقتباسه في فيلم (حملة فرعون) ونجح أيضا، وبما أن أن الخيال العلمي وجد طريقا للدراما العربية خلال السنوات الأخيرة خاصة مع مسلسلات (يوسف الشريف) التي مهدت الطريق لهذا النوع من الفن، على الرغم من ضعف مستواها، خاصة أن مسلسل (النهاية) على رداءة مستواه الفني تميز بأنه قصة خيال علمي عربية تعتمد على الثقافة العربية سواء الدينية فيما يتعلق بالمسيخ الدجال، أو سياسيا فيما يتعلق بأزمة فلسطين، لأن الخيال العلمي العربي لن يقدم جديدا إذا كان مجرد نسخ من الأفلام الأجنبية دون التأثر بالمحتوى العربي.
وعلى هذا الأساس فظني أن الحضارات العربية القديمة كالفرعونية والأشورية يمكن استغلالها من جانب شركات الإنتاج العربية للخروج بموضوعات مختلفة من الخيال العلمي، وهو ما يعد ميزة للأفلام العربية، ففي ظل أيضا أنه لا توجد مقارنة بين أفلام الخيال العلمي الأجنبية والعربية، سواء في التكنولوجيا أو الأفكار أو التنفيذ والجرافيك، فأفلام الخيال العلمي العربية تعاني من أزمة الفكرة والخبرة، على الرغم من أن مجال سينما الخيال العلمي قديم، وهوليوود سبقت السينما العربية التي ما زالت تخطو خطواتها الأولى وتعتمد على التقليد، ففيلم مثل (ديدو) مأخوذ من فيلم أجنبي أنتج في التسعينيات، وفيلم (موسى) هو خليط من تيمة أفلام الروبوتات العالمية.
في كتابه (الخيال العلمي.. بين العلم والخرافة) لمؤلفه صلاح معاطي يوضح أنه يبدأ العلم من حيث تنتهى الفلسفة، ويبدأ الخيال العلمي من حيث ينتهي العلم، والخيال العلمي هو تناول التقدم العلمي من خلال الأحداث الدرامية، واستقر البحث عنده على صعوبة تحديد تعريف محدد لأن الخيال العلمي يضم موضوعات شتى لا تنتهي.. وهو ما يجعل عدم وجود حدود واضحة يصنف بها إبداع الخيال العلمي، فهناك الأعمال السياسية والاجتماعية والتاريخية والفلسفية.. وغيرها، بل هناك الخيال العلمي العسكري الذي يتناول الصراع بين الدول، وفي المقابل هناك الخيال العلمي الذي يتناول الفضاء ومخلوقاته المفترضة، وأيضا الخلية وتشكلاتها والكائنات التي تتشكل بها على الأرض، حتى برز فى العقود الأخيرة علم الهندسة الوراثية.
وكان السؤال: هل من فرق بين الخيال العلمي والخيال الأدبي؟.. نعم، فالخيال العلمي يعتمد بداية على الحقيقة العلمية التي ينتقل منها العمل الأدبي فى الخيال العلمي، بينما الخيال الأدبي يعتمد على مجمل الثقافات والعلوم، ومنها الثقافة الفرعونية والآشورية، لذلك يرى البعض ضرورة توافر خبير علمي عند الكتابة فى الخيال العلمي لمجال ما، ولعل البذور الأولى للخيال العلمي كانت الأسطورة، بكل ما تحمله من خيال جامح، ونجحت فى التعبير عن الشعوب وأفكارها بل ومعتقداتها، وفي تلك النقطة، أي نقطة تفسير الظواهر والأحوال والمشكلات فى مجتمع ما، تتفق مع أدبيات الخيال العلمي، وهي الأعمال الأدبية التي تنتهج المنهج نفسه.
المشكلة اليوم هى الخلط بين الخيال العلمي والفانتازيا، ويرى البعض أن الفانتازيا تناسب الأعمال الأدبية للعمر ما قبل المدرسة، وربما حتى التاسعة، بينما يفضل تقديم الخيال العلمي اعتبارا من الثانية عشرة من العمر، فى إشارة سريعة الى أدب الخيال العلمي العربي الذي تأثر بحضاراتنا الفرعونية تحديدا، نجده يبدو مع (توفيق الحكيم) فى قصة (رحلة إلى الغد، وفي سنة مليون)، ومصطفى محمود كتب (رجل تحت الصفر، العنكبوت) وغيرهما، أما نهاد شريف فكتب (قاهر الزمن، رقم 4 يأمركم) وغيرهما..هناك أيضا (طالب عمران) وله بعض الأعمال التي تصل إلى 80 كتابا ما بين الدراسة والابداع فى المجال العلمي والخيال العلمي.. إذن المخيلة العربية قادرة على ابتكار أفكار في مجال الخيال العلمي والفانتازيا تفوق تلك التي تقدمها المنصات الجديدة خاصة على مستوى القيمة والهدف والرسائل الإيجابية التي تبعد عن القتل والتعذيب والخرافة.