في ذكرى (زكريا أحمد) ننفرد بنشر النشيد الذي لحنه له (محمد عبدالوهاب) بطلب من الملك فاروق
كتب : أحمد السماحي
تمر اليوم الذكرى الـ 61 لفريد عصره الشيخ (زكريا أحمد) أحد أساطين وأسطوات اللحن الشرقي الأصيل، الذي أمتعنا بالعديد من الروائع الغنائية التى لا تنسى، وقد أكد كل من اقترب منه أنه كان أديبا، يقرأ الكتب والدواوين الشعرية، وينظم الزجل والشعر، ويتواضع إن كان في حضرة من هو أشعر منه، وكان من أظرف أهل الدنيا وأبدعهم في رواية النكتة النادرة إلى حد إنك كنت تسمع منه النكتة أو النادرة – كما يقولون – فتضحك في كل مرة وكأنك لم تسمعها من قبل، لأنه كان يكسوها، كلما رواها بثوب جديد، ويحيطها بإطار مختلف.
وكان على تواضعه الجم، كبير الكبرياء اذا حاول أحد أن يمس كرامة شخصه أو فنه أو يساومه على ألحانه، يذكر الشاعر (صالح جودت) فى هذا الصدد أنه كان ذات يوم في ضائقة مالية شديدة، وجاءه من يبلغه أن مدير ستوديو مصر يدعوه للاتفاق على تلحين خمس أغنيات لبعض الأفلام، وقال: يا فرج الله.
وذهب وقابل المدير الذي سأله كم يطلب كأجر عن كل أغنية؟ فقال له: خمسمائة جنيه!، وشهق المدير، وقال له بدهشة وتعجب: خمسمائة جنيه؟ هذا مبلغ كبير جدا أنا مرتبي كله، وأنا مدير لهذا الأستوديو لا يصل لهذا المبلغ، وسرح المدير لحظة وقال له: سأعطيك عن كل أغنية مائة جنية! وضحك الشيخ زكريا أحمد ونهض من مكانه قائلا للمدير: مادام أنت مدير الأستوديو ابقي لحنهم أنت!.
وخرج من عنده دون أن يصافحه، وخرج وليس في جيبة أجرة تاكسي، فركب الترام، وبعد نزوله من الترام قابل في طريقه إحدى المغنيات الجديدات، كانت في الطريق إلى منزله وطلبت منه لحن، فلحن لها أغنية مجانا.! ولهذا عاش فقيرا، ومات فقيرا، ويوم مات لم يترك وراءه – كما كتب الشاعر صالح جودت – غير خمسة جنيهات.!
اليوم ننفرد بنشر نشيد (المعاهدة) الذي ذكر كل الباحثين الموسقيين أنه من المفقودات وأنه مجهول الكلمات واللحن، ولا أحد يعرف غير مطلعه، فالنشيد كان كما يعرف كل المتخصصيين كلمات الشاعر المبدع (محمود أبوالوفا) – صاحب القصيدة الشهيرة (عندما يأتي المساء) – وقام بتلحينه الموسيقار الكبير (محمد عبدالوهاب) بتكليف من الملك (فاروق) عام 1936 بعد توقيع (النحاس باشا) على معاهدة 1936 مع رئيس وزراء بريطانيا.
وقام بغنائه مجموعة من المطربيين بجوار (عبدالوهاب) وهم (فتحية أحمد، وعبدالغني السيد) والشيخ (زكريا أحمد) في تجربة لم تتكرر، إذ غنى الشيخ هذا النشيد من ألحان الملحن الشاب يومها (محمد عبدالوهاب)، وبهذا يكون الشيخ (زكريا أحمد) انضم إلى كوكبة نجوم الغناء الذين غنوا من ألحان (عبدالوهاب) فى واقعة لم تحدث إلا مرة أخرى مع ملحن آخر سنذكرها لاحقا.
تم غناء النشيد كما ذكرنا عام 1936، وقد أنشده (محمدعبد الوهاب) مع مجموعة الفنانين في حفل أقيم في قصر عابدين، في حضور الملك الشاب (فاروق) الذي لم يكن قد تولى بعد حكم البلاد ومصطفى النحاس باشا وكبار رجال الدولة.
تقول كلمات (نشيد المعاهدة)
كللوا بالمجد هام الظافرين
وانثروا الورد وحيوا الصادقين
عهد فاروق وعهد الأوصياء الراشدين
سار من نصر لنصر باتحاد العاملين
مصطفى أنت الأمين زعيم المخلصين
اهتفوا يا شباب مجدوا الأبطال
مصر بعد العذاب نالت الآمال
حالفت خير الأمم، وارتضت صدق الوداد
وانضوت تحت العلم، تبتغي مجد البلاد
عاشت المعاهدة وليدم عهد الأخاء
بين مصر الخالدة والصحاب الأوفياء
مصر يا مصر استردي، عهدك الماضي الجميل
إن حتما إن تردي، سالف المجد الأثيل
كلنا بالروح نفدي نيلك العذب الجميل
هيا أقدموا يا شباب
مصر لكم فى غد تنتظر
هيا احكموا احكموا فى السحاب
وابنوا لها مجدها المنتظر
صبح المنى باسم الطلعة
وافي به دهركم يعتذر
فاستقبلوا وجهه بالتى
ترضي المنى والعلا والظفر
هيا أقدموا يا شباب
مصر لكم فى غد تنتظر.