رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

ضرب الزوجات .. فتوى أثارت الفتنة بين شيخ الأزهر والإعلاميين

فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب

كتب : محمد حبوشة

جولة جديدة من الجدل المصحوب بالتراشق بين شيخ الأزهر فضيلة الشيخ الدكتور أحمد الطيب والإعلاميين وبعض المخالفين له في الرأي بدأت تلوح في الأفق حاليا بعدما هدأت لخمس سنوات سابقة، وتحديدا منذ 31 أكتوبر 2017 عندما شن من يدعى بـ (الباحث والمفكر إسلام بحيري)، هجوما عنيفا على الأزهر الشريف، وذلك في معرض تعليقه على حادث الواحات الإرهابي، وأدى لاستشهاد 16 شرطيا وإصابة آخرين، حيث قال (بحيري) وقتها في مداخلة هاتفية لبرنامج (رأي عام) على قناة (Ten) مع الإعلامي عمرو عبدالحميد: (إنه يجب على الدولة المصرية مراجعة الأزهر فمنذ دعوة الرئيس في 2014 لتجديد الخطاب الديني لم يحدث شيء)، وأضاف: (الأزهر طيلة الـ 3 سنوات أقام حرب شعواء على المفكرين والمثقفين، والأزهر لم ينطق بحرف أو حركة إلا أنه حاول منع التنويرين بل سجنهم، والكل يعرف يعني أيه سجنهم).

وواصل (بحيري) قائلا: (الأزهر لم يواجه الأفكار الإرهابية، ولكن يشن حرب شعواء على المفكرين فقط)، واصفا بيانات الأزهر عقب الحوادث الإرهابية بالاعتيادية واتهم إسلام بحيري، قادة وإدارة الأزهر الشريف بـ (الانتماء للإخوان)، باستثناء الشيخ أحمد الطيب، مشيرا إلى أن الإرهابيين يعتمدون على أفكار كتب التراث في استباحة دماء المصريين، والأزهر لم يواجههم، وهذا اتهام واضح وصريح لمؤسسة الأزهر برئاسة الدكتور أحمد الطيب بالتفريط في دماء المصريين الذي راحو في عمليات إرهابية، وربما كان وقتها كان يتطلب من الأزهر أن يرد ردا قويا على مثل تلك الاتهامات، لكن الأمر ترك معلقا في رقبة شيخ الأزهر حتى أصبح بمثابة كرة ثلج تكبر يوما تلو الآخر، حتى وصلنا إلى فتوى (ضرب الزوجات) التي أثارت الجدل من جديد بين شيخ الأزهر والإعلام.

عمرو أديب

وفي هذا الصدد شنت صحيفة (صوت الأزهر)، الصادرة عن مشيخة الأزهر، هجوما حادا على الإعلامي عمرو أديب، في عددها الأسبوع الماضي، وخصصت ملفا لذلك أطلقت عليه (صحيفة المخالفات المهنية لإعلامي الترفيه في قضية ضرب الزوجات)، وهذا الملف يأتي على خلفية تصريحات إسلام بحيري مع عمرو أديب ببرنامج الحكاية، الأسبوع قبل الماضي، والتي قال فيها: (كامل الاحترام والتقديس لشيخ الأزهر؛ كلامه خطأ وضد الدستور؛ ولا يوجد ما يسمى الضرب بشروط، وفكرة فتح الضرب لأن الزوجة ردت على زوجها يخلق دولة في الغابة وضد الدستور والدستور أقوى من أي مؤسسة في مصر).

وتحت عنوان (المخالفات المهنية لإعلامي الترفيه في قضية ضرب الزوجات)، رصدت الصحيفة 12 (مخالفة) ارتكبها أديب، وجاء اختيار (صوت الأزهر) لكلمة (الترفيه) في العنوان كإشارة إلى تقديم أديب برنامجه على قناة (أم بي سي مصر) السعودية، والتي يشرف عليها تركي آل الشيخ رئيس هيئة الترفيه السعودي، وتضمنت المخالفات حسب الصحيفة، أن أديب (روّج شائعات عن وقوف الأزهر ضد صدور قانون رادع للضرب، وشوّه رأي الطيب وتجاهل قوله القاطع في تجريم العنف الأسري)، كما تضمنت المخالفات (اجتزاء السياق لتصدير صورة غير صحيحة عن الأزهر وشيخه، وتزييف الحقائق بمزاعم عن عدم احترام الأزهر للدستور، وأدار حوارا في عدم وجود ممثل للأزهر).

واتهمت الصحيفة أديب بـ (رفض حق الرد والمكابرة في الخطأ وتجنب إذاعة فيديو لشيخ الأزهر عمره 3 سنوات يدعو فيه لقانون يمنع الضرب، والاستعانة بضيف مدان قضائيا بوصفه خبيرا في نفس مجال إدانته)، في إشارة للداعية إسلام البحيري، وحسب الصحيفة (صدّر أديب الجهل اللغوي والفقهي بتمكين غير المتخصصين والمدّعين دون التزام بالأكواد الإعلامية لمعايير اختيار الضيوف، وأشاع مناخا من الكراهية وهدد السلم الاجتماعي، بإثارة فتنة بين الأزواج والزوجات وبين النساء ومؤسسة الأزهر، وشجع على العنف الأسري بالإيحاء أن ضرب النساء بلا عقوبة قانونية حالية يتمتع بموافقة أزهرية).

إسلام بحيري

كانت حلقة أديب في الأسبوع قبل الماضي، تناولت مشروع القانون الجديد الذي يقضي بتغليظ عقوبة تعدي الزوج على زوجته بالحبس مدة لا تزيد عن 5 سنوات، قد أثارت حالة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، وكان أديب عرض تصريحات سابقة لشيخ الأزهر قال فيها إن علاج النشوز كما بينه القرآن، ثلاثة أنواع، وكان آخرها حتى لا تغرق الأسرة أو تهلك، هو علاج الضرب، وأجرى في نفس الحلقة مداخلة هاتفية مع ما يسمى بالداعية إسلام بحيري، علق خلالها الأخير على كلام الطيب، فقال إن (نشوز المرأة المذكور في سورة النساء يتحدث عن الخيانة الزوجية ولا علاقة له بالمرأة والتأديب والتهذيب)، لافتا إلى أن (الزوجة ليست تلميذة في المدرسة والزوج ليس ناظرًا).

وأضاف (بحيري) في أصرار واضح على جهله بمعنى تفسير النص القرآني: (كلام شيخ الأزهر خاطئ وضد الدستور، مع كامل التقدير لما قاله الإمام الأكبر فهو لا يخصنا تماما، وفي النهاية رأي استشاري، كلامه خاطئ وضد الدستور، ويخلق دولة الغابة لا علاقة لها بالشريعة التي ندافع عنها، ولست أدري كيف ولى نفسه مدافعا عن الشريعة مقابل من هم أهل الشريعة والقرأن والسنة وهو أولى بالتفسير والإيضاح وتبقى مسئولية تفسيرهم للناس على عاتقهم باعتبارهم جهة اختصاص.

إبراهيم عيسى

ودخل الإعلامي إبراهيم عيسى، على خط الدفاع عن الهجوم الذي تعرض له إسلام بحيري بعد تخطئته لشيخ الأزهر، قائلا: أن هناك صحابية خطأت سيدنا عمر بن الخطاب، حيث قال أصابت امرأة وأخطأ عمر، مشيرا إلى أن من يقول كيف يخطأ شيخ الأزهر هو من يخطب في الناس بأن امرأة خطأت عمر بن الخطاب، وأضاف عيسى، خلال تقديمه لبرنامج (حديث القاهرة)؛ المذاع عبر فضائية (القاهرة والناس)، أن العديد من المشايخ الذين يصدرون الدين الوعظي بأن امرأة خطأت عمر وفي نفس السياق ونفس الأشخاص يقولون انت مين عشان تخطأ شيخ الأزهر؟، وأوضح المفكر الإسلامي: ليه ما يخطأش شيخ الأزهر، ليه ما يكونش هو الصح وشيخ الأزهر هو اللي خطأ، مين معصوم؟..  ممكن واحد أشعث أغبر يفهم مسألة أفضل من عالم قضى عمره في الدراسة.

الشيخ نبيل نعيم

وعلى عكس التيار السائد من الانحياز لشيخ الأزهر، انتقد نبيل نعيم، القيادي الجهادي السابق، ما وصفه بالهجوم الذي يشنه البعض على الإعلامي إسلام البحيري، والفتاوى التي أصدرها بعض الشيوخ لإهدار دمه، وقال (نعيم) في تصريحات لبرنامج (السادة المحترمون)، الذي يعرض على فضائية (أون تي في)، إنه على الرغم من تحفظي على أسلوب البحيري، وبعض ألفاظه التي أتمنى أن يغيرها، إلا أنني لا أرى أنه كفر، كما يردد البعض – على حد قوله – وأضاف أن (أفضل شيء فعله البحيري هو أنه كشف المدرسة السلفية، وأثبت أنها لا تستطيع منظارته، وكذلك أيضا الأزهر)، وتابع القيادي الجهادي سابقا حديثه، قائلا: (على الرغم من احترامي للماضي العريق لمؤسسة الأزهر، إلا أنني أرى أنها أصبحت مفلسة، ولا تستطيع مناظرة البحيري، وليس لديها ما تقدمه).

المبالغة في عقاب الزوج يخالف الشرع
الشرع حدد شروط ضرب الزوجة

أما أديب فمن جانبه تراجع عن مهاجمة شيخ الأزهر وأشاد بالبيان الذي أصدرته لجنة البحوث الفقهية بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، وذلك بعد مناقشة ما تداولته بعض وسائل الإعلام من تصريحات منسوبة إلى فضيلة الإمام الأكبر، شيخ الأزهر تتعلق بموضوع (ضرب الزوجات)، وموقف الإسلام منه، وقال خلال تقديمه لبرنامج (الحكاية) المذاع عبر فضائية (mbc مصر)، مساء السبت الماضي، إن البيان الصادر عن الأزهر الشريف دليل على عظمة تلك المؤسسة ومدى قدرتها على استيعاب كل تغيرات العصر، مؤكدًا أنه لم يتحدث عن شيخ الأزهر في حلقاته إلا بكل احترام، وتابع: (لم نتحدث عن شيخ الأزهر إلا بكل الاحترام؛ لأننا لا نبغي إلا الاحترام، وكنا نناقش في الحلقات مشكلة ونحاول علاجها)، مشيرا إلى أن (بيان الأزهر يؤسس لـ 3 مبادئ فكرية عظيمة يحتاجها المصريون الآن وهى أن: الضرب مباح، وإمكانية تقييد ولي الأمر هذا المباح، والحديث عن القضية).

وأشار إلى أن دعوة الأزهر في البيان إلى مناقشة مشكلة ضرب الأطفال واليتيم والزوجة والإنسان بشكل عام دليل على الانفتاح العقلي الكبير، معقبا: (المهم هو من سيضع يده في يد الأزهر، هذا ليس دوري، أنا دوري أفتح الموضوعات وهناك مؤسسات منوطة بالأمر كالمجلس القومي للمرأة والطفولة والأمومة ومجلس الشيوخ والبرلمان ومجلس الوزراء، ولفت إلى أن (العبيد والجواري كانت مسألة موجودة في الدين وقيدت بعد التحول والتطور الكبير الذي شهدته الإنسانية)، معربا عن انبهاره بالبيان الذي يمد يده بانفتاح فكري وعقلي؛ لمناقشة القضية وخاصة أن الغالبية العظمى من المواطنين تأخذ سلوكها وشرعها من الأزهر الشريف.

وكانت أصدرت لجنة البحوث الفقهية بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف بيانا عقب جلستها التاسعة في دورتها الـ 58 بعد مناقشة ما تداولته بعض وسائل الإعلام من تصريحات منسوبة إلى فضيلة الإمام الأكبر، شيخ الأزهر تتعلق بموضوع (ضرب الزوجات)، وموقف الإسلام منه، وأكدت اللجنة، في بيانها، على أنه من المعلوم شرعًا أن العلاقة الزوجية تقوم على السكن والمودة والرحمة، وتوجب على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، وأن يبالغ في إكرامها وحسـن عشرتها، كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم): ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم)، ولهذا كان ضرب الزوجات محظورا بحسب الأصل، ولا يجوز اللجوء إليه إلا إذا فرضته ضرورة إنقاذ الأسرة من الضياع بسبب نشوز الزوجة واحتقارها لزوجها بالتعالي عليه والتجاوز في حقه لتكون إباحته في تلك الحالة من باب اختيار أهون الشرين وأقل الضررين.

الدكتور مبروك عطية

وعلى الرغم من تراجع موقف (عمرو أديب) بتناوله  لبيان لجنة البحوث الفقهية بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، إلا أنه تعرض لهجوم قاسى من جانب الأزهر وغيره من المتمنين له، ونال إسلام بحير النصيب الأكبر من الهجوم بسبب مداخلته التي أثارت اللغط حول تفسير النص القرآني، وهو ما أشعل نيران الأزمة، حيث رد الدكتور مبروك عطية قاصفا جبهة (بحيري) بقوله: (إذا كان إسلام بحيري كاتب وباحث إسلامي أمال شيخ الأزهر يبقى إيه، إزاي كاتب وباحث ميعرفش (أ – ب) في العلم، وتابع: (علشان كلامي يكون واضح لكل الدنيا سأناقش قضية واحدة صغيرة، ماذا يعني الإمام الأكبر وشيخ الإسلام بالنسبة إلى مصر وجميع المسلمين على سطح الكرة الأرضية).

وواصل مبروك عطية: (يؤذي الناس في مشاعرهم أن ينال منه – عيل – لا صلة له بالبحث ولا الكتابة الدينية ولا غيره.. الإمام الأكبر له مكانته في قلب كل مسلم يشهد لله بالوحدانية ولمحمد عليه الصلاة والسلام بالرسالة، وقال الدكتور مبروك عطية: (هل معنى ذلك أن شيخ الأزهر لا يُخطأ؟.. كل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوضح الأستاذ بجامعة الأزهر أن السلف قال: (كل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد وليس يُخطأ، ولكن كيف يتم الحديث عن ضرب الزوجة الناشز بكلام لا يليق بالأزهر وشيخه)، ثم يقول (بحيري) مع احترامي، أي احترام، أنت أولى بالضرب من الزوجة الناشز، ضربة لما تضربك من فوق سبع سماوات، بوظتوا الدنيا وتجرأتم على المقام الأعلى عند المسلمين).

والآن: ترى بعد أن هدأت عاصفة فتوى (ضرب الزوجات) يمكن أن تتوقف حالة التراشق بين شيخ الأزهر والإعلاميين والمخالفين له في الرأي؟

الرسول أمرنا بالمعاملة ياللين وليس القسوة حتى اللفظية
القانون يحمي اللاقة بين الرجل والمرأة

ظني أن الحرب لن تتوقف إلا لو أدرك كل طرف من الأطراف سواء من المؤسسة المنوطة بالتشريع والفتوى أو الشباب الذي يجد في نفسه من العلم والأداء المقبول لدى الجمهور فلا نمانع ولا نصادر عليهم، وأن ندرك أن هذا من باب تواصل العلماء والأجيال والرواد كل في موقعه وفيما يستطيع، وعلينا ألا نقف بالمرصاد لبعضنا البعض فصاحب التخصص من المؤسسة التي يتخرج منها لا يقف متربصا بالطرف الذي دخل في الدعوة جديدا، وإنما تكون بالنصح وبالشكل المهذب الذي لا يجرح، وبعيدا عن الجمهور فنحن في حاجة إلى المبدأ الأخلاقى بالتناصح مع بعضنا البعض والابتعاد عن التشهير أو التقليل من شخص أو حرمان شخص من هوايته في الأداء، وأنا أرى أن هناك العديد من الشباب دخل إلى باب الدعوة جديدا وعلينا أن نرحب به ونقيم لهم ونحتويهم ونرشدهم حتى يزدادوا علما وينضج أداؤهم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.