رحيل (أحمد يحيي) الذي تمنى أن يسلم على (جمال عبدالناصر) وأبكى السادات !
كتب : أحمد السماحي
(مش انت سمير بتاع الرز بالخلطبيطا) هذه الجملة الشهيرة فى فيلم (حكاية حب) التى كان يقولها الطفل (سمير) لشقيقه العندليب الأسمر (أحمد سامي / عبدالحليم حافظ) ظلت تطارد (أحمد يحيي) حتى رحيله أمس الاثنين عن عمر يناهز الـ (75)، نسى الجمهور الأفلام الهامة التى قدمها هذا المبدع والتى ناقشت مجموعة من القضايا الإجتماعية والسياسية المهمة مثل: (كراكون فى الشارع، الموظفون فى الأرض، حتى لا يطير الدخان، انتحار صاحب الشقة، الصبر في الملاحات، سمارة الأمير) وغيرها، وظل يتذكر له فيلمه الأول في السينما كطفل (حكاية حب).
ورغم هذا كان الراحل (أحمد يحيي) يضحك للجمهور الذي يقول له هذه الجملة، ويقول لهم (بس أنا كبرت دلوقتى أووي، وقدمت أفلام كمخرج مهمة)، فكانوا يردون (بس دورك كان رائع وكنت تجنن)!.
البداية جاءت من جروبي
مشوار المخرج الراحل (أحمد يحيي) بدأ في السينما مبكرا وهو عمره لا يتجاوز الحادية عشر – مواليد 1947 – وبالتحديد عام 1958 حيث كان فى نهاية العاشرة من عمره، وكان يحب الجلوس فى كافيه (جروبي) فى وسط البلد، والذى كان ملتقى لكبار السن من الرجال والنساء، كان يجلس على الطاولة ويطلب مشروبه المفضل، ويقوم بمطالعة الصحف، وفي أحد الأيام شاهده المخرج الكبير الراحل (حلمى حليم) واندهش من تصرفه هذا، وتوجه نحوه وأبدى إعجابه به لصغر سنه ووجوده فى هذا المكان، وكان الطفل (أحمد يحيي) لافتا للنظر من جميع رواد المقهى، فطلب منه مباشرة أن يقوم بتمثيل دور فى فيلم مع (عبدالحليم حافظ) الذي كان فى هذه الفترة أحد نجوم الفن المصري الكبار جدا.
واتفق معه (حلمى حليم) فى نفس اليوم بأن يذهبا سويا لـ (عبدالحليم) فى منزله بعمارة (السعوديين) بالعجوزة، ليراه ويتعرف عليه، ولم يصدق (يحيي) ما يحدث كأنه فى حلم وطار من السعادة، وبالفعل ذهبا إلى منزل (حليم) وقابلهما وأعجب جدا بالطفل المثقف، وتحدث معه كأنه ابنه.
وعرض الفيلم وحقق نجاحا ساحقا، مما جعل (عبدالحليم) يتفائل بالطفل الصغير، وطلبه بعد عام تقريبا أن يمثل دورا معه فى فيلم (البنات والصيف) من إخراج المخرج الكبير الراحل (فطين عبدالوهاب) ولكن هذه المرة لن يقوم بتمثيل دور أخيه، ولكن شقيق (زيزى البدراوى).
السلام على جمال عبدالناصر
بعد نجاحه كطفل عرض عليه أدوارا كثيرة، ولكنه لم يرغب فى الاستمرار بالتمثيل، حيث كان يفضل أن يكون مخرجا لأنه كان يرى أن شخصية المخرج هى قيادة العمل السينمائى، وأحب أن يكون مثل المخرج الكبير المبدع (فطين عبدالوهاب).
وصرح بهذا في تحقيق أجرته مجلة (الكواكب) تحت عنوان (صغار ولكن أحلامهم كبيرة)، ويومها قال أنه يهمه أن يتفوق فى دراسته ويكون من الأوائل حتى يسلم على الرئيس (جمال عبدالناصر).
أبي فوق الشجرة
مرت السنوات وحصل عام 1968 على بكالوريوس المعهد العالي للسينما قسم الإخراج، وطلبه المخرج (حسين كمال) لأن يكون مساعدا ثانيا له فى فيلم (أبى فوق الشجرة) بتشجيع من (عبدالحليم حافظ)، والمخرج محمد عبدالعزيز.
التمرد على عمله مساعد مخرج
عمل (أحمد يحيي) عدة أفلام كمساعد ثان للمخرج أشرف فهمى ومحمد عبدالعزيز، وعاطف سالم، ومحمد سالم الذي قدم معه فيلم (نار الشوق) لصباح ورشدي أباظة ووديع الصافي، ومن عمله كمساعد ثان تدرج إلى أن أصبح مساعدا أول للإخراج، وبعد عدة أفلام قرر أن يتوقف عن العمل كمساعد أول لرغبته الملحة بأن يتولى مسؤولية العمل كمخرج أول، ولم يكن الإخراج السينمائى بالأمر اليسير بادئ الأمر، ونظرا لصغر سنه، وصغر حجمه جسمانيا، كانت هناك صعوبات فى أن يقوم بإخراج فيلم بمفرده.!
العذاب إمرأة والنجاح الكبير
في عام 1976 اتفق مع السيناريست الكبير (على الزرقاني) على أن يقوم بإخراج قصه فيلم (العذاب امرأة) ولكن (الزرقاني) أوضح له أنه كى يقوم بكتابة السيناريو يحتاج لمدة عشرة أشهر عمل، ويحتاج شهريا مبلغ 300 جنيه لدفع إيجار شقته ومصاريفه اليومية، فإجمالى ما يحتاجه هو مبلغ 3000 جنيه.
كان الوضع غاية فى الصعوبة بالنسبة للمخرج الشاب الذي يحاول أن يخطو أولى خطواته، فلم يكن هناك منتج متحمس أو عنده روح المجازفة ليقوم بإنتاج قصة الفيلم، لذلك قام ببيع شقته وأثاثها بمبلغ 3300 جنيه كى يعطي لـ (الزرقاني) ما يطلبه، وبالفعل قام (الزرقاني) بكتابة السيناريو على خير وجه، وقرروا أن يقوم ببطولة الفيلم الفنان (محمود ياسين، ونيللى، وصفية العمري) وغيرهم من النجوم، وحقق الفيلم نجاحا ساحقا، وحصلت (نيللي) على جائزة (أحسن ممثلة).
رحلة النسيان
بعد نجاح فيلم (العذاب إمرأة) تلقى مكالمات هاتفية من معظم المنتجين، يعرضون عليه الأعمال التى يتمنى أن يخرجها، وأن يحصل على المقابل المادى الذى يحدده لهم، وأثناء ذلك عرض عليه النجم الكبير (محمود ياسين) إخراج فيلم آخر له من إنتاجه، فقام بإخراج فيلمه الرومانسي الرائع (رحله النسيان) بطولة (نجلاء فتحي، وهويدا، ومحمود ياسين، ولاعب الكرة الشهير طاهر الشيخ)، وكان تجربة رائعة كخطوة ثانية فى عمله كمخرج.
لا تبكي يا حبيب العمر
في تلك الفترة أعجب الملك (فريد شوقي) بأسلوب (أحمد يحيي) فى الإخراج، واتفق معه على أن يقوم بكتابة سيناريو وإخراج فيلم (لا تبكى يا حبيب العمر)، وحقق هذا الفيلم نجاحا جماهيريا كبيرا، وحصد عدة جوائز، وأشاد النقاد بالعمل، والطريف بالأمر أن بائعى المناديل الورقية كانوا يقفون أمام دور العرض ليبيعوا للجمهور علب المناديل الصغيرة، بحجة أنهم سوف يشاهدون الفيلم ويبكون، وبالفعل الفيلم كان يبكى للعلاقة ما بين الأب (فريد شوقى وابنه نور الشريف).
وشاهد الرئيس الراحل (محمد أنور السادات) الفيلم وأعجب به، وتأثر جدا لدرجة البكاء، وقال هذا للملك، أثناء تسليمه أحد الجوائز في عيد الفن.
المخرج الوحيد الذي موت الزعيم
توالت أفلام المخرج الراحل (أحمد يحيي) من أهمها فيلم (حتى لا يطير الدخان) قصة (إحسان عبدالقدوس)، وهو أول فيلم يموت فيه (الزعيم) فى نهايته، وهذا كان شيئا محزنا للجمهور وغير معتاد، وهذه التجربة كانت بمثابة نقطة تحول فى أدوار (عادل إمام)، وذلك لاقتناع (يحيي) بقدرة (الزعيم) على أداء أدوار متنوعة كوميدية وتراجيدية.
وبعد نجاح فيلم (حتى لا يطير الدخان) أخرج له فيلما ثانيا بعنوان (كراكون فى الشارع) وكان طابعه الكوميديا السوداء، وتعرض فيه لمشكلة الإسكان وخصوصا مشكلة إسكان الشباب، وألهم الدولة فكرة تمليك الشباب أراضى فى المناطق الصحراوية.
ليلة بكى فيها القمر
ما يميز مشوار المخرج الراحل (أحمد يحيي) خوضه لتجارب سينمائية مختلفة، حيث لم يقتصر عطائه السينمائي على لون واحد، ولكنه قدم نوعيات مختلفة نذكر منها أفلام (ليلة بكى فيها القمر) بطولة صباح وحسين فهمى، و(غدا سأنتقم) لنجلاء فتحى وفاروق الفيشاوي، (حكمت المحكمة) بطولة فريد شوقى وماجدة الخطيب ويسرا وليلى طاهر، و(حب لا يرى الشمس) لنجلاء فتحى، فريد شوقى، محمود عبد العزيز، صفية العمرى، (يا عزيزى كلنا لصوص) بطولة محمود عبد العزيز وليلى علوى، و(الصبر في الملاحات، وانتحار صاحب الشقة) لنبيلة عبيد، وغيرها من الأفلام.
تكريم وحيد فى مهرجان الأسكندرية
رغم أهمية أفلام المخرج (أحمد يحيي) وتنوعها لكن لم يهتم أحد بتكريمه إلا مهرجان الأسكندرية السينمائي برئاسة الكاتب الصحفي الكبير (الأمير أباظة)، حيث قام بتكريمه في الدورة الـ 34 من مهرجان الإسكندرية السينمائى الدولى لدول البحر الأبيض المتوسط الذى أقيم عام 2018، بجانب الموسيقار (عمر خيرت) والنجم (فاروق الفيشاوي)، والمنتج (حسين القلا) والناقدة (ماجدة موريس).
حلمه الذي لم يتحقق
كان حلمه السينمائي الأخير تقديم فيلم اجتماعي مع عدد من الوجوه الجديدة يمس عدة قضايا مطروحة على الساحة السياسية والاجتماعية، ويركز على الظروف التى مرت بها البلاد منذ ثورة ٢٥ يناير 2011 وحتى ثورة 30 يونيو2013، والتى قرر فيها الشعب استعادة الهوية المصرية من يد قوى الظلام.
رحم الله المخرج الكبير (أحمد يحيي) الذي أمتعنا بأفلامه الاجتماعية والغنائية والسياسية المختلفة.