سر تجمع نادية لطفي مع نجمات عصرها عند فريد الأطرش
كان بين الفنانيين زمان علاقة أقرب إلى الأخوة الصادقة، يعيشون طوال أيام التصوير علاقات صداقة بريئة، وزمالة محترمة، بعيدة عن المصالح الضيقة، والمنافع المؤقتة، والشوائب المكدرة، علاقة قائمة على الثقة والمودة والبساطة، أساسها الصدق وفروعها الكلمة الطيبة وإحسان الظن والألفة، لهذا كانوا يجتمعون دائما فى بداية أي فيلم أونهايته ليأخذون مع بعضهم صورة تذكارية أو (سيلفي) بلغتنا الآن.
كتب : أحمد السماحي
نحيي هذه الأيام الذكرى الثانية للنجمة الكبيرة (نادية لطفي) التى رحلت عن حياتنا في مثل هذه الأيام وبالتحديد يوم 4 فبراير عام 2020 ، ومن الأشياء التى أفتخر بها صداقتي لهذه النجمة الإنسانة التى كانت لا تعرف اللون الرمادي في حياتها، فالحياة عندها أبيض وأسود، فمعها لا معنى لكلمة (الحياد) لأنها تفقد كل مدلولاتها وتصبح دون أهمية، كانت إنسانة بكل ما تحمله هذه الكلمة.
أتذكر عندما رحلت زميلة صحفية لنا وهى عائدة من الدورة الأولى لمهرجان (الجونة) كتبت النجمة الكبيرة كلمات رثاء فيها رغم عدم معرفتها بها، كما اتصلت بي لتسألني عن ظروف هذه الزميلة، وفى نهاية مكالمتها طلبت مني رقم والدها أو والداتها، ولا أعرف ماذا فعلت معهما لكن هذه هى (نادية لطفي) الإنسانة.
وأذكر أيضا عندما كتب عنها الزميل (محمد حبوشة) مقال عنها في جريدتنا الغراء (الأهرام) وأرسلت لها ما كتبه على (الواتس آب) أيقظتني في العاشرة صباحا، تريد تليفونه، لتشكره على كلماته الرقيقة عنها، وبالفعل اتصلت به وشكرته، وعندما كنت أكتب عن أحد من زملائها الذين رحلوا كانت تتصل بي تشكرني على ما كتبته وكأنها أحد ورثة هؤلاء النجوم، وتحكي لي ذكرياتها معه لو كان لديها، أو تشكرني لتذكر هذا النجم أو هذه النجمة.
وفي أحد المرات قالي لي صديقي الفنان السوري (جهاد سعد) أنه شاهدها في سوريا وهو طفل أثناء قيامها ببطولة فيلم (عمالقة البحار)، وكانت أجمل من أي نجمة عالمية بروحها المصرية الحلوة ويتمنى أن يزورها الآن، ونقلت لها ما قاله فطلبت مني أن يزورها فورا خاصة أنها شاهدت له مسلسل (سقوط الخلافة) وأعجبت بتمثيله، وفرح (جهاد سعد) بزياراتها لكن حدثت لها ظروف لـ (جهاد) حالت دون الزيارة.
يمكن تلخيص حياة (نادية لطفي) في جملة أصبحت دستور حياتها (بنتي ما تكذبش أبدا) هذه الكلمات القليلة التى قالها لها والدها يوما وهى طفلة ظلت مؤمنة بها حتى آخر يوم في حياتها، لهذا كان طبيعيا أن تبتعد عن الكذب حتى لو كان من باب التجميل سواء فى الكلام أو فى الشكل، وفى عز نجوميتها كانت تميل للبساطة، ونادرا ما تضع مكياجا على وجهها، فالشكل لم يكن يمثل لديها شيئا لأن العقل عندها أهم.
لا يوجد إنسان عرفته وقع عليه ظلم إلا وتألمت لهذا الظلم، وحاولت رفعه عنه، فالسكوت عن الحق لا وجود له فى قاموس حياتها، لهذا ساندت القضية الفلسطينية، وفى أحداث مدينة (الخليل) سارعت إلى هناك وقامت بتصوير الأحداث المأسوية كاملة ووزعتها على وكالات الأنباء العالمية حتى تدين ما كان يفعله العدو الإسرائيلي تجاه الفلسطنيين.
وفي حرب يونيو 1967 قادت لجنة الفن وكان الغرض منها المزج ما بين الجبهة الداخلية والجبهة المحاربة لكي يشعر من على الجبهة أن مصر كلها خلفهم، وسارعت في حرب أكتوبر 1973، بالذهاب إلى جمعية الهلال الأحمر، وقدمت كل الواجب من جهد وعون، واشتغلت ممرضة لتضميد جرحى أبطال الحرب، وذهبت لبيروت عام 1982 لتعيش مأساة حصار بيروت، وتقول للعدو الإسرائيلي لن تستطيع كسر بريق الرجل العربي ومصر بفنانيها تقف إلى جانب لبنان.
وكانت أول من فكر في صندوق معاشات الفنانيين ليخدم كل محتاج من الفنانيين ويشعرهم أن كرامتهم مصونة، ولايحتاجون أحد، وأثناء كارثة السيول في الثمانينات كونت لجنة من الفنانيين لزيارة المناطق المنكوبة وتقديم المعونات من غذاء وكساء، كما أنشأت الجمعية المصرية لأصدقاء مرضى الفشل الكلوي، وجمعية (شموع) لأعمال الخير.
نادية لطفي الفنانة بدرجة إنسانة عندما مات كلبها (باتشو) حزنت عليه جدا، ورفضت أن تقتني كلبا آخر، وعندما سئلت لماذا لا تقتني كلبا آخر؟ فقالت: (باتشو) لم يكن كلبا كان صديقا فهل أستطيع أن أستبدل صديق بآخر!.
هذا الأسبوع ننشر لها في باب (سيلفي النجوم) صورة تجمعها بزميلاتها (صباح، ليلى فوزي، ليلى طاهر، مها صبري، نجوى فؤاد) في عيد ميلاد المطرب الكبير (فريد الأطرش).
رحم الله (نادية لطفى) التى كانت تعتبر الفن رسالة ثقافية سامية تعطي للإنسان قيمة، وللحياة معنى لتستحق من أجله أن تعاش.