كتب : أحمد السماحي
بعد نشرنا أمس لموضوع (نكشف عن أعمال مجهولة لـ جلال الشرقاوي لإذاعة الكويت) اتصل بي الفنان الكبير والصديق (محيي إسماعيل) وفجر مفاجأة لنا تخص عمل نادر للراحل (جلال الشرقاوي) حيث قال لـ (شهريار النجوم) : في نهاية الستينات كنت وجها جديدا وشاركت في بطولة مسلسل (المجانين) قصة أحمد سعيد، سيناريو كمال إسماعيل، حوار محمد علي ماهر، إخراج جلال الشرقاوي، وكان هذا العمل يتكون من 18 حلقة من إنتاج التليفزيون المصري، وقام ببطولته مجموعة كبيرة من النجوم كان في مقدمتهم الشاعر الشهير (نجيب سرور) صديق جلال الشرقاوي في هذه الفترة، وشارك أيضا في البطولة (عمر الحريري، زهرة العلا، زيزي مصطفى، صلاح منصور، عدلي كاسب، زوزو نبيل، عبدالوارث عسر، حسن البارودي، عصمت عباس، السيد راضي، شفيق نور الدين، أحمد سعيد، عزيزة حلمي، عبدالسلام محمد، أحمد أباظة).
وأضاف نجمنا المتفرد محي اسماعيل: هذا العمل عرض مرة واحدة، ولم يعرض ثانية، والسؤال أين هذا العمل المهم جدا، خاصة أن النجوم الذين شاركوا فيه نجوم مهمين للغاية أصبحوا فى ذمة الله، ولماذا لا يعرض الآن إذا كان موجودا؟! وهذا ليس فقط العمل الوحيد فهناك عشرات ولن أقول المئات من الأعمال والمسلسلات المهمة التى لا تعرض؟!
انتهت كلمة نجمنا الكبير (محيي إسماعيل) وبدأت أبحث عن هذا العمل في أرشيفي العامر، وعندما رجعت لكتاب (حياتي في المسرح) الجزء الأول الذي كتبه المخرج الراحل (جلال الشرقاوي) ويحكي من خلال ذكرياته الفنية والشخصية، وجدته يتحدث عن هذا العمل بإسهاب قائلا : أقرأ في الوريقات البيضاء الأولى التى أضعها قبل كل حلقة من مسلسل (المجانين) وأسجل فيها ملاحظاتي الآتي: اتسم الأداء التمثيلي بالبساطة والتلقائية بالإضافة إلى دقة نطق اللهجة الصعيدية، وقد ساعدني في ذلك كثيرا الأستاذ (محمد علي ماهر) كاتب الحوار، والصعيدي الأصل والذي لم يفارقني دقيقة واحدة أثناء البروفات، أو أثناء التسجيل، فكان حواره يشتمل على كثير من المفردات التى يستخدمها أهل الصعيد (الجواني) كما أنه أعطاني ومجموعة الممثلين دروسا كثيرة في كيفية نطقها.
ويضيف الشرقاوي: نجح الأستاذ (فتحي قابيل) مهندس الديكور والمشرف على التنفيذ في بناء قرية كاملة باستوديو 2 بطرقها وحواريها وبيوتها الفقيرة وقنوات الماء التى تجري في حقولها والأوز والبط الذي يسبح في ترعها.
ولقد صورت (التيتر) – مقدمة الحلقات – تصويرا سينمائيا، وقد احتوى على مشهد اختطاف (وطفة) ثم هبة أهالي القرية بالمشاعل في جنح الليل للبحث عنها، وهكذا شددت الرحال مع (صلاح منصور وعدلي كاسب، وزيزي مصطفى) والفنيين إلى سوهاج حيث حقول القصب الكثيفة.
ومن الأشياء التى لا أنساها أن بطل العمل كان الصديق الشاعر (نجيب سرور) حيث عاد إلى مصر في نهاية عام 1964، ورحب به الجميع ترحيبا بالغ الحرارة، وعهد إليه مسرح الجيب بإخراج مسرحية (بستان الكرز) لتشيكوف، وتعاقد معه على تأليف قصيدته المسرحية (ياسين وبهية)، أما أنا فقد رحبت به بطريقتي الخاصة، فأخرجت له تليفزيونيا مسرحيته (بستان الكرز) بدون مقابل، وأثناء استعدادي لإخراج مسلسل (المجانين) اسندت إليه بطولته حيث لعب دور (حمد) .
ويحكي (جلال الشرقاوي) قصة المسلسل فيقول: يدور الصراع فى إحدى قرى الصعيد النائية (إضمار) بين طبقة الإقطاع ممثلة في الباشا وعائلته ورجاله وبين طبقة العبيد ممثلة في الفلاحين الذين يتأهبون للانفجار تمهيدا للثورة، وبين هؤلاء وأولئك يقف رجال البوليس .. حكمدار المديرية، نائبه، ضباط المباحث الذين يعمل بعضهم في خدمة الباشا تنفيذا للأوامر، ويخرج البعض منهم عن طاعتهم مساعدة منهم للفلاحين المساكين، ولكن في تكتم وسرية شديدة خوفا من افتضاح أمرهم لدى السلطة.
ثم تقف أيضا مجموعة الموظفين الحكوميين بأنماطهم المختلفة التى تترواح بين الإيجابية لنصرة الحق وبين السلبية المطلقة ضمانا للسلامة أو الانتهازية المعلنة سعيا وراء مكسب شخصي حقير، وبطل هذه القصة هو (حمد/ نجيب سرور) ابن الشيخ سعفان وهو طالب أزهري عاد إلى قريته فى إجازته السنوية ليعقد قرانه على (وطفه/ زيزي مصطفى) ولكنه يفاجأ بأنها اختفت، إن عصابة الباشا قد اختطفتها ليعتدي عليها ابن الباشا، وتعود البنت ذليلة كسيرة، وقد جن جنونها تحكي لممرضة القرية مأساتها.
وما أن تعلم العصابة أن الفتاة قد باحت بالسر حتى تقتلها، ثم تلفق القرائن لكي تتهم النيابة (حمد) بقتلها، عند ذلك يتدخل (حسنين) أخو (وطفه) الذي أدمن الأفيون تحت إغراءات عصابة الباشا فيحاول قتل (حمد)، وتقوم ثورة 23 يوليو 1952 ويحرق الفلاحون قصر الباشا رمزا لاندلاع الثورة.
ولكن الأحداث لا تنتهي، إن القصة تكشف كيف استطاعت الرجعية والانتهازية، وفلول الإقطاعيين أن تتسلل داخل المؤسسات التى أنشأتها الثورة مثل الجمعية التعاونية، ويستمر الصراع دائما وإلى الأبد بين الثورة والثورة المضادة.
وفي النهاية أضم صوتي لصوت نجمنا المبدع (محيي إسماعيل) ونتساءل أين هذا العمل وماذا لا يعرض؟ أم أنه تم سرقته كما سرق معظم تراثنا التليفزيوني؟!