كتب : محمد حبوشة
لا تفشل الدراما أبدا في أن تثير بداخلنا الكثير من المشاعر الإنسانية المختلفة، أحيانا رومانسية، كوميديا، دراما وأحيانا أجواء الأكشن والجريمة والحرب، لذلك تحتل مسلسلات الأكشن مكانة كبيرة لدى الجمهور في العالم كله، لأن لها رتم وطابع خاص يأخذنا لعالم مختلف من الإثارة والغموض واكتشاف الحقائق، حتى أنا أحيانا نشعر وكأننا جزء من المسلسل نساعد أبطاله على كشف الحقيقة، لكن هذا لم يحدث للأسف معي وقطاع كبير من الجمهور العربي في أثناء مشاهدة مسلسل (عالحد) الذي ينتمي لنوعية مسلسلات الجريمة والغموض، التي يفترض أنه يملك سحرا لا ينتهي سواء في الأحداث أم التشويق، وهو ما لم ينجح في أي من حلقاته إلا النصف الثاني من الحلقة (12) الأخيرة في أن ينقلنا إلى عالم عجيب مملوء بالحيوية والسحر.
المسلسل في حد ذاته يؤكد أن الإنسان بطبعه كائن يحب البحث والاستكشاف، ولذة المعرفة لا تعادلها لذة، ولحظة الوصول للحقيقة بعد بحث وعناء أو حتى عن طريق المصادفة هي لحظة مفعمة بالحياة، صحيح أن مسلسل (عالحد) ليس من ضمن شخصياته رجل مثلي مثلا، وصحيح أنه ما من شابة يافعة ستستشير والدها الحنون والمتفهم قبل أن تقضي وقتا مع صديقها في فراشه، وما من سيدة ستخلع بشكل خاطف قطعة من ملابسها الداخلية، لكن في المسلسل ما هو أسوأ من ذلك، إنه نوع آخر من التساؤل الأخلاقي، يمكن إثارة إشكالية حوله، فكيف لم يستفز هذا العمل الجماهير العربية وخاصة السورية؟، ولماذا لم يتوقف النقاد عنده كما حصل مع فيلم (أصحاب ولا أعز)؟، وأين هى المسؤولية الاجتماعية التي يجب أن تتحلى بها هذه المنصة العربية (شاهد) إلى جانب صناع العمل والتي يطالب بها بعض النقاد والإعلاميين منصة (نتفلكس) الأمريكية؟
مسلسل (عالحد) يدور حول ليلى الصيدلانية (سلافة معمار) تحمل الجنسية السورية، فقدت والديها منذ الطفولة وانتقلت للعيش مع خالتها (صباح جزائري) المتزوجة من لبناني والمقيمة في لبنان، وليلى اليوم تعيش مع طفلتها بعد أن هجرها زوجها السوري في رحلة اللجوء إلى السويد، وانقطع عن مراسلتها نهائيا، ويبدو أن (ليلى) تلك التي بدت حلالة للمشاكل، ليس فقط بالنسبة لعائلتها الصغيرة، خالتها وابنة خالتها وحتى ابن خالها العاق والنصاب، بل أنها أيضا super women تحل مشاكل كل من حولها، بدءا من صديقتها القريبة جدا وربما الوحيدة، رغم أنها تقوم بخيانتها مع زوجها، هكذا يفعل (أعز الأصحاب) ببعضهم كما يبدو في المسلسل، كما أنها، وفي سبيل تحقيق العدالة الإنسانية والاجتماعية، ستقوم بعدة جرائم قتل، بكل سلاسة وأريحية.
ورغم أن الشرطة تحقق في كل الجرائم في حينها، إلا أن ليلى بحنكتها وذكائها، وحتى قوتها وجبروتها، بقيت طوال الوقت (حتى الربع الأخير من الحلقة رقم (12) الأخيرة خارج نطاق الشك، إلى أن تقع في يد الشرطة كحل إجباري لكاتبة العمل (لبنى حداد) فقط لحفظ ماء وجه الشرطة وإظهارهم بشكلهم التقليدي كأذكياء ينجحون دوما في الوصول إلى القاتل مهما كانت فطنته.
في المسلسل علاقات غير مشروعة وحتى محرمة، ليس فقط لأن (ليلى) تقيم علاقة حميمة في الظل مع زوج صديقتها (وليد/ روديغ سليمان) الذي جاء أداؤه بارد جدا، بل لأنها سيدة مازالت متزوجه بالقانون، وهذا مخالف شرعا، والأسوأ من كل ذلك قدمت (ليلى) على أنها سيدة سورية جميلة جدا، متعلمة ولديها عمل تعيش منه، فلماذا تم زجها في هذا الوضع الصعب؟، وهل كان سيحصل أي تغيير درامي في حال كانت سيدة لبنانية أو من أي جنسية عربية أخرى، فقدت عائلتها وتقيم لدى خالتها، وزوجها هجرها للبحث عن حياة أفضل في المهجر، كما حصل ويحصل مع مئات السيدات اللبنانيات، لكن العمل أساء للسيدة السورية، حين كتب خصيصا لتؤديه (سلافة معمار) التي عرف عنها أنها لا تفضل أداء أي دور بغير لهجتها السورية؟، رغم نجاحها المدوي في المسلسل المصري (الخواجة عبد القادر) الذي قدمته مع يحيى الفخراني قبل عشر سنوات عام 2012، ونالت عنه استحسانا كبيرا وتقديرا، إلا أنها لاحقا رفضت كل الأدوار التي رشحت لها بسبب نفس المشكلة المتعلقة باللهجة السورية.
ليس هذا فحسب، بل أن (عالحد) قد يفهم كإساءة أيضا للاجئين السوريين، وخاصة الفقراء منهم الذين يعيشون ضمن المخيمات، حين جعل من شخصية (تلجة) التي تلعب دورها (دوجانا عيسى) الفقيرة والمتسولة مدمنة، ثم موزعة مخدرات يمكن استغلالها واللعب بها وحتى اغتصابها دون أن تحرك ساكنا، بحكم إقامتها غير الشرعية في لبنان، بل الأغرب من ذلك أنه جعلها تقوم بكل ذلك برغبة منها وليس بحكم الإجبار والضغط، أضف إلى ذلك أنه طبعها بطابع مدينة سورية بعينها، حين جعل لهجتها تنطق بها بطلاقة وحرفية.
رغم كل ما سبق من سقطات في مسلسل (عالحد) وهفوات لا يمكن تجاوزها، وجدنا بعضا من النقاد ممن أثارت حميتهم منى زكي في فيلم (أصحاب ولا أعز) قد أشادوا بالأداء العالي لسلافة معمار، واستطاعوا التمييز بين شخصية ليلى التي تلعبها سلافة، وبين سلافة الممثلة، لدرجة يصبح السؤال: ما هي في الحقيقة الأعمال الدرامية التي تستفز النقاد والجماهير وتثير حميتهم؟، هل هى فقط الأعمال التي تنقل صورتهم ويتم نشرها على منصات أجنبية دون غيرها من منصات، أم أن الموضوع مجرد موضوع تنافسي مع منصة (نتفلكس) واقتسام كعكة الجرأة والحرية الجديدة في الطرح الدرامي
اعتاد محبي الفنانة السورية سلافة معمار وأنا منهم على تقديمها أدوارا درامية مختلفة وبالفعل تجسد سلافة في مسلسل (عالحد) شخصية مركبة تحمل الكثير من الصفات المتناقضة، فعلى الرغم من أنها امرأة قوية إلا أننا نشاهد انهياراتها التي لا تستمر طويلا، وبالرغم من أنها تبدو صديقة وفية تحب صديقتها إلا أنها لا تشعر بالذنب جراء إقامتها لعلاقة مع زوج صديقتها بل وتنزعج بشدة من شعورها بمحبة حبيبها لزوجته، ولعل فضيحة كبيرة لاحقت الممثلة السورية سلافة معمار التي انتشر لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي العديد من الصور والفيديوهات وهي تستحم عارية بين أحضان ممثل شهير، وبسبب تلك الصور تصدر مسلسل (عالحد) الترند منذ عرض تلك الصور، بل أشاد بعض النقاد بهكذا مشاهد اعتبرها البعض قوية وجريئة جمعتها بالممثل اللبناني رودريغ سليمان وهى تستحم تارة ، وتارة أخى بمشهد وهي ترتدي روب الحمام وتجلس بين أحضان (وليد) الذي ظهر شبه عار هو الآخر.
هذه المشاهد وعلى الرغم من أنها لا تخدش الحياء أو النظر إلا أنها تسببت في جدل على مواقع التواصل الاجتماعي ما اعتبره البعض تميزا خصوصا أن الجدل وإن كان سلبيا يخدم العمل، ومن جهة أخرى أثارت الممثلة السورية (سلافة معمار) الكثير من الجدل عبر مواقع التواصل بعد بدء مسلسلها (عالحد) الذي تحدثت فيه عن الخيانة في فيديو، فيديو (سلافة) من المسلسل وهى تتحدث عن خيانتها لصديقتها المقربة مع زوجها تسبب بحالة كبيرة من الجدل، على أثر قولها: (إيه وليد زوج رفيقتي…يلي بيشوف المشهد من برا بيشوفوا كتير بشع…بس أحيانا في أخطاء بتكون أفضل الخيارات الممكنة…أنا ما عم برر أنا عم عيش)، وهو ما يعكس تحديا كبيرا من جانب إمرأة متزوجة وتنتمى لمجمتع شرقي له قيمه وتقاليده التي تعتبر مثل تلك العلاقات محرمة شرعا بحسب الأديان السماوية .
هذا الفيديو الذي مدته ثوانٍ قليلة أثار الكثير من الجدل، فالبعض رأى أن هكذا مشاهد لا تليق بسلافة معمار ولا يجب أن تقدمها، أما البعض الآخر فانتقد سلافة لأنها تقوم بتبرير الخيانة بطريقة غير مباشرة، وأن ذلك سوف يؤثر على المشاهدين، قسم آخر من الجمهور اعتبر أن الفيديو هو تجسيد لواقع نعيشه وليس هناك أي مبالغة، وظني أن هكذا جدل أحدثته دراما المنصات الجديدة في إطار سعيها الحثيث ليصبح (الجنس الحرام) والترويج للمثلية شأنا عاديا يأتي في سياق أحداث الدراما العريبة، ومن ثم نبتلع طعم بنود اتفاقية (سيدو) التي تتعلق بتحرير جسد المرأة دون أدني شعور بخدش الحياء أو التنصل من تعاليم الأديان رويدا رويدا.
صحيح أن مسسل (عالحد) يطرح قضايا اجتماعية هامهمة للغاية في ثنايا الأحداث، منها مثلا التحرش الجنسي وتعاطي المخدرات، ولكنها جاءت من منظور ضيق جدا فحالة من الالتباس تخيم على شخصية (مراون) المتهم بالتحرش، حيث يعيش هذا الشاب في حي فقير، مقنع الوجه ويرتدي قفازات، ويلاحق النساء في الشوارع ليلا، حتى يطعن بسكين في خاصرته ويلقى حتفه، وتبدأ التحريات لمعرفة قاتل (مروان)، خصوصا وأن السيرة الذاتية للقتيل (لا تشوبها شائبة)، كما يقول سكان الحي وجيران الضحية، ومن هنا تأخذ جريمة القتل المسلسل إلى عالم من الغموض، ولكنه غموض مصطنع وبارد ويزيد من حجم الضعف الذي يعانيه العمل الذي أخرجته اللبنانية (ليال راجحة)، وإنتاج شركة (سيدرز آرت برودكشن – صبّاح إخوان) للإنتاج، ولأنه لم يسبق لراجحة أن قامت بإخراج مسلسل من قبل فكان من الأجدى بها دراسة تفاصيل دقيقة والعمل عليها، خصوصا حركات الممثلين وطريقة التصوير جاءتا على نحو غير احترافي بالمرة.
أعتقد جازما أنه على الرغم من الوقت الطويل الذي استغرقه تصوير (عالحد – 12 حلقة)، إلا أن النتيجة جاءت مخيبة، فلم تنقذ النجمة السورية (سلافة معمار) العمل، في تجربة كان يعول عليها ضمن الدراما المشتركة، ومن ثم أستطيع القول بأن هذا العمل هو الخطوة الأولى (فعليا) للممثلة السورية سلافة معمار ضمن (موضة) المسلسلات القصيرة كانت الأقرب إلى التجارية، والتي دأبت على إنتاجها وتصديرها منصة (شاهد) السعودية منذ سنتين، وتطرح قضية أو التحقيق في جريمة قتل وفق خيوط أصبحت مستهلكة جدا في العالم العربي، إذ تنقل عالم (المافيات) الغامض وفقا لخيال ساذج من جانب الكاتب والمخرج، لكنه من منظارهما الشخصي وليس خدمة لقصة تعنى بالإثارة والتشويق قبل كل شيئ.
ومع كل تلك الأخطاء والتشوهات الدرامية التي تعتري مسلسل (عالحد) إلى أن هنالك مشهد وحيد أعاد لنا قدرة وحرفية أداء سلافة معمار في مجال المنودرما الحزينة، وجاء على النحو التالي:
بعد أن شعرت بقرب نهايتها أوقفت (ليلى) سيارتها على أحد أطراف الشارع وحاولت أنت تلتقط أنفاسها وتهدأ من روعها كي تجري المكالمة الأخيرة مع ابنتها (تالا) المقيمة مع والدها في السويد.
يأتيها صوت تالا قائلة : مامي.
ليلى : كيفك مامي .. تقبريني .. شو اشتقتلك .. وعبثا تحاول أن تغالب دموعها؟
تالا : ماما شو بكي .. ليش تبكي؟
ليلي تمسح دموعها قائلة : ماما أنا اشتفتلك كتير.
تالا : طيب تعي لعندي ما انتي اشتقتلي؟
ليلى : انتي منيحة؟
تالا : ايه منيحة.. بس هون ضجرانة كتير بافكر أجي لعندك.
ليلى : لا ماما لا .. أنا منشان هيك باحكيكي .. لأنه الفترة الجايه يمكن ما اقدر احكيكي كتير .. ولوقت طويل متل العادة، ثم تردف قائلة : تالا بدك تسمعيني منيح .. لازم تعرفي ان باحبك كتير .. باحبك كتير كتير .. وانتي أغلى حاجة عندي بالحياة .. وأنا اذا غلطت مابكون غلطت لأني بدي أغلط .. لأنه الحياة حقيرة وقاسية .. وهاد أحسن شيئ بدي أعمله.
تالا : ماما ليش عم حتكي هيك .. انتي مريضة شئ؟
ليلى : لا حبيبتي لا ما تخافي مافي شئ .. شو ما يقولوك عني لاتصدقي .. أنا راح شوفك قد ما طولت .. راح شوفك .. أنا حدك دايما .. ايه.
صوت تالا مشبعا بالبكاء : أوكي
ليلى : لا تبكي .. لا تبكي تالا.
تالا : ماراح ابكي.
ليلي : لا تبكي حبيبتي .. خليكي قوية .. دايما اتذكري هاد الحكي .. بااااااااااااااي.
ثم تضع يدها على رقبتها وتدخل في حالة بكاء هيستيري وكأنها تنتظر مشنقة الإعدام !!! .. وبعدها تمسح دموعها وتحاول التماسك والسير في طريق المجهول.