كتب : أحمد السماحي
انتهت منذ ساعات حياة المخرج المسرحي الكبير (جلال الشرقاوي) في مقابر كلية البنات بمصر الجديدة، بحضور عدد من نجوم الفن، هذا العملاق الذي امتد العمر به فأتاح له أن يكون شاهدا على أكثر من عصر، ومشاركا في قضايا أمته في أكثر من جيل، ومواكبا لأحداث سياسية هامة عاشها بفكره ونبضه وشجاعته، وقال كلمته عبر أعماله في كل عصر، وسجل المتغيرات الجديدة التى عاشها دون تردد، وظلت أعماله تفجر الجدل حولها في كل مناسبة وآخرها مسرحية (هولاكو) تأليف شاعرنا المبدع (فاروق جويدة)، التى انتهى من كل تفاصيلها، لكن وجود أحد المشاهد أثار حفيظة بعض الملتزمين الخائفين المرتعشين، فتم حذفه، ورغم هذا لم تخرج المسرحية للنور، ورحل (الشرقاوي) وفي قلبه غصه، وفي حلقه مرارة.
كانت حياة (جلال الشرقاوي) عميقة بغزارة إنتاجه الفني الذي لم يتوقف على امتداد ستين عاما، وخلال مشواره شغل الناس، انشغل بالناس، بنفس الجدية والاهتمام.
وفي نفس اليوم الذي دفن فيه (جلال الشرقاوي) دفنت الفنانة القديرة (عايدة عبدالعزيز) التى رحلت عن حياتنا يوم الخميس الماضي عن عمر يناهز 92 عاما، وتم دفن جثمانها أمس الجمعة بمقابر العائلة فى مدينة 6 أكتوبر، حيث أقيمت صلاة الجنازة عليها، واقتصر الحضور على نقيب الممثلين الدكتور (أشرف زكي)، والإعلامى (عمرو الليثي) فقط.
وقدمت نجمتنا الراحلة الكثير من الأعمال الفنية التى لا تنسى ففي السينما أبدعت في أدوار لم تكن فيها بطلة ولا نجمة العمل لكنها استطاعت أن تترك بصمتها القوية في هذه الأعمال، منها أفلام (يوميات نائب في الأرياف، فجر الإسلام، الظلال في الجانب الأخر، إمرأة عاشقة، على ورق سيلفون، شوق، دعاء المظلومين، إمرأة قتلها الحب، رحلة داخل إمرأة، شهد الملكة، بوابة إبليس، شارع السد، خرج ولم يعد، سكة سفر، النمر والأنثى، كشف المستور، عفاريت الأسفلت، الواد محروس بتاع الوزيير، حائط البطولات، سوبر ماركت، هليوبلس، الحرامى والعبيط، خلطة فوزية) وغيرها.
وفي المسرح أبدعت في (دائرة الطباشير القوقازية، انتيجون، عودة الغائب، طائر الحب، المهاجر، لعبة السلطان، ولادك يا مصر، الست هدى) وغيرها.
وصالت وجالت في مجال الدراما ونوعت في أدوارها فقدمت (فرصة العمر، فارس الليل التائب ابن عروس، طرفه بن العبد، زينب والعرش، أنف وثلاث عيون، الإمام مالك، لعثة الشهداء، نهاية العالم ليست غدا، صبرا آل ياسر، رحلة المليون، برديس، الذئب الأزرق، الجوارح، المكتوب على الجبين، صائمون والله أعلم، ضمير أبلة حكمت، الجسر، محمد رسول الله إلى العالم، غضبون وغاضبات، قشتمر، يوميات ونيس، هالة والدراويش، أيام المنيرة، عظمة يا ست، الحفار، أوراق مصرية، أم العروسة، أحلام في البوابة) وغيرها الكثير.
تحت المظلة
كثيرين لا يعلموا أن هناك عملين مهمين للغاية جمعا كلا من الفنانة الراحلة (عايدة عبدالعزيز) والفنان (جلال الشرقاوي)، والعملين من إخراج المبدع الراحل (أحمد عبدالحليم) زوج الفنانة (عايدة عبدالعزيز) الأول هو السهرة الشعرية (ثلاث ليال مع الشعر المعاصر) التى قدمت عام 1969 إنتاج المركز الثقافي التشيكوسلوفاكي بالقاهرة، وقد اختارت الأشعار الكاتبة الراحلة (رضوى عاشور) من مختارات بعض الشعراء العرب والأجانب، وقام بإلقاء هذه الأشعار بشكل تمثيلي رائع كلا من (سميحة أيوب، جلال الشرقاوي، عايدة عبدالعزيز، سعد أردش) ونالت هذه السهرة نجاحا كبيرا في مسرح الـ 100 كرسي.
العمل الثاني الذي أبدعه (أحمد عبدالحليم) كمخرج هو مسرحية (تحت المظلة) تأليف الكاتب الكبير نجيب محفوظ، وإنتاج مؤسسة المسرح والموسيقى والفنون الشعبية (مسرح الجيب) وتولى البطولة كلا من (جلال الشرقاوي، وعايدة عبدالعزيز، وشكري سرحان، ومحسنة توفيق، وحمدي أحمد) وكانت المسرحية جريئة للغاية وقت تقديمها حيث كتبها (نجيب محفوظ) في نفس العام الذي وقعت فيه النكسة، وهزمت إسرائيل كلًا من مصر وسوريا و الأردن وأوقعت بجيوشهم خسائر كبيرة ومست سيادتهم بأراضيهم واحتلت أجزاء من كل من مصر وسوريا، كانت هذه الأحداث مُفجعة للمواطن المصري والعربي بشكل عام، فقد وقعت في ظل حركة القومية العربية وفي ظل ثقة الحكام العرب وتنديدهم بإسرائيل وادعاء القدرة على التخلص منها.
وفي مسرحية (تحت المظلة) تتوالى الأحداث المبهمة بوتيرة متسارعة في غياب كامل لكل ما هو منطقي، يقف سكان المظلة تحتها احتماءً من المطر، إلّا أنهم لم يلبثوا إلا أن وجدوا أنفسهم أمام تلك المشاهد المتقطعة، منفصلين تماما عن بؤرة الأحداث، غير منغمسين في تلك الفوضى، يُراقبون من بعيد، لا شيء مُفسر، الكلمات القادمة من الشارع غير مفهومة والمُناقشات غير قابلة للتمييز، فالأصوات تمضغها الغمغمات ويلتهمها المطر، في موضع المشاهِد يضعون أنفسهم ليدور حديثهم.
وقد تبارى نجوم العمل في تقديم مشاعر رائعة تعبر عن إحباطهم وعجزهم عن فعل شيئ، وكان كل نجم يعزف بمفرده في مونولوج قدمه نجوم المسرحية بشكل رائع، حتى اكتملت سيمفونية الأداء الرائع التى تحكي بشكل رمزي عن هموم المواطن المصري والعربي بعد هزيمة يونيو 1967.