فتنة المال التي أوقعت (تركي آل شيخ) في المحظور !
كتب محمد حبوشة
يبدو لي الفنان القدير محمد صبحي حالة فريدة في المسرح والتلفزيون المصري والعربي، فالتمثيل بالنسبة ليس مجرد الوقوف أو التحرك فوق منصة مرتفعة، ونطق كلمات الدور بصوت جهوري، مرتعش، بل هو حالة وجودية متميزة تثير في ذاتها مجموعة من الازدواجيات المعقدة التي تجعل من فن الممثل أكثر موضوعات الفن المسرحي صعوبة، صحيح أن أرسطو في كتابه (فن الشعر) ذكر بأن الفن تقليد للطبيعة، وربما يرى البعض أن فن التمثيل ما هو إلا تقليد للصور والأحداث والحالات المختارة من الحياة نفسها توضع مجسدة على المسرح من قبل الممثلين وما يحيط بهم من مناظر وملابس وأدوات وأمور أخرى ينظمها المخرج .
ولكن التقليد التام أو التشخيص بوجهه الحقيقي لا يكون فنيا إن لم تأت معه إضافة الفنان، هذا ما يؤمن به الفنان الكبير (محمد صبحي)، فهو يرى فن التمثيل لابد أن يتوفر فيه قابلية الشخص على أن يجعل من الأشياء مثيلا بشكل مزين أو القابلية على التقليد، ووفقا لذلك فإن الممثل هو ذلك الشخص (أو المشخصاتي) الذي يتكون في داخله خزين من الانطباعات الحياتية والتي يشعر بالحاجة الملحة إلى إظهارها وكشفها إلى جمهور المتفرجين عن طريق الكلام والحركة.
يعرف عن محمد صبحي أنه (ديكتاتور المسرح) جراء التزامه الشديد بالتقاليد، فالتمثيل عنده هو حرفة الممثل ومهمته تجسيد وتفسير الشخصية المسرحية المحاكاة عن طريق التعبير القولي، والجسمي، والشعوري، والتمثيل كما هو معروف مهنة قديمة قدم أول إنسان شارك في تأدية الطقوس الدينية للتعبير عن ذاته بالإيماء ، والرقص ، ثم بالحوار الدرامي والحركي، ومن هنا فإن الممثل هو صانع علامات الحضور في العرض المسرحي، وعلامات الممثل المشتغلة في حقل الدلالة تشتمل على تركيب علاماتي مزدوج في البث والاستقبال، فهناك المستوى البصري في التشخيص الظاهري الذي يتمثل بحركة وانتقالة وتشكيل جسد الممثل في الفضاء، أما المستوى السمعي في التشخيص فيشمل تصويت الكلمة والصوت الصادر من الممثل وعليه فالممثل علامة مركبة تبث مدلولاتها المشتركة في آن واحد وفي لحظة العرض بوحدة فنية لتشكل معنى اللحظة.
ومحمد صبحي بحسب المفاهيم السابقة ينطلق في حياته الفنية من قاعدة أن فن التمثيل هو التصوير المجسد للصورة الذهنية وهو إيصال محتوى والانفعال والعاطفة إلى الجمهور، وترتيبا على ذلك فإن ما يقوم به الممثل من عملية إبداع فني هو محاولة لتجسيد صورة ذهنية بهدف إيصال هذه الصورة على مستوى العلامات البصرية والعلامات السمعية إلى المتلقي ضمن مساحة التلقي الشاملة المتمثلة بالعرض المسرحي المؤلف من مجموعة مركبة من النصوص التي تتشكل بنياتها الإرسالية أو الاستقبالية لتنتج الخطاب المسرحي الكامل.
ويحقق فن التمثيل عند (محمد صبحي) فعل التقمص من خلال عملية ذوبان ذات الممثل الإنسان وانصهارها بذات الممثل الشخصية وهذا الذوبان احتاج في مسيرته الطويلة في المسرح تحديدا إلى توظيف علاماتي تحويلي تحولت فيه صفاته وسلوكه ومشاعره وما يتعلق بعناصر التعبير الداخلية والخارجية من علامات الممثل الإنسان إلى علامات الممثل الشخصية، كما حدث ذلك من خلال فعل التقمص لكل الشخصيات التي لعبها على الخشبة التي هيمنت عليها بالضرورة دالة الاندماج بحيث تحول معه المتلقي إلى مستقبل متعاطف مندمج مع مستوى الأداء التمثيلي المتقمص الذي اجتهد من خلاله في التعبير الصادق عن جوهر الشخصيات التي قام بأدائها.
فى الوقت الذى قد يخجل كثير من النجوم من علامات كبر السن، كسقوط الشعر وظهور التجاعيد على الوجه، ويحاول الكثيرون من المشاهير، وخاصة فى عالم الفن، واللجوء إلى عمليات التجميل، لمحو تلك العلامات، إلا أن الفنان محمد صبحى، يرفض تلك الخطوة حيث إن له رأيا آخر، فهو يرى الأمر على نحو مختلف، لذا فهو بين الحين والآخر يشارك جمهوره بعدد من الصور، فى مراحل زمنية مختلفة، حيث الطفولة والشباب والنضوج والكبر، ومن ثم فهو لا يخجل من عمره وعلامات التقدم بالعمر، بل إنه ليس من هواة عمليات التجميل، قائلا وبحسم: (لا أخجل من عمري ولست من هواة عمليات التجميل فأنا أحترم كل تجعيدة فى وجهى فكل تغير فى ملامحى له طعمه؛ لأنه من عند الله وكل سن وله حكايته وما يميزه).
تلك المفاهيم السابقة التي ترسخ في عقل ووجدان الفنان الكبير محمد صحبي على ما يبدو لم تصل إلى إدراك ووعي مستشار الترفية السعودي (تركي آل شيخ) في فهمه لطبيعة الفن بصفة عامة، والفنان الكبير والقدير (صبحي) بصفة خاصة، فعندما قال إنه ليس (مرفهاتي) إنما ينطلق من فرضية فهمه لحقيقة جوهر الفن الصادق والهادف الذي يعنى بالرسالة والهدف، لكن (آل شيخ) أوقعته فتنة المال في المحظور عندما هاجمه بضراوة غير عابئ بقيمة وقامة فنان عظيم، وهو الذي يفترض أنه يعني بالكتابة الشعرية والروائية والدرامية مؤخرا، ما يستلزم منه مراعاة شعور الفنانين وليس الهجوم عليهم بكل تلك الهمجية والبربرية التي تعكس خواءافكريا داخليا يكشف عن جهل وتعصب أعمى.
ولن أميل إلى اتهامه أو التشكيك الواسع في (موهبة) آل شيخ الأدبية، وأنه كما يرى البعض يسير على خطى الزعيم عادل إمام في فيلم (مرجان أحمد مرجان)، هذه الصورة التي قد لا تكون دقيقة بالمناسبة رغم أنها هى التي خلقت في أذهان الناس صورة لـ (تركي آل شيخ) كشخص فاضي وغير موهوب لديه أموال يحاول بها تصدير صورة مميزة لنفسه باستغلالها، كما أني لا أميل أيضا في صدد الدفاع عن قيمة صحبي الفنية في مصر والعالم العربي – بحكم أني متابع جيد لسيرة (آل الشيخ) وصعوده منذ عام 2009 – إلى أنه يشتري الأعمال الأدبية المنسوبة له، فالمتابع لـ (تركي) منذ بداية نشاطه الرياضي والفني، يعرف أنه حاول مع مطربين سعوديين للغناء من كتاباته وهو نشاط يسبق بفترة طويلة مناصبه الحالية ونفوذه الواسع.
ربما ما يكتبه آل الشيخ في معظمه (ركيك جدا) خصوصا ما غناه عمرو دياب، لكني أرفض فكرة أنه يشتريه، فلو كان يشتريه لاشترى من أشخاص موهوبين منتجا أفضل مما هو منسوب إليه، لكن تبدو لي علامة استفهام كبيرة في فكرة أنه لا يشتري ما ينسب إليه، خاصة أنه يدفع حتى يقبل المطربون بغناء مثل هذا الكلام الركيك وحتى تتم الإشادة بهذه الأعمال.. هذه منطقته، ولن أعرج أيضا إلى روايته (تشيللو) التي تحظى بالنصيب الكبير من الركاكة أيضا – على حد قول النقاد – رغم أنه تتم الإشادة بها على نطاق واسع من قبل شخصيات نجح (أبو ناصر) في استمالتها، ويبدو أنه سينجح بنفس الأسلوب مع مسلسله المنتظر (الثمانية) الذي سيعرض قريبا، وما أشد شوقي لمشاهدته في أثبات جدارته التي ربما تدفع به مؤلفا دراميا كبيرا يغير تلك الصورة الذهنية المأخوذة عنه في الركاكة!.
أعتقد أن (تركي آل شيخ) لم يفهم رد الفنان المصري محمد صبحي، على النحو الصحيح ومن ثم وصفه بـ (المشخصاتي)، رغم أن (صبحي) هو القائل: إنه لا يزال متمسكا برأيه بشأن الطفرة الفنية التي حدثت في المملكة السعودية العربية، مؤكدا أنه لم يسئ إليها بأي شكل من الأشكال، بل وأضاف: أنه تعرض لهجوم عنيف في مصر، عندما صرح بأنه سعيد بالطفرة التي حدثت في الرياض خلال عام واحد، كما إنه سعيد بعرض مسرحيات مصرية عديدة على مسارح موسم الرياض، لافتا إلى أن ذلك طفرة في الفن السعودي.
وهو الأمر الذي استلزم رد محمد صبحي بذكاء الفنان الواعي و(الآلاتي) المحنك عبر حسابه في فيسبوك، حيث كتب من دون الإشارة مباشرة إلى أي طرف: (أشفق على جاهل يتألم من جهله)، وأرفق التعليق بمشهد من مسلسل (رجل غني فقير جدا) الذي أدى بطولته، وهو مسلسل يروي قصة رجل ثري اكتشف أنه فقير جدا لأنه لا يملك الطمأنينة، وجاء في المنشور: (أتحدث عن مسلسل رجل غني فقير جدا، والذي قدم عام 2007) المعنى: ما قيمة أن يكون الرجل غني بماله، وفقير بعلمه وأخلاقه) قد جاء رده القوي والذكي هذا على وصف آل الشيخ له (بالمشخصاتي) مستنكرا وبسخرية: والله أنا أبي أعرف إلي عرض الملايين عليه نبي نكشف على قواه العقلية.. عموما تراجع ولعها افتكروني في السكة بس جت غلط حسب تعبيره.
والذي أدهشني أن شاعرا غنائيا كلبيرا مثل الأمير عبدالرحمن بن مساعد دخل على خط الأزمة هو الآخر قائلا في تغريدة عبر صفحته الرسمية على موقع تويتر: (هل هناك عاقل يستطيع أن يشكك في ريادة مصر فنيا؟!.. الفن المصري أثر في وجدان كل الشعوب العربية.. أم كلثوم أقامت حفلات في المغرب وتونس والسودان والكويت وقدمت فنا راقيا وعوملت بما تستحق من تقدير واحترام.. ولم يقل أحد أنها جاءت كـ (مرفهاتية) !!، ومازاد الطين بله هو قوله أيضا: (عندما جاء فنانون مصريون للسعودية يقدمون فنا راقيا وممتعا في نفس الوقت عوملوا أيضا بمنتهى التقدير والاحترام وهذا ما يستحقونه وتستحقه مصر.. مؤسف جدا أن يعتبرهم فنان له قيمة فنية وتاريخ مجرد مرفهاتية.. هذه إساءة غير مبررة لهم وكذلك لمن استقبلهم بكل محبة في بلدهم الثاني).
ويدخل الصحفي السعودي، توفيق الخليفة، عازفا على أوتار حقده وغله في خط التعليق على الأمر قائلا: (الله يحييك محمد صبحي لا قيمة له في الوطن العربي وليس نجم شباك والمنتجون لا يريدونه فهو مجرد زائدة دودية في الفن من وجهة نظري، احترم رأيكم الله يحييك ولكن في رأيي هو مجرد مدعي ولا يوجد عمل له وضع بصمة ولم أسمع ناقد أو محب للفن وضعه في خانة أفضل 5 أسماء، متلازمة أنا مش مهرج والتي تصيب بعض الفشلة في مجال الكوميديا تسيطر عليه)، لكن بن مساعد يعقب على كلام هذا الصحفي الجاهل ليعلق مرة أخرى قائلا: (لا أتفق معك يا غالي.. هو فنان له تاريخ قدم أعمالا مهمة ومسرحيات لها قيمة فنية كبيرة بعيدا عن اساءته التي حاول أن يخفف منها ولكنها بالنسبة لي غير مقبولة ولا مبررة).
ظني أن (تركي آل شيخ) وبن مساعد، وهذا الصحفي الجاهل (الخليفة)، وصحفي آخر أكثر جهلا منه اسمه (طراد الأسمري) وصف صبحي بأنه قزم أمام المسرح السعودي الذي بدأ قبل مولده!، واصفا (آل شيخ) بالعبقري في وصفه لصبحي بالمشخصاتي .. ويالا سخرية الأقدار من سفاهة هؤلاء الذين ضربوا إسفينا في سبيله إلى تصدع العلاقات الفنية بين مصر والسعودية، وهم غير مدركين قول صبحي في تصريحاته الأخيرة المثيرة للجدل عندما قال بسلامة نية: (عرض علي ملايين الدولارات عشان (كي) أسافر السعودية لكني رفضت، أنا أفضل أشتغل في بلدي وأسيب (أترك) السعوديين يثبتوا نفسه، أرفض السفر للعمل في السعودية، لأني لا أقبل كفنان أن أقدم فنا تحت عنوان الترفيه، ولم يقل أني لست مرفهاتي)، لأنه يرى أم الفنون تقدم من خلال وزارات الثقافة وهيئات الفنون وليس هيئة للترفيه تدرج الفنون تحت رايتها.
ربما تساءل الكثير حول معني كلمة (مشخصاتي) بالمصري، ويعبتر هو اللفظ الذي كان يطلق على الفنان في مصر في وقت سابق، وذلك مع ظهور فن التمثيل حتى فترة الخمسينيات، حيث كان هذا اللفظ منتشر بشدة، كما إن يعتبر هو اللقب الذي كان يطلق زمان على من يشتغل بمهنة التمثيل، حيث أنه كان يجسد شخصيات غير شخصيته، كما يقال بان المشخصاتي كان يطلق على الشخص الذي يتم وضعه في المسرحية، كالمشخص وليس له أي دور يذكر في تلك المسرحية.
جدير بالذكر أن الأزمة بدأت بعدما تداولت عدة أخبار على السوشيال ميديا، أطلقت شرارة الفتنة متهمة الفنان محمد صبحي بإهانته لفن السعودي بوصفه بأنه فن للترفيه، وصبحي من جانبه قد نفى هذه التصريحات، خلال مداخلة هاتفية ببرنامج (حديث القاهرة) للإعلامي خيري رمضان، مشيرا إلى أن السوشيال ميديا ساعدت على تحريف الكلام وقلب الحقائق، وقال خلال المداخلة إن السوشيال ميديا تسببت في تحطيم العالم، ونشر الفساد وعدم الأخلاق، مؤكدا على أنه من كتب ذلك هدفه الوحيد تشويه صورته، وأضاف: (من يحاول تحطيم الوطن معروف وأشكر جمهوري الذي دافع عني بقوة)، وأكد أن مصر هى الريادة الفنية في الوطن العربي، مضيفا: (دائما ما كانوا يحذرون من سحب البساط الفني من تحت أقدامنا منذ 20 عاما.. وتلك حقيقة مؤكدة بأن مصر ستظل هوليود الشرق التي لاتبارى.
وفي النهاية لا أجد وصفا دقيقا لبيان الدكتور أشرف زكي نقيب الفنانين سوى أن (هزيل في معناه.. ركيك ركاكة آل شيخ)، فلم ينصف فنانا بقيمة وقامة محمد صبحي الذي أشاد بالتجربة السعودية التي تغنى بها بيانه، وكانت النتيجة أن يصفعه جاهل بقيمة الفن الذي يرى وظيفته الأساسية تتلخص في الترفيه، وهو الذي دأب على تحطيم الرموز المصرية كما حدث في جائزته (Joy Awards) عندما وضع (محمد صلاح) في الترتيب الثالث بعد لاعبين سعوديين لا يحظيان بأي ترتيب عالمي!، لكن يبقى عزاؤنا الوحيد في جيش بلادي الذي قام ضرب المثل في القدودة والاحترام للفن بعمل موقف كبير وعظيم باستقبال الكلية الحربية عرين الأسود ومصنع الرجال الكبير الفنان الكبير محمد صبحى، وذلك فى رد معنوى لايضاهيه أى تكريم أو ثروة .. رساله كبيرة جعلت رأسي فى عنان السماء حين شعرت بقوة ظهرى وأن بلادى قوية .. بلادى تقدر الفن والفنانين .. ولا عزاء للمطبطبتيه الذين يمسكون العصى من المنتصف حافظا على مكتسباتهم حتى ولو كانت على حساب قيمة الفن والوطن.