في ذكرى كوكب الشرق نكشف عن مسرحية (توفيق الحكيم) التى كتبها عن (أم كلثوم)
كتب : أحمد السماحي
نحيي هذه الأيام الذكرى الـ 47 لرحيل كوكب الشرق (أم كلثوم) قيثارة الأمة العربية، والنغم الأصيل، وصوت الوحدة العربية، وأشرف من حمل النغم في قلبه وعقله، ورغم مرور كل هذه السنوات إلا أن (ثومه) مازالت باقية بقوة أكثر من كثير من الموجودين اليوم على الساحة الغنائية، فلا يمر يوم إلا وتجد أغنية من أغنياتها تصافح أذنيك من شارع، من سيارة، من حارة، من بلكونة، فصوتها وأغانيها ولياليها الحلوة ومعها الشوق والمحبة باقية بقاء النيل وشمس الأصيل، وخالدة خلود مصر والأمة العربية.
في ذكراها الـ 47 نكشف عن مسرحية كوميدية باللهجة العامية من فصل واحد، كتبها الكاتب الكبير (توفيق الحكيم) عام 1937 بعنوان (الزمار) عن (أم كلثوم) حيث نتعرف في هذه المسرحية على أحد فناني السامر في الريف المصري، وهو (سالم الزمار) الذي يعمل تمرجي لطبيب في صحة إحدى القرى، وهو يرى نفسه في هذا العمل بالصحة في المكان غير المناسب، ولهذا يهمل في القيام به، ولكنه ينتظر أي احتفال في قريته أو في قرية قريبة منها ليقوم فيه بالعزف على قيثاره وغناء مواويله وأغنياته الشعبية التي نبتت في هذا الريف المصري.
ويتصادف أن تمر الست سومة (أم كلثوم) مع ملحنها (زكريا أحمد) ومؤلف أغانيها (أحمد رامي) ومتعهد حفلاتها بجوار هذه القرية التي يوجد فيها هذا الزمار، وتتعطل سيارتها بجوارها، ويقوم أحد البكوات في هذه القرية بدعوتها ومن معها للإقامة في بيته حتى يتم تصليح سيارتها.
وفي اليوم التالي تزور الست (سومة) ومن معها عيادة طبيب الصحة، ويراها (سالم الزمار)، فيشعر أن مغناطيسا يجذبه إليها، ويرجوها أن تضمه لفرقتها، ولكن (زكريا) الملحن يرى أنه لا يصلح، ويستمر مع ذلك (سالم) في إلحاحه لها، فتقبل أن تأخذه معها على أن يعمل أي عمل، ويوافق سعيدا على ذلك، ويترك عيادة الصحة، ويغادر القرية سعيدا بحياته مع أولاد الكار الذين يشعر أنه ينتمي لهم، لاسيما الست (سومة).
أما الطبيب فيعلق على موقف (سالم الزمار) هذا بأنه مجنون، واعتاد منه هذه المواقف، فقد سبق أن اختفى مع غازية أعجبته أسبوعا، ثم عاد وحده وقد رسم صورتها في جسمه، وقد توقع الطبيب أن يعود إليه بعد ذلك، كما عاد من قبل.
والسؤال الذي تطرحه المسرحية هل سيوفق سالم في عمله الجديد حين يتحول من فنان شعبي يعرض فنه على أبناء الريف إلى فنان محترف في المدن مع أم كلثوم؟ أم سيكون كالسمك الذي لا يمكن أن يعيش خارج البيئة التي يعيش فيها؟!.
كتب (توفيق الحكيم) حوار هذه المسرحية المجهولة لكثيرين بالعامية، وعبر من خلالها عن جو الريف المصري في الثلث الأول من القرن العشرين بإتقان، واستخدم ضمن لغة الحوار المفردات المغرقة في العامية، والسب والشتم، وبعض من وسائل الكوميديا المعروفة، لهذا رأينا في هذه المسرحية مواقف كوميدية كثيرة.
تبدأ المسرحية كالتالي: مكتب طبيب صحة في الأرياف، قاعة عارية الأرض بها مكتب قديم وبضعة كراسي من القش فوق حصيرة، وبعض خرائط طبية على الحائط، وخرائط جغرافية لبلدة (تلا) ومقياس للنظر، وطشت صيني فوق حمالة تصب فيه حنفية صغيرة مركبة في صهريج صغير من الزنك معلق بالجدار، وبالقاعة نافذة تظهر منها مزارع خضراء وسيمافور سكة حديد مصرية، وبالجدار آلة تليفون من طراز تليفونات المراكز، وباب القاعة مفتوح على مصراعيه، يؤدئ إلى شبه صالة بها بعض دكك خشبية للجلوس.
التمرجي (سالم) نائم على المكتب ورهط من الفلاحين والفلاحات والأطفال مكدسون بعضهم فوق بعض بمدخل باب القاعة وهم يزحفون شيئا فشيئا إلى داخلها في لغط، وقد ارتفع صوت صياح طفل في حجر أمه، حتى كاد يغطي على غطيط التمرجي.
سالم يرفع رأيه : اكتمي نفس الواد يا حرمه إلا أقوم أقطم لك رقبته.
الحرمه : الغيار امتى يا حضرة الصحة؟
سالم يغط
الحرمة بعد لحظة : الغيار؟
سالم وهو مغمض : هس
هكذا تبدأ المسرحية ومن خلالها نتعرف على عادات وتقاليد الفلاحين وهم يحتفلون في الريف المصري بجنيهم بعض المحاصيل التي ينتظرون أن تعود عليهم بالخير، وتأتي لهم بالمال الذي من خلاله يستطعيون أن يسددوا ديونهم، ويزوجوا أبناءهم، ويستعينوا به على أعباء الحياة.
ومن خلال هذه الاحتفالات نتعرف منهم على السامر، وفيه يقوم أبناء الريف من عاشقي الفن بعرض بضاعتهم من الغناء والتمثيل والتحطيب والرقص، حتى تأتي (أم كلثوم) فتقلب المسرحية رأسا على عقب.!
هذه المسرحية كانت أول من احتفي بكوكب الشرق (أم كلثوم) أدبيا، ولكن سبقها كثير من الشعراء الذين كتبوا أشعارا في هذه العبقرية المصرية، لعل أبرزهم أمير الشعراء (أحمد شوقي).