كتب : محمد حبوشة
الحياة المفتوحة القائمة على علاقات الجنس خارج إطار مؤسسة الزواج أصبحت ظاهرة جديدة في السينما المصرية الشبابية، وذلك بفضل إنتاجات (محمد حفظي) الذي يروج للتمرد على القيم والعادات والتقاليد، فعلى مايبدو لي أن منهجه السينمائي قائم بالأساس على أننا لا نحب إمضاء الليالي وحدنا، كما جاء في فيلمه (فرق خبرة)، الذي يرسح لأن الليالي التي لا يشاركنا عتمتها أحد تصبح طويلة جدا، وكأن لسان حاله يقول: نحن لا نريد لقلوبنا أن تظل تخفق على ذلك الرتم الممل، بل نريد لها أن تخفق بشكل جنوني وبلا هوادة، نحن لم نعد نقبل بالوحدة أمرا واقعا، بل صرنا نملك الخيار دوما لكي نملأ وحدتنا هذه بشريك يسامرنا، ويعلل ذلك دوما بفكرة أن الزواج لم يعد أمرا سهلا في ظل ظروفنا الحالية، إلا أن هناك بدائل سهلة دوما لكل هذا الفراغ الذي يتركه غياب شريك حقيقي في حياتنا.
وأعتقد جازما بأن هذه الطريقة في التواصل الحرام ليست في الحقيقة إلا ثقبا أسودا للروح والقلب والنفس، لأنها تمتص من أعمارنا وطاقاتنا الفكرية والعاطفية والروحية والجنسية الشيء الكثير دون أن تثمر غالبا في النهاية ثمارا حقيقية، فنحن نستهلك الكثير من أوقاتنا في إخبار شريك مزيف عن تفاصيل حياتنا اليومية، نحن نقحمه في كل صغيرة وكبيرة، مثلما نجد أنفسنا مقحمين في كل صغيرة وكبيرة في حياته، ولكن، ورغم كل هذا الوقت المستهلك في هذه العلاقات المحرمة فإنه في الحقيقة لن يكون موجودا ليهدئ من روعنا بعد مشكلة مع زميل العمل، أو لنبكي على كتفه أثناء نوبة كآبة، وهذا الوجود الشبحي له في حياتنا سيجعلنا دوما نعيش معه مشاعرنا بشكل منقوص، وغير مكتمل، كما جاء في علاقة (محمد الشرنوبي، وهى المفتي).
تلك العلاقة الغربية والمريبة في (فرق خبرة) تؤكد إننا نعيش في الحقيقة مع أشباح، يظلون يؤكدون وجودهم في حياتنا، وهذا الوجود الشبحي يتحول إلى جدار مصمت يمنعنا من استقبال أي دعوة حقيقية للحب في عالمنا الحقيقي، لأننا نشعر مع هؤلاء الشركاء الموجودين أمامنا بامتلاء عاطفي كاذب، بوهمِ امتلاء لن يكن يوما امتلاء حقيقيا!، إن القدر الكبير من المشاعر الذي نصبه في علاقات كهذه سيكون بمثابة طاقة عاطفية مهدورة، فهذه المشاعر مهما كانت صادقة، سنكون بحاجة لبذل الكثير من الجهد لإيصالها للطرف الآخر بحرارتها الحقيقية، وهذا يعني وقتا أطول في التواصل، مبالغات كلامية، تأكيدات متكررة، ورموزا تعبيرية، أيضا كسرا للمزيد من خطوطنا الأخلاقية الحمراء، في حين أن نظرة صادقة أو ابتسامة ودودة أو همسة لطيفة كانت لتغني عن ذلك كله.
إن هذه المشاعر المتدفقة عنيفة الرغبة في (فرق خبرة)، والتي لا يصل للطرف الآخر منها إلا بقية باقية صغيرة، لن تستطيع أن تبني علاقة متينة قادرة على الصمود والاستمرار وتجاوز المصاعب، بل سيكون هذا الصرح الكبير من الحب أشبه بقصر من الرغوة، أو ببرج من ورق اللعب، سرعان ما سينهار عند أول هزة، وستذهب معه هباء كل تلك المشاعر الجياشة التي قمنا بضخها أثناء تلك العلاقات العابرة، وفي الوقت الذي سنحتاج فيه إلى طاقتنا العاطفية الكاملة في علاقة الزواج الحقيقية، سنكون قد أصبحنا منهكين، بمشاعر مستهلكة وقلوب مستعملة ورصيد فارغ من الصبر والانفعال، وتقريبا بلا أي خبرة إنسانية!
الفيلم بتفاصيله الشاذة يستسهل الشباب من خلاله الخوض في علاقات عاطفية وجنسية، أولا لصعوبة تفريغ هذه الطاقات في القنوات الصحيحة، وثانيا لكونها خيارا متاحا دوما في يد كل إنسان مما يصعب مقاومة النفس لها، وثالثا لظنهم أنها أصغر إثما من الخوض في علاقة حقيقية، وتكمن الحلول في تسهيل الزواج للشباب وخفض سنه قدر الإمكان، وفي وعي الشاب والشابة بخطورة هذه العلاقة على استقرارهما النفسي والعاطفي ومستقبل علاقاتهما الحقيقية، وفي فهمهما بأن هذا النوع من العلاقات وإن بدا أقل (إثما) من خوض تواصل على أرض الواقع مع الجنس الأخر، إلا أن ضريبته اللاحقة أكبر بكثير، ففي التواصل الحقيقي ستكون كل الحواجز الاجتماعية موجودة وعالية وحاضرة بين الطرفين، وأثناء كل حركة وسكنة لهما، ولكنها ستسقط كلها في محادثات الليل التي تخاض في عتمة غرف النوم وفوق الأسرة الدافئة وفي غفلة عن عيون الجميع، لذا يبدو ضبط التواصل الحقيقي أسهل، وضريبته النفسية والعاطفية أقل، واحتمال إفضائه للزواج أكبر.
ومن هنا فعلينا ألا نكون أعداء لأنفسنا، علينا أن نحب ذواتنا وأن نؤمن دوما أنها تستحق أفضل من هذا، فلا بأس من إمضاء فترة من حياتنا بدون شريك ريثما نلتقيه على أرض الواقع، فهذا أفضل بكثير من الحياة مع نصف شريك، نحن نستحق حبا حقيقيا حيا، نحن نستحق أن ينظر في عيوننا بحرارة، ونستحق أن نسترق بعض اللحظات لنتبادل بضع كلمات لطيفة، ونستحق أن نخطط للزواج ونحن نتبادل الابتسامات، ونستحق أن يكون لنا خيالاتنا الخاصة التي ننتظر أن نعيشها معا بكل تفاصيلها، دون أن نصب مشاعرنا في بلاعات العلاقات العاطفية والجنسية المؤذية لأرواحنا، نحن نستحق أن نعيش الحب كما هو بكل حرارته لا أن نمضي أعمارنا ونحن نتظاهر بأننا نعيشه عبر علاقات مزيفة
العلاقات العاطفية أحد مواضيع السينما الدائمة، فهي تهمنا جميعا، لكنها في الغالب حتى بهذا العمل (فرق خبرة) تأتي مصحوبة برأي وتوجه ما يحمل أفكارا شيطانية، ما يجعلها أعمالا تحكي موضوعا وتعارضه، وهذا ما لا أحبذه بالعمل الفني – وإن كان التحيز طبيعة في السينما – فموضوع (العلاقات المفتوحة) بقصص الحب العاطفية حالة تواصلية نشهدها اليوم، موضوعها نفسي ولا إرادة فيه، الأمر الذي يجعل حدوثها مستمرا، فشريك العلاقة العاطفية اليوم هو في الواقع متأثر بحدث الساعة، وأن ممارسة ما تمليه علينا ذواتنا أصبح حالة عامة منتشرة، والمشاركة في الحياة لازالت موقفا صعبا على الكثير من شخصيات العالم الآن، فالرؤية أكثر تطرفا، والمطلب صار غير معقول، شركاء العلاقة العاطفية العصرية الشاذة لديهم ميول لذواتهم أكثر، فممارستهم الشخصية لا تزال مقدسة، والمغازلة التي نتلقاها من الجميع فكرة مثيرة كما الجنس أيضا.
قصة الفيلم تدور حول شخصيتين اثنتين تربطهما علاقة حب عاطفية، الشخصية الأولى (محمد الشرنوبي) والذي يعمل مصمم إعلانات صاحب ملامح جذابة، نجد لديه ميول لعلاقات مفتوحة خارج الإطار الشرعي في محاولة لإثبات ذاته بأن لديه خبرة، فهو يجد لذة بعد فشل متكررة لعلاقاته العاطفية السابقة، ومن الجهة المقابلة نقابل الشخصية الثانية (هدى المفتي) وهى تشبه كثيرا (غانية) غارقة في الملذات مع كبار السن، حيث تميل أيضا لعلاقات الليلة الواحدة حتى تجد الرجل المناسب الذي سيجعلها تشعر بالنشوة ويكفي شغفها وتطلعها المادي، وتميل إلى التغزل ومحاولة البحث على رجل جديد، حيث تعجبها فكرة أن يتغزل فيها شخص غريب بأي حال، علاقة (المفتي) تمر بثلاث مراحل كلها تشترك في مسألة ما يصارعانه، حيث الصراع الأكبر أنهما بالفعل يحبان بعضهما.
تشمل العلاقات المفتوحة أي نوع من العلاقات الرومانسية (المواعدة وما إلى ذلك في (فرق خبرة) هى العلاقة (المفتوحة) التي يحصل فيها طرف واحد أو أكثر على إذن للانخراط عاطفيا أو جنسيا مع أشخاص خارج العلاقة، هذا يتعارض مع العلاقة التقليدية (المغلقة)، حيث يتفق جميع الأطراف على أن يكونوا مع بعضهم البعض بشكل حصري إلى حد كبير، ومن ثم يعتقد البعض أن العلاقات المفتوحة هى النموذج المثالي، مع أن أحد أهم العوامل التي تساعد العلاقة في أن تكون ناجحة هو أنها تتعلق بجعل العلاقة تناسب احتياجات جميع الأطراف المعنية، لن تكون هناك علاقتان مفتوحتان متماثلتان، وستتغير العلاقة بسبب الظروف الحالية في كل لحظة محددة، سيعكس أسلوب العلاقة المفتوحة القيم والأهداف والرغبات والاحتياجات والفلسفات المشتركة للأطراف.
يقدم فيلم (فرق خبرة) رؤية وضوءا مسلطا على ما تفعله الحداثة بنا اليوم، الأثر الذي تخلفه، الجانب السلبي والذي يمكن لنا جميعا أن نعانيه، قدم هذه الرؤية على أكثر مواضيع حياتنا الشائكة ألا وهي علاقاتنا العاطفية، عن الحب، وأثر الحداثة عليه اليوم، كيف من الممكن لنا التعامل مع هذا التحول؟ تساؤلات عديدة معقدة ومؤثرة على المستوى الدرامي والنفسي، فالحب لازال الفكرة المقدسة والأكثر نبلا، لازال نجده المهرب والغاية الكبرى والمطلب المثالي لنا، فكيف من الممكن أن نصارع حداثة اليوم حتى نبقيها بعيدة عن الحب؟، فيلم في وجهة نظري من الجيد ألا نأخذه على محمل الجد فالفيلم له طريقة ما وجهة ما، لكنه جانب يعاصر موضوعا في غاية الأهمية والانتشار، وأظنه من الأعمال المغرضة بالموسم السينمائي للعام الماضي.
منذ أن صدر الإعلان الرسمي لفيلم (فرق خبرة) من بطولة محمد الشرنوبي وهدى المفتي في أولى بطولاتهما السينمائية المطلقة، وهو الفيلم الذى تم عرضه الأربعاء 3 نوفمبر ظل فترة بسيطة في دور العرض حتى فشل في تحقيق إيرادات معقولة رغم ما تم طرحه من مواد دعائية للفيلم، وما يمكننا استنباطه منها، يمكننا أن نخلص بسهولة إلى عدة أسباب مهمة تتوقع كانت نجاح الفيلم، فإعلان الفيلم جاء مبشرا بوجبة سينمائية تبدو متكاملة، ولعل إعلان الفيلم الرسمي كان متوازنا ومبشرا إلى حد كبير، فجاءت لقطاته بين الدراما والفكاهة والرومانسية والإثارة دون أن تهمل عنصرا منهم، فتشهد بالإعلان أزمات اجتماعية يواجهها البطل داخل أسرته، وأزمات ثقة تراود نفسيته، وبعدها نلمحه في علاقة مع فتاة جميلة وجريئة يبدو أنها تتطور بشكل غير متوقع. وهذا فيلم بعناصره المغرضة كان يصلح للجميع، وهو بلا شك كان يمكن أن يكون تجربة مشاهدة عائلية ناجحة.
بطل الفيلم وبطلته.. والتجانس الذي بدا في البداية واضحا فيما بينهما: كذلك جاء واضحا في إعلان الفيلم أن هناك كيمياء مريحة وملفتة للنظر بين بطليه محمد الشرنوبي وهدى المفتي، فتبتسم لبعض اللقطات التي تجمعهما، وتشعر بالدفء معهما في أخرى، هذا غير نجاحات تعاوناتهما السابقة، سواء في الدراما بمسلسلات (نصيبي وقسمتك وكأنه إمبارح)، أو في السينما بفيلم بنات ثانوي.
خلال أحداث الفيلم نلمح بين النجمين الشابين حالة بين الافتقاد والتميز والمفاجأة، ونجد أيضا أن لكل نجم من نجوم الفيلم حالته الخاصة، بداية بالنجمة الراحلة دلال عبد العزيز والتي نفتقد جميعا طلتها وأدائها، تلعب دور الأم في الفيلم بآخر مشاركاتها السينمائية، وتفعم الشاشة بحنانها وخفة ظلها وأدائها المحبب، كذلك المخضرم المتميز محمد البزاوي في دور الأب، بكاريزمته الهادئة المرحة وأدائه الخاطف دوما، وأخيرا الوجه الشاب طه دسوقي، والذي لم يكن مفاجأة سعيدة بالفيلم كما توقع البعض، فلقطاته بالإعلان تؤكد على خفة ظله وتمكنه الكوميدي على الشاشة، لكنه خلال الأحداث غرق في متاهات أفكار (محمد حفظي) الجهنمية.
وعلى الرغم من السلبيات الكثيرة الموجودة في سياق هذا الشريط السينمائي، إلا أنني لابد لي من القول بأن أغنية الفيلم كان حالة مثيرة، والتي جاءت بنفس الاسم (فرق خبرة) من تأليف وغناء عفروتو، جاءت أغنية موفقة إلى حد ما، فلحنها خاطف ويعلق بالأذن ويجعلك تردده بسهولة، كما جاءت الكلمات منتقاة والأهم أنها معبرة عن موضوع فرق الخبرة، وكانت لفتة طيبة للغاية أن يشاركه محمد الشرنوبي بالظهور في الفيديو المصور للأغنية، ويبدو لي شريف نجيب مؤلف الفيلم ومخرجه في أولى تجاربه الإخراجية، مؤلف متمكن وخفيف الظل قادر على كتابة أعمال تضحك الجميع، منها أفلام (لا تراجع ولا استسلام، وأعز الولد)، ومسلسلات (بدل الحدوتة تلاتة، وعرض خاص) لكننا نشاهده هذه المرة قد أخفق كثيرا في فيلم من تأليفه ولأول مرة من إخراجه.