بقلم : علي عبد الرحمن
ظل ماسبيرو صوت الوطن السائر تجاه نهضته ونصره وتقدمه، فمنذ انطلاق التليفزيون الرسمي لمصر عام 1960 بقناتيه الأولي والثانيه وهو يزرع انتماءا ويدعم تنويرا ويمهد لتقدما منشود، فقد ظل ينتج ويبث أجمل الأغاني الوطنية التى دعمت بناء السد وإقامة المدارس والجامعات، والتي شكلت وجدان جيل أفرز فيما بعد خيرة رواد الوطنية في منطقتنا العربية.
وماسببرو الذي ساهم في اكتشاف وتقديم نجوم الفن والغناء والرياضة وغيرهم حتي أصبحت مرحلة الستينات تزخر بالنابغين في كل مجال، ماسبيرو الذي قدم أرقي فنون الاستعراض ومنها خرج أساطين الغناء والدراما في تلك المرحلة، ماسبيرو الذي قدم أعظم الأعمال الدراميه والتاريخيه في تاريخ المنطقه،مثل (محمد رسول الله، الكعبة المشرفة، القضاء في الإسلام) وعشرات الاعمال عن أئمة الدعوه ورواد التنوير في العالم.
ماسبيرو الذي قدم أنجح برامج المرأة والطفل والتعليم والشباب، وهو الذي أسس لبرامج الريف والزراعة والتنمية، ماسبيرو الذي قدم صحيح الدين من خلال برامج شيوخ الأزهر ودعاته، ماسبيرو الذي ملأ الدنيا إنتاجا وبثا وهو الذي أرسل كوادره إلي كل دول المنطقة لتطلق الشاشات وتدور بخبرتها الإستديوهات، وهو الذي علم ودرب وربي كافة أجيال إعلامي المنطقة.
ماسبيرو الذي كان شريكا في التربية والتنشئة مع الأسرة والمدرسة، ماسبيرو الذي كان رائدا في بسط نفوذ القوة الناعمة المصرية في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا من خلال أعماله إذاعاته الموجهة، ماسبيرو الذي دعم الوطن في حروبه شحنا وتعبئة وقت لم يكن فيه إعلام خاص أو مستقل، ماسبيرو الذي دعى لحماية الوطن وقت الأزمات وقت لم يكن فيه صوت سواه.
ماسبيرو الذي دعم مسيرات الانفتاح والتنميه والتواصل مع العالم وقت لم يكن صوت مؤثر سواه، ماسبيرو الذي قدم لكل الشاشات كوادرها القيادية والفنية والتقنية، ماسبيرو الذي تصارع الكل للظهور على شاشاته، ماسبيرو الذي تحمل ماتحمل من ضغوط واتهامات لا لشئ سوي انحيازه للوطن واستقراره، ماسبيرو الذي خلف أرشيفا مازال يبث حتي اللحظه، ماسبيرو الذي أثقلته رغبات المتنازعين عليه وأنهكته تعيينات الحصص السياسية، ماسبيرو الذي أضعفه التخبط وغياب الخطط، أرهقته أقوال فلاسفة الخدمة العامة والاستثماري.
ماسبيرو ياساده ليس هو الأصل فقط، هو الأصل والفروع وهو الأثر والتأثير، وهو الإنتاج والبث، وهو التدريب والتعليم، وهو التنوير والتثقيف، هو الرائد وقت أن كان الكل كسالي، وهو المنتج وقت أن كان الكل ينتظر جديده، ماسبيرو أرهقته التعيينات، وأفلسته اللجان، وأخرته المجاملات، ماسبيرو ليس كهلا يموت واقفا، إنه الأب الذي لايغيب دوره ولا يفقد تأثيره ولا ينافسه أصحاب الثراء في إنتاجه.
ولمن يستنكر كلامي، فلقد اختفت الأعمال الاستعراضيه الكبري منذ أن نفض ماسبيرو يديه منها، ومن أنتج عملا دراميا دينيا أو تاريخيا منذ ان تركها ماسبيرو؟، ومن قدم برامجا تنموية تعليمية وخدمية منذ أن تقوقع ماسبيرو؟، ومن يدعم ذاكرة الأمة كما فعل ماسبيرو بسيل من الأفلام الوثائقيه والإنتاج المتميز؟.
واليوم وبعد هذا العدد من الشبكات والقنوات وبعد هذا الكم من الإنفاق بالمليارات، وهذا التعريض بماسبيرو، من يستطيع أن يقدم مثلما قدم ماسبيرو، انتاجا وكوادرا؟، إن الوطن بحاجة إلي عودة ماسبيرو لسابق عهده ليقدم محتواه الوطني الراقي وبرامج أطفاله للتنشئة السليمة، واستعراضاته وفوازيره وبرامج طوائف شعبه، ودراماه التاريخية والدينية، وأفلامه الوثائقية، وإنتاجه المتميز، فلقد فشل الكل رغم ماينفق عليه، ورغم حداثة معداته، ورغم سيطرته علي صناعات الدراما والأخبار والإعلان واحتكار كل شيئ.. نعم فشل الكل في أن يسد فراغ ماسببرو ويملأ الدنيا بإنتاج مثله، أو أن يقدم كوادر مثله، أو أن يلاحق تطور الوطن وروافد ثقافته ويدعم قوته الناعمة مثلما فعل ماسبيرو!.
نحن بحاجة إلي مشروع قومي لنهضة ماسبيرو وإعادة الروح فيه، فلنحل مشاكل تمويله ولنضع له خططا طموحه ومحتوي جاد جاذب وقيادات ذات خبرات متراكمه، ولنشرك فيه خبراء المهنة تخطيطا وإنتاجا وتسويقا، ولنضخ في سبيل عودته ماتم ضخه في محاولات تطوير غير ناجحة، أو جزءا مما يضخ في إعلام شبه رسمي لايمكن له القيام بنفس المهام، أو أن يقدم محتوي متنوع كما قدم ماسبيرو.
إنه صوت الوطن المغرد منذ ستين عاما، حروبه ونصره، نجاحاته وكبواته، ثوراته وهدوئه، لايمكن لصوت الوطن أن يموت واقفا، ولايمكن للأب أن يترك حائرا، ولايمكن للرائد أن يفقد سبقه ،ولا يمكن أن يقوم أحد غيره بدوره.
إنه ماسبيرو، صوت الوطن وصورته،أرشيفه وتاريخه، وسيصبح حاضره ومستقبله بمحتواه وكوادره،وإدارته وعوائده المعنويه والماديه، وتحيا دوما مصر وصوتها وصورتها بألف خير وتقدم وإزدهار.